الــوهــابــيــّـة: مـذهـب الـكـراهـيـة
الجزء الرابع: جدلية تكفير الكافر (القسم الأول)
سعد الشريف
إن أول ما يعثر به الباحث في الأدبيات الوهابية، وفي
موضوعة التكفير على وجه الخصوص، هو هوية الكافر، ومن يصدق
عليه حكم الكفر، وأيضاً مساحة التكفير ليس بالتعيين والعموم
فحسب، أي على مستوى الأفراد والجماعات، بل على الأديان
والمذاهب، وربما البلدان، حيث تكتسب صفة دار الإيمان أو
دار الكفر، بما يسقط أي دعوى التكفير المعيّن، ويفتح أفق
التكفير على مساحة تكاد تستوعب غالبية سكّان المعمورة.
ومادام محور الرؤية العقدية لدى الوهابية يتمركز على
تقسيم الخلائق الى (مؤمنين وكفّار)، تصبح النتيجة القصوى
(أن من أجمع أهل العلم على كفره وجب تكفيره) بحسب إبراهيم
الأزرق. ولا يقتصر التقسيم عند حدّه الكلي، فهناك تقسيمات
فرعية، فالمؤمنون ليسوا بالضرورة هم من ينتسبون لدين الإسلام،
أو يعتنقونه عقيدة وشريعة قولاً وعملاً، ولكن ليس على
الشاكلة الوهابية، ولكن هنا يصبح المؤمن خاضعاً لمعايير
مختلفة قد لا تكون واردة في النصوص الدينية أو الواقع
التاريخي للمسلمين، أو حتى في أقوال الأجيال الأولى في
تاريخ الاسلام. بطبيعة الحال، فإن كل أتباع الديانات الأخرى،
من الوجهة الوهابية، هم كفّار، وبذلك يصبح نحو خمسة مليارات
إنسان كافراً في هذا الكون خارج أي نقاش حول تكفير المعيّن
أو تكفير العموم، فالأصل أن هؤلاء جميعاً في التصوير العقدي
الوهابي كفّار، ولهؤلاء أحكام خاصة بين ذمي، وحربي، ومعاهد،
وغير ذلك، وما يترتب على ذلك من أحكام هو الأخطر من بينها:
حرمة تعلّم لغتهم، والسفر الى بلادهم فضلاً عن الإقامة
فيها، والتعامل معهم في بيع أو شراء، أو العطف على فقرائهم
ومعاودة مرضاهم، كما تؤكّد ذلك فتاوى كبار العلماء في
الوهابية.
أما في الدائرة الإسلامية، فإن من ينتسب للإسلام ليس
بالضرورة أن يكون مؤمناً، فقد يصدق عليه حكم الكفر أيضاً،
وقد يكون ذلك فرداً أو جماعة، بحسب انطباق شروط الحكم.
يقول الأزرق (ومما لا جدال فيه.. أن هناك مُعيّنين ممن
ينتسبون إلى الإسلام هم كفار..)، وهنا ينشق الجدل عن مساحة
بالغة التعقيد والخطورة، إذ يصبح التكفير مهمة دينية،
كما يظهر من قاعدة (من لم يكفر الكافر يكفر). ولنتخيّل
حال المؤمنين بديانة واحدة وهم يقسّمون أنفسهم إلى مؤمنين
وكفّار، على أساس تصوّر أن من المسلمين كفّاراً.
ولكن السؤال: كيف يثبت كفر المسلم، وهل المطلوب تفتيش
عقائد الناس، دع عنك المسلمين منهم خاصة، أو الحكم عليهم
في الظاهر، وهل ارتكاب الذنب يخرج المسلم من دائرة الإيمان
ويقذف به في دائرة الكفر، وأي الذنوب يؤول بصاحبه الى
الكفر، ومن جاء بتقسيم الكفر الى درجات أصغر وأكبر؟
في التفصيل، تسقط دعوى حرمة تتبّع عثرات المسلم، فحين
يخوض بعض الدعاة في تفاصيل سيرة شخص مسلم، وكيف تنكّب
من الإيمان الى الكفر، وما هي الشواهد على ذلك، بما في
ذلك تفاصيل لا يراها إلا من نصب نفسه مراقباً للناس. ولذلك،
فإن السؤال هل إن ظهور كفر شخص ما لأناس دون آخرين يوجب
الحكم عليه بالكفر، حتى وإن كان الآخرون لا يرون فيه ذلك؟
ومن وهب بعض الناس سلطة الحكم على ذلك الشخص بالكفر، هل
آية من السماء، أو بيّنة من كتاب الله. وهل الإيمان ينعكس
بالضرورة على الجوارح بحسب ما يراه هؤلاء، وماذا يقول
هؤلاء في من يكتم إيمانه، أو يمنعه مانع من أن يظهر في
هيئة لم يعتد عليها من نصبوا أنفسهم للحكم على الناس.
طائفة من الأسئلة تتولّد من ثنايا عمليات البحث في النوايا
والمقاصد المستترة، فإذا كان الإيمان يقع في القلب فمن
له القدرة على الوقوف على حقيقته غير المطلّع على أسرار
وما ضمرته القلوب.
مسيرة التكفير تبدو مرتّبة منطقياً، من وجهة وهابية
بطبيعة الحال، تبدأ بإثبات فعل الكفر، ودرجته ثم تندلع
جنوحات التكفير الى أبعاد مختلفة حيث يلزم أولاً تكفير
الكافر، ومن لم يفعل ذلك يكون كافراً، رغم أن لا نصّ ثابت
ووثيق يستند إليه في ذلك لا في القرآن الكريم ولا في السنة
النبوية الثابتة، إذ إن الإشكالية تبدأ في أصل التكفير،
الذي بدت الآيات والأحاديث صارمة حازمة في إستعماله من
أي طرف كان، وقد فهم الأولون من ذلك أن لو احتمل أحدهم
واحداً بالمئة من ثبات المرء على الايمان لرجّحه على ماسواه
وإن بلغت الشكوك والظنون نسبة 99%، لأن في ذلك صوناَ لنظام
مجتمع المؤمنين، ولكف يد العدوان بين المسلمين وحتى لا
يكون دين الله الذي أنزله رحمة للعالمين سبباً للتطاحن
والتحارب وسفك الدماء البريئة، أو نهب الأموال الحرام،
أو هتك الأعراض التي حرّم الله سبحانه.
يقترح الوهابيون أصولاً في إقامة الحجة بتكفير المعيّن،
ولكن لا تبدو أنها ملزمة كالأصول الأربعة التي وضعوها
في إقامة الحجة على المعيّن، وقد تطرّقنا إلى ذلك سابقاً،
ولكن نذكرها هنا لمطلب آخر، فالأصول الأربعة وهي: الجهل،
والتأول، والإكراه، والخطأ. وهذه الأصول لو طبّقت تطبيقاً
صحيحاً لما أصاب أحداً من المسلمين سهم التكفير الوهابي.
ولكن هذه الأصول الأربعة تتعطّل قبل أن تدخل ميدان
التكفير، الذي يتواجد فيه العامي، وطالب العلم، والعالم،
وهؤلاء جميعاً يملكون، من وجهة وهابية، سلطة إصدار حكم
بتكفير شخص أو فئة. وقد ذكرنا سابقاً مثال العامي، كما
نظّر له الشيخ حامد العلي، ونذكر هنا مثال طالب العلم.
يقول الأزرق: (ما يجب على طالب العلم
هو أن يكفّر من ثبت كفره أصلاً، كاليهود والنصارى، ومن
ظهر أمرهم كالمرتدين الذين صرحوا بمخالفة الدين..).
لم يضع الأزرق نهاية لسلطة طالب العلم، ولكنّه
فصّل في تكفير (كل من بدر منه فعل أو قول كفري)، وطالبه
بالبحث في الموانع والشروط (وهذا الأمر يحتاج إلى جهد).
السؤال هنا إذا كان طالب العلم يملك الجهد الذي يؤهّله
للحكم بكفر شخص وإيمانه يصبح حينئذ مندرجاً في خانة غير
طلبة العلم، بل صار، بمعنى ما، من العلماء المجتهدين.
فإذا كان كل طلبة العلم، على وجه العموم، يفعلون هذا الأمر
أصبحنا أمام قضية خطيرة، لأن انتشار سلاح التكفير في أيدي
عدد كبير من الأفراد يثير الشكوك ويبعث على الخوف ولا
يترك أساساً لعلاقة سويّة بين الناس.
ومن غرائب ما تقرأ عن تأويل عبارات بعض من يبدو في
ظاهرها الكفر، أن من حكم الشيخ إبن تيمية بكفره كابن عربي
يغدو كافراً ولا يجرؤ أحد على مخالفة رأيه، حتى وإن فهم
عبارات إبن عربي بغير الطريقة التي فهمها الشيخ، ولكنه
لا يريد أن يباين الحكم عليه حتى لا تنطبق عليه قاعدة
(من لم يكفّر كافراً فهو كافر).
ولابد، رغم ذلك كله، من إنصاف الأزرق في بعض الآراء
التي خالف فيها التيار الوهابي العام، كقوله بأنه (ليس
لزاماً علي أن أكفّر من تكفر أو يكفّره فلان أو أن أبحث
في كفره أصلاً)، وكذلك قوله: (ولم يكلفني
الشارع بالجلوس على منصة عالية ومن ثم الحكم على فلان
أو علان، ولا أظن أن معك دليل يلزم بالنظر في أقوال البشر
ومن ثم الحكم عليهم!)(1).
على الضد من الأزرق، كتب د. عمر المقبل، مقالة بعنوان
(بل هم كفّار)، حمل فيها على من أسماهم (النخبة المثقفة)،
في بلاده، لأنهم عارضوا الإسراف في التكفير من قبل علماء
الوهابية، الذي دافع عنهم واعتبر التكفير موضوع اختصاص
ومن (القضايا الكبار التي لا يتجشمها
إلا كبار أهل العلم،الذين رسخوا فيه، وأمضوا زهرة أعمارهم
في تحصيله ومدارسته، كقضايا التكفير..).
المقبل وفي رد فعل على تناول الكتّاب المحليين لمسألة
التكفير بعد الحادث عشر من سبتمر وكيف ساهمت في التشيجع
على العنف والتطرف الديني. وقد حظيت مقالات الكتّاب شعبية
واسعة كما يعترف المقبل نفسه حين قال (كان الناس مغرمون
بكل جديد، ومولعون بكل غريب..). ومن بين القضايا التي
صارت موضع اهتمام الكتّاب قضية التكفير، التي اعتبر المقبل
سوء استخدامها (من أكبر أسباب الشطط والانحراف في الكتابة
في هذا الموضوع).
قضية التكفير، أو قضية (الأسماء والأحكام) بحسب الإصطلاح
الشرعي، والمتعلّقة بـ (الايمان والتكفير والتفسيق)، تتبوأ
موقعاً مركزياً في الأدبيات الوهابية. ولا يتردد المقبل
في استعادة المقولات التكفيرية الراسخة: المؤمن من حكم
الله عليه ورسوله بالإيمان، والكافر من كفّره الله ورسوله.
ولكن كيف نعرف ذلك؟ إن كان الأمر متوقفاً على الأسماء،
فليس هناك قائمة بأسماء من كفّره الله ورسوله، وإن كان
بالأفعال فمن يقول أن الفهم الوهابي للنص الديني وحده
الذي يسبغ على الأفعال صفة الإيمان أو صفة الكفر.
لاريب أن المقبل يستعير من المنظومة العقدية الوهابية
مفاهيم الإيمان والكفر التي لا تصلح لسوى الله سبحانه
وتعالى، فإن كان الله ورسوله قد حكما على شخص بالإيمان
أو بالكفر، فهل منح المؤمنين علماً تفصيلياً بهم، سوى
ما أفصح القرآن الكريم عن نماذج منهم. يقول المقبل بأن
الحكم بالكفر والايمان وتنزيلها على الأعيان يرد الى (الراسخين
في العلم، وليس لآحاد الناس)، ولكن لحظنا في مواقع سابقة
بأن العامي وطالب العلم قد يحكمان أيضاً بإيمان فرد أو
كفره، كما لفت العلي والأزرق، بل هناك أمثلة جمّة في هذا
الصدد.
عودٌ إلى حملة المقبل على النخبة المثقّفة، حيث أن
مبرر حملته هو أن الأخيرة عارضت استعمال التكفير بطريقة
مبتذلة. كتب المقبل: (وأصبح هؤلاء المنهزمون
يتحاشون وصف غير المسلمين بالكفر..)، ويضيف:
(ولم يعرف هؤلاء أو تجاهلوا أن تسمية
أتباع الملل الأخرى بـ”الكفار” يتضمن في دلالته الحكمَ
على دياناتهم بالبطلان، في حين أن تسميتهم بـ”غير المسلمين”
أو “غير المؤمنين”لا يتضمن هذه الدلالة الشرعية المهمة!).
ولنا وقفة تأمل هنا عند هذا المصطلح (غير المسلمين)
أو (غير المؤمنين) وضرورة بيان الخطأ الذي وقع فيه الحشويون
الذي يقرؤون آيات القرآن الكريم دون تدبّر. المقبل طبّق
مفردة الكفّار على أهل الكتاب دون تمعّن ولا تأمّل، كاستعماله
آية من سورة البيّنة (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين
في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شرّ البرية). ولو تأمّل
المقبل قليلاً في الآية، لما توصّل الى القول بأن
(أطلق الله ـ تعالى ـ وصف الكفر على
الوثنيين وأهل الكتاب، فهم في مقابل المسلمين كفارٌ بلا
ريب..). ولو صحّ مثل هذا الفهم لما كان ثمة حاجة
الى عبارة (الذين كفروا من) ولبدأت الآية على الفور بـ
(أهل الكتاب والمشركون في نار جهنم) باعتبارهم كفّاراً،
ولكن الآية المباركة دقيقة في تحديد بعض أهل الكتاب بأنهم
كفروا (الذين كفروا من أهل الكتاب..). بل هناك آيات تمدح
النصارى في نفس الآية التي تذم اليهود (لتجدن أشد الناس
عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدّن أقربهم
مودّة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم
قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون).
ونجد وصفاً لأتباع المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام)
في القرآن الكريم (وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة)،
وجاء ذلك لتتطابق مع آية أخرى (وإذا سمعوا ما أنزل إلى
الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون
ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين). وفي آيات أخرى دلائل
عظيمة ودقيقة كقوله تعالى: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن
بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون
بآيات الله ثمناً قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن
الله سريع الحساب)، وقوله تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب
من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه
الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين، أولئك يؤتون أجرهم
مرّتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم
ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا
ولكم أعمالكم سلام عليكم..) الخ الآيات (القصص 52 ـ55).
فهذه الأحوال إنما ذكرت على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وهو الذي سمح لوفد نصارى نجران وكان مؤلّفاً
من 70 رجلاً، حضروا المسجد النبوي وكان رسول الله صلى
الله عليه والصحابة، وطلبوا الصلاة فيه فأذن لهم ومنع
الصحابة من اعتراضهم فلم يمنعهم من دخول مسجده أو يأمرهم
بالدخول في الإسلام، بل أحسن معاملتهم، وخاطبهم بودّ ورحمة،
لأنه نبي الرحمة (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّاً
غليظ القلب لانفضوا من حولك)(2).
العهد النبوي للنصارى
ولأولئك الذين قالوا بأن حدث ذلك بغرض تقريب النصارى
واستمالتهم، فإنَّ كتاب العهد الذي وقّع عليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران وعموم النصارى ينفي ذلك،
بدليل ما اشتمل عليه العهد نفسه. وننقل هنا نص العهد من
أجل دعوة القارىء الكريم للتأمل في أبعاده ومضامينه البعيدة
والعظيمة، ومن أجل المقارنة بينه وبين الأحكام الصادرة
عن الذين يزعمون بأنهم يقتفون سيرة رسول الله صلى الله
عليه وسلم وسنّته، وأحكامه.
فقد جاء في نص العهد ما يلي: (بسم الله
الرحمن الرحيم: هذا كتاب كتبه محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب،
رسول الله إلى الناس كافة، بشيراً ونذيراً، ومؤتمناً على
وديعة الله فى خلقه، (ولئلاّ يكون للناس على الله حُجة
بعد الرسل والبيان وكان عزيزاً حكيماً) للسيد إبن الحارث
بن كعب، ولأهل ملّته، ولجميع من ينتحل دعوة النصرانية
فى شرق الأرض وغربها، قريبها وبعيدها، فصيحها وأعجمها،
معروفها ومجهولها، كتاباً لهم عهداً مرعياً، وسجلاً منشوراً،
سنّة منه وعدلاً، وذمة محفوظة، من رعاها كان بالإسلام
متمسكاً، ولما فيه من الخير مستأهلاً، ومن ضيّعها ونكث
العهد الذى فيها، وخالفه إلى غيره، وتعدّى فيه ما أقرت،
كان لعهد الله ناكثاً، ولميثاقه ناقضاً، وبذمته مستهيناً،
وللعنته مستوجباً، سلطاناً كان أو غيره، بإعطاء العهد
على نفسى، بما أعطيهم عهد الله وميثاقه، وذمة أنبيائه
وأصفيائه، وأوليائه من المؤمنين والمسلمين، فى الأولين
والآخرين: أن أحمى جانبهم، وكنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم،
ومواضع الرهبان، ومواطن السياح، حيث كانوا من جبل أو واد،
أو مغار، أو عمران أو سهل، أو رمل، وأن أحرس دينهم وملتهم
أينما كانوا، من برّ أو بحر، شرقا وغربا، بما أحفظ به
نفسى وخاصتى، وأهل الإسلام من ملّتى، وأن أدخلهم فى ذمتي
وميثاقي وأماني، من كل أذى ومكروه أو مؤونة، أو تبعة،
وأن أكون من ورائهم، ذاباً عنهم كل عدو، يريدني وإياهم
بسوء، بنفسى، وأعوانى، وأتباعى، وأهل ملّتى. ولا نغير
أسقفاً عن أسقفيته، ولا راهباً عن رهبانيته، ولا سائحاً
عن سياحته، ولا هدم بيت من بيوت بيعهم، ولا إدخال شيء
من بنائهم فى شيء من أبنية المساجد، ولا منازل المسلمين،
فمن فعل ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله، وحاد عن ذمة
الله، وأن لا يحمل الرهبان والأساقفة، ولا من تعبّد منهم،
أو لبس الصوف، أو توحّد في الجبال والمواضع المعتزلة عن
الأمصار شيئاً من الجزية أو الخراج، ولا يجبر أحد ممن
كان على ملّة النصرانية كرهاً على الإسلام، ولا تجادلوا
أهل الكتاب إلا بالتي هى أحسن، ويخفض لهم جناح الرحمة
ويُكفّ عنهم أذى المكروه حيث كانوا، وأين كانوا من البلاد.
وإن أجرم أحد النصارى، أو جنى جناية، فعلى المسلمين نصره،
والمنع والذود عنه، والدخول فى الصلح بينه وبين من جنى
عليه. ولا يُرفضوا، ولا يُخذلوا، ولا يُتركوا هُمَّلاً،
لأني أعطيتهم عهد الله على أنّ لهم ما للمسلمين، وعليهم
ما على المسلمين، حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم،
وفيما عليهم. ولا يحملوا من النكاح شططا لا يريدونه، ولا
يكره أهل البنت على تزويج المسلمين، ولا يضاروا فى ذلك
إن منعوا خاطباً وأبوا تزويجاً، لأن ذلك لا يكون إلا بطيبة
قلوبهم، ومسامحة أهوائهم، إن أحبوّه ورضوا به. إذا صارت
النصرانية عند المسلم، فعليه أن يرضى بنصرانيتها، ويتبع
هواها فى الاقتداء برؤسائها، والأخذ بمعالم دينها، ولا
يمنعها من ذلك، فمن خالف وأكرهها على شيء من أمر دينها،
فقد خالف عهد الله وعصى ميثاق رسوله، وهو عند الله من
الكاذبين. ولهم إن احتاجوا فى مرمّة بيعهم وصوامعهم، أو
شيء من مصالح أمورهم ودينهم، إلى رفد من المسلمين وتقوية
لهم على مرّمتها، أن يُرفدوا علي ذلك ويعاوَنوا، ولا يكون
ذلك ديناً عليهم، بل تقوية لهم على مصلحة دينهم، ووفاء
بعهد رسول الله موهبة لهم، ومنّة لله ورسوله عليهم. ولهم
أن لا يُلزم أحد منهم بأن يكون فى الحرب بين المسلمين
وعدوهم، رسولاً، أو دليلاً، أو وناً، أو عيناً، ولا شيئاً
مما يُساس به الحرب، فمن فعل ذلك بأحد منهم، كان ظالماً
لله ولرسوله عاصياً، ومن ذمته متخلياً، ولا يسعه فى إيمانه
إلا الوفاء بهذه الشرائط التى شرطها محمد بن عبدالله رسول
الله لأهل ملّة النصرانية. واشترط عليهم أموراً ألا يكون
أحد منهم عيناً ولا رقيباً لأحد من أهل الحرب على أحد
من المسلمين في سرِّه وعلانيته، ولا يأوي منازلهم عدواً
للمسلمين، ولا ينزلوا أوطانهم ولا ضياعهم ولا في شيء من
مساكن عبادتهم ولا غيرهم من أهل الملّة، ولا يرفدوا أحداً
من أهل الحرب على المسلمين بتقويته بسلاح ولا خيل ولا
رجال ولا غيرها، ولا يصانعوهم، وأن يُقْروا من نزل عليهم
من المسلمين ثلاثة أيام بلياليها في أنفسهم ودوابِّهم،
يبذلون لهم القِرى الذي منه يأكلون، ولا يكلَّفوا بغير
ذلك، وإن احتيج إلى إخفاء أحد من المسلمين عندهم في منازلهم
ومواطن عباداتهم أن يؤوهم ويرفدوهم ويواسوهم في عيشهم
ما كانوا مجتمعين، وأن يكتموا عليهم، ولا يظهروا العدّو
على عوراتهم ولا يخلوا شيئاً من الواجب عليهم. ومن نكث
شيئاً من هذه الشرائط وتعدّاها إلى غيرها فقد برئ من ذمة
الله وذمة رسوله وعليهم العهود والمواثيق التى أُخذت عن
الرهبان وأخذتها، وما أخذ كل نبي على أمته من الأمان والوفاء
لهم وحفظهم به، ولا يُنقض ذلك ولا يتغير حتى قيام الساعة).
وشهد على هذا الكتاب الذى كتبه محمد بن عبدالله بينه وبين
النصارى: عتيق بن أبى قحافة، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن
عفان، وعلي بن أبى طالب، وأبي ذر، وأبوالدرداء، وأبوهريرة،
وعبدالله بن مسعود، والعباس بن عبدالمطلب، والفضل بن العباس،
والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيدالله، وسعد بن معاذ،
وسعد بن عبادة، وثُمامة بن قيس، وزيد بن ثابت، وولده عبدالله،
وحرقوص بن زهير، وزيد بن أرقم، وأسامة بن زيد، وعمار بن
مظعون، ومصعب بن جبير، وأبوالغالية، وعبدالله بن عمرو
بن العاص، وأبوحذيفة، وخوات بن جبير، وهاشم بن عتبة، وعبد
الله بن خُفاف، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت، وجعفر بن
أبى طالب.
لاريب أن من يقرأ هذا النص العظيم سيصاب بالدهشة، لأن
محتويات العهد تخالف تماماً كل ما صدر من فتاوى ومادرج
عليه العامة وطلبة العلم وبعض العلماء في توصيف أهل الكتاب،
باعتبارهم كفّاراً، وما يترتب على ذلك من أحكام لاتمثّل
هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تعاليمه. فالعهد
النبوي أعلاه يؤسّس بل يؤصّل لحرية الاعتقاد وصونه، بل
يعتبر العهد دليلاً راسخاً وعميقاً على أن الإسلام إنما
جاء لحماية المعتقدات والأديان التوحيدية كافة، وصون أتباعها
من كل ما قد تتعرض له من أخطار محدقة بهم لكونهم من هذه
الديانة أو تلك. بل أرسى العهد أساساً حقوقياً متيناً
حين جعل من بيوت المسلمين مأوى لكل أتباع الديانات الأخرى
من أن يصيبها مكروه أو أذى من أحد من المسلمين أو من سواهم،
ولم يقتصر الإيواء على الأنفس والأرواح بل تعدّى ذلك الى
الممتلكات والأعراض.
إن تأكيد العهد النبوي على المسلمين بأن يعوا ويحفظوا
كل ما جاء فيه وأن يرعوه حق الرعاية، ويعملوا بكل ما ورد
فيه، حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربط نكث العهد
ببراءة الذمة من الله ورسوله، تغليظاً في عظمة العهد،
وتشديداً على خطره، حتى عدّ من خالف العهد إنما نكث عهد
الله ورسوله وهو من الكاذبين. ثم إن الشهود على العهد،
وهم كبار الصحابة والصفّ الأول في مجتمع المسلمين، لدليل
أضافي على أن الأمر لم يكن عادياً، ويكفي أنه وضع معياراً
لامتثال المسلم لحقيقة الإيمان بالله ورسوله وملائكته
وأنبيائه وكتبه.
وبحسب قراءة أمين عام اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي
المسيحي محمد السمّاك، أن العهد لم يكن للنصارى حصراً،
وإنما للمسيحيين عموماً، والأمر الثاني أن الإلتزام الإسلامي
بنص العهد لم يعد محدداً بمسلمي الفترة الزمنية التي صدر
فيها (ولكنه نصّ ملزم لكل المسلمين في كل زمان ومكان وحتى
قيام الساعة). واستند السمّاك في رأيه على ماجاء في المقدمة
(هذا كتاب أمان من الله ورسوله، للذين أوتوا الكتاب من
النصارى، من كان منهم على دين نجران، وإن على شيء من نحل
النصرانية، كتبه لهم محمد بن عبدالله، رسول الله الى الناس
كافة؛ ذمة لهم من الله ورسوله). وكذلك الفقرة (إنه عهد
عهده الى المسلمين من بعده. عليهم أن يعوه ويعرفوه ويؤمنوا
به ويحفظوه لهم، ليس لأحد من الولاة، ولا لذي شيعة من
السلطان وغيره نقضه، ولا تعديه إلى غيره، ولا حمل مؤونة
من المؤمنين، سوى الشروط المشروطة في هذا الكتاب. فمن
حفظه ورعاه ووفى بما فيه، فهو على العهد المستقيم والوفاء
بذمة رسول الله. ومن نكثه وخالفه الى غيره وبدله فعليه
وزره؛ وقد خان أمان الله، ونكث عهده وعصاه، وخالف رسوله،
وهو عند الله من الكاذبين)(3).
في بحث موسّع بعنوان (حتى لا تبوء بها) للشيخ عبد الرحمن
السحيم، والذي نشر في منتديات (مشكاة الإسلامية)، بعنوان
(والله لا يغفر الله لفلان)، معالجة لمسألة التكفير. ورغم
ما توهم المقدمة من أن السحيم يعارض المسارعة في التكفير،
والجرأة عليه إلا أنه لا يلبث أن يتعثّر بالأسس الوهابية
في الايمان والكفر. لفت السحيم الى مشاهدة له بقوله
(هالني أنني جلست إلى شاب يدرس في المرحلة
الثانوية، زاده من العلم: قيل وقال! ولا يظهر عليه أثر
علم ولا التزام سنّة، رأيته يخوض في مثل هذه المسائل ـ
أي مسائل التكفير ـ التي لو عرضت على عمر لجمع لها أهل
بدر!). هذه المشاهدة، كما هو واضح، تثير سؤالاً
من نوع آخر، يتعلّق بمصادر التثقيف، والتوجيه الديني التي
تربى عليها هذا الشاب وغيره من الشباب ودفعته لتداول أمر
خطير وعظيم كالتكفير وبطريقة عادية وشعبوية.
أسئلة بالغة الجديّة يطرحها السحيم: من يحكم على مسلم
بالخلود في النار؟ ويخلص بجملة عظيمة: من يحمل راية التكفير
الواسعة يستطيع أن يقول ذلك، بل لا بُـدّ أن يقول ذلك!،
ويمضي في خلاصاته: ومن يجرؤ على التكفير أو يتساهل في
أمره فهو واقع في ذلك لا محالة!. ويفصّل السحيم في ذلك
بحسب الترتيب المنطقي الوهابي: (إذا
حكم على مُعيّن بأنه كافر فقد حكم بأن الله لا يغفر له،
وقد قال بلسان حاله – إن لم يكن بلسان مقاله -: والله
لا يغفر الله لفلان!).
ما يثير في عرض السحيم هو في ما يخلص إليه، حين يفطن
إلى ما قد يفهم من كلامه أنه متسامح دينياً، ولذلك ما
يلبث أن ينبّه قارئه السلفي/الوهابي حصراً، والذي كما
يبدو قد خصّه السحيم بكلامه في البحث، كقوله
(وبعد هذا لا يُظنّ أنني أدافع عن أئمة
الكفر، ولا أنافح عن أهل الظلم والجور، فلكل نظام وزارة
أعلام!) ثم يمضي في لغة مدقعة
(ولا أقصد الذين بدّلوا نعمة الله كفرا،
وبدّلوا شرعه دساتير من زبالة أفكار الكفّار! ولا أعني
الذين يُوالون الكفّار جملة وتفصيلاً). إذاً ما
الهدف من كل ما عرضه السحيم سابقاً؟!
السحيم كما يبدو يحاول أن يمسك العصا من وسطها، فهو
لا يريد أن يعتنق مبدأ التسامح الديني، حتى لا يقال عنه
بأنه متساهل في دين الله، وممالىء لأهل البدع والكفر والضلال،
وفي الوقت نفسه لا يريد أن يميل كل الميل مع التكفيريين،
كما يوضّح ذلك في المقارنة بين شخص يتحدّث في مسألة يقال
له إذا جانب الصواب: أخطأت، وشخص آخر يتحدث في ذات المسألة
فإذا جانب الصواب قيل له: كفرت.
وبخلاف المتمسّكين بمبدأ تكفير الكافر، فإن السحيم
ينصح أهل دعوته بما نصّه: (أخي: لن
تسأل في قبرك إلا عن هذا الرجل الذي بعث فيكم. ما تقول
فيه؟ ويوم القيام تُسأل في خاصة نفسك وعن من ولاّك الله
عليهم. فدع عنك هذا الأمر فالسلامة لا يعدلها شيء)(4).
من الآراء الملفتة للسحيم هو تقسيمه القوانين إلى:
قسم يوافق الشريعة، وقسم يخالف الشريعة، وقسم لا يخالف
ولا يوافق، وقد أجاز الصورتين الأولى والثالثة، واجتهد
في الصورة الثانية (القوانين المخالفة للشريعة)، والتي
قال بأنها محل النظر، مثل المحاكمات العسكرية، بحسب رأيه،
وقال بأن (ليس كل حاكم خالف حكماً شرعياً يكون به كافراً)
واستند في ذلك على كلام إبن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة
الطحاوية. وأورد كلاماً لافتاً (فلو علِم الحاكم حكم الله
ثم عدل عنه في قضية أو في مسألة فلا يكون كافراً كفراً
يُخرج عن الملّة). ويضرب مثالاً بالقاضي الذي يعلم بحكم
الله عز وجّل ثم يعدل عنه ماحاباة لشخص أو خوفاً من آخر،
فإنه لا يكفر بهذا الفعل. ولكن السحيم تعثّر في هذه المسألة
بالنهج الوهابي في تقسيم الكفر الى أكبر وأصغر، واعتبر
فعل القاضي من باب (الكفر الأصغر، إلا أنه لا يخرجه ذلك
عن الملّة).
الغريب في تسامح السحيم ما قاله في مثال الحجاج بن
يوسف الثقفي وما اشتهر عنه من سفك الدماء، بل سفك دماء
بعض الصحابة مثل عبد الله بن الزبير، وسعيد بن جبير، ومحمد
بن سعد بن أبي وقاص، وغيرهم الكثير من الصحابة والعلماء،
وفي قضية سفك دماء هؤلاء الأعلام يعدل فيها عن شرع الله
إلى رأيه وحكمه ومجونه وجنونه، والصحابة متوافرون (ومع
ذلك لم يحكموا بكفره، وإن سموّه ظالماً، أو قالوا عنه:
خبيثاً، ونحو ذلك، إلا أنهم لم يكفِّروه). ولكن في المقابل،
مابال علماء الوهابية ومشايخها المعاصرين قد تساهلوا في
إطلاق حكم التكفير حتى بلغ من فرط استعماله أن خرجت طوائف
لا حصر لها من دائرة الإسلام، بل أغلبية المسلمين صاروا
بحسب المعايير الوهابية في مكان هم للكفر أقرب منهم للإيمان،
مع أنّهم لم يفعلوا معشار بل دون ذلك بكثير مما فعله الحجّاج!
من وجهة نظر السحيم، فإن أفعال الكفر لا تكّفر صاحبها،
سواء علم بذلك أم لم يعلم، فليس كل من فعل الكفر يعتبر
كافراً. بل السحيم عقد موازنة بين آيتين في القرآن الكريم،
غالباً ما يرجع علماء الوهابية إليهما في مقاربة مسألة
الولاء والبراء. الآية تقول (يا أيها الذين آمنوا لا تتّخذوا
اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم
منكم فإنه منهم)، وقد استخدمت الآية في التدليل على تكفير
من يوالي الكفّار، ولكن السحيم يرد على أصحاب هذا الرأي
بآية أخرى غفل عنها التكفيريون كقوله تعالى (لا ينهاكم
الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم
أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين). فالله
عزّ وجل أمر بالإحسان إلى طائفة من الكفار. ولعل أبلغ
كلام في هذا المجال ما ورد في حديث لرسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو ينهر خالد بن الوليد عن ضرب عنق من اعتقد
أنه موالٍ للكفار، فأجابه نبي الرحمة (إني لم أؤمر أن
أنقّب قلوب الناس، ولا أشق بطونهم).
في تواصل مع ردود على ما يعتبره شبهات في التكفير،
ردّ السحيم على القائلين بأن تصريح الربا وتشريع أبواب
البنوك الربوية وما يدخل في باب استحلال ما حرّم الله
بأنه كفر صريح. ولكن السحيم يفصل بين فعل الإنسان للمعاصي
والموبقات التي لا تخرجه من الإسلام إلا بعد استحلالها،
أي الفرق بين العمل بها واستحلالها، فقد يعمل المرء عملاً
كفرياً ولكن لا يعتقد بحليّته. ويعتبر هذا الفصل بين الفعل
الكفري والإعتقاد بحليّته جديد في العقل التيولوجي الوهابي،
وإن كتاب (تحكيم القوانين) للشيخ محمد بن ابراهيم، والشروحات
اللاحقة التي جاءت عليه لا تنتصر لمثل هذا الرأي المتسامح.
السحيم الذي يبدو أنه يرد على كتاب (الكواشف الجليّة
في كفر الدولة السعودية)، يعرض كل الشبهات التي تناولها
الكتاب لإثبات خروج الدولة السعودية عن خط الإسلام. فإضافة
الى الشبهات سالفة الذكر، فإنه عرض شبهات أخرى وردت في
(الكواشف الجليّة..)، مثل اللجوء الى محكمة العدل الدولية،
والإنضمام الى هيئة الأمم ومجلسي الأمن (وهم يحكمون بغير
ما أنزل الله). وردّ على ذلك بأن اللجوء الى تلك المؤسسات
لم يكن طوعيّاً، بل قد يكون قهرياً، تماماً كما في حال
أقيمت دعوى ضد مسلم في بلاد الغرب، التي تحكّم قوانين
غير إسلامية، فهل يرفض المثول أمام قاضي المحكمة بحجة
أنها محاكم دول كافرة!
وخلافاً للتقسيم الشائع في الأدبيات الوهابية، والتي
غالباً ما تبدأ به أبحاثهم في التكفير، فإن السحيم يرد
على شبهة تقسيم الناس الى فريقين: مؤمنين وكفّار، وعليه
فإن الناس إما يوالون المؤمنين فهم منهم، وإما يوالون
الكفّار فهم منهم. ويعلّق السحيم (ونسي هؤلاء أن ثمة فريقاً
ثالثاً، وهم المنافقون). وينقل عمّا رواه مسلم عن المنافق
والذي قال عنه بأنه (كمثل الشاة العائرة بين الغنمين،
تعير إلى هذه مرة ، وإلى هذه مرة). فقد اعتبر السحيم وجود
فئة المنافقين حائلاً أمام التسرّع في اطلاق صفة الكفر
فقد يصدق عليهم صفقة النفاق وليس الكفر، مع أن المنافقين
لهم حالات تنتقل بهم بين الكفر والايمان.
أفرد السحيم مساحة لمن قال بوجوب تكفير من لم يحكم
بما أنزل الله، أو من والى الكفّار، من باب تحقيق التوحيد
بالكفر بالطاغوت إستدلالاً بقوله تعالى (فمن يكفر بالطاغوت
ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها).
ولكن حين رجع الى أقوال ابن جرير وابن كثير في معنى الطاغوت
لم يجد من بينها تكفير المرتد أو البراءة من الحكّام.
وخلص السحيم من الغموض والخلاف الذي وقع بين كبار الصحابة
حول المرتدّين والموقف العملي منهم، إلى (أن المسلم ليس
ملزماً بتكفير مسلم كائناً من كان). فهل يا ترى يأخذ هذا
الرأي طريقه الى سلوك العلماء وطلبة العلم والعامة، أم
أن ثمة فصلاً بين ماهو نظري والموقف العملي من كل مختلف.
شيوخ التكفير
مصطلح ظهر بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ويقصد
به رجال الدين الوهابيين الذين انبروا لمهمة الإفتاء في
الشؤون الدينية ذات الطابع السياسي، وشكّلت فتاواهم الأساس
الشرعي لبعض الأعمال المسلّحة في بلدان عدّة مثل العراق
وأفغانستان وباكستان والهند والشيشان وروسيا وبريطانيا
وأسبانيا والولايات المتحدة. ورغم أن التكفير عقيدة راسخة
في الأدبيات الوهابية، وقد صنّفت رسائل وكتب وفتاوى في
تأصيلها وتشريعها، ولكن منذ بروز التنظيمات السلفية المسلّحة
المشتقة من تنظيم القاعدة بما فيها تنظيم القاعدة في جزيرة
العرب، قبل أن يضمّ اليمن والسعودية بعد العام 2007، وتحديداً
بعد مقتل قيادات التنظيم في الداخل، أصبحت فتاوى التكفير
تأخذ طابعاً سياسياً، وتمثّل مادة التحريّض الرئيسية على
النشاطات الجهادوية.
وفيما تبلورت صورة المشايخ التكفيريين المرتبطين بمشروع
القاعدة، وهؤلاء في الغالب غير ظاهرين ويزاولون مهامهم
بطريقة غير مشهودة، فيما تم إلقاء القبض على بعضهم ومازال
يقبع في السجون السعودية مثل الشيخ سليمان العلوان، والشيخ
ناصر الفهد، والشيخ علي الخضير، وغيرهم. في المقابل، هناك
قائمة من مشايخ التكفير الذين يعتقد بأنهم أقرب الى الحكومة،
وإن بدوا في الظاهر منفصلين عن مشروعها، ويقف على رأس
هؤلاء الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك، والشيخ ناصر العمر،
والشيخ صالح الفوزان وغيرهم من الذين كان بعضهم مصنّفاً
على مشايخ الصحوة، وبرزوا في تسعينيات القرن الماضي. وسنقوم
بتسليط الضوء على فتاوى هذه الطبقة من مشايخ التكفير في
الداخل والتي تزاول تكفيرها دون رادع قانوني، وذلك على
النحو التالي:
1 ـ الشيخ البرّاك
الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البرّاك، يعتبر من صقور شيوخ
التكفير، برز في مساجلات عديدة ويعتبر صاحب الفتاوى الأكثر
إثارة للجدل، وهو ملهم لكثير من المشايخ القريبين والبعيدين
من الحكومة.
وبخلاف قراءة السحيم، ومنافحته المحمولة على الرغبة
في تبرئة ساحة المذهب الوهابي من تهمة التكفير، يقدّم
الشيخ البرّاك، ومشايخ آخرين سنعرض لهم في أقسام لاحقة،
مجموعة فتاوى مناقضة لكل ما قاله السحيم. وننقل هنا بعض
الفتاوى من الموقع الرسمي للشيخ البرّاك:
ـ فتوى رقم 24695 بعنوان (حكم من لم يكفّر الخارجين
عن شريعة الإسلام)، بتاريخ 7/3/1429هـ الموافق 14/3/2008،
وجاء في سؤال الفتوى: شاع في كثيرٍ
من الكتابات الصحفية جملةٌ من المخالفات الشرعية المصادمة
لأحكام الشرع المطهَّر. وفي الفترة الأخيرة تجاوزت تلك
الكتابات إلى المساس بقاعدة الدين ومفاهيمه الكبرى. فقد
نشر بجريدة الرياض عدد (14441) مقالةٌ بعنوان : (إسلام
النص، وإسلام الصراع)، قرَّر كاتبها أن من التشويه والتحريف
لكلمة (لا إله إلا الله) القول باقتضائها الكفر بالطاغوت
ونفي سائر الديانات والتأويلات، أو أن معناها : (لا معبود
بحقٍ إلا الله). ونشر بالجريدة نفسها في العدد (14419)
مقالةٌ بعنوان : (الآخر في ميزان الإسلام) قرَّر كاتبها
أن الإسلام لا يكفِّر من لا يدين به إلا إذا حال بين الناس
وبين ممارسة حرية العقيدة التي يدينون بها. وزعم أن دين
الإسلام ـ خلافاً لرأي المتشددين ـ لا يكفر من لم يحارب
الإسلام من الكتابيين أو من أتباع العقائد الأخرى، بل
عدَّهم من الناجين.
فأجاب الشيخ البرّاك بما نصّه:
(أخذ العلماء أن من نواقض الإسلام اعتقادَ
أن أحداً يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم
فمن زعم أن اليهود والنصارى أو غيرهم أو طائفةً منهم لا
يجب عليهم الإيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ، ولا يجب
عليهم اتباعه، فهو كافرٌ وإن شهد ألا إله إلا الله وأن
محمداً رسول الله).
وبهذا يتبين أن (من زعمَ أنه لا يكفرُ
من الخارجين عن الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله
عليه وسلم ، إلا من حاربه) ، أو زعم (أن شهادة ألا إله
إلا الله لا تقتضي الكفر بما يعبد من دون الله، والبراءة
منه ومن عابديه، ولا تقتضي نفيَ كلِّ دينٍ غير دين الإسلام
مما يتضمن عدم تكفير اليهود والنصارى وسائر المشركين)
فإنه يكون قد وقع في ناقضٍ من نواقض الإسلام. فيجب أن
يحاكم ليرجع عن ذلك. فإن تابَ ورجع، وإلا وجب قتله مرتداً
عن دين الإسلام، فلا يغسَّل ولا يكفَّن ، ولا يصلى عليه،
ولا يرثه المسلمون. فنعوذُ بالله من الخذلان وعمى القلوب،
فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور(5).
ـ فتوى رقم 19072 بعنوان (التفريق بين أهل الكتاب والمشركين)
بتاريخ 18/2/1428هـ الموافق 7/3/2007، وجاء في سؤال الفتوى:
..فهل وصف المشركين لا ينطبق على أهل الكتاب؟ وما الفرق
بين الكفّار والمشركين؟
وجاء في جواب الشيخ البرّاك ما نصّه
(أما بعد ما بعث الله خاتم النبيين،
فكل من لم يؤمن به من اليهود، والنصارى، وغيرهم فإنه كافر
فإن مات على ذلك فهو من أهل النار، ولا ينفعه انتسابه
لشريعة التوراة، أو الإنجيل، وقد انضاف كفرهم بتكذيبهم
محمد صلى الله عليه وسلم إلى ما ارتكبوه من أنواع الشرك..
فتبين مما تقد(م) أن اليهود، والنصارى،
وسائر المشركين من عبدة الأوثان والمجوس كلهم كفار من
مات منهم على كفره، فهو في النار، وأنهم جميعا مدعوون
إلى الإيمان بالقرآن، وبالرسول الذي جاء بالقرآن ومأمورون
باتّباعه عليه الصلاة والسلام فإن رسالة محمد صلى الله
عليه وسلم عامة لجميع الناس من الكتابيين، والأميين..(6).
ـ فتوى رقم 12912 بعنوان (الإحتفاظ بالإنجيل)، بتاريخ
11/10/1426 هـ الموافق 13/11/2005، وجاء في سؤال الفتوى:
هل يجوز الإحتفاظ بالإنجليل أو إهدائه إلى أحد النصارى؟
أجاب الشيخ البرّاك بما نصّه:
..فلا يجوز للمسلم إقتناء شيء من هذه الأناجيل
ولا التوراة ولا إهداؤه إلى النصارى؛ لأن ذلك من التعاون
على الإثم والعدوان، فإن دين النصارى باطل وهم كفّار بشركهم
وبما يعتقدونه في المسيح وأمه..(7).
ـ فتوى رقم 11637 بعنوان (موادة الكافر هل تحرم مطلقاً؟)،
بتاريخ 23/5/1426هـ الموافق 30/6/2005 وجاء في سؤال الفتوى:
يقول الله تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم
الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو
أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم...) فهل تعني هذه الآية
أننا يجب ألاَّ نكن أي عاطفة لأقاربنا من غير المسلمين،
حتى ولو كان عندهم إهتمام بالإسلام، ولا يعادون إيماننا؟
أم أن هناك فرقاً بين العاطفة الفطرية والعاطفة بسبب الإيمان؟
هل يكون من الجائز للمسلم أن يكره كفر أقاربه، ومع ذلك
يبقى لديه نوع من العاطفة الفطرية نحوهم؟ هل مثل هذه العاطفة
تخرج المسلم من الملة؟ أرجو توضيح الأمر.
أجاب الشيخ البرّاك بما نصّه:
الواجب على من منّ الله عليه بالإسلام
والإيمان والتوحيد أن يبغض الشرك وأهله، فإن كانوا محاربين
فعليه أن يعاديهم بكل ما يستطيع، وإن كانوا مسالمين للمسلمين
فيجب بغضهم على كفرهم ومعاداتهم لكفرهم..(8).
ـ فتوى رقم 11185 بعنوان (الحكم على من مات من الكفار
بالنار) بتاريخ 23/2/1426هـ الموافق 3/4/2005، وجاء في
سؤال الفتوى: وما رأيكم في من إذا ذكر له أن أحد النصارى
قد مات كان تعليقه: (هو كافر في النار لا رده الله). أو:
زادت النار شخصاً بموته؟.
وجاء في جواب الشيخ البرّاك ما نصهّ:
معلوم بالضرورة من دين الإسلام أن اليهود
والنصارى كفار، واليهود والنصارى المعاصرون سبيلهم سبيل
أسلافهم بالكفر والشرك، وعداوة الأنبياء، ولو سلموا من
كل أنواع الكفر لكفاهم كفرًا وبعدًا عن رحمة الله تكذيبهم
لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن مات منهم على ذلك
فهو في النار.
فيجب على كل مسلم اعتقاد كفر اليهود والنصارى،
وأن من مات منهم ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم- فهو
في النار خالداً مخلّداً فيها، ومن لم يقرّ بذلك من المسلمين،
بل زعم أن اليهود والنصارى على دين صحيح، فإنه كافر مرتد
بذلك عن دين الإسلام، ولو زعم أنه مسلم، ولكن لا يشهد
على معيّن ممن مات منهم بأنه في النار لعدم العلم بحقيقة
أمره وبما مات عليه، ولكن من علم منهم بكثرة الفساد والطغيان،
وشدة الكفران، فإنه يجوز لعنه والدعاء عليه بالنار، والبعد
عن رحمة الله، فما ذكر في السؤال يجوز في هذا النوع من
الكفار ممن اشتهر بالشر واشتدت عداوته للإسلام والمسلمين(9).
ـ فتوى بعنوان (ماحكم التقريب بين أهل السنة والشيعة
الرافضة؟) وجاء في جواب الشيخ البرّاك:
السنة والرافضة مذهبان متناقضان وطائفتان
مختلفتان ومذهبهما ضدان لا يجتمعان.. والدعوة إلى التقريب
بين السنّة والرافضة يشبه الدعوة إلى التقريب بين النصرانية
والإسلام، ومعلوم أن الكفر والإسلام ضدان لا يجتمعان وكذلك
السنة والبدعة، ومعلوم أن طائفة الرافضة هم شر طوائف الأمة؛
فقد جمعوا إلى أصولهم الكفرية أصول المعتزلة وشر ما تقوم
عليه الصوفية، وهو الشرك بالقبور، فمذهب الرافضة يقوم
على الغلو في أئمتهم وعلمائهم، ومن مظاهر هذا الغلو بناء
المشاهد على قبورهم، والحج إلى تلك المشاهد وفعل مناسك
تشبه مناسك الحج إلى بيت الله الحرام، فالذي يدعو إلى
التقريب بين السنة و الشيعة إما جاهل بحقيقة المذهبين،
وإما متجاهل مغالط، والغالب على دعاة التقريب من الشيعة
التلبيس والمغالطة، وأما دعاة التقريب من أهل السنة ففيهم
المخدوعون، الذين يظنون أن الخلاف بين السنة والشيعة من
جنس الخلاف بين المذاهب الفقهية، كالحنبلية والشافعية
والمالكية والحنفية(10).
ـ فتوى رقم 25206 بعنوان (دفع الزكاة لعوام الرافضة)
بتاريخ 9/4/1429هـ الموافق 15/4/2008، وسؤال الفتوى: هل
يجوز دفع الزكاة لعوام الرافضة وليس لعلمائهم؟
فجاء في جوابه ما نصّه:
..والمراد فقراء المسلمين، والواجب على
من أخرج الزكاة أن يتحرى لها الموضع الذي يطمئن إليه قلبه،
يتحرى فيها من كان أحوج ومن كان أتقى لله..وأما فقراء
الرافضة فإني لا أحب للإنسان من أهل السنة أن يدفعها إليهم؛
لأن بدعة الرافضة بدعة مغلظة، ودينهم يقوم على الشرك والغلو
في أهل البيت، وإن كان أكثرهم يستخفون بذلك ويستترون به،
لكن هذا هو المعروف من حالهم..(11).
ـ فتوى رقم 25152 بعنوان (كيف أتعامل مع جاري الرافضي)
بتاريخ 18/6/1429هـ الموافق 22/6/2008، والسؤال يدور حول
كيفية التعامل مع مسلم شيعي من الطائفة الاسماعيلية في
نجران، وبحسب السائل: هل أعامله معاملة المسلم العاصي؟
أو معاملة الذمي، مثل اليهود والنصارى، أو مثل عامة الكفار؟
وهل الشيعة كفار في الظاهر؟
وجاء في جواب البرّاك:
صاحبك - أيها السائل - هو رافضي؛ لأن الرافضة
هم الذين يسميهم الناس بالشيعة، ومن أصول مذهب الرافضة
التقية، وهي إخفاء أصولهم الكفرية إلا في الأحوال التي
يأمنون فيها، وفيما بينهم يبوحون بمعتقداتهم، فمذهب الرافضة
قائم على النفاق، ولهذا أقرب ما ينبغي أن يعاملوا به معاملة
المنافقين والله سبحانه وتعالى أجرى على المنافقين في
الدنيا أحكام المسلمين؛ لأنهم يظهرون الإيمان ويبطنون
الكفر، فمن أظهر كفره ظهر نفاقه وزندقته، كذلك الرافضة
من باح وأعلن شيئاً من أصوله الكفرية وجب أن يقام عليه
حكم الله، ومن تستر والتزم بمذهبه في التقية، فإنه يعامل
في الظاهر معاملة المسلمين من العصاة ، أو المبتدعة، وهم
مبتدعة يجب أن يؤمروا بشرائع الإسلام كالصلاة مع الجماعة،
ويمنعوا من إظهار بدعهم، ولا يجوز للمسلم أن يتخذ المبتدع
- خصوصاً الرافضي - صديقاً وجليساً، ولكن من تظاهر منهم
بالاعتزاز بمذهبه، والطعن في أهل السنة فيجب أن يعامل
بالهجر والإهانة، ومن تستّر فإنه يعامل معاملة سائر المسلمين
مع الحذر وترك المجالسة له والمصادقة(12).
ـ فتوى رقم 18080 بعنوان (تكفير عوام الرافضة) بتاريخ
26/11/1427هـ الموافق 17/12/2006، وجاء في فحوى السؤال
أن تكفير عقيدة الشيعة هل يعني تكفير عامة جهّالهم الذين
يضلّلون من قبل أئمتهم، وفي حال نصحوا وبيّن لهم وأقيمت
عليهم الحجة ولم يرجعوا عن تلك العقيدة الفاسدة وجب تكفيرهم،
وفي الأخير: هل الجاهل منهم معذور بشركه؟
فأجاب البرّاك بما نصّه: الرافضة الذين يسمون أنفسهم
الشيعة ، ويدعون حب آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم
، هم شر طوائف الأمة.. وهؤلاء كفار بإجماع المسلمين، وإذا
أظهروا الإسلام وكتموا اعتقادهم كانوا منافقين، وهؤلاء
من غلاة طوائف الرافضة الذين قال فيهم بعض العلماء : إنهم
يظهرون الرفض ، ويبطنون الكفر المحض.. الرافضة في جملتهم
هم شر طوائف الأمة.. هذا واقع الرافضة الإمامية الذين
أشهرهم الإثنا عشرية فهم في الحقيقة كفار مشركون لكنهم
يكتمون ذلك.. أنهم كفار مشركون منافقون وهذا هو الحكم
العام لطائفتهم، وأما أعيانهم فكما قرر أهل العلم أن الحكم
على المعين يتوقف على وجود شروط، وانتفاء موانع، وعلى
هذا فإنهم يعاملون معاملة المنافقين الذين يظهرون الإسلام.
ومن المعلوم أن أئمتهم، وعلماءهم هم المضلون لهم، ولا
يكون ذلك عذراً لعامتهم لأنهم متعصبون لا يستجيبون لداعي
الحق، ومن أجل ذلك الغالب عليهم عدواة أهل السنة.. ولهذا
كان خطرهم على المسلمين أعظم من خطر اليهود، والنصارى
لخفاء أمرهم على كثير من أهل السنة، وبسبب ذلك راجت على
كثير من جهلة أهل السنة دعوة التقريب بين السنة والشيعة
، وهي دعوة باطلة. فمذهب أهل السنة ،ومذهب الشيعة ضدان
لا يجتمعان، فلا يمكن التقريب إلا على أساس التنازل عن
أصول مذهب السنة، أو بعضها، أو السكوت عن باطل الرافضة،
وهذا مطلب لكل منحرف عن الصراط المستقيم ـ أعني السكوت
عن باطله ـ كما أراد المشركون من الرسول صلى الله عليه
وسلم أن يوافقهم على بعض دينهم ، أو يسكت عنهم فيعاملونه
كذلك ، كما قال تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ..(13).
ـ فتوى رقم 19880 بعنوان (تكفير أعيان الإسماعيلية
في عصرنا) بتاريخ 9/4/1428هـ الموافق 26/4/2007، وجاء
في سؤال الفتوى: هل يجوز تكفير أعيان الإسماعيلية في عصرنا؟
فأجاب البرّاك بما نصّه:
..فأئمتهم كفار بأعيانهم، وكذا كل من عُلم
منه أنه عارف بأسرار المذهب الباطني، ويَدين به فإنّه
كافر، ولكن المذهب الباطني يقوم على النفاق؛ فأئمة الباطنية
زنادقة ـ أي: ملاحدة منافقون ـ أذلّهم الله بعز الإسلام،
والمسلمين، وفضحهم الله، وكشف أسرارهم، وكفانا الله شرهم،
وطهر مجتمعات المسلمين منهم(14).
إضافة الى ما سبق، فإن البرّاك كفّر كاتبين بأعيانهم
وهما عبد الله بن بجاد العتيبي ويوسف أبا الخيل، في رد
فعل على مقالة للعتيبي بعنوان (إسلام النص وإسلام الصراع)
نشرت في جريدة (الرياض) في عددها الصادر بتاريخ 7 كانون
الثاني (يناير) 2008، ومقال آخر في الجريدة نفسها للكاتب
يوسف أبا الخيل بعنوان (الآخر في ميزان الإسلام) نشر في
16 ديسمبر 2007. وقد سئل الشيخ البرّاك عن المقالتين،
فطالب بمحاكمة كل منهما واستتابته، فإن لم يرجع كل منهما
عن قوله (وجب قتله مرتدّا فلا يغسّل ولا يكفّن، ولا يصلّى
عليه، ولا يرثه المسلمون).
إضافة الى ما سبق، فإن البرّاك كفّر كاتبين بأعيانهم
وهما عبد الله بن بجاد العتيبي ويوسف أبا الخيل، في رد
فعل على مقالة للعتيبي بعنوان (إسلام النص وإسلام الصراع)
نشرت في جريدة (الرياض) في عددها الصادر بتاريخ 7 كانون
الثاني (يناير) 2008، ومقال آخر في الجريدة نفسها للكاتب
يوسف أبا الخيل بعنوان (الآخر في ميزان الإسلام) نشر في
16 ديسمبر 2007. وقد سئل الشيخ البرّاك عن المقالتين،
فطالب بمحاكمة كل منهما واستتابته، فإن لم يرجع كل منهما
عن قوله (وجب قتله مرتدّا فلا يغسّل ولا يكفّن، ولا يصلّى
عليه، ولا يرثه المسلمون).
وكان بجاد قد كتب في مقالته رؤية عقدية مناقضة للرؤية
الكلاسيكية النمطية في المدرسة الوهابية، ما يعتبر خروجاً
رسمياً عن خط الإعتقاد العام. ذكر بن بجاد ما نصّه
(أدخل المتصارعون في التراث الدين كأداة
صراعٍ وسلّطوا عليه آليات تأويلية وتفسيرية تخدم هدف كل
جهة من المتصارعين وكل جماعة من المتناحرين، وباختلاف
الأهداف والغايات اختلفت التأويلات والتفسيرات.
وبما أنّ هذا الإسلام المباشر البسيط..
لا ينفع في الصراعات من حيث أنّه دينٌ متسامحٌ جاء “رحمةً
للعالمين”، بما أنّه كذلك فقد اضطر المتصارعون إلى تجزئته
وتقطيعه ومن ثمّ إعادة بنائه وتركيبه ضمن منظومة تضمن
خدمة أهدافهم الصراعية، وتشكّلت على هذا الأساس “إسلاماتٌ”
تعبّر عن رؤية كلّ فريقٍ وتثبّت نظرية كلّ طائفة).
وساق مثالاً لا ينطبق إلا على المدرسة السلفية
الوهابية كونها تستند زعماً على مبدأ التوحيد، وبّين بن
بجاد كيف تمّت تجزئة الشهادة الأولى (أشهد ألا إله إلا
الله) من أجل نفي إيمان وإسلام المرء
(رأوا أنه يجب أن تتم تجزئتها إلى جزءين
كحدٍ أدنى: الجزء الأول (لا إله) والجزء الثاني (إلا الله)،
ثم تأتي مرحلة الشحن التأويلي ومرحلة التعبئة التفسيرية،
فيكون الجزء الأول: (لا إله) المقصود به هو “الكفر بالطاغوت”
ونفي جميع “الأديان” و”التأويلات” الأخرى، ويضاف لذلك
تكفير المخالفين وقتالهم والبراءة منهم، ثم يأتي دور الجزء
الثاني: (إلا الله) لتتم تعبئتها كالتالي: أي لا معبود
بحقٍ إلا الله، أو لا موجود إلا الله، أو غيرها من التفسيرات
المشحونة والملغومة التي اختلفت باختلاف المدارس والفرق
والمذاهب والطوائف، وعلى هذا فقس)(15).
ومن شأن هذا الرأي أن يثير حفيظة البرّاك وأهل دعوته،
لأنه مصوّب الى نهج تيولوجي تستند إليه المدرسة الوهابية
عموماً، ولذلك كان من الطبيعي في حالة البرّاك أن يكون
رد فعله تكفيرياً إلى حد المطالبة بإنزال القصاص والقتل
في حق بن بجاد.
في مقالة يوسف أبا الخيل، كلام نقدي مماثل إذ عارض
المنهج التكفيري الوهابي بقوله (أن
الإسلام لا يكفِّر من لا يدين به إلا إذا حال بين الناس
وبين ممارسة حرية العقيدة التي يدينون بها، وأن دين الإسلام
لا يكفّر من لم يحارب الإسلام من الكتابيين أو من أتباع
العقائد الأخرى، بل عدَّهم من الناجين)(16). وهي
رؤية تفارق ماعليه المذهب الوهابي، وتلتقي عند قراءة مفتوحة
على البيان القرآني العام، بما يجعل كل المؤمنين بالله
وحده لا شريك أمة واحدة تتوجّه إليه وتخلص العبادة له
وحده عبر طرق متعددة.
فكان رد البرّاك (إن من نواقض الإسلام
إعتقادَ أن أحداً يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله
عليه وسلم فمن زعم أن اليهود والنصارى أو غيرهم أو طائفةً
منهم لا يجب عليهم الإيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم
، ولا يجب عليهم اتباعه، فهو كافرٌ وإن شهد ألا إله إلا
الله وأن محمداً رسول الله)(17).
وخلص البرّاك في ردّه على أبا الخيل قائلاً
(يجب أن يحاكم ليرجع عن ذلك. فإن تابَ
ورجع، وإلا وجب قتله مرتداً عن دين الإسلام، فلا يغسَّل
ولا يكفَّن، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون).
عبد الله بن بجّاد علّق على فتوى البرّاك بالقول (تذكرنا
بفتاوى أخرى أصدرها منظرو هذا التنظيم مثل محمود العدوة
وناصر الفهد وعلي الخضير والذين كان الشيخ عبدالرحمن البراك
يصدر ويوقع معهم البيانات سوياً، فهو مقرب جداً من خطابهم
ومن تفكيرهم).
البرّاك، شأن مشايخ تكفيريين آخرين، قاموا بعد تصاعد
الحملات الاعلامية والقضائية في أوروبا ضدهم، بإعلان حالة
الطوارىء من أجل (تنظيف) مواقعهم من فتاوى التكفير والتحريض
على القتل، خصوصاً بعد التجربة المؤلمة التي عاشها عضو
هيئة كبار العلماء السابق الشيخ عبد الرحمن بن جبرين الذي
جرت ملاحقته قضائياً في ألمانيا خلال رحلة علاجية ما اضطر
الحكومة السعودية إلى نقله على نحو عاجل من ألمانيا وإدخاله
المستشفيات المحلية حيث توفي.
(..يتبع)
الهوامش
1 ـ إبراهيم الأزرق، كلمة في التكفير، مقالة نشرت بتاريخ
1/6/1426هـ أنظر الرابط:
http://almoslim.net/node/84447
2 ـ أنظر: د. عمر المقبل، بل هم كفّار، نشر في موقع
المسلم بتاريخ 21/5/1427هـ، أنظر الرابط:
http://almoslim.net/node/83366
3 ـ محمد السمّاك، نص العهد النبوي لنصارى نجران ملزم
للمسلمين في كل مكان وزمان، بتاريخ 29 أيلول (سبتمبر)
2010، الركن الأخضر، الرابط التالي:
http://www.grenc.com/show_article_main.cfm?id=19415
4 ـ أنظر بحث (حتى لا تبوء بها) للشيخ عبد الرحمن السحيم،
على الرابط التالي
http://saaid.net/Doat/assuhaim/66.htm
5 ـ ـ رابط الفتوى على النحو التالي:
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=24695
6 ـ أنظر نص الفتوى بتمامها على الرابط التالي:
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=19072
7ـ أنظر نص الفتوى بتمامها على الرابط التالي:
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=12912
8 ـ أنظر الفتوى بتمامها على الرابط التالي:
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=11637
9ـ أنظر الفتوى بتمامها على الرابط التالي:
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=11185
10 ـ أنظر الفتوى بتمامها على الرابط التالي:
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=26211
11 ـ أنظر الفتوى بتمامها على الرابط التالي
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=25206
12 ـ أنظر الفتوى بتمامها على الرابط التالي:
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=25152
13 ـ أنظر نص الفتوى بتمامها على الرابط التالي:
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=18080
14 ـ أنظر نص الفتوى بتمامها على الرابط التالي
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=19880
15 ـ عبد الله بن بجاد العتيبي، إسلام النص وإسلام
الصراع، جريدة الرياض، العدد 14414، 7 يناير 2008 أنظر
المقالة على الرابط التالي:
http://www.alriyadh.com/2008/01/07/article306977.html
16 ـ يوسف أبا الخيل، الآخر في ميزان الإسلام، جريدة
الرياض، العدد 14419، 16 ديسمبر 2007، أنظر المقالة على
الرابط التالي:
http://www.alriyadh.com/2007/12/16/article301993.html
17 ـ أنظر الرابط التالي
http://www.alarabiya.net/articles/2008/03/13/46897.html
|