محاكمات وأحكام
ماكنة قضائية مزيّفة هدفها الإدانة بالجملة
فريد أيهم
تسارعت في الآونة الأخيرة عمليات محاكمة آلاف المعتقلين
الذين ينتظرون المحاكمة، بعضهم منذ اكثر من عشر سنوات،
وقال مراقبون حقوقيون بأن تلك المحاكمات لا تفي بمعايير
المحاكمة العادلة، حيث لا تتمتع بالعلنية ولا بمنح المتهمين
حقوقهم في توفير محامين، فضلاً عن ان الإتهامات مرسلة
غير مدعمة بأدلة.
فقد اصدرت المحكمة الجزائية بجدة برئاسة القاضي محمد
المسلم، حكما بالسجن على مواطنين شاركا في تظاهرات سياسية
وحقوقية تندد بالنظام، بسجن كليهما ١٧ عاماً، ومنعهما
من السفر مدة مماثلة، وتغريم كل منهما مبلغ عشرة آلاف
ريال. القاضي اتهم المواطنين (مصطفى آل محسن، وميثم آل
حمدون) من محافظة القطيف بأنهما خرجا عن طاعة ولي الأمر،
وترديد عبارات مسيئة للدولة (وهي شعارات مظاهرة: يانايف
كثّر الشغب، يانايف بتشوف العجب)، والمطالبة بالإفراج
عن المعتقلين، وحيازة صورة شعار حزب الله في هاتفه الجوال
اعتبرت مناوئة للمملكة وولاتها، والمساس بالأمن العام،
ودخول مواقع على الإنترنت تدعو للتظاهر ضد الحكم السعودي.
وكان آل حمدون وهو مدرس من الشويكة بالقطيف قد اعتقل
آخر مرة في ٩ ابريل ٢٠١٢، ووجهت له تهمة المشاركة في تظاهرات
تدعم المحتجين في البحرين، والانضمام لجماعة على الفيس
بوك، وكتابة مقال في مواقع التواصل الاجتماعي. الان حكم
على آل حمدون بالسجن ٩ سنوات لتعبيره عن رأيه. وسبق لمنظمة
العفو الدولية ان اعتبرت آل حمدون سجين رأي احتجز لممارسته
حقه في حرية الرأي والتجمع.
هذا وقد فاخرت الصحف المحلية مؤخراً باصدار احكام بالسجن
لمدة ٢١٢ عاماً بحق ١٤ شخصاً قالت انهم ينتمون الى خلية
ارهابية؛ كما حكمت على شخص بالسجن خمس سنوات ونصف والمنع
من السفر لنفس المدة بعد قضائه العقوبة، والتهمة كانت
(اعتناقه المنهج التكفيري، وتأييده القتال في مواطن الفتنة،
وحيازة مواد على كمبيوتره تضر امن البلاد). كما حكم على
آخر بالسجن سنة ونصف لذات الأسباب وزاد أنه كان يجلس في
مجالس أهل المنهج التكفيري!
تجدر الإشارة الى ان القضاء السعودي لا يعلن في الغالب
أسماء المدانين، وانما يضع ارقاماً مجردة.
وسبق أن قضت المحكمة الجزئية المختصة بمحاكمة اصحاب
الرأي والسياسيين تحت مسمّى الإرهاب، بسجن الشيخ عبدالكريم
الخضر، آخر رئيس لجمعية حسم بعد اعتقال الدكتورين عبدالله
الحامد ومحمد القحطاني، لمدة ثمان سنوات. وفي آخر جلسة
من المحاكمة، أكد الشيخ الخضر ان محاكمته (سياسية) ونفى
تهم اشاعة الفوضى والإخلال بالأمن التي زعمها النظام.
وعليه، أصدرت العفو الدولية بياناً تحت مسمّى (تحرّك
عاجل) يتعلق بالحكم على القيادي في جمعية حسم، الشيخ عبدالكريم
الخضر بالسجن لثمان سنوات، والمنع من السفر لعشر سنوات..
شرحت فيه ملابسات قضية الاعتقال للناشط الخضر وطبيعة المحاكمة،
ومن ثمّ طالبت فيه ملايين من أعضائها في كل اصقاع العالم
بأن يكتبوا رسائل محددة الى الجهات العليا في الدولة السعودية
(الملك ووزير الداخلية ووزير العدل والى الممثلين الدبلوماسيين
السعوديين المعتمدين في بلد الأعضاء) تندد فيه بالأحكام
التعسفية ضد النشطاء الحقوقيين والسياسيين السلميين في
المملكة؛ وأكدت على اعضائها بأن تتضمن رسائلهم التالي:
أولاً ـ دعوة السلطات السعودية كي تخلي سبيل الدكتور
عبد الكريم الخضر فوراً ودون أي شرط، بوصفه أحد سجناء
الرأي، وهو الذي احتُجز لا لشيء سوى لممارسته حقه في حرية
التعبير عن الرأي والتجمع؛
ثانيا ـ مناشدتها ضمان حماية الدكتور عبد الكريم الخضر
من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، والسماح
له بالاتصال فوراً بعائلته ومحاميه.
وقال بيان العفو الدولية في التحرك العاجل بأن السلطات
السعودية أطلقت مؤخراً حملة واسعة النطاق لاضطهاد المدافعين
عن حقوق الإنسان، وذلك من خلال المحاكم واتباع تدابير
تعسفية أخرى من قبيل فرض أوامر منع سفر بحق الناشطين.
وشرحت العفو الدولية تفاصيل ما تعرضته له جمعية حَسْم
وقادتها منذ سنوات طويلة من الاعتقالات والتضييقات والتعسف،
وكذلك ما تعرض له أعضاء جماعات حقوق الإنسان المستقلة
الأخرى من مضايقات على أيدي السلطات السعودية. حيث لا
زالت محاكمة رئيس المرصد السعودي لحقوق الإنسان، وليد
أو الخير، مستمرة منذ 19 شهراً، وصدر بحقه أمر منع من
السفر. وأما الأمين العام لمركز عدالة لحقوق الإنسان،
صادق الرمضان، فلقد صدر بحقه أمر تعسفي لمنعه من السفر
دون بيان المبررات أو الأسباب، وذلك في مارس 2013. كما
خضع مؤسسو منظمة حقوقية جديدة هي الاتحاد من أجل حقوق
الإنسان، للتحقيق منذ مارس 2013، وهُددوا بإحالتهم للمحاكمة
في حال لم يتوقفوا عن ممارسة أنشطتهم الجماعية.
وفي اتجاه تصاعد النقد الحقوقي الدولي أصدرت هيومن
رايتس ووتش بيانا صحافياً حمل عنوان (لا ترفعن أصواتكن..
نحن نعرف الأصلح لَكُنْ).. وذلك اعتراضاً على الحكم ضد
الناشطتين الحقوقيتين فوزية العيوني ووجيهة الحويدر لعشرة
أشهر سجن لكل منهما والمنع من السفر لعامين، بتهمة (تأليب
امرأة كندية على زوجها السعودي).
ويلخص بيان هيومن رايتس ووتش القضية في سطرين: (بعد
ظهر أحد الأيام منذ عامين، تلقت وجيهة الحويدر وفوزية
العيوني استغاثة عاجلة من ناتالي مورين، المواطنة الكندية
التي تعيش في السعودية. كانت رسالة مورين تقول إن زوجها
قد حبسها هي وأطفالها في منزلهم بدون طعام كاف، وحاولت
ناشطتا حقوق المرأة السعوديتان الذهاب لمساعدتها. لم تكن
أي من أولئك السيدات تعرف أن السيناريو بأكمله هو فخ من
إعداد زوج مورين والشرطة. كانت مورين قد زعمت من قبل أن
زوجها يسيء معاملتها. فور وصول الحويدر والعيوني إلى منزل
مورين، قامت الشرطة باحتجازهما للاشتباه في أنهما تحاولان
مساعدتها على مغادرة البلاد مع أطفالها).
واضاف: (إن هذه القضية تفضح عدم تسامح السلطات مع النساء
اللواتي يجهرن باستنكار الإساءة إلى النساء). وأن الإصلاحات
التي يُزعم ان الملك عبدالله قام بها بشأن المرأة (لم
تعترف بحق المرأة الأساسي في رفع الصوت بالشكوى من المعاناة
المفروضة عليها بسبب النظام السعودي لولاية الرجال، الذي
يمنع النساء من السفر أو إجراء المعاملات الرسمية أو الخضوع
لإجراءات طبية معينة دون إذن أوليائهن ـ الأزواج أو الآباء
بل حتى الأبناء في بعض الحالات). وتابع: (السعودية ما
زالت بدون قانون خاص لتجريم العنف بحق الزوجة أو الأطفال
أو إهمالهم. والفرار من زوج مسيء هو أمر بالغ الصعوبة،
حتى حينما تحاول بعض النساء وقف هذه الانتهاكات، هو معاقبتهن
بدلاً من تأمين التعويض والحماية للضحايا).
|