عقوبة المنع من السفر
تحويل السعودية الى سجن كبير
السعودية تمثل حالة غير مسبوقة في منعها عشرات الألوف
من الأكاديميين والناشطين السياسيين والحقوقيين ورجال
الدين من السفر بحجج أمنيّة وكعقاب على ممارسة حرية التعبير
في حدودها الدنيا!
نورة الملحم
في جلسة سريّة في 10 نيسان (إبريل) 2012، حكمت محكمة
جنائية متخصّصة في الرياض على محمد صالح البجادي، الذي
حرم من حقه في التمثيل القانوني، بالسجن أربع سنوات تليها
خمس سنوات منع من السفر. وفي اليوم التالي، أصدرت المحكمة
نفسها حكماً ضد الدكتور يوسف الأحمد، عميد كلية الشريعة
في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، خمس
سنوات سجن، وخمس سنوات منع من السفر، وغرامة 27.500 دولار
أميركي. يكشف الحكم على الناشطين السياسيين السعوديين
التحوّل الذي جرى مؤخراً في الاجراءات القانونية لسجناء
الضمير السعوديين. ليس فقط لجهة فرض منع السفر كشكل من
العقاب الذي تزايد بصورة لافتة، فإن الناشطين السياسيين
السلميين يتم مقاضاتهم في محكمة مخصصة للتحقيق في قضايا
ذات صلة بالإرهاب والأمن.
وحيث كانت وزارة الداخلية ذات مرة المؤسسة الوحيدة
التي تقوم بفرض مثل تلك العقوبات، فإنها تقوم اليوم باستخدام
المحاكم لإعطاء أحكام حظر السفر العشوائية وجهاً مشروعاً.
إن قدرة الوزارة على سن أحكام منع السفر العشوائية وتجاوز
النظام القضائي لا يزال قائماً. في ضوء زيادة النشاط السياسي
والتحرّك في أرجاء المملكة العام الماضي، قامت الوزارة
ـ أي الداخلية ـ باللجوء الى أحكام منع السفر غير الضرورية
والمحاكم الخاصة لقمع حرية الكلام لإسباغ مشروعية قانونية
مشوّهة لهجومها المنّظم على المعارضة.
إن إستخدام أحكام منع السفر بوصفه شكلاً من أشكال العقوبة
ضد النشاط السياسي هو مخالف للقانون الدولي، والميثاق
العربي لحقوق الإنسان، والنظام الأساسي للحكومة في السعودية،
وقانون وثائق السفر السعودية. إن التحوّل مؤخراً لجهة
إقرار أحكام منع السفر بصورة رسمية عن طريق المحاكمة،
المتعارض مع وزارة الداخلية وحدها، وعليه الكشف عنهم في
الوثائق العامة، يقدّم فرصة جديدة للمجتمع القضائي. فبإمكان
الناشطين الآن الاعتراض رسمياً على قوانين المنع في المحاكم
والاستفادة من تكتيكات الإسم والعار لتقليص السلطات المتمدّدة
لوزارة الداخلية، حتى لو أثبت التحدي القضائي عقمه بسبب
انعدام الاستقلال القضائي.
أحكام منع السفر في السعودية
أحكام منع السفر هي مؤشر على عقلية المدرسة الأمنية
القديمة التي سادت المملكة في الفترة التي سبقت عصر الانترنت
بدءاً من 1999. فقد كانت تخدم الى حد كبير أهدافهم الإنتقامية
حين كان الوصول الى المعرفة، والمعلومات، والعالم الخارجي
مقتصراً على قناتين تلفزيونيتين رسميتين وحفنة من الصحف
المسيطر عليها من الحكومة. منع السفر جاء مشفوعاً بالهاتف
الأرضي المسجّل، بمراقبة كاملة على الشخص واتصالاته مع
العالم الخارجي. اليوم، الحد من عالم الشخص السياسي والحياة
الاجتماعي أصبح بدرجة متزايدة أكثر صعوبة. في من جهة،
فإن التكنولوجيات الجديدة التي تسمح للشعوب بتجاوز الإعلام
الخاضع لسيطرة الدولة ومراقبي الانترنت وقرار الحجب متوفرة
بسهولة. ومن جهة أخرى، فإن الانتفاضات العربية الأخيرة
صعّدت من الأمل المطلوب ودعمت الناشطين السعوديين والمجاميع
الشبابية بالتعبير عمّا يجول في أذهانهم مهما كلّف الثمن.
ولذلك، تبقى القيود المفروضة على التحرّك والسفر للخارج
الكابوس الأسوأ لكثير من السعوديين الذين بمقدورهم المغادرة،
وعليه فإن استخدام قرارات المنع من السفر كرادع مازال
الى حد كبير مؤثّراً في منع كثير من الناس من أن يصبحوا
ناشطين سياسياً.
وقبل الأحكام الأخيرة الصادرة عن المحكمة، فإن أحكام
المنع من السفر كانت من الصعوبة بمكان تعقّبها لأن الإجراءات
الحقيقية لم يجر على الإطلاق تعميمها وتفتقر الى المسار
الواضح. ولا يمكن على الإطلاق إبلاغ الأشخاص بقرار المنع
من السفر ويعلمون بذلك في المطار حين يحاولون مغادرة البلاد.
بالنظر الى التطوّرات الأخيرة، فإن أحكام المنع من السفر
يمكن تقسيمها الى قسمين: أحكام منع عشوائية (عادة ماتصدر
عن طريق وزير الداخلية) والأحكام الصادرة عن المحكمة.
حتى وقت قريب جداً، كانت معظم أحكام المنع من السفر
في السعودية أحكام منع عشوائية سريّة صادرة عن طريق وزارة
الداخلية، كما توضحها قضية عبد الرحمن اللاحم، محامي حقوق
الإنسان المعروف. اللاحم حكم عليه بالسجن ومنع من السفر
في العام 2004 مع إثنين من الإصلاحيين السياسين الذي كان
يمثّلهما وهما عبد الله الحامد ومتروك الفالح. أصبحت قضيته
عامة حين تسلّم جائزة منظمة هيومان رايتس ووتش العام 2008
ولم يكن قادراً على حضور الاحتفال بسبب حكم المنع من السفر
الصادر بحقه. وحين عفي عن الثلاثة وأطلق سراحهم العام
2005 ورفع منع السفر عن اللاحم في 2009، كان الحامد والفالح
لا يزالا ممنوعين من السفر. في 2007، أدرجت منظمة هيومان
رايتس ووتش أسماء إثني وعشرين ناشطاً كانوا ممنوعين من
السفر بصورة عشوائية دونما تقديم مبرر أو إخطار. الأغلبية
منهم لا تزال ممنوعة من السفر اليوم.
في قرارها بفرض أحكام بالمنع من السفر عشوائياً، فإن
وزارةالداخلية لا تبدو أنها ترتدع من الشخصية العامة أو
شعبية الشخص المستهدف. في كل الاحوال، فإن واحداً من القيادات
الدينية الأكثر شعبية لدى العرب والمسلمين، الشيخ سلمان
العودة، قد منع مؤخراً من مغادرة السعودية. في يوليو 2011،
حين كان في طريقه الى تصوير برنامجه التلفزيوني المشهور
في القاهرة بعد أن كان ممنوعاً من الظهور على قناة إم
بي سي المملوكة سعودياً، علم بقرار منعه من السفر في المطار.
العودة، وهو عالم إسلامي معروف وله أتباع كثر، أمضى نصف
التسيعينيات من القرن الماضي في سجن سعودي لمطالبته بإصلاحات
سياسية وانتقاد العائلة الحاكمة. وبالرغم من مقامه، فإن
النظام السعودي لم يصدر مسوّغاً قانونياً رسمياً لمنعه
من السفر. يبقى أن ثمة اعتقاداً واسعاً بأن التبرير كان
بسبب دعمه للثورة المصرية فيما كان الموقف السعودي الرسمي
ضدّها.
إن التحوّل من أحكام منع من السفر بصورة عشوائية صادرة
عن طريق وزارة الداخلية الى أحكام صادرة عن محكمة بدأت
في يوليو 2011. قامت المحكمة الجنائية المتخصّصة بمقاضاة
ستة عشراً شخصاً في ذلك الشهر، أربعة عشر منهم تلقى قرار
منع من السفر كجزء من الحكم. أما الإثنان الآخران، وهما
من الأجانب، فسوف يتم تسفيرهما في حال نهاية مدة حبسهما.
كان أيضاً أن حكمت المحكمة على سعود الهاشمي ثلاثة سنوات
سجن وثلاث سنوات منع من السفر باتهامات مفبركة على صلة
بالإرهاب. الهاشمي كان مناصراً للتغيير السياسي السلمي
واحترام حقوق الإنسان، وسعى الى تأسيس منظمة حقوقية غير
مسجلّة. مهما يكن، فإن النظام اعتبره تهديداً أمنياً واتهمه
وحاكمه على تشكيل منظمة سرية، تحاول السيطرة على السلطة،
والتحريض ضد الملك، وتمويل الإرهاب، وغسيل أموال. معظم
نشاطات الهاشمي كانت، بحسب منظمة العفو الدولية، تتعلق
فقط بالممارسة السلمية لحق حرية التعبير والاجتماع. كان
قضية الهاشمي أول محاكمة في المحكمة الجنائية المتخصّصة
حيث سمح للصحافيين بحضور المرافعات وتغطيتها بصورة يومية.
لقد تمّ الافادة من هذه القضية لإطلاع الرأي العام بأن
النظام يتعامل مع الارهابيين المزعومين والناشطين عبر
مسار قضائي وليس عشوائياً.
الأهم من ذلك، لقد جرى استخدام القضية بصورة متزايدة
لجعل الهاشمي ورفاقه المساجين مثالاً للعامة. بعد محاكمة
الهاشمي، أصبحت أحكام المنع من السفر متوالية بدرجة كبيرة
في الحكم على سجناء الضمير السعوديين، كما ثبت في محاكمة
البجادي والأحمد في العام 2012. مهما يكن، في موازاة هذا
التوجّه المتزايد، تواصل وزارة الداخلية ممارسة سلطتها
في فرض أحكام منع السفر العشوائية. في قضية أخرى ذات انتشار
واسع في مارس 2012، قامت وزارة الداخلية بفرض منع سفر
على الناشط الحقوقي محمد القحطاني والمحامي الحقوقي وليد
أبو الخير دون تقديم أي مبرر.
إن استخدام شكلي أحكام المنع من السفر يشير الى أن
وزارة الداخلية تتبني مقارنة منظمّة في حربها ضد الناشطين
السعوديين. فأولئك الذين هم فعلياً في سجن الدولة والذي
انتشرت قضاياهم على نطاق واسع يتلقون، في الغالب، قيوداً
على السفر صادرة من المحكمة بناء على اتهامات ذات صلة
بالأمن مزوّرة ومفبركة. على أية حال، فإن السعوديين الذي
لا ينظر الى نشاطهم بكونه مصدر تهديد بدرجة كافية كيما
ينال عقوبة السجن والمرافعات القانونية فإنه يتلقى حكم
منع من السفر صادر عن وزارة الداخلية كشكل من العقاب ورادع
للناشطين الآخرين. وحيث أن المحاكم السعودية لا تستطيع
وأنها غير راغبة في إخضاع سلطة وزارة الداخلية للفحص،
فإن المجتمع القضائي يجب عليه القيام بذل. هذا التحوّل
الجديد نحو قرارات منع من السفر صادرة عن محكمة تقدّم
فرصة للناشطين لإثارة معركة قضائية لتحدّي قانونية أحكام
منع من السفر في النظام السعودي وخوض حرب وزارة الداخلية
ضد الناشطين عبر وسائل قانونية.
قرارت المنع من السفر في السعودية
والقانون الدولي
قانونياً، فإن كلاً من المحاكم ووزارة الداخلية السعودية
لديهما سلطة إصدار أحكام بالمنع من السفر. ففي الجزء الثاني
من المادة 6 من قانون وثيقة السفرالسعودية (المسّن في
29 أغسطس سنة 2000) ينصّ:
لا يجوز المنع من السفر إلا بحكم قضائي أو بقرار يصدره
وزير الداخلية لأسباب محددة تتعلق بالأمن و لمدة معلومة،
وفي كلتا الحالتين يبلغ الممنوع من السفر في فترة لا تتجاوز
أسبوعا من تاريخ صدور الحكم أو القرار بمنعه من السفر.
الهدف المنصوص لحكم المنع من السفر الصادر عن محكمة
هو لضمان أن الشخص الذي يخضع للتحقيق معه في قضايا لا
يهرب من البلاد وأن يكون حاضراً خلال المحاكمات أو متواجداً
لتنفيذ الحكم المفروض. بالإضافة الى ذلك، هناك أربع حالات
حين تحدّد القوانين المنصوصة أحكام منع السفر كشكل من
العقوبة: تهريب المخدرات (المادة 56)، والغش التجاري (المادة
23)، وغسيل الأموال (المادة5)، والخلافات الخاصة بالدين
(المادة 586). بالنسبة لوزارة الداخلية، فإن أحكام منع
السفر لابد من تبريرها بأسباب محددة تتعلق بالأمن. وبالرغم
من غموض العبارات ووقوعها عرضة للاساءة، فإن وزارة الداخلية
مطالبة بتقديم تبريرها المحدد للمنع من السفر. وبالنظر
الى اعتماد وزارة الداخلية مؤخراً على القانون، فمن المهم
الطعن في المحاكم السعودية ـ بوصفها فاسدة كما هي فعلياً
ـ لاستجداء تفسير لهذه اللغة منهم ورؤية ما اذا كانت المحكمة
تملك سلطة فحص التبرير المقدّم من قبل وزارة الداخلية.
فليس هناك محاكم دستورية في السعودية لديها سلطة التحقق
من القوانين وأن قانون السابقة لا يجري تطبيقه. وعليه،
فإن تفسير محكمة ما قد يختلف بدرجة كبيرة عن أخرى وغير
ملزم. على أية حال، فإن التحوّل الجديد يشكّل فرصة للمجتمع
القانوني لتسليط الضوء على الفجوات تلك واستخدامها لصالحهم.
وبالرغم من أن أحكام حظر السفر محرّمة بحسب قانون حقوق
الإنسان الدولي، فإنها تستعمل بصورة واسعة باعتبارها شكلاً
من أشكال العقوبة من قبل بلدان مثل بورما، الصين، روسيا،
سوريا، اسرائيل، بيلاروس، ايران، البحرين، أوزبكستان،
الامارات العربية المتحدة، اليمن، السعودية. المادة 13
من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان يحيل الى حق كل شخص
(في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والعودة الى بلاده).
وينص الاعلان على أن الفرد يخضع في ممارسة حقوقه وحرياته
لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف
بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة
للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي.
(الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة 29 ـ 2). حرية
الحركة تشمل حق السفر، وحق مغادرة الدولة، وحق الدخول
الى دولة أخرى. المادة 12 من العهد الدولي للحقوق المدنية
والسياسية تدمج هذا الحق في قانون العهد:
2 ـ لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده.
3 ـ لا يجوز تقيد الحقوق المذكورة أعلاه بأية قيود
غير تلك التي ينصّ عليها القانون، وتكون ضرورية لحماية
الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة او الآداب
العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وتكون متمشيّة مع الحقوق
الأخرى المعترف بها في هذا العهد.
في عام 1999، أصدرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم
المتحدة، وهي المفوّضة بتفسير المعاهدة، خطوطاً عامة للمادة
12 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في «تعليق
عام رقم 27: حرية التنقل». وأعلن بأنه ينبغي للدول، لدى
اعتمادها القوانين التي تنص على القيود المسموح بها في
الفقرة 3 من المادة 12، أن تسترشد دائماً بالمبدأ القائل
بعدم إعاقة جوهر الحق من جراء القيود (أنظر الفقرة 1 من
المادة 5)؛ ويجب أن تُقْلَب العلاقة بين الحق والقيد،
بين القاعدة والاستثناء. وينبغي للقوانين التي تجيز تطبيق
القيود أن تستخدم معايير دقيقة، ولا يجوز لها أن تمنح
المسؤولين عن تنفيذها حرية غير مقيدة للتصرف حسب تقديراتهم.
وتشير الفقرة 3 من المادة 12 بوضوح إلى أنه لا يكفي
أن تخدم القيود الأغراض المسموح بها؛ فيجب أيضاً أن تكون
ضرورية لحمايتها. ويجب أن تتمشى التدابير التقييدية مع
مبدأ التناسب؛ ويجب أن تكون ملائمة لتحقيق وظيفتها الحمائية؛
ويجب أن تكون أقل الوسائل تدخلاً مقارنة بغيرها من الوسائل
التي يمكن أن تحقق النتيجة المنشودة؛ ويجب أن تكون متناسبة
مع المصلحة التي ستحميها.
ولا بد من احترام مبدأ التناسب، لا في القانون الذي
يحدد إطار القيود وحده، بل أيضاً في تطبيقه من جانب السلطات
الإدارية والقضائية. وينبغي للدول أن تكفل سرعة إنجاز
أي إجراءات متصلة بممارسة تلك الحقوق أو تقييدها، وأن
تكفل توفير الأسباب التي تبرر تطبيق التدابير التقييدية.
من الضروري الإشارة الى أن السعودية لم توقّع ولم تصادق
على الإتفاقية.
وأخيراً، فإن الجزء الأول من المادة 27 من ميثاق حقوق
الإنسان لجامعة الدولة العربية الذي وقّعت وصادقت عليه
جميع الدول الاعضاء بما في ذلك السعودية ينص على:
لا يجوز بشكل تعسفي أو غير قانوني منع أي شخص من مغادرة
أي بلد، بما في ذلك بلده، أو فرض حظر على إقامته في أي
جهة، أو إلزامه بالإقامة في هذا البلد.
وسواء كان تقييد حريّة التنقل قائماً على حفظ (النظام
العام)، (الرفاه العام في مجتمع ديمقراطي)، أو (الأمن
الوطني)، فإن مؤسسات الدولة التي تفرض الحظر مطالبة بتقديم
تبرير واضح لفرضه، في المقابل، فإن التبرير لا بد أن يكون
مرتبطاً بالأهداف المشروعة وليس العشوائية، وأن الحظر
يجب أن يكون الملاذ الأخير القهري والضروري على الأطلاق.
إن أحكام المنع من السفر في السعودية بناء على ما تقدّم
تنتهك القانون الدولي من وجوه عدّة. أولاً، إنها تصدر
بصورة عشوائية كعقوبة خالصة ضد النشاط السياسي ولا صلة
لها بأي من الأهداف المشروعة المرصودة والمدرجة في القانون
الدولي. تلجأ وزارة الداخلية عادة الى أسباب (ذات صلة
بالأمن) في المناسبات النادرة التي تقدّم تبريراً لأحكام
منع السفر المفروضة. يقضي القانون الدولي بأن الحكومة
تستطيع التوسّل فحسب بقيود على ممارسة الحقوق شريطة الالتزام
بالشروط المذكورة أعلاه. ثانياً، حتى في الحالات التي
تصدر فيها أحكام منع السفر عن المحاكم، فإن الأخيرة تخفق
في تقديم أي مبرر لأحكام منع السفر أو ضرورتها، بما يجعلها
عشوائية بالكامل. المحاكم ترفض حتى تزويد الشخص المحكوم
بنسخة من الحكم للإطلاع عليها.
بالإضافة الى مخالفة القانون الدولي، فإن الممارسة
الحالية لأحكام منع السفر في السعودية تخالف القانون السعودي
المحلي. أولاً، إن أحكام منع السفر المنظمّة من قبل وزارة
الداخلية تخالف المادة 6 من قانون وثيقة السفر. وزارة
الداخلية لا تعطي أسباب محددة ذات صلة بالأمن لأحكام منع
السفر. وإذا ما نظرت المحكمة باهتمام الى التبرير وراء
أحكام منع السفر الصادرة من وزارة الداخلية، فسوف تجد
أنها قائمة على مواجهة النشاط السياسي دونما صلة بتهديد
الأمن الوطني المخالف لقانون وثيقة السفر. على أية حال،
فإن ذللك يفرض أن المحاكم في السعودية ليس جزءاً من آلة
الحكم التسلّطي، التي تبقى بصورة حذرة، وأن تلك المحاكم
لديها السلطة لإبطال صلاحية قرارات وزارة الداخلية، خصوصاً
في القضايا السياسية. المحاكم السعودية، على أية حال،
تفتقر لأي شكل من أشكال الاستقلال القضائي.
وهذه القضايا يتم عادة تعميمها بدرجة واسعة لتصبح رادعاً
للناشطين الآخرين وليس لكي تخدم المعالجة القانونية. ثانياً،
إن وزارة الداخلية لا تخبر الفرد الممنوع من السفر في
غضون إسبوع من إصدارها القرار، بحسب المقتضى القانوني.
حالات مهنا الحبيل، الشيخ سلمان العودة، عبد الرحمن اللاحم،
ومحمد سعيد الطيب تكشف عن أن أولئك الممنوعين من السفر
لا يتم إبلاغهم بذلك الا حين يحاولون مغادرة البلاد، أي
بعد شهور من صدور القرار فعلياً. في الأخير، حتى في الحالات
التي كانت فيه المحاكم تصدر حكم منع سفر، فإنها تخفق في
الإحالة الى قانون محدد أو الى الشريعة بما يخالف المادة
38 من النظام الأساسي السعودي للحكم، والذي ينص على أن
(العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص
شرعي، أو نص نظامي، ولا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة
للعمل بالنص النظامي).
أحكام منع السفر كأشكال عشوائية من العقوبة هي غير
قانونية سواء بناء على القانون السعودي أوالقانون الدولي.
على أية حال، فإن وزارة الداخلية في حربها المتصاعدة ضد
الناشطين السياسيين تتواصل لإصدار أحكام منع سفر عشوائية
لتكميم الأفواه وإخماد أي شكل من أشكال المعارضة. استعمال
الوزارة المحاكم لشرعنة أعمالها يعتبر سبب جدي للقلق،
ولا يجب أن يمضي دون ملاحظة. إن المجتمع القانوني لابد
أن يأخذ ذلك بوصفه فرصة للطعن في قانونية أحكام المنع
تلك، وأن الغرض الحقيقي الذي تخدم، باستخدام نظام المحكمة.
وحتى لو لم يؤدِ الطعن القانوني الى نهاية أحكام منع السفر،
فإنه سيكون ناجحاً لأسباب عديدة. سوف يسلّط الضوء على
انعدام استقلالية المحاكم، والأهم من ذلك سوف يساعد على
تقليم السلطات المتمدّدة لوزارة الداخلية، حيث أن الأخيرة
لا تخضع للمراقبة المؤسسية، فإن المعركة القانونية الشعبية،
وكذلك حملات التواصل الإجتماعي، هي جوهرية للتعميم وللحد
من إساءتها الخطيرة وتغوّلها.
عن موقع (جدلية) في 25 مايو الماضي
|