الــوهــابــيــّـة: مـذهـب الـكـراهـيـة
الجزء الثالث ـ لاهـوت الـتـكـفـيـر
سعد الشريف
قد يكون علماء الوهابية أكثر من كتب في موضوع التكفير،
ضوابطه، مصاديقه، وشروط انطباقه على المعيّن أو العموم،
وحذّروا من الوقوع فيه. وبحسب أحد المنافحين عن تهمة التكفير
ضد الوهابية (الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، وأنصاره
إهتمّوا وأولوا عناية فائقة بمسألة التكفير وضوابطها،
ومن الذي يستحق التكفير والقتال ومن الذي لا يستحق..)(1).
ولكن في المقابل، إنفردت المدرسة الوهابية بكونها الأكثر
استعمالاً لسلاح التكفير ضد خصومها والمخالفين لمتبنياتها
العقدية القائمة على تفسيرات خاصة وصارمة. فهل ذلك نابع،
مثلاً، من نزوع دفاعي لدرء الإتّهامات عنها، الأمر الذي
يجعلها تلوذ بهذا النوع من الإغراق الثقافي والفقهي لجهة
إبعاد شبهة التلبّس بتهمة التكفير، أم أن الأمر يتعلّق
ببساطة بعملية تأصيل شرعي للتكفير، أو كما يقول الوهابيون،
بحسب العادة، نحن لا نكفّر بلا دليل أو حجّة!، أم أن ثمة
أمراً ثالثاً يفيد بأن ثمة فصاماً بين الرؤية العقدية
النظرية والتطبيق ال?ملي، بما يجعل الحكم منفصلاً عن موضوعه،
أم لا هذا ولا ذاك، وإنما هو أمر يتعلق بتناقض بين القول
والفعل؟
يتّفق الوهابيون على أن التكفير في تاريخ المسلمين
بدعة خوارجية، ولكن ما يلبث أن يعتنقوها سيرة وعقيدة،
حتى عابوا على من نهى عنه وحاربه وإن كان هدفه نبيلاً
وهو، على سبيل المثال، (توسيع دائرة الإسلام) وإن، حسب
رؤيتهم العقدية، (جيء بالمكفّرات الظاهرة).
في تواصل مع قراءتنا للمصنّفات الوهابية في موضوع التكفير،
نقف عند رسالة للشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن الحسن آل
الشيخ (المتوفي سنة 1319هـ) بعنون (عيون الرسائل والمسائل..حكم
تكفير المعيّن والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة)، وتعدّ،
أي الرسالة، مرجعاً رئيساً لدى مشايخ المدرسة الوهابية،
وخصوصاً في موضوع التكفير.
أورد الشيخ إسحاق في رسالته ما اعتبره أدلّة شرعيّة
على تكفير المعيّن، منها ما قال بأنه جاب المناطق ووقف
على ما وصف بأنها (مظاهر الكفر والإبتداع لدى الدهماء
المنتسبين للإسلام)، ومنها قوله أن (بعض من شافهني منهم
بذلك سمع من بعض الإخوان أنه أطلق الشرك والكفر على رجل
دعا النبي صلى الله عليه وسلم واستغاث به، فقال له الرجل:
لا تطلق عليه حتى تُعَرِّفه، وكان هذا وأجناسه لا يعبأون
بمخالطة المشركين في الأسفار وفي ديارهم بل يطلبون العلم
على من هو أكفر الناس من علماء المشركين، وكانوا قد لفّقوا
لهم شبهات على دعواهم..).?وهم حسب قوله (عند التحقيق لا
يُكَفرون المشرك إلا بالعموم، وفيما بينهم يتورعون عن
ذلك)، يقول بعد ذلك (ثم دبت بدعتهم وشبهتهم حتى راجت على
من هو من خواص الإخوان..). فالرجل ينكر على أهل دعوته
تهاونهم في تكفير الآخرين، ويطالبهم بالإمتثال لسيرة التكفير
التي جبلوا عليها وتوارثوها، إذ الأصل كما يظهر من كلامه
الحكم بكفر الآخر حتى يثبت العكس!
يؤسس الشيخ اسحاق آل الشيخ رؤيته العقدية إزاء الآخر
في ضوء رسائل جدّه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ليخلص للقول
بأن (من له أدنى معرفة إذا رأى حال الناس اليوم ونظر إلى
اعتقاد المشايخ المذكورين تحيّر جداً ولا حول ولا قوة
إلا بالله، وذلك أن بعض من أشرنا إليه بحثته (..) عن هذه
المسألة فقال نقول لأهل هذه القباب الذين يعبدونها ومن
فيها فعلك هذا شرك وليس هو بمشرك، فانظر ترى واحمد ربك
واسأله العافية، فإن هذا الجواب من بعض أجوبة العراقي
التي يرد عليها الشيخ عبد اللطيف..).
وفق تلك الرؤية التكفيرية، يرى الشيخ إسحاق آل الشيخ
مقاطعة كل من يندرج في خانة الكفّار والمشركين وبلادهم،
ومن هذه حاله لا يمكن أن يصوغ رؤية في الدين تقوم على
التسامح والمحبّة والإعتدال، وهي رؤية تستوعب الأغلبية
الساحقة من علماء الوهابية. يقول في رسالته المومأ إليها
أعلاه:
(تأمّل اليوم حال كثير ممن ينتسب إلى الدين
والعلم من أهل نجد يذهب إلى بلاد المشركين ويقيم عندهم
مدة يطلب العلم منهم ويجالسهم، ثم إذا قدم على المسلمين
وقيل له: إتق الله، وتب إلى ربك من ذلك، إستهزأ بمن يقول
له ذلك، ويقول: أتوب من طلب العلم؟ ثم يظهر من أفعاله
وأقواله ما ينبئ عن سوء معتقده وزيفه، ولا عجب من ذلك
لأنه عصى الله ورسوله بمخالطة المشركين فعوقب، ولكن العجب
من أهل الدين والتوحيد لانبساطهم مع هذا الجنس الذين أرادوا
أن يقرنوا بين المشركين والموحّدين، وقد فرق الله بينهم
في كتابه وعلى لسان نبيه محمد صلى ال?ه عليه وسلم).
فهذا الرأي لايقف عند حدود الحكم على الآخرين، بل هو
يفرض طائفة تدابير تعبّر عن هذا الحكم، ومنها القطيعة
الشاملة مع من ليس مسلماً، بعد، بطبيعة الحال، نفي صفة
الاسلام عنه، إن كان من المسلمين وليس على دين الشيخ ابن
عبد الوهاب!
يحمل آل الشيخ على من يشيد ببلاد المشركين وبمعاملة
أهلها، ويعتبر ذلك باباَ الى الشرك. يقول ما نصّه:
(ومن المصائب أنه إذا قدم هذا الجنس على
المسلمين عاملوهم بمثل معاملتهم قبل الذهاب للمشركين من
الإكرام والتحية، وقد يظهر منهم حكاية وثناء على بلاد
المشركين واستهجان المسلمين وبلادهم، مما يعلم أنه لا
يظهر إلا من سوء طويّة ويبقون على ذلك دائماً، وقليل من
يستنكر ذلك منهم، وأما كون أحد يخاف عليهم الردّة والزيغ
بسبب أفعالهم فلا أظن ذلك يخطر ببال أحد، فكأن هذه الأحكام
الشرعية التي يحكم بها على من صدر منه ما ينافيها).
ولو قدّر للشيخ اسحاق أن يرى أهل دعوته وهم يكيلون
المدائح وينخرطون في معاهدات حماية واتفاقيات تجارية وتحالف
استراتيجي سيموت مرة أخرى كمداً، وماذا عنه لو قرأ مدح
الشيخ عايض القرني لبلاد الغرب وما وجد فيها من احترام
للقانون وآدمية الانسان فلربما أخرجه من الملّة!
في سياق متصل بالتكفير الوهابي، نقرأ للشيخ عبد اللطيف
آل الشيخ في ردّه على برجس العراقي الذي قال بإسلام زوّار
القبور، والذي يصرّ الوهابيون على تسميتهم (عبّاد القبور)،
فهو يلزم العراقي بتقديم الدليل على إسلامهم بقوله: (فإن
دعوى العراقي لإسلام عبّاد القبور تحتاج دليلاً قاطعاً
على إسلامهم فإذا ثبت إسلامهم منع من تكفيرهم..)، متجاهلاً
أصلاً لدى عامة المسلمين بقبول إسلام المرء والأصل صحة
إسلام من يدّعيه ولا يجوز التحقيق في نوايا المسلمين،
بل الأصل براءة ذمة المسلم، بحسب العز بن عبد السلام،
وبراءته من الأقوال والأ?عال كلها. ولكن الشيخ عبد اللطيف
آل الشيخ يعتقد بأن ثمة معايير عقدية وضعت من قبل من يعتبرهم
(أئمة الهدى ومشايخ الدين مثل شيخ الاسلام محمد بن عبد
الوهاب..) للحكم على إيمان أو كفر شخص بعينه مثل فخر الدين
الرازي، أو إبن عربي، أو الزمخشري، وغيرهم وأحياناً جماعة
بعينها كالقدرية والمرجئة والأشاعرة والمعتزلة والجهمية
والشيعة والصوفية.. وكل ذلك بإسم الكتاب والسنة:
(وإنما يكفّر من نطق بتكفيره الكتاب
العزيز وجاءت به السنة الصحيحة وأجمعت على تكفيره الأمة،
كمن بدّل دينه وفعل فعل الجاهلية الذين يعبدون الأنبياء
والملائكة والصالحين ويدعونهم، فإن الله كفّرهم وأباح
دماءهم وأموالهم وذراريهم بعبادة غيره نبياً أو ولياً
أو صنماً، لا فرق في الكفر بينهم كما دلّ عليه الكتاب
العزيز والسنّة المستفيضة..). ولا ريب أن من يدخلون
تحت طائلة هذه التهمة غالبية المسلمين.
لنتأمل طبيعة الجدل الدائر بين العراقي والوهابي هنا
لأنه يعكس خطّين عقديين متباينين، بل ورؤيتين متقابلتين،
فبينما يرفض العراقي تسمية زيارة القبور (عبادة ودعاء)
ويضعها في خانة أخرى هي (التوسّل والنداء) ويراه مستحباً،
يصرّ الوهابي على أنه عبادة وتأليه وعلى حد قوله (وهيهات
أين المفر والإله الطالب)، ولذلك يصرّ على (أنها من الشرك
المكفّر)، بحسب رؤية الشيخ ابن تيمية. وما يثير الدهشة
أن هذه القضية الخلافية (زيارة أو عبادة القبور) رغم أنها
تنطوي على بعد سرائري، قد حسم فيها الشيخ إبن تيمية من
موقعه في بلاد الشام ولم?يحضر العراق حتى يقرر معاينة
ما إذا كانت زيارة الشيعة أو الصوفية للقبور والأضرحة
هي من باب الزيارة أو العبادة، ولكنه خلص الى الحكم القاطع
(يستتاب فإن تاب وإلا قتل بضرب عنقه).
إجماع الأمّة.. أيّ أمّة؟
ثمة صورتان متقابلتان، الأولى تفيد بأن غالبية الأمة
لم تفهم معنى التوحيد الخالص كما نزل على رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وجاء في كتاب الله عزّ وجل، وبالتالي
لا يصدق عليها، أي الأمة، إسم الإسلام أو أهل السنة والجماعة،
أي أنها عادت الى الجاهلية (كما تكشف بوضوح شروحات كتاب
التوحيد للشيخ العثيمين والشيخ الفوزان)، وفي الثانية
نجد غالباً ما تتكرر عبارة (أجمعت أو اجتمعت الأمة عليه)
أو على الحكم بتكفيره..فأي أمة تلك المعنية في أدبيات
الوهابية؟ هل هي الأمة الجاهلية أو الأمة الوهابية؟!َ
أم أن الأمة تصبح مطلوبة حين يراد حشدها في أي حكم وهابي
بتكفير المسلم المختلف، وتصبح غائب? تماماً حين يراد عرض
النظام العقدي الوهابي؟
في نصّ صريح يقول: (وإنما يكفّر
الشيخ محمد من نطق الكتاب والسنة بتكفيره واجتمعت الأمة
عليه، كمن بدّل دينه وفعل فعل الجاهلية الذين يعبدون الملائكة
والأنبياء والصالحين ويدعونهم، فإن الله كفّرهم وأباح
دماءهم وأموالهم وذراريهم بعبادة غيره، نبياً أو ولياً
أو صنماً لا فرق في الكفر بينهم كما دل عليه الكتاب العزيز
والسنة المستفيضة..).
ثمة تناقضات غير مفهومة في نصوص التكفير الوهابية.
من ذلك قول الشيخ اسحاق آل الشيخ: (أن
الله تعالى لا يعذّب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول،
هذا في الجملة، والتعيين موكول إلى علم الله، وحكمه هذا
في أحكام الثواب والعقاب وأما أحكام الدنيا فهي جارية
على ظاهر الأمر، فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام
الدنيا لهم حكم أوليائهم..). فالى جانب مخالفة
هذا الرأي النصوص المرعية في الشريعة فيما يرتبط بشروط
الإيمان والكفر، فإنه يوكل الأمر الى الله في الآخرة فحسب
ويمنعه عنه في الدنيا مع أنه هو سبحانه من أنزل الكتب
والرسالات والأحكام للدنيا والآخرة. حتى القول بأن أحكام
الدنيا موكولة للبشر وأحكام الآخرة موكولة لله سبحانه
وتعالى، فإنه جلّت قدرته لم يمنح بشراً سلطة الحكم على
مافي قلوب الناس.
أما الآيات التي يستدل بها فلا صلة لها مباشرة بالإيمان
والكفر، فهي تصدق على المسلم والكافر..كقوله تعالى (وما
كنّا معذبين حتى نبعث رسولا)، وقوله تعالى (رسلاً مبشرين
ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) أو قوله
تعالى (وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين). وإن الإعراض
عن الحجة أو العناد فهما ينطبقان على المسلم والكافر.
وأما القول بأن حجة الله تقوم على الكفار في زمان دون
آخر، وفي بقعة وناحية دون أخرى فإن الحجة تلزم أهل الزمان
الذي تبلغهم والمنطقة التي تصلها، وكذا الحال بالنسبة
للشخص.
من المفارقات المثيرة، أن الشيخ اسحاق آل الشيخ يعتبر
مجانين الكفار كفّاراً، ولكنه يعذر في مكان ما الصغير
والمجنون (لعدم عقله وتميزّه) فهما من الأربعة الذين (يدلون
على الله بالحجة يوم القيامة)، بحسب حديث الأسود وأبي
هريرة وغيرهما، فهل يختلف مجنون عن آخر، كما العقلاء،
أم أن المعايير الوهابية في الجنون تختلف عمّا أجمعت عليه
شرائع السماء والأرض!
ثمة أدلة مستفيضة ومصنّعة واجتهادات مفتوحة ومطلقة
تتيح مثل هذا التساهل في إطلاق الأحكام ذات الطبيعة الإجمالية،
كالقول بناءً على رأي جازم لإبن القيم مثالاً (بكفر المقلّدين
لمشايخهم في المسائل المكفّرة إذا تمكنوا من طلب الحق
ومعرفته وتأهّلوا لذلك وأعرضوا ولم يلتفتوا..)، فهنا يصبح
الحكم بكفر الجماعات جائزاً، دع عنك من لم يتمكّن من طلب
الحق ومعرفته ولم يتأهل لذلك (وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم
ولا يدخلون في مسمى المسلمين حتى عند من لم يكفر بعضهم).
في رسالة بعث بها الشيخ إسحق بن عبد الرحمن آل الشيخ
سالف الذكر (إلى من يراه من الإخوان وكافة الرؤساء في
ساحل عمان ومن يليهم من أهل فارس وجعلان، من المنتسبين
إلى السنة والإيمان)، يقول فيها بأن نجد باتت هي دار الاسلام.
وخاطبهم قائلاً (حتى صار دياركم معقل الإسلام ومهاجر السادات
والأعلام..). ووصف فيها الجهيمة بـ (المبتدعة الملحدين)،
وتوقّف عند (أهل الملل عندنا لمّا سمعنا بمن جاسوا خلال
الدين، وهمّوا باختلاس عقائد المسلمين، وأدخلوا الشبه
ليصدّوا بها الناس عن الحق الواضح المستبين، من أحسائي
ذي غل وفارسي مضل، فتقربوا إلى الله تعالى بالبعد عن داعي
الشبهات، واطلبوا علم التوحيد بدليله من البينات).
وهنا نقطة جديرة بالتأمل وتتعلق بالهجرة، وتعني مفارقة
البلد أو الجماعة المشركة والكافرة في تعبير احتجاجي غير
مباشر، وتنطوي في الوقت نفسه على موقف عقدي، وهي أحد صور
البراءة من المشركين، والتي تقوم على فكرة الاعتزال والانتباذ
قصيّاً. وتبنى الوهابيون الحكم العقدي القائل بأن (تارك
الهجرة عاصٍ مرتكب محرماً على ترك الهجر..)، إذ لا يكفي
مجرد الموقف القلبي ولابد من إظهار العداوة والبغضاء للمشركين..
ونتوقف هنا أيضاً عند بعض الآراء المستمدة من الآباء
المؤسسين للخط التكفيري الوهابي، وكيف أصبحت مادة ثقافية
شعبية يجري تداولها بوصفها جزءاً من الدعوة، حيث لم يجد
كثير من الدعاة ما يبثّونه بين أتباعهم ولعموم الناس سوى
الإسهاب في تقويم معتقدات الآخرين. فقد أجاب الشيخ حامد
العلي على سؤال عن تكفير المعيّن وشروط إقامة الحجة، فأجاب
ابتداء (من لم يدخل في دين الإسلام فهو كافر بلا خلاف
سواء بلغته الحجة أم لا..). وحول ردّة أهل الشهادتين،
فيقول بعد أن ينفي دليل المعذرية يقول (على هذا تجتمع
الأدلة التي تدل على أن الجهل ?عتبر في الحكم بالردة،
والتي تدل على أنه غير معتبر).
من بين صور الردّة الإعتقاد بوحدة الوجود، واتخاذ قبور
الصالحين آلهة معبودة، ونحو ذلك، فمن يصدق ذلك عليه؛ (فهو
ليس بمسلم أصلاً). وحين نفكك هذا المقطع، نجد أن له في
الأدبيات الوهابية تأصيلاً وتقعيداً، وعلاوة على ذلك مصاديق
وإحالات، فوحدة الوجود يحال فيها الى الشيخ محي الدين
ابن عربي، وعبادة قبور الصالحين يحال فيها الى الصوفيّة
والشيعة وقد تشمل غالبية المسلمين.
هذا الرأي العقدي نجد ملامحه في النص التالي:
(وكون بعض هؤلاء لم يتلقّ غير التصوّر
المناقض لأصل الإسلام في بيئته ليس بعذر لأنه أصلاً لم
يعرف الإسلام، وإنما عرف ديناً آخر يظنّه الإسلام، فالواجب
دعوته إلى الإسلام حينئذ، لا أن يقال هو مسلم ولا يكفّر
حتى تقام عليه الحجة!). بل يزيد على ذلك توضيحاً وبلغة
جازمة (بل هو مثل الكافر الذي لم يعرف الإسلام أصلاً،
فيُدعى إليه، وغاية ما يقال: أنه إن مات ولم تبلغه الحجة
ليعلم أن ما هو فيه، ليس هو الإسلام الذي بعث به محمد
صلى الله عليه وسلم، فإنه يكون له حكم أهل الفترة في الآخرة).
يقتفي العلي المنطق العقدي الوهابي الذي ينطلق من رؤية
كونية خاصة ليصل في نهاية المطاف إلى حكم إجمالي يخرج
غالبية المسلمين من دائرة الاسلام، ولذلك بإمكان المرء
أن يقرأ النتيجة من التأسيس العقدي للرؤية الكونية الوهابية.
فهو حين يضع معياراً محدداً وصارماً للتوحيد، بل ولمعنى
الإسلام عموماً، يؤول الى قسمة العالم الكلي بكل أديانه،
والعالم الفرعي، أي عالم الإسلام بكل مذاهبه، الى مؤمنين
وكفّار، ومن بين هؤلاء بحسب هذه الرؤية:
(الذين يعكفون على القبور ركّعاً وسجّداً،
قد تعلّقت بها قلوبهم توكّلاً وتعظيماً، وامتلأت أفئدتهم
من خشيتها ورجاءها وسلّموا لها تسليماً، فهؤلاء كفارٌ
ليسوا بمسلمين أصلاً، ولم يعرفوا أصل معنى الشهادتين،
فكيف يطلق عليهم إسم الإسلام، وعلى أي أساس يرفعون إلى
هذا المقام، فلا يقال عن هؤلاء لايكفّرون حتى تقام عليهم
الحجّة، بل هم كفار، وكون هؤلاء وأمثالهم لم يجدوا غير
هذا الدين فدانوا به، لا يمنع إطلاق إسم الكفر عليهم).
وأنكر في الوقت نفسه مقولة ابن الوزير في أحد مفاسد
التكفير وما تؤدي اليه من فرقة وتوهين للمسلمين وهذه المفسدة
حري دفعها بمزيد من التحري والتدقيق والتوقف عن إطلاق
حكم التكفير، وقال بالرأي نفسه الشيخ أبو حامد الغزالي.
وعارض العلي من امتنعوا عن تكفير من لم تقم عليه الحجة
أو نطق بالشهادتين مهما فعل حتى بعد إقامة الحجة، وتكفير
من لم يبلغه الإسلام في الدنيا حتى اليهود والنصارى..الخ.
ويزعم العلي بأنه في الطائفة الوسط
(الذين يجعلون شرط قيام الحجة في موضعه المشروع دون غيره،
ولايعطّلون أحكام التكفير عن مواضعها الشرعية).
وقد رأينا حال الوسطية المزعومة كيف أنها لا تكاد تدخل
في الإسلام إلا من سار على نهج الوهابية. من أمثلة الوسطية
ما قاله (ولبيان أن ما لا يبقى معه
أصل الإسلام، مثل عبادة القبور، ونحو ذلك، فإنه لا يكون
من مسائل العذر بالجهل..).
ما يدعو للتأمل وفي الوقت نفسه الإنكار أن العلي وهب
السائل سلطة لا تصحّ إلا لله عزّ وجل، وفي أقصى الحالات
لكبار العلماء والمجتهدين، وهي الحكم على إيمان الناس.
يقول العلي ما نصّه: (أما قولك بم تنصحني،
فأنصحك بأن لا تقدم على تكفير المعيّن ممن نطق بالشهادتين
إلا إذا علمت أنه وقع في مكفّر منصوص على أن به يخرج من
الملّة. فإن تردّدت في كون المكفّر يشترط له إقامة الحجة
أم لا، أو وجدت العلماء تنازعوا في مسألة معينة، هل هي
ممـا يشترط له البيان قبل تكفير المعين أم لا؟ ولم يتبيّن
لك الصواب، ولم يمكنك أن تقيم الحجة لتخرج من الخلاف،
فالسلامة لا يعدلها شيء، لاسيما إن كان المحكوم عليه ممّن
لا تتعلق به أحكام أنت مخاطب بها، لكن هذا لا يمنع من
إطلاق حكم الكفـر على ما قاله أو فعله، وأن الواقــع فيه
ي?فر على سبيل العموم)(2).
ولنتخيّل كيف سيكون حال مجتمع ما بل والأمة بأسرها
وهي تطبّق نصيحة العلي، بحيث يصبح كل شخص يرى نفسه على
الدين الحق وغيره على الباطل المحض، وكيف سيفعل التكفير
فعله في البيت الواحد، والعائلة الواحدة، والبلدة الواحدة،
والمنطقة الواحدة، والبلد الواحد.. أليس مثل هذه النصائح
ما تؤسس لحروب أهلية، وتوتّرات إجتماعية مرشّحة لأن تأخذ
شكل المصادمات العنيفة بين الأفراد والجماعات..ثانياً،
أليس التكفير حكم شرعي، يقوم على الأدلة الشرعية المعتبرة
بحسب عقيدة علماء الوهابية، فكيف يتم تفويض حكم شرعي خطير
حذّر من استعماله رسول ا?له صلى الله عليه وسلم حتى قال
بأن (من قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله)، وقال (ص):(لا يرمي
رجل رجلاُ بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه،
إن لم يكن صاحبه كذلك)، فكيف قبل العلي ان يضع هذا السلاح
الخطير في يد سائل من عامة الناس؟!
صورة أخرى في التكفير، وفي موقف عقدي بإيحاء واضح الدلالة
والإشارة، يفتي الشيخ عبد الرحمن البرّاك بتكفير ما يصفه
(المستهزىء بالدين) وهو وصف يمتلك البرّاك وحده حقّ تطبيقه.
ففي سؤال جاء: (من المعلوم أن الإستهزاء
بالدين أحد نواقض الإسلام، وكفرٌ مخرجٌ من الملّة، ولكن
هل يقال بأن هذا المستهزئ - بعد إقامة الحجة عليه وإصراره
على ذلك - كافر؟ أي هل يكفر بعينه؟ أفيدونا مأجورين).
أجاب البرّاك قائلاً: (..من
استهزأ بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من
القرآن ومن السنة الصحيحة أو شرائع الإسلام، كالصلاة والصيام
والحج فإنه يكفر بذلك بعينه، ومثل هذا لا يجهل تحريمه
وقبحه من كان عائشاً بين المسلمين، فإن الله تعالى قال
في المنافقين الذين سخروا من النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه رضي الله عنهم فأنزل الله فيهم: }قُلْ أَبِاللَّهِ
وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لا تعتذروا
قد كفرتم بعد إيمانكم{ [التوبة: 65-66]، فحكم عليهم سبحانه
وتعالى بالكفر بأعيانهم، فمن استهزأ بالله أو بالرسول
صلى الله عليه وسلم أو بالقرآن أو بشرائع الإسلام عالماً
عامداً مختاراً فإنه كافر بعينه، فنقول هو كافر، يعني
أنه يصير مرتداً عن الإسلام، تجب استتابته، فإن تاب وإلا
قتل..)(3).
وكان البرّاك قد أفتى بردّة كاتبين سعوديين بتهمة الإستهزاء
بالدين، بما استوجب، وفق رؤية البرّاك، ردّتهما وبذلك
يستتابا وإلا يقتلا. والسبب في ذلك هو مقالتين قارب فيهما
الكاتبان قضايا إجتهادية تختلف عن طريقة البرّاك وعلماء
الوهابية عموماً، ولم تتضمن ما ينبىء عن استهزاء بالدين
في صغيرة منه أو كبيرة، وإنما هو اجتهاد في تقويم أمور
ذات صلة بالدين ولا علاقة لها بالأصول الإعتقادية في الإسلام.
التكفير على قاعدة سياسية
لا ينحصر التكفير في الحقل العقدي، فقد يكتسب بعداً
سياسياً، بل ثمة من أهل العلم وأهل الحكم من يريد توظيف
التكفير في السجال السياسي، في سياق نزع مشروعية أي حراك
سياسي بطابع مطلبي وحقوقي، كالذي يعتبر من يخرج على الحاكم
ولو بطريقة سلمية خارجاً عن الإسلام، وأنه يموت ميتة جاهلية.
عبد المحسن بن حمد العباد البدر كتب في مقالة بعنوان
(خطورة الإفساد في بلاد الحرمين بعد إصلاحها)، في 3 ربيع
الثاني 1432هـ للتعليق على الثورات العربية ومحاولات نقل
التجربة الى المملكة، واعتبر دعاة التظاهر (جناة)، والسبب؟:
(لأن الدولة في هذه البلاد قائمة على تحكيم شريعة الإسلام).
وحمل على مؤسسي (حزب الأمة الإسلامي) وأسبغ عليهم مسمى
(حزب التسعة الرهط) ليتطابق مع الآية الكريمة (وكان في
المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون)، بل اعتبر
مطالبة النساء بحقوقهن السياسية والاجتماعية (إنفلاتاً)،
وتقليداً للغرب الك?فر!
البدر الذي يبدي منافحة واضحة عن النظام السعودي يميل
إلى خلط الأوراق، فهو من جهة يوجّه سهاماً إلى التيار
الليبرالي المختلف معه والذي يحمّله مسؤولية الدعوة للتظاهر
والخروج على الدولة، وفي الوقت نفسه يلمح إلى ما فعله
التيار في مؤسسات الدولة التعليمية خصوصاً لجهة علمنة
الحياة الاجتماعية.
يقول ما نصّه: (وما حصل في الآونة
الأخيرة من انفلات النساء وكذا إنشاء كليات حقوق وقانون
وذوبان الجامعات الاسلامية وإضعافها في مجالات اختصاصها
وغير ذلك من الأمور التي لا تنبغي ليس مردّه إلى ولي الأمر
لما فيه خير وصلاح، بل مردّه إلى البطانة، وقد كان في
رئاسة الديوان الملكي رجل فاضل مدة تزيد على ثلاثة عقود
في عهود الملوك فيصل وخالد وفهد..وكان همزة وصل بين الملك
وأهل الخير ولاسيما شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز وبعد
إقالته قبل عدّة سنوات ومجيء غيره تغيّرت الحال والله
المستعان). من الواضح، أن البدر يتحفّظ على عهد
الملك عبد الله، الذي قرّب أبناء الشيخ عبد العزيز التويجري،
وخصوصاً مستشار الملك خالد التويجري. والبدر يعتقد بأن
التيار السلفي والعلماء خسروا في عهد الملك عبد الله،
ولكن ذاك قبل 17 آذار (مارس) الماضي حيث أعاد الملك الإعتبار
لعلماء الوهابية بحظر توجيه نقد لهم وانزال عقوبات قاسية
ضد من يتعرّض لهم في وسائل الإعلام!
حمل البدر أيضا على المجموعة التي تقف وراء دعوة (نحو
دولة الحقوق والمؤسسات)، والتي وقّع عليها جمع من من الرجال
والنساء وجاءت عقب انفجار الثورات العربية في تونس ومصر
وليبيا وطالبوا فيها بالإستماع لصوت الشباب وتطلعاتهم
وطموحاتهم ومطالب الشعوب في الإٌصلاح والتنمية والحرية
والكرامة ورفع الظلم ومقاومة الفساد.
وعارض البدر دعوة المجموعة إلى انتخاب أعضاء مجلسي
الوزراء والشورى واعتبر ذلك تقليداً للغرب الكافر ولدولة
الإستعمار الأولى، يقصد بريطانيا. وكان البدر قد صنّف
سنة 1426هـ كتاباً بعنوان (العدل في شريعة الاسلام وليس
في الديمقراطية المزعومة). يقول البدر ما نصّه:
(كل من يريد التغيير في هذه البلاد
بما يتفق مع ماكان عليه الغرب إما أن يكون إبتلي بمرض
الشبهات وهو يريد الحرية في الرأي ولو كانت إنحلالاً،
أو أبتلي بمرض الشهوات في النساء وغيرها أو يريد الوصول
الى شيء من الولايات).
التكفير بشروط غير ملزمة
غالباً ما يتحدّث علماء ودعاة الوهابية عن شروط صارمة
في التكفير، ولكن حين التأمّل نجد بأنها شروط غير ملزمة
لهم، بل قد يكون خلافها.
في الجانب الوردي من المشهد: نشرت رابطة العالم الاسلامي
رسالة مختصرة بعنوان (التكفير وضوابطه)، للدكتور منقذ
بن محمود السقّار، الباحث في ادارة الدراسات والبحوث في
الرابطة. استعرض فيها الكاتب قصص التكفير في تاريخ المسلمين
وبين اتباع المذاهب والفرق حتى غدت سمة غالبة. يقول ما
نصّه: (من أهم الأسباب التي غذّت فكر
التكفير في واقعنا المعاصر ما تلقاه من توقف الكثيرين
عن تكفير من لا يسع مسلماً إلا تكفيره، إذ وصل الأمر ببعضهم
الى التوقف في اطلاق الكفر على اليهود والنصارى..). ثم
يقول (فمثل هذا التفريط يمهّد الطريق لظهور المخالف الذي
يكفّر النصارى ومن وافقهم في أعيادهم ومناسباتهم..)(4).
التكفير بشروط غير ملزمة
غالباً ما يتحدّث علماء ودعاة الوهابية عن شروط صارمة
في التكفير، ولكن حين التأمّل نجد بأنها شروط غير ملزمة
لهم، بل قد يكون خلافها.
في الجانب الوردي من المشهد: نشرت رابطة العالم الاسلامي
رسالة مختصرة بعنوان (التكفير وضوابطه)، للدكتور منقذ
بن محمود السقّار، الباحث في ادارة الدراسات والبحوث في
الرابطة. استعرض فيها الكاتب قصص التكفير في تاريخ المسلمين
وبين اتباع المذاهب والفرق حتى غدت سمة غالبة. يقول ما
نصّه: (من أهم الأسباب التي غذّت فكر
التكفير في واقعنا المعاصر ما تلقاه من توقف الكثيرين
عن تكفير من لا يسع مسلماً إلا تكفيره، إذ وصل الأمر ببعضهم
الى التوقف في اطلاق الكفر على اليهود والنصارى..). ثم
يقول (فمثل هذا التفريط يمهّد الطريق لظهور المخالف الذي
يكفّر النصارى ومن وافقهم في أعيادهم ومناسباتهم..)(4).
وفي المجمل الكتاب يشتمل على آراء جديرة بالتأمل في
توضيح أبعاد الرويات والاحاديث الواردة في الكفر ومغازيها،
والحاجة إلى التريّث في استعمالها كأدلة بمفردها دون النظر
إلى الأبعاد الأخرى، خصوصاً وأن حكم التكفير ليس عقلياً
وانما شرعي، أي يستند على أدلة سمعية ليس القياس من بينها.
يقول بأن الراسخين في العلم من علماء الإسلام (لا يعتبرون
الوقوع في الكفر مسوغاً للحكم بكفر المسلم قبل تبين حاله،
فإنهم يفرقون بين وصف الفعل بالكفر ووسم فاعله بهذا الحكم..)(5).
وقد أورد فيضاً من الآراء لعلماء المذاهب الاسلامية
قاطبة يتوقفون فيها عن تكفير شخص بعينه فيما الاحتمالات
واردة بأن يكون ما يمنع صدق الحكم عليه وأن الله سبحانه
وتعالى قد يعلم منه غير ما يعلم منه من يطلق الحكم.. ومن
ذلك وجوب الاكتفاء بالحكم على ظاهر المسلم والاعراض عن
السرائر، وهذه قاعدة شرعية متينة.
في المقابل، ثمة صورة مناقضة تماماً يعرضها رئيس مجلس
القضاء الاعلى السابق وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح
اللحيدان في محاضرة له بعنوان (فضل دعوة الامام محمد بن
عبد الوهاب). يبدأ اللحيدان محاضرته بما نصّه:
(..عاد الى الجزيرة في غالب ربوعها
ألوان من الإشراك، وفشت فيها بدع متنوعة... ومن الضلالات
وجود الشرك الأكبر في هذه الجزيرة...فالإشراك متفشي والحدود
مهجورة..فكان قلب الجزيرة قد خيّم عليه إظلام قاتم، وكأن
الله جلّ وعلا إدّخر لأحد أبناء هذه الجزيرة من يحمل راية
التوحيد، وينادي بدعوة الرسول فتقشع دعوته ظلمات الباطل
ويقضى بها على معاقل الشرك والضلال)(6).
ويتسلسل اللحيدان في تقديمه تصوّره الديني الراديكالي
القائم على تكفير الآخر: (..فمهما صلّى
الإنسان وصام، ومهما تصدّق وبذل، مهما رفق بالناس وأحسن،
إذا كان باقياً على شيء من الشرك الأكبر لم ينفعه شيء..)(7).
أين هذا الجواب من كلام شقيق بن عبد الله العقيلي
التابعي المتفق على جلالته حين قال: (كان أصحاب محمد صلى
الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير
الصلاة) رواه الترمذي وإسناده صحيح.
وفي رؤيته الكونية الصارمة المشتملة على تكفير ضمني
لبلاد المسلمين يقول ما نصّه: (..لم
يكن في بلاد العالم الإسلامي كله شيوعاً للتوحيد وانتشاراً
لإخلاص العبادة واستنكار البدع بسمة عامة كما في هذه البلاد..)(8).
وبمزيد من الإيضاح: (..إن الناس إذا
نسوا ما كانت عليه البلاد قبل الدعوة ظنوا أن هذا الشيء
الذي نعيشه وهذا الخير الذي نتفيؤه وهذه النعم التي يتلقاها
صغارنا عن كبارنا وأحياؤنا عن أمواتنا وقت حياتهم أنها
كانت من تراث البلاد وكانوا عليها من قديم الزمان، بينما
مبدؤها من حدود المائة والخمسين بعد الألف (1150هـ) ونشأة
سلطانها بعد ذلك في عشر أو قريب من ذلك..)(9).
أليس في هذا النص حكم غير مباشر بتكفير من كان يعيش قبل
هذا التاريخ، أي قبل ظهور الشيخ ابن عبد الوهاب؟!
في سؤال مباشر للشيخ اللحيدان: هل الآباء والأبناء
الذين وقعوا في الشركيات دون علمهم في العصور القديمة
قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هل هم مشركون، أفتونا
مأجورين؟
اجاب: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا
تسألون عما كانوا يعملون) البقرة ـ134. والأمر الآخر:
إن الشرك الأكبر لا يعذر به أحد(10).
ويتبين من هذا الجواب أن اللحيدان يرى بأن كل من سبق
دعوة ابن عبد الوهاب مشركون.
وفي سؤال عن كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)
والموقف منه أجاب اللحيدان متهجّماً على كل من ينال من
كتب علماء الوهابية (..إذا رأيتم أحداً يغمزها فاتهموه
في عقيدته..)(11).
وفي سؤال عن موقفه من الدولة العثمانية وخروج ابن عبد
الوهاب عليها، قال اللحيدان: (..فلا
شك أن نجداً ومن سار على المنهج الذي سارت عليه أول إقليم
في ذلك الوقت خرج عن سلطان الدولة العثمانية، لأن الشرك
الأكبر لا يستنكر في وقتها والأضرحة تشيَّد على الأموات،
ولا يقتل إنسان دعا بالشرك الأكبر أو يلزم)(12).
وكل تلك الأحكام تصدر بتساهل مفرط، ولكن حين تخرج
بنتيجة: أن الوهابية مذهب تكفيري، يقال لك بأن ذلك بهتان
عظيم وعداون أثيم على الوهابية، وفرية، فإن لم يكن هذا
الكلام تكفيرياً فما هو التكفير إذن؟
هنا نرى ما يعني التكفير لدى اللحيدان وأهل دعوته.
في سؤال: هل صحيح أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومنهجها
تتحمّل جريمة الشباب التكفيريين؟ فأجاب:
(..التكفير الذي وجد في هذه الفترة
هو في الحقيقة جلب لنا بعد حرب الأفغان والإتحاد السوفييتي
واختلاط الشباب بأناس آخرين هناك وسماع بعض دعايات المعترضين،
وإلا فجميع المتعلِّمين في المملكة من قبل عام التسعين
(1390هـ) ومن عام التسعين ومن عام الأربعمائة (1400هـ)،
إنما تعلَّموا على منهج كتب الشيخ وأبنائه وتلامذته ولم
يكن هناك تكفير ولا تضليل ولا دعايات منهجية، ولم يكن
عندنا في نجد وفي المملكة دعوة تبليغ ولا دعوة إخوان ولا
دعوة سروريين..)(13).
وهذا الكلام يسترعي التأمل في كلام اللحيدان نفسه قبل
ذلك، ثم استدعاءً مكثفاً لنصوص مستفيضة في رسائل الشيخ
محمد بن عبد الوهاب وأبنائه وأحفاده والتي تنطوي على تكفير
مناطق وأعيان، وما يقال عن الإخوان الذين خرجوا على إبن
سعود في 1927، وحجّتهم في ذلك أن إبن سعود عطّل الجهاد،
وكذلك حركة الإخوان الثانية التي قادها جهيمان العتيبي
وتحصّنوا بالحرم المكي في نوفمبر 1979، ومشايخ الصحوة
الذين كتبوا (مذكرة النصيحة) والتي اشتملت على إعادة أسلمة
للدولة السعودية. وفوق ذلك، فإن من يعود إلى الأدبيات
العقدية لتنظيم القاعدة يجدها مبنية على كتب الشيخ محمد
بن عبد الوهاب في الشرك والولاء والبراء والهجرة والجهاد..
حول التقارب مع الشيعة، يقول اللحيدان:
(أما التقارب بحيث يترك الرافضة عقيدتهم
ويوالون من يوالي أبا بكر وعمر وعثمان وصحابة محمد صلى
الله عليه وسلم ويشهدون لعائشة بالبراءة ويؤمنون بأن القرآن
لم يحرّف وأن من قال بتحريفه كفرـ وأن من اتهم عائشة بالزنا
كفر.. إن أرادوا أن يتقاربوا إلينا بترك هذه الأمور كلها،
فنحن نفرح بهم.. وأما أن نتقرب فنسكت عن بيان الحق ونقول:
نحن إخوان. فلا شك أن هذا هو الضلال المبين، ومن يدعو
إلى السكوت عن بيان الحق والسكوت عن رد الباطل، هذا لا
يدعو إلى خير وإنما يدعو إلى ضلال)(14).
فهنا لايكتفي اللحيدان بإخراج الشيعة من دائرة الاسلام،
بل يفترض أن الإتّهامات واقعة بالقطع، ولا حاجة للتريّث،
وإذا وجدت في كتاب أو عدة كتب هل هي متبنيات عامة لدى
الشيعة، كما ينسحب الحال على كل المذاهب الاسلامية الأخرى؟!
سئل اللحيدان عن حكم المشاركة في الحوار الوطني الذي
يضم، حسب السائل، (علمانية ورافضية وقبورية صوفية وأهل
سنة حركيين وغيرهم)، فأجاب: (لاشك أنه بادرة غير محمودة
وأنه عمل غير مناسب، والناس مضت عشرات السنين ولم يوجد
هذا، وكان من سبقنا خير منا من علماء وحكام)(15). فهل
بحسب المنطق الوهابي يعتبر ذلك خروجاً على ولي الأمر،
باعتبار أن مبادرة الحوار الوطني هي من الملك عبد الله
نفسه، فإذا كانت غير محمودة، فهل ذلك يعتبر خروجاً على
النظام؟! وأليس رفضه الحوار دليل على نفيه لإسلام كل تلك
الجماعات؟!
سئل عن صحة الرواية القائلة بأن الشيخ أبا حامد الغزالي
مات تائباً وعلى صدره (صحيح البخاري)، فأجاب: لم أطلع
على هذا، لكن لن نحاسب عنه. ولم ينكر على السائل حكمه
على الشيخ الغزالي بخروجه عن الاسلام، حتى يحتاج الى وضع
صحيح البخاري على صدره في إشارة الى تخليه عن خطه الفكري.
التكفير يستثني الحكّام
ثمة معذّرية غير متناهية يوفّرها علماء الوهابية للحكّام،
تمنع تكفيرهم في كلّ الأحوال وما يترتب على ذلك من تدابير:
نزع يد الطاعة، والخروج على الحكّام. يمثّل سعيد بن وهف
القحطاني من أبرز المنافحين عن الحكّام، بمن فيهم حكّام
الجور. بل ثمة في كتاباته ما يلفت الى أنه ما كتب في التكفير
إلا ليدافع عن الحكّام ويؤصّل لحرمة الخروج عليهم.
من الواضح أن القحطاني ينزع الى الدفاع عن الحاكم في
بيان خطر التكفير، كما يظهر في تشديده على طاعة ولاة الأمر
وإن طغوا. فهو يصدر عن رؤية سياسية وليس ثيولوجية، ولا
يتطرق من جهة ما الى تكفير المسلم الآخر، مع أنه ينطلق
في خطبته حول خطر التكفير من موقف يعتبر تساميحاً:
(ولا يجوز تكفير المسلم إلا اذا تحققت
الشروط في كفره وانتفت الموانع ويكون ذلك من الراسخين
في العلم(16).
ولكن ما يلبث أن يدور الحديث برمّته حول تكفير الحكّام
والعلماء المتماهين معهم، وانعكاسات ذلك. ويذكر من المفاسد
التي تحصل بسبب التكفير: إحتقار العلماء وإهانتهم والوقوع
في أعراضهم..ومن آثارها قتل الإنسان نفسه بالتفجير أو
بغيره، وقتل المعاهدين والمستأمنين، والذميين، والحربيين
الذين يتطلب قتالهم إذن الامام(17).
هنا تتموضع رؤية الشيخ ناصر الدين الألباني بطابعها
النمطي المتوارث كقوله: (ولا شك بأن
واقع أولئك العرب في عصر الجاهلية مماثل لما عليه كثير
من طوائف المسلمين اليوم!)(18). ويشرح ذلك على
النهج التيولوجي الوهابي (وأما غالب
المسلمين اليوم الذين يشهدون بأن |لا إله الا الله" فهم
لا يفقهون معناها جيداً، بل لعلهم يفهمون معناها فهماً
معكوساً ومقلوباً تماماً)، فمثل هؤلاء في نظر الألباني
(فهو والمشركون سواء، عقيدة، وإن كان
ظاهره الاسلام)، ثم يقدّم رأياً حازماً بما نصّه:
(فإني أقول كلمة ـ وهي نادرة الصدور
مني ـ وهي: إن واقع كثير من المسلمين اليوم شرٌّ مما كان
عليه عامة العرب في الجاهلية الأولى من حيث سوء فهمهم
لمعنى هذه الكلمة الطيبة، لأن المشركين العرب كانوا يفهمون
ولكنهم لايؤمنون ـ حقاً ـ بمعناها..)، ليختم بالقول:
(..أنا أقول اليوم: لا فائدة مطلقة
من تكتيل المسلمين ومن تجميعهم، ثم تركهم في ضلالهم دون
فهم هذه الكلمة الطيبة، وهذا لا يفيدهم في الدنيا قبل
الآخرة) لأن في الآخرة، حسب رأيه
(فلا يفيد شيئاً إلا اذا كان قائلاً
لها وهو فاهم معناها أولاً، ومعتقداً لهذا المعنى ثانياً)(19).
وهذا الرأي نجده يتكرر لدى أكثر من رمز وهابي معاصر
من الذين لا يهمهم كثرة المسلمين، بل يرون مبادرات التقريب
والتوحيد بين المسلمين عبثية وبلا طائل، لأنها مبادرات
لا تستند على معنى موحّد للتوحيد.
شأن كل علماء المدرسة الوهابية، فإن الألباني يرى بأن
من مصادر توحّد المسلمين وافتراقهم هو توحيد الأسماء والصفات،
أي إثبات كل الصفات المادية الواردة حول الله سبحانه وتعالى
في القرآن الكريم. يقول الألباني: (أنا
أعرف بالتجربة أن كثيراً من إخواننا الموحّدين السلفيين
يعتقدون معنا أن الله على العرش استوى دون تأويل، ودون
تكييف، ولكنّهم حين يأتيهم معتزليون معاصرون أو جهميون
معاصرون أو ماتريدي أو أشعري ويلقي إليه شبهة قائمة على
ظاهر آية لايفهم معناها الموسوس ولا الموسوَس إليه فيحار
في عقيدته ويضل عنها بعيداً، لماذا، لأنه لم يتلق العقيدة
الصحيحة من كل الجوانب..)، بكلمات أخرى
(..أن عقيدة التوحيد بكل لوازمها ومتطلباتها
ليست واضحة ـ للأسف ـ في أذهان كثير ممن آمنوا بالعقيدة
السلفية نفسها، فضلاً عن الآخرين الذين اتبعوا العقائد
الأشعرية أو المتريدية أو الجهمية..). يقول بأن
أكثر المسلمين المعاصرين اليوم حين يقولون كلمة لا إله
الا الله لا يفهمون معناها الصحيح وهذا الفرق الجوهري
هو الآن متحقق في مثل هذه العقيدة، وأعني بها علو الله
على مخلوقاته كلها..(20).
وفي السياق، حمل الألباني على علماء الأزهر واتهمهم
بطريقة غير مباشرة بأنهم أجهل من راعية غنم، وقال بأن
الكثير ممن يدعون العلم بالكتاب والسنة لا يعرفون أين
الله!(21).
عوداً الى مقاربة سعيد بن علي بن وهف القحطاني في التكفير،
فمن الواضح أن المؤلف مسكون بهوى الدفاع عن الحكّام، حتى
أنه حين بدأ في الباب الأول الموسوم (أصول وضوابط وموانع
في التكفير) لم يجد مفتتاحاً للباب إلا مبحث تحريم الخروج
على أئمة المسلمين ووجوب طاعتهم في المعروف، دون أن يكلّف
نفسه عناء الربط بين هذا المبحث وأصول وضوابط وموانع التكفير،
ما لم يكن المؤلف ينزع إلى الدفاع عن السلطة في ضوء حملة
التكفير التي واجهتها منذ ظهور تيار الصحوة السلفية بعد
غزو العراق للكويت في أغسطس 1990.
وكرر ذلك في المبحث الثاني بعنوان (تحريم الخروج على
الإمام المسلم) ونقل عن الطحاوي تحريمه الخروج على الحكّام،
أو بحسب اصطلاحه ولاة الأمر (وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم،
ولا ننزع يداً من طاعة، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل
فريضة، ما لم يأمروا بمعصية..)(22)، ولا ندري هل الجور
معصية أم طاعة؟!
وقد أسهب القحطاني في التحذير من الخروج على الحكّام،
وجمع ماهب ودب من أحاديث ضعيفة وموضوعة دعماً لفكرة عدم
الخروج على الحكام. وحمل على الشيعة والخوارج والمعتزلة
وقال بأن (قلوبهم ممتلئة غلاً وغشاً،
ولهذا تجد الرافضة أبعد الناس من الإخلاص وأغشّهم للأئمة
والأمّة وأشدّهم بعداً عن جماعة المسلمين)(23).
يقدّم القحطاني صورتين متقابلتين للتكفير: الأولى تقول
بالحكم بالظواهر إذ الله يتولى السرائر ويورد القصة المشهورة
عن أسامة الذي قتل رجلاً بعد أن قال لإ إله الا الله،
وانكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله وقال له
(أفلا شققت عن قلبه.. الخ الرواية). الصورة المقابلة،
وتحت عنوان (الإحتياط في تكفير المعيّن)، يقول (فإن مذهب
أهل السنة وسط بين من يقول: لا نكفّر من أهل القبلة أحداً،
وبين من يكفّر المسلم بكل ذنب دون النظر الى توفر شروط
التكفير..)(24).
والسؤال أين يمكن وضع الحكم بالظاهر مقابل وسطية السنّة
كما يزعمها القحطاني، بلحاظ أن كل المسلمين يصدق عليهم
الحكم بالظاهر، وقد يقتلون بطريقة أسامة في حال تبنى أحد
ما الرأي القائل بأن ليس كل من يقول لا إله الا الله هو
مسلم حقاً، كما هو مذهب الوهابية، وبالتالي فالمسلمون
جميعاً عرضة للقتل على طريقة أسامة، أليس كذلك؟!
سيقال لك: السلف متفقون على عدم تكفير المعيّن إلاّ
بعد قيام الحجّة، والرد هو: ألا يتعارض قيام الحجة مع
الحكم بالظاهر، واذا قيل لا: فهل مطلوب من المسلم التفتيش
في عقائد المسلمين حتى يتثبّت من صحة إسلامهم، كيما يقيم
الحجة؟ هذا وقد قرأنا في موانع التكفير أن الجهل والخطأ
والإكراه والتأويل والاجتهاد لا تعذر في كل حال.
وفيما يجد القحطاني كل عذر لحكّام الجور، فإنه في تكفير
المسلمين يرى بأن ثمة نوعاً من الكفار وهم من
(ينتسبون لدين الاسلام، ويزعمون أنهم
مؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم يصدر منهم ما يناقض
هذا الأصل، ويزعمون بقاءهم على دين الإسلام، وأنهم من
أهله، فهؤلاء لتكفيرهم أسباب متعددة ترجع كلها إلى تكذيب
الله ورسوله، وعدم التزام دينه..)(25). فأين هذا
التشدّد إزاء المسلمين من تسامحه المفرط إزاء حكّام الجور؟!
عارض القحطاني موقف المرجئة القائل بعدم تكفير أحد
من أهل القبلة على أساس أن (في أهل
القبلة المنافقين الذين فيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى،
بالكتاب والسنّة، والاجماع، وفيهم من قد يظهر بعض ذلك
حيث يمكنهم، وهم يتظاهرون بالشهادتين..)(26). فكيف
عرف المنافقين من أهل القبلة؟ وكيف أنكر ظاهر المسلمين
وقد أمر في بداية كتابه بالحكم بالظاهر؟
على المنوال نفسه، يقدّم خالد بن أحمد الزهراني في
كتابه (الغلو في التكفير) رؤية لاهوتية في التكفير متماهية
مع الرؤية الكونية لدى المدرسة الوهابية. وبخلاف موضوع
التوحيد الذي يصرّ علماء الوهابية على مقاربته من منظور
وهابي محض، تستدعي على الدوام أدبيات إبن تيمية، ولكن
في موضوعة التكفير، بطابعه الدفاعي، يتم استحضار أهل السنة
والجماعة، ليس لكون الوهابية تقرّ بصحة إسلام الطوائف
السنيّة من غير الوهابية، ولكن لأن الأخيرة تدرك تماماً
بأنها خاسرة في مناظرة التكفير حين تكون منفردة في الميدان،
خصوصاً وأن فتاوى التكفير ?لصادرة عن علماء هذه المدرسة
ضد بقية المذاهب الإسلامية السنيّة والشيعية، وكذا علماء
وأقطاب كبار فيها، لا تحصى ما يجعلها في موقف واهن ومعزول.
فالزهراني يرد على الدعوى القائلة بأن (أهل السنة والجماعة
يكفّرون المسلمين)(27).
وهذا النص يبعث أسئلة جمّة حول المقصود بأهل السنة
والجماعة، وكذا المسلمين. فإن كان المعني بأهل السنة والجماعة
غالبية المسلمين فتلك دعوى باطلة إذ كيف يكفّر المسلمون
أنفسهم، وإن كان المقصود بأهل السنة والجماعة هم أتباع
الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو إبن تيمية فقد بطل الإحتجاج
من أصله.
ومع ذلك فهو ينقل عن ابن دقيق العيد قوله: (وهذا وعيد
عظيم لمن كفر أحداً من المسلمين وليس كذلك، وهي ورطة عظيمة
وقع فيها خلق كثير من المتكلمين، ومن المنتسبين الى السنة
وأهل الحديث لمّا اختلفوا في العقائد، فغلظوا على مخالفيهم،
وحكموا بكفرهم)(28).
في ردّه على (شبهة التكفير والقتال المثارة حول دعوة
الشيخ محمد بن عبد الوهاب) يقول بأن (هذه الشبهات التي
يثيرها أعداء الحق هي أقوى سلاح لديهم..)(29). والحال
أن ما يعتبره شبهة يستند، في الأصل والخاتمة، على فائض
من الأدلّة المستمدة من كتب ورسائل إبن عبد الوهاب نفسه،
سوى أن مناصري الوهابية يعتبرون تكفير علمائهم للمسلمين
عموماً ومعيّنين يستند زعماً على حجة!
لكن حين يعود الزهراني إلى نصوص الشيخ محمد بن عبد
الوهاب يغفل المضمون التكفيري في كلامه، وتجريده أهل زمانه
والأزمنة التي سبقته بعد الشيخ ابن تيمية، لا يتوقف ولو
لبرهة للتأمل في أبعادها التكفيرية، فمثلاً حين يقول بأن
(التوحيد الذي أظهره هذا الرجل، يقصد
نفسه ـ هو دين الله ورسوله، لكن الناس لا يطيعوننا، وأن
الذي أنكره هو الشرك..)(30)، فهذا نص واضح على
إخراج أهل زمانه من الاسلام، وأنه جاء لهم بالتوحيد وعصوه،
وبذلك عصوا أمر الله ورسوله بحسب مضمون هذا النص.
لا بد هنا من الإضاءة على الأمثلة التي أوردها الزهراني
في ردّه كيما يشارك القارىء في تقييم مثل هذه المواقف
التي لم تصدر عن شخصيات عادية أو كونها تنتمي إلى مدرسة
فكرية واحدة، بل هي أقرب الى المدرسة الوهابية، وأمثلة
ذلك:
ـ الشيخ محمد بن علي الشوكاني: يقول عن الشيخ ابن عبد
الوهاب وأتباعه (ولكنهم يرون أن من لم يكن داخلاً تحت
دولة صاحب نجد، وممتثلاً لأوامره يعتبر خارجاً عن الإسلام)
ـ البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، ج2 ص 5
ـ الشيخ محمد بن ناصر الحازمي: ذكر خصلتين في الشيخ
محمد بن عبد الوهاب، الأولى: تكفير أهل الأرض بمجرد تلفيقات
لا دليل عليها، والأخرى التجاري في سفك الدماء المعصوم
بلا حجة ولا برهان. أنظر أبجد العلوم، ج3 ص 194
ـ الشيخ محمد صديق حسن خان، أعلن في كتابه (ترجمان
الوهابية) براءة أهل الحديث من الشيخ محمد بن عبد الوهاب
وأتباعه، لأنهم يعرفون بإراقة الدماء.
لا بد من الإشارة هنا الى أن الزهراني إكتفى بذكر أمثلة
أو، بتعبيره (شبهات) المقرّبين من المدرسة الوهابية، وغفل
آراء العشرات من علماء المدارس الإسلامية الأخرى في مصر
وشمال افريقيا وبلاد الشام والعراق واليمن، وسنعرض لبعضها
في محطات من البحث.
وكان أول من نبّه الى خطر ماجاء به إبن عبد الوهاب
من تكفير للمسلمين الشيخ محمد بن عبد الرحمن ابن عفالق،
وقد كتب ابن عبد الوهاب رسالة له موتورة، خرج فيها عن
حدود اللياقة في التخاطب مع المختلف، ورماه بالكفر والفسوق،
وقد أوردنا سابقاً طرفاً من رسالة إبن عبد الوهاب إليه.
وقد قال إبن عفالق عن الأخير (وهذا الرجل كفّر الأمة..)،
وهذا واضح في نصوص رسائله التي ذكرنا طرفاً منها في الجزء
الأول من البحث. مثل ذلك قول أحمد بن علي القباني
أن الشيخ ابن عبد الوهاب (كفّر هذه
الأمة بأسرها، وكفّر كل من لم يقل بضلالها وكفرها).
أنظر: فصل الخطاب في رد ضلالات ابن عبد الوهاب،
ص 36
وأسهب سليمان بن أحمد بن سحيم في الإنكار على تكفير
إبن عبد الوهاب للمسلمين، وبعث برسالة إلى علماء المناطق
وقال عن دعوته: (ومنها: أنه ثبت أنه
يقول: الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء)، فصل
الخطاب في رد ضلالات ابن عبد الوهاب، ص 165
ويضيف: (ومن أعظمها أنه من لم يوافقه
في كل ما قاله، ويشهد أن ذلك حق، يقطع بكفره، ومن وافقه،
ونحى نحوه وصدّقه في كل ما قاله قال: أنت موحد، ولو كان
فاسقاً..) فصل الخطاب، ص 168. وقال مثل ذلك، الشيخ
علوي بن أحمد بن الحسن الحداد.
اما حسن بن عمر الشطي فذكر في ذيل كتاب (رسالة إثبات
الصفات)، حيث ذكر صفات ابن عبد الوهاب ومنها
(تكفيره المسلمين واعتقاده
حل دمائهم، وأموالهم، وسبي ذراريهم). مصباح الأنام
وجلاء الظلام في رد شبه البدعي النجدي التي أضلّ بها العوام،
ص 5، 164
وقال العالم الحجازي الكبير الشيخ أحمد بن زيني دحلان
عن الوهابيين (فلا يعتقدون موحداً إلا
من تبعهم فيما يقولون، فصار الموحدون على حد زعمهم أقل
من كل قليل..). الدرر السنية في الرد على الوهابية
ص 42، 43
وفي رأي أحمد رضا خان عن الشيخ ابن عبد الوهاب جاء
(والذي يسعده أن يكفر أجداده ومشايخه
وهو لا يكتفي بهذا، بل يكفّر سائر المسلمين، ومن بينهم
الأئمة والمشايخ، إن إبن عبد الوهاب قد أعلن عقب ظهور
دينه الجديد أن الأمة الإسلامية منذ ستمائة سنة تتخبط
في ظلام الشرك وقد ردد الوهابيون قول زعيمهم فيما بعد)(31).
وقال محمد بن نجيب سوقية (إن مذهبهم تكفير الأموات،
ورمي الأحياء بالشرك من الموحدين)، تبيين الحق والصواب،
ص 8
ما يبعث على الدهشة هي الردود التي ساقها الزهراني
لتفنيد ما يعتبره شبهات وافتراءات، ويقول بأن الشيخ إبن
عبد الوهاب تولّى بنفسه الرد عليها، ومنها هذا النص الملغوم
والمستقطع من رسالته لأهل الرياض ومنفوحة
(وقولكم: إننا نكفر المسلمين، كيف تفعلون
كذا؟ فإنّا لم نكفّر المسلمين، بل ما كفّرنا إلا المشركين)(32).
من يتعامل مع النص دون قراءة عميقة لعقيدة إبن عبد
الوهاب يعتبره نصاً عادياً، ولكن قليل من التأمل يظهر
أن الرجل لا يعترف بإسلام أهل الرياض ومنفوحة، ولذلك هو
لم يكفّر مسلمين بل كفّر مشركين، لأنهم كذلك بحسب عقيدته،
وأن مواصفات المسلم لا تنطبق إلا على من طابق المواصفات
والمعايير الوهابية في التوحيد!
بل كل ما سيأتي بعد ذلك من آراء يندرج في السياق نفسه.
على سبيل المثال، إن قوله بعدم تكفير أحد لمجرّد الظن،
وتكفير الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فذاك واضح بأنه
يتعامل مع أناس لم يدخلوا الإسلام حتى يصيبهم بالظن السيء
أو برمي الجاهل دون علم وحجة، ولذلك يختم محاجّته بهذا
القول (فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين
الله ورسوله) ودين الله ورسوله ليس سوى ما جاء به هو دون
غيره!
ونقرأ في رسالة له الى حمد التويجري يذكر فيها بعض
الرد على إبن سحيم (وكذلك تمويهه على
العوام، أن ابن عبد الوهاب يقول: الذي ما يدخل تحت طاعتي
كافر، نقول سبحانك هذا بهتان عظيم! بل نشهد الله على ما
يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد وتبرأ من الشرك وأهله
فهو المسلم، في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفر من أشرك
بالله في ألوهيته بعد ما تبيّنت له الحجة على بطلان الشرك)(33).
وفي رده على التكفير بالعموم وأمره أتباعه بالهجرة
اليه (..قولهم: إنا نكفر بالعموم، ونوجب
الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وأنا نكفر من
لم يكفر ولم يقاتل..)(34).
وقد سئل مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله
آل الشيخ: ظهرت بعض المزاعم التي تقول: إن التكفير في
العالم اليوم هو نتاج دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب،
ويزعمون أن بعض الكتب هي كتب تأصيل لمنهج التكفير، ككتاب
كشف الشبهات، والدرر السنيّة؟ فأجاب بالقول بأن كتاب كشف
الشبهات (كتاب وضعه الشيخ لبيان شبه
المشركين في زمانه.. ليبين فيها شبه المشركين قديماً وحديثاً..
فمن تأمل كشف الشبهات التأمل الصحيح رأى العقيدة السليمة
الواضحة فيه)، وقال عن كتاب الدرر السنية فقال
بأنها (رسائل مشايخ نجد وأئمة الهدى،
كلها عدل، وكلها خير، وكلها توضح الحق، وكل الدرر السنيّة
وما فيها من رسائل لمن درسها صادقاً خالياً من الهوى يرى
فيها الحق الواضح، أما من عميت بصيرته فقد يقرأ القرآن
ولا يفهمه..)(35). والتعليق على كلام المفتي: إن
لم يكن في ذلك تكفير لأهل زمان ابن عبد الوهاب، وما قبله
وربما ما بعده لمن لم يفهم معنى التوحيد، فما هو التكفير
إذاً؟
في تعريف الزهراني لأهل السنة والجماعة على ضوء مبدأ
التكفير (أهل السنة والجماعة وسط بين من يقول: لا نكفّر
أحداً من أهل القبلة، وبين من يكفّر المسلم مباشرة بكل
ذنب دون النظر في توفّر شروط التكفير وانتفاء موافقه).
ويقول في مكان آخر (فأهل السنة يقولون: من استحلّ ماهو
معلوم من الدين بالضرورة كفر، ومن قال: القرآن مخلوق أو
أن الله لا يُرى في الآخرة، كفر..)(36). ونتوقف هنا عند
هذا التعريف لأن ذلك يرسم حدّاً فاصلاً وقاطعاً بين الوهابيين
وبين أهل السنة والجماعة التي ينزع الوهابيون الى احتكارها،
ونفيها عن غيرهم من خلال القول مثلاً بأن من لا يكفر أحداً
من أهل القبلة، وهو الحال الذي عليه غالبية أهل السنة
والجماعة، يصبح خارجها، ومن ثم من قال بأن القرآن مخلوق،
وهم غالبية أهل السنة في بداية ظهور المسألة، وكذلك من
يقول أن الله لا يرى في الآخرة، وهم كل الشيعة، وبعض أهل
السنة فهم في نظر الزهراني كفّار!
وما يلفت في عرض الزهراني للآراء في موضوعة التكفير،
فإنه يكتفي، غالباً، برصد آراء خط مدرسي واحد مثل الامام
أحمد، وابن تيمية، وابن القيم، وابن عبد الوهاب، أو المقرّبين
منهم..
ذكر الزهراني موانع للتكفير منها: العذر بالجهل في
حالات، وليس على سبيل الإستمرار، والخطأ، والإكراه، والتأويل
وهو الذي يقصد به التلبّس والوقوع في الكفر من غير قصد
لذلك، بل مع اعتقاد أنه على صواب، وهو ناشيء عن قصور في
فهم الأدلة الشرعية دون تعمد المخالفة(37).
وفي مانع التأويل كلام طويل لأن أحكام التكفير التي
أصدرها إبن عبد الوهاب واهل دعوته تندرج في هذا الباب
ويعذر من نالهم التكفير بهذا العامل.
وفي مقالة بعنوان (رواسب الكفر عند المسلم الجديد)،
وهي بحسب محتوى المقالة لكاتب وهابي، ينطلق ما نصّه
(قرب عهد المسلم الجديد بالكفر يجعله
يقع في بعض المخالفات القولية والفعلية، وشواهد ذلك كثيرة
في القديم والحديث). وبعد أن يصف مشاهد الكفر والشرك
في القديم، ينتقل إلى الحديث ويصفه بما نصّه
(..وأن الإنسان قد يقع في الشرك بسبب
الجهل..) ولذلك ينصح صاحب المقالة (على تعلّم العقيدة
ومعرفتها والتبصّر فيها، خشية أن يقع الإٌنسان في مثل
ما وقع فيها هؤلاء ولذلك كان على الداعية إلى الله أن
يهتم كثيراً بمسألة العقيدة في دعوة المسلمين الجدد..).
وعاب على أولئك الذين يقومون بتخفيف اللهجة المتطرِّفة
بقوله: (حتى بلغ الأمر إلى تبديل كلام
الله والدعوة الى خلافه، ومن ذلك الدعوة إلى تغيير كلمة
الكافر إلى (الآخر)، ونسوا أن الإسلام إسلام والكفر كفر..).
ويمثّل لذلك بكلمات أوضح بما نصّه
(وقد فهم كفّار قريش التوحيد أفضل مما فهمه بعض المنتسبين
للإسلام في عصرنا من دعاة التقريب بين الأديان، وحوار
الحضارات..)(38).
تكفير الصوفيّة
ليس حكماً جديداً تكفير الوهابية للصوفية، فقد أصدر
علماؤها ومشايخها الكبار والصغار فتاوى تخرج الفرق الصوفية
من دائرة الاسلام، وتشنّع عليها بأقذع الألفاظ التي يربأ
خلق المسلم عن الاستماع إليها.
من بين تلك الكتابات المضادة للصوفية، ما أنكر فهد
بن سليمان الفهيد في حملته المناوئة للصوفية على ماجاء
في كتاب الباحث الحجازي د.عمر عبد الله كامل (التصوف بين
الإفراط والتفريط)، وقال: (والعجب الذي
لا ينقضي أنهم يعيدون طباعة هذه الكتب التي دسّ فيها الكفر
والشرك ثم يوزعون هذه الكتب ويمدحون أصحابها)(39).
ولأنه ينطلق من رؤية سلبية إزاء التصوف، فقد اعتقد
بأن كل ما يصدر عن شيوخ الصوفية ورموزها وأتباعها هي (شركيات).
فقد أورد ما اعتبره ضلالات الصوفية، منها هذا الرأي للشيخ
أبو العلا العفيفي:
(التصوف هو المظهر الروحي الديني
الحقيقي عند المسلمين، لأنه المرآة التي تنعكس على صفحتها
الحياة الروحية الإسلامية في أخص مظاهرها فإذا أردنا أن
نبحث عن العاطفة الدينية الإسلامية في صفاتها ونقائها
وعنفها وحرارتها وجدناها عند الصوفية). نقلاً عن
التصوف الثورة الروحية في الإسلام، ص 96
فحين نقرأ هذا النص بتجرّد تام، لا نجد فيه ما يعيب
خصوصاً حين يصدر عن رجل يعتقد جازماً بأن التصوف هو الجوهر
الروحي للإسلام، وله مطلق الحق في الاعتقاد بذلك، سيما
وأنه لا ينطوي على اعتداء على حق الآخر المسلم في الإعتقاد
بما يراه ضمن اجتهاد داخل المجال الاسلامي.
ونقل المؤلف آراء أخرى لمؤلفين ومشايخ للصوفية ليس
فيها ما يمثل عدواناً أو إختراقاً لمحظور ديني، بل هي
تأمّلات خاصة في التصوف الإسلامي، كأقوال عبد القادر عطا،
وعبد الرحمن عميرة، ومحمد أمين الكردي النقشبندي.
وحين أجمل ما اعتقده (أعظم بدع المتصوفة) حصرها في:
قصد القبور، وتتبع أماكن الأنبياء والصالحين وزيارتها،
والذكر، والإحتفال بالمولد النبوي، والزهد عن المباحات،
وشعائر التصوف(40).
ويمثّل كتاب عبد الرحمن عبد الخالق الموسوم بـ (الفكر
الصوفي في ضوء الكتاب والسنة)، نموذجاً للتكفير النمطي
الذي يقوم على سوابق إزاء الآخر. فقد بدأ كتابه بمقدمة
ناريّة جاء فيها (فإن أعظم فتنة أبتلي
بها المسلمون قديماً وحديثاً هي فتنة التصوّف..هذه الفتنة
التي تلبّست للمسلمين برداء الطهر والعفة والزهد والاخلاص،
وأبطنت كل أنواع الكفر والمروق والزندقة، وحملت كل الفلسفات
الباطلة ومبادىء الإلحاد والزندقة..وهم بوجه عام من الزنادقة
المبتدعين والكفار المستترين..)(41).
ولا يمكن لرؤية بهذا التحامل والشناعة إلا أن تؤول
الى أحكام في غاية القسوة، فقد حمّل عبد الخالق التصوّف
كل ظاهرة إلحادية وإفسادية (وكان التصوف
هو المعبرة التي عبر عليها الملحدون والزنادقة والمفسدون
في الأرض والعباءة التي تستّر بها كل من يريد التخريب
والتدمير لأمة الإسلام ورسالة القرآن..فقد تحوّل الزنادقة
ومن لا أصول لهم معروفة من الأعاجم والملاحدة فدخلوا في
التصوف..)(42).
رؤية إبن باز للمسلمين
يخرج الشيخ عبد العزيز بن باز، المفتي السابق للمملكة،
المسلمين من دائرة الإسلام ويضعهم في دائرة الجهل والجاهلية
على أساس أنهم لم يفهموا معنى لا إله الا الله أي لا معبود
بالحق سواه. يقول ما نصّه: (أن الله
خلق الثقلين لهذا الأصل الأصيل وأمرهم به، وأرسل به رسله
وأنزل به كتبه فتأمّل ذلك جيداً وتدبّره كثيراً ليتضح
لك ما وقع فيه أكثر المسلمين من الجهل العظيم بهذا الأصل
الأصيل حتى عبدوا مع الله غيره، وصرفوا خالص حقه لسواه)(43)،
أي أن أكثر المسلمين مشركون!
واعتبر الشيخ إبن باز أن (أهل السنة والجماعة) هم فقط
من يثبتون الصفات لله سبحانه وتعالى بظاهرها، كاليد والساق
والوجه، والاستواء والرؤية يوم القيامة، ومن خالف ذلك
يخرج حكماً من مسمى (أهل السنة والجماعة)، ولذلك اعتبر
الجهمية والمعتزلة ومن سلك سبيلهم من أهل البدع وأدخل
الأشاعرة فيهم لأنهم نفوا بعض الصفات وأثبتوا البعض(44).
فلم يبق من (أهل السنة والجماعة) إلا من قال بمقولة
الحنابلة والوهابية حيث (أثبتوا لله
سبحانه ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله محمد صلى الله
عليه وسلم من الأسماء والصفات..)(45).
وفي نواقض الإسلام تحدّث الشيخ إبن باز عن أنواع الردّة،
ومن بينها بطبيعة الحال زيارة قبور الأنبياء والأولياء
والدعاء عندهم والذي يعتبره الوهابيون (وسائط)، ما يجعلهم
كفاراً، لينتقل إلى مرحلة أخرى وهو تكفير الكافر:
(من لم يكفّر المشركين أو شكَّ في كفرهم
أو صحَّح مذهبهم كفر)(46).
ومن نافلة القول فإن ثمة نوعاً من الردّة ذكره الشيخ
إبن باز واستغلّه أعضاء القاعدة وغيرهم من المنتمين للتيار
السلفي المعارض وهو (مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين)(47).
وقد ثبت مظاهرة آل سعود ومعاونتهم على المسلمين في مواطن
عدديدة في أفغانستان وباكستان وفلسطين ولبنان وغيرها،
فضلاً عن قضايا التسلّح والتجارة التي باتت مصدراً رئيساً
لمعاونة غير المسلمين على المسلمين.
المصادر:
1 ـ خالد بن أحمد الزهراني، الغلو في التكفير بين أهل
السنة والجماعة وغلاة الشيعة الإثني عشرية، تقديم الشيخ
الدكتور محمد بن ابراهيم السعيدي، طبع خاص 1431هـ، ص 17
2ـ موقع الشيخ حامد العلي
http://www.h-alali.net/f_open.php?id=f30d6a9e-dc1d-1029-a62a-0010dc91cf69
3 ـ طريق الاسلام
http://www.islamway.com/?iw_s=Fatawa&iw_a=view&fatwa_id=9326
4ـ الدكتور منقذ بن محمود السقّار، التكفير وضوابطه،
رابطة العالم الاسلامي، ص 30
5ـ المصدر السابق، ص 47
6ـ الشيخ صالح اللحيدان، محاضرة بعنوان (فضل دعوة الامام
محمد بن عبد الوهاب)، أعدّها سالم الجزائري، ص 3
7ـ المصدر السابق، ص 4
8ـ المصدر السابق، ص6
9ـ المصدر السابق، ص6
10ـ المصدر السابق، ص8
11 ـ المصدر السابق، ص 9
12 ـ المصدر السابق، ص 11
13 ـ المصدر السابق، ص 14
14 ـ المصدر السابق، ص ص 15، 16
15 ـ المصدر السابق، ص 17
16 ـ د. سعيد بن علي بن وهف، خطر التكفير والإفساد
والتفجير، الخطبتان الاولى والثانية، مختارات من خطب د.
سعبد بن علي بن وهف، طبع خاص (د.ت)، ص 1
17 ـ المصدر السابق، ص ص 3ـ4
18 ـ محمد ناصر الدين الألباني، التوحيد أولاً يا دعاة
الإسلام، (أصل هذه الرسالة شريط مسجل ثم كتب وطبع في مجلة
السلفية، العدد الرابع عام 1419هـ)، ص 4
19 ـ المصدر السابق، ص ص 7 ـ 9
20 ـ المصدر السابق، ص ص 11 ـ 12
21 ـ المصدر السابق، ص 13
22 ـ الدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني، قضية التكفير
بين أهل السنة وفرق الضلال في ضوء الكتاب والسنة، سلسلة
رسائل سعيد بن علي بن وهف القحطاني (15)، تقديم الشيخ
صالح بن فوزان الفوزان، طبع خاص، سنة 1417هـ، ص 14
23 ـ المصدر السابق، ص 19
24 ـ المصدر السابق، ص 35
25 ـ المصدر السابق، ص 58
26 ـ المصدر السابق، ص 116
27 ـ خالد بن أحمد الزهراني، الغلو في التكفير.. بين
أهل السنة والجماعة وغلاة الشيعة الاثني عشرية (د.ت)،
نسخة بي دي إف على الانترنت، تقديم الدكتور محمد ابراهيم
السعيدي، 1431هـ، ص 7
28 ـ المصدر السابق، ص 13 وانظر: إحكام الأحكام شرح
عمدة الأحكام، الجزء الرابع ص 76
29 ـ المصدر السابق، ص 15
30ـ المصدر السابق، ص 18
31 ـ أعز النكات بجواب سؤال أركات (باللغة الأوردية)
عن الزهراني، الغلو في التكفير بين أهل السنة والجماعة
وغلاة الشيعة الاثني عشرية، مصدر سابق ص 24
32 ـ مجموع مؤلفات الشيخ، مصدر سابق الجزء5، ص 189
33 ـ مجموع مؤلفات الشيخ، ج5 ص 60
34 ـ مجموعات مؤلفات الشيخ، ج3 ص 11
35 ـ الغلو في التكفير، الزهراني، مصدر سابق، ص 44
عن فتاوى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ـ هل
دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تكفيرية؟، موقع: www.alifta.net
36ـ الزهراني، المصدر السابق، ص 51
37 ـ المصدر السابق، ص 57
38 ـ توحيد الكلمة على كلمة التوحيد، ص ص 1 ـ 2 من
موقع شبكة الألوكة (www.alukah.net)
39 ـ نشأة بدع الصوفية، إعداد: د. فهد بن سليمان الفهيد،
(د.ت)، ص 16
40 ـ المصدر السابق، ص 32
41 ـ عبد الرحمن عبد الخالق، الفكر الصوفي في ضوء الكتاب
والسنة، الطبعة الثانية 1984، مكتبة إبن تيمية، النقرة
ـ الكويت، ص ص 5، 6
42 ـ المصدر السابق، ص 7
43 ـ الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، العقيدة
الصحيحة وما يضادها ونواقض الاسلام، طبع خاص، الرياض،
2000، ص 8
44 ـ المصدر السابق، ص ص 11، 25
45 ـ المصدر السابق، ص 25
46 ـ المصدر السابق، ص 26
47 ـ المصدر السابق، ص 27
|