فيلم جديد، أم إفلاس سعودي
إكتشاف (تنظيم سري) بعد خمس سنوات من اعتقال رؤوسه
دون محاكمة،
وهم المعروفون لدى العالم بسلميتهم وأنهم نشطاء إصلاحيون
وحقوقيون!
فريد أيهم
على غير العادة في كل شيء تقريباً، ظهرت قصة (التنظيم
السري) الذي أعلن مسؤول قضائي عن الكشف عنه في 12 تموز
(يوليو)، ويضم 16 شخصاً بينهم أكاديميون، ويسعى التنظيم
(للإستيلاء على السلطة في المملكة) عبر الاستعانة بأطراف
خارجية (والتعاون مع أجهزة استخبارات أجنبية وتمويل الإرهاب).
|
د. سعود الهاشمي،
متهم بمحاولة الإنقلاب على آل سعود! |
الاكتشاف هذه المرة لم يأت عن طريق مسؤول أمني ولا
وزارة الداخلية، وإنما تمّ نقله عن مستشار وزير العدل
والمتحدّث الرسمي بإسم الوزارة، عبد الله السعدان، الذي
قال بأن التنظيم (سعى الى إشاعة الفوضى والوصول الى السلطة
عبر الاستعانة باطراف خارجية والتعاون مع اجهزة استخبارت
اجنبية وتمويل الارهاب والسعي لاقامة إتحاد للفصائل المحاربة
في العراق). الفقرة الأخيرة قد تومىء الى علاقة التنظيم
بالقاعدة، وقد يكون صاحب الراوية أراد توجيه الرأي العام،
والمراقبين الى نقطة انطلاق في الرواية الرسمية.
السعدان أضاف أن المجموعة (شككت في استقلالية القضاء
السعودي وتأسيس تنظيم داخل البلاد وخارجها تحت مسمى "مشروع
الجيل" لجمع التبرعات تحت غطاء العمل الخيري والقيام بانشطة
محظورة تشمل تهريب الاموال وايصالها الى جهة مشبوهة").
المجموعة، أو التنظيم السري، المؤّلف من مجموعات متعدّدة
تواجه 75 تهمة، منذ اعتقالها في شباط (فبراير) 2007، في
محافظة جدة. وليس في التشكيك بالقضاء السعودي علامة فارقة
لتنظيم سري، فغالبية السكّان في هذا البلد لا تؤمن بأن
القضاء السعودي يمكن أن يصبح وسيلة لتطبيق العدل.
|
المحامي المعتقل والمتهم
بالإنقلاب!! سليمان الرشودي (74 عاماً) |
وفي سياق وضع تفاصيل الرواية الرسمية أمام الرأي العام
والمراقبين، يقدّم السعدان ما يمكن وصفه بأدلة أدانة من
بينها: جمع تبرعات بطرق غير نظامية، وتهريب الأموال الى
جهة مشبوهة وتوظيفها في التغرير بأبناء الوطن وجرّهم إلى
الأماكن المضطربة، وإصدار فتاوى بوجوب ذهاب الشباب الى
مواطن الفتنة والقتال للمشاركة في ذلك.
الى جانب ذلك، فهناك آثار مترتبة افتراضية لتلك الأدوار
سالفة الذكر منها: العمل على زعزعة الاستقرار وترويج العداء
للدولة. ولفت السعدان الى أنه (لوحظت اجتماعات متكررة
تكتنفها "السرية" والاحتراز الامني من قبلهم، وعلى اثره
تم القبض على عدد منهم اثناء اجتماعهم لمزاولة تلك النشاطات
في احدى الاستراحات بمحافظة جدة). وفي السياق العمومي
نفسه، جاءت النتيجة على النحو التالي: (توجيه التهم الى
من توفرت الأدلة على تورطهم في أدوار مختلفة بالأنشطة
المحظورة).
هذا كل ما ورد تقريباً في الاعلان عن (التنظيم السري).
فيض من الأسئلة يثيرها الإعلان من حيث الشكل والمضمون
معاً. في الشكل، لأول مرة تقوم جهة غير أمنية بالإعلان
عن قضية ذات طابع أمني، ما قد يعني ابتداءً أن اكتشاف
التنظيم السري ليس جديداً، ولم يأت عن طريق مداهمة أجهزة
الأمن التابعة لوزارة الداخلية، وإنما جاء، كما يفترض
شكل الرواية، عن طريق آخر، قد يكون الاعترافات امام القضاء..مع
أن ثمة فقرة في البيان توحي غير ذلك، تلك التي تتعلق بالقبض
على عناصر من المجموعة خلال اجتماعات في إحدى استراحات
جدة (ولابد من وضع سطور عديدة تحت هذه الفقرة، إذ كيف
يمكن لتنظيم سري، يفترض ?يه إتقان النشاط الأمني يعقد
جلسة في استراحة عامة تهدف للتخطيط لنشاطات كبيرة). في
الشكل أيضاً، كيف يمكن أن تنظيماً سريّاً يسعى لإطاحة
النظام وحكم البلاد فيما يعمل تحت غطاء (مشروع الجيل)
لجمع تبرعات وإيصالها للخارج، فكيف يستقيم أمر الرواية.
ثمة من سيجادل بالقول أن لاتعارض بين العمل في الداخل
للاستيلاء على السلطة وفي الوقت نفسه جمع تبرّعات وإرسالها
الى جماعات مشبوهة في الخارج، بل وتشجيع الشباب الى القتال
خارج الحدود. والجواب عن ذلك بسيط للغاية: هذا الكلام
يصلح نظرياً وعلى الورق، فحتى تحرير الكون والإستيلاء
عل?ه في عالم الخيال ممكن، ولكن حين توضع الأحلام على
الأرض نصبح أمام قوانين جديدة، إذ من المستحيل أن يقوم
تنظيم سري يهدف للاستيلاء على السلطة بتشتيت مهمامه وتوزيع
أدواره على أكثر من صعيد، فهل يعقل أن تنظيماً سريّاً
(غالباً يكون صغير الحجم)، يسعى للإستيلاء على السلطة،
يقوم بإرسال عناصره الى الخارج، بل وجمع الأموال (وهو
عمل شبه علني) لإرسالها الى جماعات في الخارج.
وفي الشكل أيضاً، لم تعتد وزارة الداخلية أن توكل قضايا
ذات صلة بأمن الدولة، أو بالأمن الوطني الى وزارة أخرى
كيما تعلن عنها، وأن القيام بذلك له احتمالات عدّة: إما
أن وزارة الداخلية شعرت بأن صدقيتها على المحك بسبب كثرة
البيانات الصادرة عنها والتي تنطوي غالباً على اكتشافات
ذات طابع دعائي، حتى أن الرأي العام بات ينظر إلى بيانات
وزارة الداخية، وخصوصاً تلك المتعلقة باكتشاف (مجموعات
إرهابية تحاول تنفيذ عمليات ضد منشآت حيوية)، والذي بات
ممجوجاً ولا يثير إنتباه أحد، أو أن ثمة نيّة لتنفيذ محاكمات
أو بالأحرى عقوبات كب?رة ضد ناشطين وإصلاحيين تحت غطاء
القضاء، الذي أريد له أن يكون حاضراً في مثل هذه الأوقات،
وحتى لا يقال بأن وزارة الداخلية هي الخصم والحكم، فهي
تتولى مهمة الإدعاء ولكن للقضاء حكمه.
وكما يظهر من رواية وزارة العدل، فإن المستهدفين فيها
كثر، فمثل هذه الإتهامات صالحة للتطبيق على مجموعات القاعدة،
أو مجموعة الدكتور سعود مختار الهاشمي، أو مجموعة الدكتور
عبد الله الحامد.. لم ترد أسماء للأشخاص المتّهمين في
هذا التنظيم السري، وذاك أمر اعتيادي في بيانات وزارة
الداخلية التي تتّسم بالتعميم غالباً، ولكن وجود إسم التنظيم
بإسم (مشروع الجيل)، وهو جديد في الحراك السياسي الاحتجاجي!
في الرواية الرسمية شيء جديد، فلأول مرة يعلن رسمياً
عن جهة تسعى لـ (الاستيلاء على السلطة)، وهو هدف لم يكن
يذكر في البيانات الرسمية، حتى وإن كان صحيحاً في أوقات
سابقة، لأن آل سعود أوحوا إلى رعاياهم والى العالم بأن
ليس هناك من يجرؤ على مناجزة آل سعود، أو الإقتراب من
حريم سلطانهم، وفي الغالب كانت تذكر النتيجة: الفساد في
الأرض، محاربة الله ورسوله، تفجير منشآت حيوية، فهل أصبح
آل سعود واقعيين بعد ربيع العرب، وباتوا على قناعة بأن
سلطانهم ليس محصّناً، وأنه قد يسقط في يوم ما؟
|