فتّش عن آل سعود
خلفيات الهجوم على (الإخوان المسلمون) في الخليج
تقرير من المباحث السعودية ينشر باسم الكناني محرّضاً
على ضرب ذوي الميول الإخوانية في السعودية
ناصر عنقاوي
الحملة المتصاعدة والمتواصلة في الخليج على جماعة الاخوان
المسلمين عموماً وفي مصر خصوصاً ليست بريئة، وقد فهم ذلك
الإسلاميون في المملكة الذين اعتبروها ضربة استباقية تقوم
بها الحكومات الخليجية ضد الناشطين الاسلاميين الذين رحّبوا
بالثورات الشعبية في تونس ومصر وليبيا ونجحت في إيصال
الإسلاميين الى السلطة. لم يكن ضاحي خلفان يخفي بعض جوانب
الحملة على الاخوان في الخليج، فقد لفت ذات تصريح الى
أن هناك مؤامرة لاسقاط أنظمة الحكم في الخليج، في إشارة
على ما يبدو الى ما يتطلع له الاسلاميون من استبدال مشيخات
الخليج وإقامة أنظمة بديلة يسيطرون عليها.
نلحظ في تلك الحملة الاعلامية المتواصلة إستحضار لتجربة
الاخوان المسلمين في الخليج بطريقة إتّهامية وتعبوية.
يجري تصوير الاخوان المسلمين على أنهم تنظيم سري مشبوه
يتغلغل في مؤسسات الدولة لاختراقها والتأثير فيها وصولاً
الى إطاحة النظام السياسي. هناك من كتب مقالات تطالب الحكومة
السعودية بالتدخل لمنع الاخوان (من جني ثمار فتنتهم) حسب
مقال نشر في موقع (ميدل إيست أون لاين) في 26 تموز (يوليو)
الماضي بعنوان (دولة الإخوان العميقة) لكاتبه أحمد سعد
الكناني. الدولة العميقة حسب الاخير تعني (التحالفات النافذة
والمناهضة للوضع الجديد، وهو بالنسبة لهم النظام الديموقراطي
المتكوّن على أنقاض النظام البائد). ويرسم الكناني صورة
مخطط كبير إفتراضي أو مزعوم لدى الاخوان لقلب أنظمة الحكم
الخليجية وهذا المخطط يقوم على تحالفات (من عناصر رفيعة
المستوى داخل أجهزة المخابرات، والقوات المسلحة والأمن
والقضاء والتعليم، بل يمتد ذلك إلى مستويات أصغر حيث صغار
الموظفين وصغار المنتفعين من أوضاع الأنظمة البائدة الفاسدة.
فكل هؤلاء يشكلون دولة باطنة، لها مصالحها التي لا تتناغم
مع توجهات الوضع الجديد).
يسترسل الخيال الخصب لدى الكناني ليستوعب صوراً خيالية
ثرية ومثيرة من قبيل وجود دول داخل دول الخليج، أي أن
للاخوان دولاً خاصة بها في الخليج، حسب تصويره. ويصوغ
الكناني تاريخاً موجّهاً لتجربة الاخوان في المملكة، إذ
يفترض أن الاخوان (شغلوا مناصب ووظائف مهمة وحساسة) وعلى
وجه الخصوص في التعليم العام والتعليم الجامعي ووزارات
التربية. وترك الباب موارباً حين سأل عن الظروف التي سمحت
لهم بالصعود الى مواقع حساسة في المؤسسة التعليمية.
صورة المؤامرة كما يرسمها الكناني تبدأ بمخطط جهنمي
افتراضي قام به الاخوان (وعبر سنوات طويلة وفي غفلة من
حكومات الخليج تغوّل الإخوان في شكل لا يمكن أن تشعر به
الدولة أو يمكن تتبعه بسهولة). النتيجة: (أصبح لدينا دولة
داخل دولة)، كيف ذلك؟ (فالموالون للمنهج الإخواني وقسيمه
السروري يشغلون مناصب ووظائف أكثر من عدد الحصى، وهو أمر
لابدّ أن يشكّل مصدر قلق لكل من يعرف الحقد والكراهية
الذي يملأ صدور الإخوان والسرورية بالذات تجاه حكومات
دول الخليج مهما أظهروا أنّ ولاءهم لأوطانهم ودينهم).
|
ضاحي خلفان: باسم من يشتم
الإخوان؟! |
ويضيف موضّحاً ومحرّضاً (فالإخوان والسرورية يمارسون
أنواعا من الكذب والتقيّة والتلوّن أشدّ من تلك التي يمارسها
الرافضة لكن بشكل ينذر من يبصره ويكشفه).
إذاً، حين يأتي على ذكر الاخوان في الخليج إنما يقصد
به السرورية، نسبة الى الشيخ السوري محمد سرور زين العابدين،
الذي كان رمزاً إخوانياً في المملكة وتأثر به عدد كبير
من شيوخ الصحوة، مثل سفر الحوالي وسلمان العودة وناصر
العمر وعائض القرني وعوض القرني ومحسن العواجي وغيرهم،
وهم من عبّروا عن مواقف مؤيدة للثورات العربية.
فالسرورية، حسب الكناني، لها استراتيجتها الفكرية والسياسية
وتنظيم (ينتشر ويتكاثر في كلّ مفاصل الدّولة). بل شمل
حتى المؤسسة العسكرية حيث (أصبح فيها من يؤدي قسما لفظيا
بالولاء للدولة والملك، لكنه يقسم بالولاء للمنهج الإخواني
والسروري بفعله). يفترض الكناني أن السرورية تنفذ أجندة
الإخوان لبناء (دولتهم العميقة) واتّهم الكناني المشايخ
المحسوبين على السرورية بأنهم (الذين مرّروا فكر الإخوان
ومنهجهم بعد أن كان المنهج السلفي الذي يدين بالولاء لولي
الأمر بالسمع والطاعة ولزوم الجماعة وعدم الخروج عليه
سدّاً منيعاً وعقبة في وجه المد الفكري الإخواني). وكان
الشيخ ناصر العمر قد كتب مقالة من جزئين بعنوان (على بصيرة)
قارب فيه مفهوم ولي الأمر الذي ينطبق حصراً على العلماء
وليس الأمراء حسب اعتقاده وأن الأخيرين هم تبع للعلماء،
لأنهم الأولى بالأمر.
وحتى تكون الصورة واضحة حول من هم الإخوان في السعودية،
يلفت الى ما يفترضه حقيقة بأن قادة الاخوان المسلمين الأم
وظفوا (بعض الأفراد المتحوّلين الذين مُسخت بواطنهم إخوانية
وبقيت ظواهرهم سلفية فخُدع بهم جمهور الشباب المقبل على
الله في المملكة، فتكون بذلك تنظيم ضخم، وتشكلت بذلك «دولة
الإخوان الكبرى» عميقة متجذرة في كلّ عروق الدولة).
من الواضح أن تصويراً كهذا يخدم أي تدبير أمني مبيّت
يمكن أن تقدم عليه وزارة الداخلية ضد مشايخ الصحوة، والذريعة
حاضرة أن هؤلاء (ينشطون هذه الأيّام بشكل ملحوظ متسارع
يريدون فيما يبدو استغلال موسم الحصاد العربي لقطف ثمرة
عملهم لعدة عقود، وذلك بتهيئة الشعوب الخليجية وخاصة السعودية
للثورة على حكوماتها دراية منهم بأنّ هذه الدول تفتقر
إلى أيّة أحزاب أو تنظيمات يمكن أن تقاومهم كما حصل في
مصر وتونس وليبيا وسوريا كمثال).
وذكّر الكناني بما قام به الإخوان، حسب اعتقاده، من
محاولات فاشلة (وقد فشلوا مرتين سابقاً في تهييج الشارع
ضدّ الدولة في المملكة..).ولكن المحاولات لم تتوقف، فماذا
جرى؟ إنهم، حسب قوله، (جنحوا الآن إلى بعث الملفات القلقة؛
ملف المعتقلين الذين يروجون أنّهم أكثر من ثلاثين ألفا
كذباً وزرواً، وهم معتقلون لم يؤخذوا في ظروف اعتيادية
بل في ظروف أمنية قلقة، وأكثرهم عليهم شبهات).
لن يتسنى لأحد يقرأ ما بين السطور إلاّ التأمّل في
الرسالة الأمنية المندسّة في المقالة، فهذه المقالة ـ
التقرير الأمني لا يمكن أن يقتصر على مجرد تحليل تجربة
حركية بل يتجاوز ذلك الى تهيئة أجواء لعملية أمنية محتملة
ضد الرموز الصحوية الفاعلة..غير أن ما يحول دون تنفيذ
هذه العملية على نحو عاجل هو انشغال النظام السعودي بالأزمة
السورية والعمل الدؤوب الذي تقوم به بالتعاون مع أطراف
إقليمية تركية وقطرية واسرائيلية للإطاحاحة بنظام بشار
الأسد.
يعتقد الكناني بأن كل الملفات المطلبية التي تطرح اليوم
هي مفتعلة مثل قضة المعتقلين التي يعتقد بأنها (ورقة ضغط
وليست مجرد قضية إنسانية)، وكذلك الحال بالنسبة لـ (ملف
الأحوال المعيشية والإسكان والبطالة..)، رغم أن هذه ملفات
تطرح بصورة دائمة ومن كل المكوّنات السكانية والقوى الاجتماعية
والسياسية بصرف النظر عن أصولها الاجتماعية وخلفياتها
الأيديولوجية.
وذكّر الكناني بما يعتبره كشف حساب مع الاخوان في المملكة
حيث نبّه الى أن الفساد المالي والاداري الذي يحاربونه
قد أصاب المؤسسات والمنظمات التي أداروها مثل (هيئة الإغاثة
والندوة وبعض الجامعات) والتي قال عنها بأنها (شهدت أبشع
حالات الفساد من سرقة ونهب وإهمال)، والدليل على ذلك يقول
(هذا والله شيء وقفت عليه بنفسي). وبصرف النظر عن صحة
وسقم رواية الكناني، هل يمنع ذلك من المطالبة بالإصلاحات
السياسية؟
أساء الكناني وبعض المحسوبين على الداخلية من رفاقه
حصول الإسلاميين في المملكة على مساحة انتشار وازنة في
مواقع التواصل الاجتماعي (فانظر إلى صراخهم وعويلهم في
كلّ منبر إعلامي يصلون إليه خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي
التي استطاعوا من خلالها توسيع وتعميق دولتهم النائمة
في أحشاء الدولة الظاهرة..وتصوير الواقع وتوجيه الحوادث
نحو بوصلة واحدة وهي إسقاط الحكومات).
يطالب الكناني بتدبير عاجل قبل أن ينفجر البركان (إن
لم تسارع حكوماتنا إلى معالجة الوضع وذلك بتفكيك أوصال
الدولة العميقة من خلال تتبع كلّ من يحمل فكر الإخوان
والسرورية بالإبعاد عن المناطق الحيوية سواء أكانت وظائف
ومناصب قيادية أو حساسة، في الجيش والشرطة، وفي الجامعات
بالذات حيث يريدون السيطرة على الحركة الطلابية وتهيئتها
للاستجابة لأيّة حركة ثورية). واعتبر ما حصل في جامعة
الملك خالد في أبها تخطيطاً إخوانياً ـ سرورياً، وتنظيم
مظاهرات في الجامعات تكون مقدمة لثورة شعبية، (وأكثر ما
ينشطون في جامعة المؤسس وجامعة الملك سعود).
ما يلفت في كلام الكناني أنه يكشف عن حقيقة كون (الشارع
العام أصبح يستمع لهم ولأبواقهم ويتفاعل مع طروحاتهم)
وفي ذلك وقفة تأمل طويلة، لأننا هنا نتعامل مع أمبراطورية
إعلامية وتوجيهية لم تعد قادرة على التأثير في الشارع
العام في مقابل شخصيات صحوية لا تملك سوى وسائل اتصال
محدودة باستثناء مواقع الاتصال الاجتماعي المتاحة للجميع.
يواصل الكناني حملته على الاخوان عموماً في سياق منافحة
مبالغة عن آل سعود (حكومتنا بحمد الله أكثر دينا واستقامة
على شرع الله من الإخوان وقياداتهم التي عرف عن بعضها
الانحراف العقدي والسلوكي، وهذا مشهور لا يُنكره إلا معاند)!!
وهل آل سعود أمراء مؤمنين وزهّاد عبّاد فمنهم حمامة المسجد
وحبر الأمة وزين العابدين مثلاً؟!
يبارك الكناني حملة القمع التي تعرّض لها ناشطون في
الإمارات لمطالبتهم بالإصلاح السياسي حيث اعتبر ذلك أحد
تظهيرات (الدولة العميقة) حسب وصفه. يبدي الكناني تعاطفاً
مفتعلاً مع المعتقلين حين طالب بـ (التعامل معهم وفق شريعة
محكمة وقانون منضبط، يكفل حقوقهم ويمنعهم من ظلم أنفسهم
وظلمنا معهم بإحداث القلاقل وإشعال الفتن).
|
محمد سرور زين العابدين:
مرجعية الإخوان في السعودية |
مقالة الكناني هي جزء من سلسلة مقالات وتصريحات وحملة
مضادة موجّهة لجماعة الإخوان المسلمين، قد يكون المعروف
عنها هو تصريحات ضاحي خلفان، مدير شرطة دبي، ولكن سبق
ذلك مواقف نقدية عنيفة من قبل وزير الداخلية السابق الأمير
نايف، الذي حمّل الاخوان مسؤولية الارهاب الذي ضرب نيويورك
وواشنطن، بل اعتبر القاعدة منتجاً إخوانياً رغم أن الايديولوجية
الدينية التي تتبعها القاعدة هي الوهابية.
مهما يكن، فإن ما هو واضح أن الحكومات الخليجية تضمر
شراً للإسلاميين الناشطين في المنطقة والتي ناصرت الثورات
العربية في مصر وتونس وليبيا وسوريا وتأمل في حدوث تغييرات
سياسية مشابهة في منطقة الخليج..
قد تكون الضربة الأمنية مؤجّلة الى حين الفراغ من الملف
السوري، والذي قد يتم توظيف الاسلاميين فيه في الوقت الراهن
ولكن قد يدفعون ثمناً في المرحلة المقابلة..فالإسلاميون
في الخليج مدفوعون بتأييد الثورة السورية ليس لقناعة فحسب
بل لأن أنظمة الخليج تريد منهم ذلك أيضاً، ولكن ما تخشاه
تلك الأنظمة أن يستغل الإخوان أي تحوّل في سورية لصالح
مشروعهم في الخليج، وهو ما يخشى منه النظام السعودي، ولذلك
يسعى مع السلطات التركية والقطرية الى الامساك بالملف
السوري بصورة كاملة ومنع أي محاولات لتثميره من قبل الجماعات
الاسلامية في أي مرحلة قادمة..
في مقالة أخرى ذات صلة بعنوان (تشظي السلفية الى سلفيات)،
كتب محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ مقالة في 29 تموز (يوليو)
الماضي يعتقد أن السلفية الحالية انفجرت من داخلها وأنجبت
نماذج غير مسبوقة لا تنتمي الى السلفية التقليدية التي
ترى في (نقاء العقيدة من الشرك) أساساً عقدياً، و(طاعة
ولي الأمر) دالّة سياسية عليها، الأمر الذي أبعد عنها
صفة الثورية. ويرى بأن هناك ثلاث سلفيات: تقليدية، جهادية،
حركية سياسية.
ما يعنينا في مقالة آل الشيخ ما ورد من كلام عن الاخوان
ـ السرورية، حيث ينعتها بالسلفية الحركية ويقول عنها (فهي
تأخذ من التنظيمات الإخوانية التكتيك والهيكل والتنظيم
(الحركي)، وكذلك تعتبر العقيدة ركناً ركينا من الحركة)،
إذاً أين يكمن الفارق؟، وهنا بيت القصيد (بينما يضربون
بطاعة الإمام المبايع عرض الحائط ويستبدلون طاعته بطاعة
(فقيه الجماعة) فيعتبرون طاعته ترتقي الى طاعة الإمام
المبايع، وعندما يختلفون معه ـ أي مع صاحب البيعة ـ فإنهم
لا يترددون في الخروج عليه).
ويسهب آل الشيخ في بيان الرؤية الإخوانية الافتراضية
حيال الحاكم، بما تنطوي على نزعة تحريضية وتهويلية كالقول
باستغلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة سياسية
(ينفذون من خلالها الى ممارسة الحشد وتعبئة أتباعهم سياسياً
للإنشقاق، والتحلل من الطاعة، والتهرّب من مقتضيات الحث
على التمسّك بالجماعة وعدم الخروج على من له في أقناعهم
بيعة شرعية ثابتة...) في إشارة الى آل سعود، دون أن يوضح
كيف تمّت تلك البيعة.
آل الشيخ أراد أن يوصل رسالة واضحة بأن السلفية الحركية
السرورية كما السلفية الجهادية لا صلة لهما بالسلفية التقليدية
أو السلفية التاريخية وإنما هي نماذج شاذة.
في تغطية لافتة حظيت باهتمام إعلامي، نشرت جريدة (القبس)
الكويتية في 29 تموز (يوليو) الماضي تحقيقاً من الرياض
أعدّه عبد الحي يوسف بعنوان (تيار الصحوة ينحسر والسلفية
التقليدية تكسب الجولة). ينطلق يوسف من حقيقة متخيّلة
بأنه في زمن الربيع العربي وصعود الإسلاميين فإن تيار
الصحوة في السعودية في الوقت الراهن ليس في أحسن حالاته.
ويشرح ذلك قائلاً (فمن يتابع نشاط هذا التيار يلاحظ بوضوح
انخفاض الزخم الذي كان يحيط به وبشخصياته ورموزه التي
كانت تملأ الساحة الدينية والفكرية بأنشطتها وآرائها المثيرة
للجدل، وذلك بعد نحو أكثر من عقدين على سحبهم للبساط من
تحت زعامات التيار الديني التقليدي الذي كان يمثل - آنذاك
- المرجعية الوحيدة والمجمع عليها من قبل المجتمع، يتصدره
مشايخ وعلماء في وزن بن عثيمين وبن باز وبن حميد). ليس
في هذا الكلام ما ينهض دليلاً على انخفاض الزخم، فمازال
لرموز تيار الصحوة حضور اعلامي وثقافي بارز وهم من يسيطرون
على المشهد الديني، ولخطابهم شعبية واضحة.
يفتح يوسف أفقاً واسعاً للغاية ويعود الى الوراء الى
حيث عقابيل التجربة الافغانية حين عاد الشباب من الجهاد
في التسعينيات وانخرط جزء منهم في اعمال القاعدة، وأدى
ذلك الى الإضرار بتيار الصحوة، ولم يذكر الاسباب التي
دفعت وزارة الداخلية السعودية للإستعانة بمشايخ الصحوة
للانخراط في مشروع المناصحة لو لم يكن لهؤلاء قوة وتأثير
في الشارع وعلى المقاتلين.
من مظاهر انخفاض زخم التيار الصحوي حسب يوسف هو تضاؤل
نشاطات (الأندية الصيفية) دون أن يحدد تاريخاً لهذا التضاؤل
فيما يشير الى مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية حيث سحبت
منهم منابر المساجد وتضاءل نفوذهم في الجامعات والمدارس
(وما كان يعرف بالأندية الصيفية)، وهذا كلام فيه إطلاق
وتعميم ولا يصمد أمام حقائق أخرى كشفت عن حضور كثيف للتيار
في الساحة المحلية، رغم محاولات التضييق على مشايخ الصحوة
بدليل حضورهم الكثيف في نشاطات ذات حساسية عالية في مرحلة
القاعدة.
تحدّث يوسف عن أمثلة أخرى للتدليل على تضاؤل الزخم
الشعبي لتيار الصحوة مثل تراجع شعبية محاضرات (الكاسيت)،
وتراجع عدد الزائرين لمواقع الصحويين على شبكة الانترنت،
وكذلك الاعلام الفضائي، فقد (كان الصحويون أول من بادر
بتأسيس قنوات فضائية إسلامية..).
مهما يكن، فإن التحقيق لا يتحدث عن معطيات جديدة أو
موثّقة بقدر ما أراد معد التحقيق تمرير رسالة ما الى القارىء،
فبعد عرضه المسهب وغير ذي صلة بالنتيجة، اعتبر أن تداعيات
الحادي عشر من سبتمبر وتقليص دور الجمعيات الخيرية وتكبيل
يدها وكبح حركتها قد أدت الى أن يفقد التيار الصحوي بريقه
داخل المجتمع، ليخلص الى نتيجة واهنة وهشّة حين اعتبر
أحد عوامل فقدان البريق من التيار الصحوي هو (الانفتاح
المقبول، الذي بدأ يتجه إليه التيار السلفي التقليدي،
وهو تيار يعتبر بشكل شبه جماعي اقرب إلى وجدان وذهنية
الشخصية السعودية من التيار الصحوي المعروف، الذي ينظر
إليه بأنه تيار وافد على بيئة الجزيرة العربية).
ينقل يوسف عن مسفر القحطاني، الذي يصفه بأنه أحد الراصدين
لمسار التحولات في التيار الصحوي بأنه تمدد على حساب التيار
التقليدي في البداية، لأن الأخير لم يكن يملك (وعياً إسلامياً
متقدماً ودوراً دعوياً، ومشروعا إصلاحيا). في وقت لاحق،
حسب القحطاني، تغيرت المعادلة وصار التيار الصحوي تقليدياً
هو الآخر حيث فقد قدرته على تحقيق مشروعه. والحل؟ يقترح
القحطاني على التيار الصحوي إن أراد البقاء وتقليل الخسائر
فليس أمامه (إلا ان يجدد خطابه ويبرمج مشاريعه العملية).
في المقابل، كتبت مجلة (فورين بوليسي) في 21 تموز (يوليو)
الماضي مقالاً بقلم آرون زيلين بعنوان (الديمقراطية على
الطريقة السلفية.. عندما يؤيد الشيخ سلمان العودة التحولات
السياسية في بلاد الثورات)، تناولت فيه مسألة تأييد الشيخ
الصحوي سلمان العودة للعملية اديمقراطية.
ويرى الكاتب بأنه ليست جماعة الإخوان فقط الحركة الإسلامية
الوحيدة التي تمزج بين الإيمان والسياسة في الشرق الأوسط
الجديد (كما عبرت عنه)، وإنما هناك السلفيون أيضا من يتبنون
الفكرة نفسها، متجاوزين سنوات من المعارضة الشرعية للديمقراطية
والمشاركة في اللعبة السياسية
واستدل مقال المجلة على هذا التغيير في الموقف السلفي
من الديمقراطية بتغريدات كتبها على صفحة الفايسبوك هذا
الأسبوع الشيخ سلمان العودة (بما له من ثقل سلفي كما جاء
في المقال)، حيث كتب: (إن الديمقراطية قد لا تكون النظام
المثالي ولكنها الأقل ضررا، ويمكن تطويره وتكييفه لتلبية
الاحتياجات والظروف المحلية).
وأفاد الكاتب أنه (قبل الثورات العربية، كانت الغالبية
العظمى من السلفيين ينظرون إلى الديمقراطية باعتبارها
مخالفة للإسلام). واستطرد: (جوهر حجة السلفيين أن انتخاب
مشرعين وإصدار قوانين تنتهك سيادة الخالق، إذ إن السيادة
لله وحده، والديمقراطية تنازع الله في التشريع، وليس هناك
معبود بحق سوى الله تعالى).
ومع ذلك، يلاحظ الكاتب أن (تنامي التوجهات السلفية
المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط، يظهر أن التحول الهائل
في النظر إلى الديمقراطية يبتعد تدريجاً عن هذا الموقف
العقائدي). ويرى في تصريحات الشيخ سلمان العودة إعترافا
بالمشهد السياسي المتغير في المنطقة. وأشار إلى أن قائمة
الأحزاب السلفية القانونية في الدول العربية التي تشهد
عملية التحول الديمقراطي في ازدياد مستمر.وحسب رأي الكاتب
فإن (تعليقات العودة يتردد صداها في بلدان أخرى لا تزال
تعيش تحت نير الحكام المستبدين مقارنة بتلك التي تشهد
تحولاً سياسياً. وإذا كان أكثر صراحة في التعبير عن مواقفه
خلال الأشهر والأعوام القادمة، وخاصة إذا نشرها باللغة
العربية، فإنه يمكنه بذلك إعادة تنشيط محاولات الإصلاح
الفاشلة).
وكتب يقول: (طرحت الديمقراطية على السلفيين سؤالاً
صعباً: هل يحافظون على نقاء مذهبهم أو يحاولون التأثير
الحقيقي في مستقبلهم، وهو الطريق الذي كان مغلقا أمامهم
في ظل أنظمة استبدادية؟ وحسب رأي الكاتب: “يبدو أن بعض
السلفيين كان لهم من البصيرة إن رأوا ضرورة الانضمام للعملية
الديمقراطية).
|