فاجعة (الحائر) تفتح ملف السجون السعودية من المسؤول؟
(مشروع تأهيل النزلاء) هكذا وُصفت إحدى برامج التدريب والتهذيب
المعدّة من قبل وزارة الداخلية في إطار ما تصفه زعماَ ببرامج التأهيل
المهني والتشغيل الداخلي للسجناء، والتي تعتمد بشكل أساسي ـ حسب زعم
الوزارة ـ على عودة السجين إلى الله. ولكن هذا المشروع قد أهل هذه
المرة مجموعة من أبناء هذا الوطن لعالم آخر، فقد إلتهمت النيران
أجساد 67 روحاً و20 جسداً معاقاً بحسب الاحصاءات الرسمية، في كارثة
إنسانية مفجعة تشهدها السجون السعودية. فقصة الحريق بحسب الرواية
الرسمية لم تتضح بعد، ولكن ما نقله التلفزيون السعودي من صور كان
وحده دليلاً كافياً على أن حريقاً بل حرائق متوقعة في هذا السجن الذي
تنعدم فيه أبسط شروط السلامة.
المثير للدهشة أن قصة الحريق ليست فقط لم يتم نقلها بالكامل في
وسائل الاعلام الرسمية، بل جرى التكتيم عليها وإسدال الستار عليها
بسرعة. فكارثة كهذه ستحظى في بلدان أخرى تحترم رعاياها وشعوبها
وقانونها بإهتمام واسع النطاق وستخصص وسائل الاعلام المحلية جزءا
كبيراً من تغطيتها الاخبارية لحادثة بهذا الحجم حتى الكشف عن أسباب
الكارثة والمسؤولين عن وقوعها. ولكن في بلادنا الأمر يختلف كثيراً،
وسيختلف أكثر حين يتعلق الأمر بوزارة الداخلية صاحبة الذراع الأطول
في شؤون هذا البلد. فما جرى في سجن الحائر كارثة إنسانية بكافة
المعايير، وليس هناك جهة أخرى يمكن توجيه اللوم لها سوى وزارة
الداخلية بدرجة أساسية قبل الحديث عن جهات أخرى. فإنعدام وسائل
السلامة، والطريق المعبدة الموصلة للسجن، ونقص أجهزة الاطفاء، وأي
مبررات أخرى هي ليست مسؤولية جهات أخرى بل وحدها وزارة الداخلية
المسؤولة عن كل ذلك.
السجون كوسيلة موت
ثمة شعارات طموحة ظلت تتردد في وسائل الاعلام المحلية، من قبيل أن
السجن وسيلة إصلاح، وليس مجرد وسيلة للعقاب وأن السجن إصلاح وتأهيل،
يعاد بداخله تأهيل السجناء كيما يعودوا إلى مجتمعهم مؤهلين للانضواء
بفاعلية وإيجابية فيه..شعارات ثبت في هذا الحادث وحوادث عديدة سابقة
بأنها جوفاء، فقد ظلّت هذه الشعارات في حدود الدعاية واذا ما أحسنا
الظن فهي تندرج في قائمة التطلعات الطموحة، فهذه الشعارات أصبحت جزءا
من حريق الحائر، فقد تحوّل السجن الى وسيلة موت وحرق جماعي. أوضاع
السجن كما نقلتها الصور التلفزيونية المحلية تمثل صدمة نفسية مرعبة،
فصور الأقفاص المتراصّة والمظلمة سوى من ضوء كاميرا التلفزيون
والبيئة الخانقة التي في هذا السجن، ومساحة الزنزنات الضيقة والأسرّة
المتراكمة فوق بعضها لا تعكس أي مصداقية لتلك الشعارات. فمشاهد
الأقفاص تلك لا تصلح كبيئة عيش ومكان للحيوانات فكيف بها لأناس في
مقتبل أعمارهم، فأي بيئة اصلاحية هذه التي يمكن أن تنمي موهبة،
ومؤهلاً، ومهارة في أناس يتكدّسون بداخل صناديق مظلمة، ولا يرون منها
شمساً ولا يستنشقون فيها هواءً نقياً، ولا يرون عبرها نافذة أمل جديد
لحياة أخرى، فهذه الاقفاص مصممة لخنق تطلعهم، وطموحهم، وصلاحهم
أيضاً.
فهل يكفي في ظل أوضاع مزرية كتلك التي يعيشها النزلاء في هذه
الأقفاص أن تنظّم محاضرات دينية حتى يخرج هؤلاء من بطون الاقفاص
صالحين عاملين، فلربما يكون مكان إنعقاد المحاضرات الفرصة الوحيدة
للسجناء كيما يطبقوا جفونهم، ويريحوا أبدانهم، فهم يدركون بأن بعد
نهاية المحاضرة سيعودون أدراجهم الى الأقفاص المظلمة والموحشة. وماذا
يمكن لبرامج اصلاحية وتربوية ومهنية أن تقوم به اذا كان النزلاء
يعاملون وكأنهم ليسوا من الجنس البشري، أو أنهم ينظر اليهم كأناس غير
أسوياء تكويناً، فلو كان غير ذلك لما جرى حشدهم في ما يشبه أقبية
مظلمة تحت الأرض.
فاجعة الحائر ليست منفصلة عن مأساة السجون السعودية التي ربما لم
تسلط الأضواء عليها لقلة المعلومات حولها، ولتحفظ وحذر من ذاقوا
العذاب بداخلها وخشية أن ينكتوا جراحاً لم تندمل بعد، فهم إن ينقلوا
ما جرى لهم فهم ينقلوا ذكرياتهم المصبوغة بالدم، وتبقى قضية التعذيب
في السجون السعودية أم القضايا، وهي الشاهد الأول على أوضاع حقوق
الانسان في هذا البلد.
قصة التعذيب في السجون السعودية
فرق التعذيب المؤلفة من ضباط كبار من الرتب العليا (رائد ولواء)
وبعضهم ممن يعمل في مكتب وزير الداخلية، تنتمي الى فئة فريدة من
المرضى النفسيين الذين يحققون رغبة جامحة بداخلهم بالتلذذ بتعذيب
السجناء واستعمال أبشع ألوان التعذيب النفسي والجسدي ضد السجناء، الى
حد النيل من الاعراض. بعضهم روى بأن رائداً في سجون المنطقة الغربية
كان يأمر بتعرية السجناء من ملابسهم قبل بدء التحقيق معهم، هكذا من
أجل إشباع غريزة خاصة.
فرحلة عذاب السجين تبدأ من لحظة اعتقاله، فهناك طريقة مألوفة في
الاعتقال، تبدأ بزوّار الفجر أو خفافيش الليل كما يوصفون الذين
يقدمون بسيارات الجيب مدججين بأسلحة وعصي (عجرات) فلا ينتظروا فتح
الباب وحصول الإذن من صاحب المنزل، بل يكسروا الباب على من فيه من
نساء وأطفال، ثم ينتشرون داخل البيت، فيعبثون بمحتويات الغرف
يقلبّوها رأساً على عقب، ويفزعون النائمين بأساليب قمعية فيوقضونهم
بالعصي أو الأحذية، وبعد الانتهاء يسوقون المطلوب من مسكنه مقيّداً
أمام أطفاله وأهله ويرحلون به الى المجهول، حيث لا معلومات تقدّم
لأهل المعتقل عن أسباب الاعتقال، ومكان المعتقل، وكيفية التواصل معه،
وما هي الحقوق المقررة له قانونياً..فكل شيء يتم بصورة غامضة حتى
النهاية.
فور وصول المطلوب الى المعتقل يتم خلع وتجريد متعلقاته كالملابس
والنقود والساعة، وينقل بعدئذ الى زنزانة صغيرة لا تتجاوز مساحتها
متر في نصف متر، حيث يقضي المعتقل فترة طويلة تصل في المتوسط الى
ثلاثة شهور وقد تطول لسنوات. يقول أحدهم بقيت في المعتقل لمدة سنتين
ولم يسمح لي بأن أرى الشمس فقد دخلت الى السجن من بوابة صغيرة وخرجت
منه من نفس البوابة، وبقيت خاضعاً للتحقيق اليومي وفي أوقات متفاوتة
طيلة هذه المدة.
يتعرض المعتقلون خلال فترة التحقيق الى ما يطلق عليه في الثقافة
الشعبية وجبات تعذيب ساخنة، ويتم خلالها استعمال كابلات الكهرباء،
والمروحة الكهربائية، وسكب الماء المغلي والبارد في آن واحد، إضافة
الى الحرق والرفس بالحذاء والتسهير لساعات وأيام عديدة، ففرق التعذيب
تتقن صنوفاً مختلفة من التعذيب لا يمكن الاحاطة بتفاصيلها، فكل معتقل
في السجون السعودية يحمل قصة معاناة فريدة لا تشابه الاخرى.
يقول أحد من خضع للتحقيق أنني ريثما دخلت لمكتب الرائد (أ.ن)
سألني سؤالاً واحداً ما هي علاقتك بالحادث فنفيت صلتي به (فانهالت
علي الركلات واللكمات, ولم يبق موقع في جسدي إلا ناله نصيب من الأذى
حتى تمزقت ملابسي علي. كل هذا ويداي لاتزالان مقيدتان.. تعرّى نصف
جسدي فتفتّحت شهيتهم على لسع بدني بالسياط وأدوات ضرب لم أعرف ما هي.
وطوال ساعات من الضرب, ظلّوا يلحّون على بنفس السؤال.. وأنا لا أملك
إلا الإنكار. أصبت بالإغماء من شدة ما لاقيت, وكلما حدث ذلك ألقوا
علي الماء لأصحو من جديد. لم تعد رجلاي تحملاني, فكنت أسقط على
الأرض, ولولا أنهم كلّوا وملّوا لأجهزوا علي من يومهم ذاك. أمروا
بحملي إلى الزنزانة, وهناك ألقى بي رجلان من الحراس, فمكثت كالجثة
هامداً لا أقوى على الحركة).
هذه القصة تتكرر في كافة سجون وزارة الداخلية ولكن بتفاصيل مختلفة
وإضافية، فبعضهم يتحدث عن تهديد بالاعتداء الجنسي، وبعض آخر يتحدث عن
شتم أهله والنيل القذر من عرضه، وبعض ثالث يتحدث عن سب الخالق أمامه،
وبعض رابع يتحدث عن وجبات تعذيب جماعية لمعتقلين قد عرّوا من
ملابسهم، وبعض خامس يتحدث عن تهديدات جديّة بإحضار المحارم أمام
المعتقل والاعتداء عليهم أمامه..وسادس وسابع أحاديث ينقلها من ذاقوا
كافة ألوان القمع والبطش على أيدي فرق التعذيب في السجون السعودية.
لم يقدر لهؤلاء أن يكتبوا مذكراتهم بالدم المتدفق بفعل سياط فرق
تعذيب لا تعرف معنى الرحمة والقيم الانسانية، فهم قد تدربوا على
القسوة وأجهزة التعذيب في دورات خاصة,
المنظمات الحقوقية: تقارير لم تستكمل
بعد
دعوة الحكومة السعودية لعدد من منظمات حقوق الانسان مثل منظمة
العفو الدولية وهيئة رقابة الشرق الأوسط وغيرهما لزيارة السجون
السعودية في الآونة الأخيرة جاءت تحت تأثير ضغوط متوالية بعد مقابلات
صحافية مع عدد من السجناء الأجانب البريطانيين والكنديين
والاستراليين بخاصة المفرج عنهم ضمن تسويات سياسية محضة، وقد كشفوا
بعد عودتهم لبلدانهم جانباً من انتهاكات لحقوقهم كسجناء كان يجب أن
يتمتعوا بها كما في بلدانهم. وقد سعت الحكومة السعودية الى تحسين
صورتها الحقوقية، وأعلنت عن رغبتها في تحسين ظروف السجون السعودية،
فقبل زيارة وفد منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوقية أخرى في شهر
ديسمبر عام 2001 أعلن مدير السجون السعودية اللواء علي الحارثي بأن
هناك إصلاحات ستشهدها السجون في بلاده وسيتم استبدال عقوبة الحبس
بفرض الغرامات، والسماح للسجناء بالخروج من السجن خلال ساعات النهار
والعودة اليه في المساء بعد إكمال أعمالهم. وزعم الحارثي مدير السجون
السعودية بأنه : (ليس لدينا ما نخفيه أو نخشاه، وسوف ترى المنظمة أن
حقيقة سجوننا ومعاملتنا للسجناء مختلفة عما يشاع عنها). وفي سياق تلك
الاصلاحات أيضاً أعلن الحارثي بأنه ورغبة في تخفيف مشكلة إزدحام
السجون سوف يتم الأخذ ببدائل للسجون مثل الخدمة الاجبارية للمجتمع
والغرامات.
ولكن بعد فترة وجيزة تبين أن تلك التصريحات لم تكن أكثر من ذر
الرماد في العيون، فهي عديمة الجدوى وليست ذات مصداقية حقيقية، فقد
ظهر أن عدداً كبيراً ممن إنتهت مدد إعتقالهم بقوا داخل السجون فترات
إضافية، وأن الزعم بتحسين أوضاع السجناء ورعاية أحوالهم الصحية
والاجتماعية والنفسية جاء مفضوحاً ومخزياً في حريق الحائر. فهؤلاء
الضحايا قضوا نحبهم في ظل أحوال صحية واجتماعية ونفسية كارثية، بعد
أن أحاطت النيران بهم قبل أن يخرجوا من أقفاصهم، فضلاً عن التفكير في
الهروب من مخارج طوارىء هي في الأصل غير موجودة، بل تُركوا للنيران
كي تشوي لحومهم، وتحيلهم الى جثث متفحمة، ولم يكن بإمكان حرّاس السجن
عمل ما يجب من أجل إنقاذهم لأن الطريق الى الاقفاص كان يستعر ناراً،
ولم تجد سيارات إطفاء الحريق طريقاً معبدة الى السجن مما تسبب في
تأخر وصولها الى مكان الحادث، فتولّت سيارات الاسعاف مهمة نقل
الضحايا الى مستشفيات قريبة بعد أن أصبحوا جثثاً سوداء يصعب التعرف
على ملامح أصحابها.
قبل أن ينجو الكبار ويسقط الصغار
السؤال المركزي: هل حقق أحد في الأوضاع الانسانية للسجون
السعودية؟، ولماذا في الأصل تحوّلت وزارة الداخلية بكل متعلقاتها
والمؤسسات المرتبطة بها الى صندوق مغلق بإحكام، فهذه الكارثة
الانسانية كفيلة بأن تطيح بحكومة كاملة وليس بوزير الداخلية فحسب.
نخشى أن تمر الحادثة دون عقاب وليس تحقيق ونشر التفاصيل التي من
المؤكد بانها ستأتي بما لا يترك مجالاً للإدانة، وفي أحسن الافتراضات
فسيتحملها الصغار وسينجو منها الكبار.
من الطبيعي في غياب جهات تحقيق مسؤولة ودولة القانون أن تقذف
التهم ضد الصغار، فينالهم العقاب بتهمة التقصير عن أداء الواجب،
وتنفيذ المهام على وجه أكمل، فيما ينجو الكبار، المتسببون الحقيقيون
في هذه الكارثة الانسانية. فما دخل الصغار في بناء الأقفاص، وفي
الأوضاع الصحية والنفسية الكارثية وفي بناء سجون بهذه الطريقة التي
لا تصلح حتى للحيوانات البرية. في حقيقة الأمر، إن المسؤولية تتحملها
وزارة الداخلية، كما أن وزير الداخلية شخصياً هو مسؤول مسؤولية
مباشرة عما جرى ويجري وسيجري، فكيف يكون وزيراً وهو لا يعلم ما يدور
في سجون تديرها وزارته، وهل بناء السجون يتم بدون قرار وإدارة
الوزارة، فهل يعقل بأنه لم يطّلع على أوضاع السجن وظروف السجناء؟.
ندرك وقبل صدور نتائج التحقيقات في الحادث بأن الضحايا هم صغار
الضباط والحراس الذين لا حول لهم ولا طول، وأن المسؤولية ستسجّل ضد
حطب الافران، ممن يتحوّلون الى دروع بشرية للكبار في الكوارث، لصالح
وزير الداخلية والترويكة المتواطئة معه، ولكن كلمة يجب أن تقال
للتاريخ بأن أجساد الضحايا شاهدة على أن ما جرى عليهم لا يعدو كونه
جريمة شنيعة يجب أن تفتح ملف السجون السعودية، فهناك من الكوارث
المنتظرة الشيء الكثير، فكثير من الضحايا يسلّمون الى ذويهم بدون علم
الناس، ويدفن بعضهم ليلاً حتى لا يفتضح أمر وزارة الداخلية، وهناك
عوائل تشرّدت وتفككت بسبب إعتقالات عشوائية، وقرارات فصل من الوظائف
صادرة عن وزارة الداخلية ضد سجناء لم تثبت إدانتهم.
أما دور هيئة الادعاء والتحقيق المسؤولة عن مراقبة السجون،
فبالرغم من أن هناك أحاديث كثيرة عن دور فاعل لهذه الهيئة في مراقبة
أوضاع السجون والسجناء في السعودية، ولكن حتى الآن لم يتبين بأن هذه
الهيئة تتمتع بسلطة حقيقية، فإصلاحية بهذا الوضع المزري يكفي لمعرفة
أوضاع باقي السجون والمعتقلات وتحديداً السياسية منها والتابعة لجهاز
المباحث. لم يكن المراقب والمشاهد لصور الحريق داخل سجن الحائر بحاجة
الى وقفة طويلة كيما يشكّل صورة عامة عن أوضاع السجون السعودية، فهذه
الاصلاحية تمثل دليلاً صارخاً ومفزعاً على أوضاع لاإنسانية تتحمل
مسؤوليتها جهات عديدة وأجهزة حكومية مختلفة، ولاشك أن هيئة الادعاء
والتحقيق تتحمل جزءا من هذه المسؤولية الجسيمة. وقد حان الوقت كيما
تعلن هيئة الادعاء والتحقيق عن ملابسات ما جرى وعن الدور الحقيقي
الذي تلعبه في قضية مراقبة السجون، ذاك إن كان لها دور في الأساس.
لقد آن الآوان أن يفتح هذا الصندوق المليء بأحزان وآلام الأبرياء
وأن يطّلع عليه سكان هذا البلد، وأن يكشف ما بداخله من قصص
الانتهاكات الخرقاء لحقوق الانسان، وأن ينادي الجميع من أجل السماح
لمنظمات حقوقية أهلية للدخول كمراقبين محايدين على أوضاع السجون
والسجناء، وأن يخضع النظام القضائي لاصلاحات جوهرية تتكفل بتوفير
ضمانات قانونية وحقوقية للمتظلمين وأن يخضع السجناء لمحاكمات علنية
وعادلة، ورفض أية إعترافات منتزعة تحت التعذيب. فكثير من المحاكمات
السرية جرت وتجري الآن داخل المعتقلات وهي سمة من السمات المعتادة
لنظام القضاء السعودي حسب تقرير منظمة مراقبة الشرق في أبريل عام
2002. وحسب هاني مجلي، المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال
إفريقيا بمنظمة (مراقبة حقوق الإنسان) (هناك خلل فادح في نظام القضاء
السعودي، ففي أي نظام قضائي يتسم بالعدل والشفافية لا يصح أن يكون
إجراء المحاكمات أو إصدار الأحكام على المتهمين سراً من الأسرار).
فكثير من أحكام الاعدام والحبس لمدد طويلة كانت تتم داخل السجون في
ظل محاكمات سرية يرأسها قضاة تابعون لوزارة الداخلية.
حقوق السجناء
رغم أن تعداداً حقيقياً للسجناء في السجون السعودية يمكن التعويل
عليه ليس متوفراً، فالاحصائيات الرسمية الصادرة في نهاية عام 2001
تذكر بأن هناك حوالي 30 ألف سجين في كافة السجون السعودية، وهو
بالتأكيد رقم يدنو كثيراً عن الحقيقة، فهناك من المعتقلين السياسيين
أعداد كبيرة تفوق هذا الرقم بأضعاف ولكن لم تدرج ضمن مسمى السجين،
فكما هو معروف فإن السجون الجنائية غير السجون الأمنية في السعودية،
وأن السنوات الأخيرة وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر شهدت
حملة اعتقالات واسعة في صفوف من يصنّفون ضمن قائمة الجماعات
الارهابية وتنظيم القاعدة، وقد شملت هذه الحملة عدداً كبيراً من
الافراد ممن لا صلة لهم بهذه الجماعة ولكن لمجرد الشبهة والظنة،
ويقضون فترات طويلة في المعتقلات دونما سبب واضح لإعتقالهم، ويخضعون
للتحقيق والتعذيب من إجلاء انتزاع معلومات تعتقد الجهات الأمنية بأن
السجناء يخفونها. ويبدو أن هناك قراراً بعدم الكشف عن العدد الحقيقي
للسجناء في السعودية، ففي تصريح سابق لمدير السجون السعودية اللواء
على الحارثي بأن عدد السجناء في السعودية يتراوح ما بين خمسة عشر
وعشرين ألف سجيناً، وكان ذلك مثيراً للسخرية فهو يتحدث عن هامش يصل
الى خمسة وعشرين بالمئة وهذا يكشف بوضوح أن ثمة إرادة بعدم الكشف عن
العدد الحقيقي، ولذلك يتم إعطاء أرقاماً غير صحيحة، وفي الواقع قليلة
حتى لا يترك مجالاً أول الأمر للتدقيق والمساءلة، واذا تبين الخطأ
فيما بعد فهو لا يعد كونه تقديراً، ومع ذلك يبقى السؤال قائماً كيف
يصح عدم علم مدير السجون في السعودية بالعدد الاجمالي والدقيق
للسجناء، فلو كان الأمر متعلقاً بأحد مسؤولي السجن لكان الأمر
مقبولاً ولكن حين يتعلق بمدير كافة السجون السعودية فهذا يمثل خطيئة
تضاف الى باقي الخطايا التي ترتكبها وزارة الداخلية في حق من تأتمن
على حياتهم وتتحمل مسؤولية ما يجري عليهم.
يحرم السجناء في السعودية من حقوق كثيرة، تبدأ من حقهم في التمتع
بمعاملة إنسانية داخل المعتقلات، وفي الاتصال بذويهم ومحاميهم، وفي
حقهم بالتمتع بمحاكمة عادلة أمام قضاة مستقلين، وفي حقهم في
الاستئناف..حقوق وإن زعمت الحكومة السعودية بالالتزام بها والتوقيع
عليها كجزء من التزامها بالمعاهدات الدولية، الا أن ما يجري داخل
سجونها يتناقض تماماً مع كافة النصوص والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق
الانسان والقسم الخاص بمعاملة السجناء. |