(أولو الأمر) والمعارضة
عبد الوهاب فقي
ليست لدينا في المملكة تجارب سياسية راسخة في المعارضة
كما في الحكم؛ و(أولو الأمر!) يعتقدون بأن وجود من يختلف
معهم طامة كبرى، ولا يريدون أن يمهلوا أحداً كما أمهل
الله إبليس الى يوم يبعثون! بل يريدون محاسبته هنا! هناك
نرجسية لدى (أولي الأمر) في موقفهم تجاه من يعارضهم، مع
أنه لا يشرف نظاماً أن يقال بأن ليس له من يختلف معه في
الرأي. بل هناك من الأمراء والمشائخ السلفيين من يرى سب
الذات الإلهية أهون عليه من التعرّض للحاكم بالنقد.
السياسة عندنا شأن خاص خلاف كل الدنيا. فمن يتعاطاها
هم محدودون ولا يجب أن يتحدث فيها أحد أو ينقاشها أحد
أو أن يعتبر أحدنا نفسه معني بما يجري له وما يقرر له.
فالشيوخ أبخص، وهم لا يريدون أن يتسيس الناس ولا أن يتعاطوا
الشأن العام. حتى المظاهرة المؤيدة لا يريدونها، وحتى
النقد البسيط لا يتحملونه، وحتى الكتابة على الحيطان يسجن
المئات ولا نقول العشرات بسببها، بل أنه في مناطق كالشرقية
يطلقون النار على من يكتب الشعارات المعارضة على الجدران.
وحتى الكتاب والمنشور يصبح جريمة كبرى وتآمراً (على الوطن!).
السياسة عندنا شأن خاص خلاف كل الدنيا. فمن يتعاطاها
هم محدودون ولا يجب أن يتحدث فيها أحد أو ينقاشها أحد
أو أن يعتبر أحدنا نفسه معني بما يجري له وما يقرر له.
فالشيوخ أبخص، وهم لا يريدون أن يتسيس الناس ولا أن يتعاطوا
الشأن العام. حتى المظاهرة المؤيدة لا يريدونها، وحتى
النقد البسيط لا يتحملونه، وحتى الكتابة على الحيطان يسجن
المئات ولا نقول العشرات بسببها، بل أنه في مناطق كالشرقية
يطلقون النار على من يكتب الشعارات المعارضة على الجدران.
وحتى الكتاب والمنشور يصبح جريمة كبرى وتآمراً (على الوطن!).
وكلمة (مختلف) أدقّ في توصيف الوضع الحالي من كلمة
(معارض). والمعارض لا يعارض الحكومة في كل شيء، وإنما
في المختلف فيه والذي بان عواره، والمسألة في الأخير مسألة
رأي، ولذا اعتبر السجناء السياسيون سجناء ضمير ورأي. وحتى
المختلف بالمفهوم السعودي يعتبر متآمراً يريد قلب النظام
ويريد استبدال الحكم، وغير ذلك، وبالتالي يجري عليه القمع:
الطرد من الوظيفة؛ والسجن؛ والمنع من الكتابة؛ والمنع
من السفر.
إن وجود المختلف أو المعارض من سنن الكون. إن لم تتنظم
ـ كما فعل الغربيون عبر صناديق الإقتراع ـ فإن الحكم عندنا
يكون لمن غلب، فيصبح التمجيد بالسيف الأملح الذي عادة
ما يلوّح به أمراء آل سعود لخصومهم: (أخذناه بالسيف، والسيف
لازال بيدنا)؛ وبذا يحق للمواطن أن يتوسل بالسيف نفسه
أو بمنطق ملك الآباء والأجداد!
لذا شاع لدينا حكم الغلبة والوراثة والإنقلابات العسكرية،
وشاع لدينا القمع والإرهاب، وشاعت عندنا دون غيرنا تهم
لم ينزل الله بها من سلطان ومعيبة لكل نظام قاهر، وصار
لدينا (سجناء سياسيون، ومعتقلون سياسيون)؛ فهل هي جريمة
أن تشتغل بالسياسة فتعتقل لأن لديك رأيا مخالفاً، وأن
تُنفى من وطنك اختياراً أو اضطراراً لكي تقول كلمة قد
تكون كلمة حق؟!
المعارضة في المملكة أنواع: منها من يريد تغيير النظام
السياسي، وقد وجد في الخمسينيات والستينات والسبعينات،
وقد حاولته أحزاب يسارية وقومية بعثية وناصرية. وجاء جهيمان
أيضاً كمعارضة مسلحة وليس كمن هم قبله عبر تدبير انقلابات
فاشلة، وفشل في الإطاحة بالنظام. ومنها معارضات أخرى بعضها
سلمي يريد تدرجاً في الإصلاح، وبعضها يريد تغييراً جذرياً
للنظام. ومنها ماهو بمعارضة أصلاً، وإنما مطالبات عبر
البيانات بإصلاحات معيّنة، دونما ممارسة ضغط من الشارع
أو غيره.
ولكن ما يهمنا هنا هو أن نؤكد على حق المواطن في أن
يشتغل بالسياسة لا أن يكون خروفاً في قطيع.
ونؤكد على أن إقحامه في السياسة أهم ـ بالنسبة لأي
دولة ـ من إبعاده منها.
وعلى أن لنا كمواطنين الحق في اختيار من يحكمنا وفي
النظام الذي يسيرنا. أما إذا كنا دجاجاً فسنكون على دين
ملوكنا: نسمع وقد لا نسمع، نطيع وقد لا نطيع، نصدق وقد
لا نصدق، وما نظهره غير ما نبطنه، خشية العصا أو رجاء
الجزرة، أو لا إبالية منا.
حينها لا يأتينّ أحدٌ ويقول للمواطن: تعال دافع عن
وطنك وعن حكم آل سعود! ولا أن يقنعه بأنه محسود ومهدد
من الاخرين.. الخ. أعطني حقي في قول كلمتي واختيار من
يمثلني واحكمني بما يرضيني (كمجموع) وخذ حقك كحاكم، عليك
مني واجب الطاعة.
ليس في عنقنا بيعة بالإكراه، وليس في عنقنا إلزاماً
أو التزاماً لأحد نزى على الحكم بالوراثة أو بالقوة!
نعم.. بدون معارضة يكون الوطن قطعة قماش واحدة لا لون
لها ولا طعم ولا رائحة. تجد الرأي الواحد، والفكر الواحد،
والحاكم الأوحد الملهم والعبقري، وتجد لدينا (الأفضل والأحسن
والأعظم واخر تقليعات أفعل التفضيل) نطلقها على كل ما
لدينا سواء كان يستحق أم لا يستحق.
بدون معارضة يكثر الفساد وتكمم الأفواه ويخاف الحاكم
كما المحكوم، وينبطح الحاكم للأجنبي خوفاً من شعبه، وتسلم
قرارات ومستقبل الأجيال للأجنبي.
لا يوجد بلد ليس فيه معارضة. المهم شرعنتها ضمن القانون.
انك لو أجريت استفتاء على وجود الحق لما حصل على مائة
بالمائة، فهناك ملاحدة لا بوجوده تعالى الله عما يقولون.
فما بال آل سعود يريدون منا أن نعتبرهم آلهة من دون الله
تعبد وتمجد وتخرس الألسن من أجلها؟
ما بالنا ما أن يظهر شخص يسعى للإصلاح حتى يتهم بالعمالة
والخيانة والتآمر؟ في حين كان الأولى أن يتهم من يزعمون
أنهم أولي الأمر بخيانة الأمانة والتفريط بحقوق المواطنين
وبيع مستقبل الأجيال للأجانب من أجل البقاء على الكرسي؟
نحن لا ندافع عن معارضة بعينها، بل عن حق المعارضة
في الوجود وحقها في الإختلاف في الرأي. والحاكم في بلدنا
أقوى بالإنتخاب وبوجود المعارضة منه بتكميم الأفواه وتطفيش
المواطنين خارج الحدود وسحب جنيسياتهم! ثم اتهامهم بالعمالة
والتآمر بل والإرهاب أيضاً، متناسياً أن إرهابه وعمالته
هما وراء كل هذا!
إن بلداً كالسعودية، لا توجد به آراء مختلفة، وطموحات
تنظم ضمن قوالب قانونية، هو بلد غير مستقر، ولازال أمامنا
الوقت لنسمع المزيد من الإنفجارات الإجتماعية السياسية.
حينها يتأكد لآل سعود أن هناك معارضة غير سلمية هذه المرّة،
بل معارضة عنيفة وحادّة.
|