مسارا الإصلاح والعنف
تزامن العنف والإصلاح في السعودية
ا العنف كما يراه البعض هو النتيجة أو هو العرض لمرض الإستبداد والفساد
وغياب النيّة في الإصلاح.
وعند البعض الآخر ـ وهو يتبنّى الرأي الرسمي ـ فإن العنف مقدّم على
الإصلاح السياسي.
كأنّ السلطة السياسية وضعت شعب المملكة بين خياري القبول بالعنف وتأييده،
وبين المطالبة بالإصلاحات.
أصحاب الرأي الأول يرون أن العنف كمحصلة سياسية واجتماعية واقتصادية
وفكرية، لا يمكن معالجته بـ (الحل الأمني) أو كما قال وزير الداخلية
مؤخراً: بالسيف والسلاح. الحل لا بدّ أن يكون جذرياً وشاملاً في مختلف
الإتجاهات آنفة الذكر: سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية وتعليمية وغيرها.
وعلى هذا الأساس، يتوقع أصحاب هذا الرأي أن غائلة العنف ستستمر طالما
أن مصادره لم تجفف بغير المزيد من القمع والإستبداد.
لكن أصحاب الرأي الرسمي، يرون أن كلّ شيء مؤجل الى أن تُحلّ الأزمة
الأمنيّة.
وفي الحقيقة فإن الحل الأمني ـ حتى لو نجح، وهو مستبعد للغاية ـ فإن
الحكومة ستكون أكثر ارتخاءاً وتمنّعاً في تسديد فاتورة الإصلاح.
ضمن هذا السياق، يمكن القول أيضاً أن العنف الحالي يعتبر محفّزاً
للإصلاحات الشاملة في المملكة، فهو ورقة ضاغطة على الحكومة كيما تنفّس
الإحتقان الشعبي، كما أنه ورقة تستجلب المزيد من الضغط الخارجي ـ الأميركي
والغربي ـ لتقديم تنازلات حقيقية في الموضوعات الهامّة والملفات المجمّدة.
غير أن أصحاب الرأي الرسمي، يجدون في حوادث العنف، والتفجير، كتلك
التي وقعت مؤخراً في الرياض، فرصة استثمار سياسي يجب اهتبالها على أكثر
من وجه:
شعبياً، تريد الحكومة من الشعب السعودي أن يقطع الشك باليقين، وأن
لا يخرج من ثنائية: إما مع جماعات العنف، أو مع الحكومة، وأن ليس هناك
من طريق ثالث بينهما. وعبر إعلامها تحاول تجييش الشارع ليس ضد المتطرفين
ودعاة العنف فحسب، بل والتعاطف مع الحكومة ومشروعها. ولا يكون ذلك إلا
بالمزيد من التخويف من مؤديات العنف، وأنها لا تستهدف النظام السياسي
والعائلة المالكة بل تستهدف المواطن نفسه في أمنه وعيشه. ومع تضخيم المخاوف،
والعزف على الشرّ المستطير الآتي من دعاة العنف، يمكن للمواطن أن يصطف
مع حكومته، وأن يتناسى موضوع الإصلاحات، كما يتناسى جذور المشكلة الإجتماعية
والسياسية، بل ويتناسى حقيقة أن الحكومة السعودية نفسها هي التي دعمت
تيار العنف وغذّته قبل أن ينقضّ عليها اليوم، بل هي لا تزال عبر برامجها
التعليمية والإعلامية والسياسية تمنح تيار التطرف قوّة لا يستهان بها.
إن رفض الشعب للعنف لا يجب أن ينسينا حقيقة أنه ناتج من مشاكل خلقتها
سلطة العائلة المالكة، كما لا يجب أن ينسينا أن المشكلة لا تكمن في الناتج
أو (العرض) بل في جذور العنف، التي يجب أن تتوجه لها الحلول. إذ لا يكفي
الإدانة للعنف، بل إدانة السياسات التي أوصلتنا إليه، وإدانة من يقف
وراء تغذيته وهي جهات حكومية فاعلة مدعومة من قبل الأمراء الكبار. كما
يجب أن لا ننسى أن الغاية هي الإصلاح، وبوابة الإصلاح هي العدل والمساواة
والحرية، وحين تغيب هذه المفاهيم من المملكة، فإن العنف بشتى أشكاله
والفساد بمختلف مسمياته هو النتيجة الحتمية.
تستطيع الحكومة أن تحصل على اصطفاف شعبي في مواجهة العنف (الأعمى)
وكلّما زادت أخطاء جماعات العنف من حيث دقّة الأهداف ومشروعيتها، كلّما
زاد غيظ الشارع. لكن هذا الأمر لا يعدو أن يكون مرحلة مؤقتة أو هو اصطفاف
مؤقت. فهناك نقد واسعٌ للحكومة كما لجماعات العنف، فالحكومة هي أيضاً
مخطئة كون سياساتها أفرزت العنف نفسه، وهي نفسها من يعارض الطريق الصحيح
للقضاء على العنف، وهي من يرفض الحوار ويلحّ على السلاح، وهي أيضاً تتعرض
للنقمة الشعبية كونها فشلت بشكل واضح في توفير الأمن للمواطن. وبمقدار
ما هناك نقمة على دعاة العنف والتطرف، هناك تراجع في شرعية النظام السياسي
كونه لم ينجح في إيقاف دائرة العنف، وكونه فشل في توفير الخدمات الأساسية
للمواطن التي تمتص مخزون العنف والغضب من المواطنين.
وبالرغم من أن حجم الإصطفاف الشعبي مع الحكومة في مكافحة غائلة العنف
ليس معروفاً على وجه الدقة، فإنه مشروط بقدرة الدولة على إنجاز (الأمن)..
فإذا ما تتالت العمليات التفجيرية وتصاعدت كما هو حاصل، فإن الدعم الشعبي
(المشروط) سيضمحلّ بل ويتحوّل الى نقمة ويجعل شرعية النظام في حرج، الى
حدّ الخروج عليه والمطالبة باستبداله لأنه فاشل في كل المجالات: الأمنية
والسياسية والإقتصادية والفكرية وغيرها.
على الصعيد الخارجي، ترى المؤسسة السياسية والأمنية في المملكة في
أحداث العنف الأخيرة فرصة لتدعيم احتجاجها المضادّ بأنها تكافح الإرهاب،
وأنها لا تفرّخ الإرهاب ولا تنتجه، وأن البديل للسلطة السعودية القائمة،
هو نظام شبيه بنظام طالبان، أشدّ عداءً للغرب، وتالياً فإن العائلة المالكة
هي الجديرة بالثقة والدعم من الأميركيين، بالنظر للبدائل السيئة! وهي
التي يمكن ائتمانها على مكافحة (الإرهاب). والعائلة المالكة تدرك الحرج
لدى الأميركيين، فمكافحة الإرهاب لديهم مقدّم على التغيير والإصلاح والديمقراطية،
ولذا وجد السعوديون دعماً سياسياً بعيد انفجارات الرياض الأخيرة من قبل
كل الدول الغربية وحتى اليابان، يحدو تلك الدول في ذلك الخوف من انتشار
العنف الى آبار النفط، والخوف من البديل الطالباني.
لكن التعاطف الدولي مع الحكومة السعودية لم يصل الى حدّ تبرئتها من
تهمة الإرهاب وتمويله ودعمه، ولا الى حدّ (نسيان) موضوع الإصلاح بالكلية،
بل هو تعاطف مؤقت، وهو اختيار الأقل سوءً بين السيئين. إن ازدياد حالات
العنف، لم يجعل الغربيين يتناسون مفاتيح الحل، وهم وإن دعموا الحل الأمني،
فليس بوحده، بل يريدون حلاً سياسياً وإصلاحاً يستديم معه بقاء الحكم
السعودي، كما قال متحدث بإسم الخارجية الأميركية. الأمراء السعوديون
يريدون دعماً في المجال الأمني، ويريدون صكوك غفران أميركية عن أحداث
سبتمبر، ويريدون وصل بعض ما انقطع من علاقات بسبب تلك الأحداث، ولكن
من جانب الغربيين، فإنهم يدركون بأن العائلة المالكة نفسها تمثل أحد
وجوه المشكلة في السعودية وفي غيرها. هم يرونها ضعيفة وغير قادرة على
التماشي مع متطلبات مكافحة الإرهاب، وأنها عائلة غير قادرة على تجديد
نفسها، وغير قادرة على تبنّي الإصلاحات الديمقراطية. كما أن الغربيين
يعتقدون بأن العائلة المالكة لن تستمر في الحكم على المدى البعيد، ولكنهم
يريدونها أداة في مواجهة الإرهاب الذي صنعته أو كانت المساهم الأكبر
في صنعه، وإذا ما انتهت أو إذا ما فشلت في هذه المهمة، كأن يستمر العنف
في السعودية، ويستمر تباطؤ الحكم السعودي في الإصلاحات، فإن الغربيين
سيزيدون من ضغوطهم التي لم يتخلوا عنها حتى الآن إما باتجاه الإصلاح
أو بتغيير النظام نفسه.
في المحصلة، فإن تصاعد وتائر العنف في المملكة، سيخدم على الأرجح
العائلة المالكة بشكل مؤقت جداً، أي مدة أشهر فحسب، ولكن مع تراجع آفاق
الإصلاح واحتمالية تصاعد العنف، فإن ذلك التعاطف المؤقت سينقلب الى سخط
واسع، سواء بين المواطنين أو بين حلفاء النظام في الغرب. ولأن العائلة
المالكة لا تسعى ولا تعتقد بحلول سياسية جذرية وشاملة، لذلك فإن معركة
العنف في المملكة هي الفيصل، ومن المرجح أن تخسرها العائلة المالكة،
وملامح خسارتها يمكن إدراكه إذا ما استمر العنف، او انتشر أفقياً الى
مناطق أخرى، أو إذا تصاعد عمودياً من حيث عدد التفجيرات، أو تطوّر الى
الإغتيالات للمسؤولين، أو وصل الى آبار النفط.. والمملكة مفتوحة على
كل هذه الإحتمالات، إلا احتمال أن ينطفئ العنف دفعة واحدة وبعنف مضاد!
|