تنقيح المناهج الدينية..
التعليم الحكومي وإنتاج التطرّف والتكفير
(2 من 2)
سعد الشريف
بعد قراءة مقررات التوحيد في المراحل الابتدائية والمتوسطة
والثانوية يمكن أن نخلص بنتيجة واحدة: أن منهج التعليم
الديني الرسمي لم يؤسس لقيم التسامح، وحرية الاعتقاد،
والتعايش بين المعتقدات، وإحترام الآخر، وإنما كرّس عقيدة
الفرقة الناجية، القائمة على تنزية مطلق للذات وإدانة
مطلقة للآخرة، وان التنقيح الذي جرى في المناهج يتخلص
في معادلتين: المناهج القديمة: أسست لتكفير الآخر وتنفيذ
الحكم فيه قتلاً، وبعد التنقيح: أسست لتكفير الآخر، وجعلت
تنفيذ الحكم فيه قتلاً منوطاً بولي الأمر.. والهدف ترسيخ
سلطة الدولة، وبهذا فبعد أن كان سلطة تكفير الآخر وتنفيذ
الحكم فيه قتلاً منوطة بأهل الدين باتت هذه السلطة بيد
الدولة.
يدخل الطالب/ الطالبة المرحلة الثانوية وقد حصل على
كمية تصوّرات عقدية إزاء الآخر، كفيلة بتأسيس وعي ديني
اقصائي.
تسجّل مقدّمة مقرر (التوحيد) الصادر عن وزارة التربية
والتعليم والمخصص لطلاّب التعليم العام وتحفيظ القرآن
في الصف الأول الثانوي، للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/ 2013
ـ2014 ثابتاً لدى الطالب: (فإن تعلم العقيدة الصحيحة من
منبعها الصافي الكتاب والسنة على نهج سلف هذه الأمة من
أعظم القربات وأشرف المقامات..).
ثم يقول: (وكتاب التوحيد للصف الأول الثانوي في طبعته
المطورة والجديدة يشتمل على وحدات تقرّب عقيدة أهل السنة
والجماعة، وتعمّق أقسام التوحيد بشموليته: توحيد الربوبية،
وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات).
والكتاب مقسّم الى وحدات: الأولى: مقدمات في عقيدة
أهل السنة والجماعة. الثانية: توحيد الربوبية. الثالثة:
توحيد الالوهية. الرابعة: توحيد الأسماء والصفات.
في الفصل الدراسي الأول: الوحدة الاولى: مقدمات في
عقيدة أهل السنة والجماعة، والأهداف المرجوة منها (ص9):
(أن يعرف الطالب مفهوم العقيدة الصحيحة
وأهميتها؛ وأن يتبصّر مصادر العقيدة الصحيحة ومنهج السلف
في الاستدلال عليها؛ وأن يحذر أسباب الانحراف العقدي ويعرف
نشأته ونتائجه وسبل التوقي منه؛ وأن يعرف جهود بعض أئمة
السلف في نشر العقيدة الصحيحة والدفاع عنها؛ وأن يدرك
بعض خصائص أهل السنة والجماعة وصفاتهم؛ وأن يلتزم بصفات
أهل السنّة والجماعة ويعتّز بها).
تبدو هنا هوية أهل السنة والجماعة كما
لو أنها المعادل العقدي للهوية الوهابية، التي تضع أهدافاً
وفقاً لمواصفات شديدة الخصوصية لجماعة دينية محددة.
ويحدد الكتاب منهج السلف (= الوهابية) في الاستدلال
بالقران والسنة على العقيدة بما يلي (ص12): (تفسير القرآن
بالقرآن؛ تفسير القرآن بالسنة؛ تفسير القرآن والسنة بلغة
العرب؛ اعتماد فهم السلف الصالح؛ تجنّب التأويل الباطل
وتحريف النصوص الشرعية؛ تقديم أدلة الكتاب والسنة على
العقل عند توهّم التعارض)؛ ثم يختم: (ولهذا اتفق السلف
على أصول الدين ولم يحصل بينهم اختلاف في الاعتقاد بل
كانت عقيدتهم واحدة وكانت جماعتهم واحدة).
إذاً يقتصر الحديث هنا على الجماعة السلفية دون سواهم،
وأنهم من لم يحصل بينهم اختلاف في الاعتقاد. وبالتالي،
فإن ما سوف يقال بعد ذلك يندرج في سياق التمايز والافتراق.
في الدرس الثاني بعنوان: (الانحراف عن العقيدة السليمة)،
وتحت عنوان: (نشأته)، تحدّث عن عبادة الأصنام عند العرب
بعد أن كانوا على دين ابراهيم عليه السلام حين جلب عمرو
بن لحي الخزاعي الأصنام الى أرض العرب والى ارض الحجاز،
فعبدت من دون الله الى أن بعث الله محمداً حين دعا الناس
الى التوحيد واتباع ملة ابراهيم وسارت على نهجه القرون
المفضلة من صدر هذه الأمة.
ثم يقول، وهنا تكمن الرؤية الكونية للوهابية (ص14):
(إلى أن فشا الجهل في القرون المتأخرة، ودخلها الدخيل
من الديانات الأخرى، فعاد الشرك إلى كثير من هذه الأمة
بسبب دعاة الضلال والغلو في الأولياء الصالحين وادعاء
المحبة لهم، حتى بنيت الأضرحة على قبورهم، واتخذت أوثاناً
تعبد من دون الله بأنواع القربات من دعاء واستغاثة وذبح
ونذر لمقاماتهم).
وهذه الرؤية المستمدة من كتاب شرح (التوحيد) لعضو هيئة
كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان، قد أسس لها الشيخ محمد
بن عبد الوهاب بحسب ما جاء في (الرسائل الشخصية، قام بالتصحيح
والمقابلة على نسخ خطيّة ومطبوعة، صالح بن فوزان بن عبد
الله الفوزان، ومحمد بن صالح العليقي، المجلد السابق من
مؤلفات الامام محمد بن عبد الوهاب، ص ص 124 ـ 125، 170،
171)، حيث جاء ما نصّه: (إن الكثير من أهل هذه الأزمنة
وقبلها، قد غرّهم من أنفسهم أمران.... الثاني: أن الأكثر
ظنوا أن انتسابهم الى الاسلام، ونطقهم للشهادتين، عاصم
للدم والمال)، وله نصوص أخرى يضع فيها المسلمين في زمانه
في خانة الكفار الذين قاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم،
كونهم (يدعون الصالحين مثل الملائكة وعيسى وعزير وغيرهم..)،
والفارق أن (مشركي زماننا يدعون أناساً لا يوازون عيسى
والملائكة..).
وعوداً الى مقرر التوحيد سالف الذكر، حيث يجري الحديث
عن الغلو بأنواعه، ثم يمثّل لذلك بما نصّه (ص15): (وكما
هو الحاصل من البدع التي قد تصل الى الشركيات عند بعض
القبور اليوم في كثير من الأمصار). وتحت عنوان سبل التوقي
من الانحراف في العقيدة، جاء في (ص19): (2 ـ العناية بتعليم
العقيدة الصحيحة ـ عقيدة السلف الصالح ـ من مصادرها النقية
في مختلف المجالات. 3ـ الرجوع الى العلماء الراسخين وتلقي
الدين عنهم. 4 ـ قيام العلماء والولاة والمصلحين من أبناء
الأمة ببيان عقيدة السلف الصالح ومواجهة ضلالات المنحرفين
عنها).
وفي ضوء ما سبق، فإن العقيدة الصحيحة ليست شيئاً آخر
سوى العقيدة الوهابية، وما سواها إما مبتدعة أو ملوّثة
بالشركيات. وإن أمة هذه حالها، كما يصوّر مقرر (التوحيد)
في كل مراحل الدراسة الرسمية، فإن مهمة الطالب/ الطالبة
تتحوّل دعوية بدرجة أساسية، باقتفاء سيرة مؤسس المذهب
والمشايخ من أتباعه. فقد جاء تحت عنوان: (جهود المصلحين
في بيان العقيدة الصحيحة والدفاع عنها) (ص19 ـ20): (من
رحمة الله سبحانه أن يبعث لهذه الأمة في كل حين من يجدد
لها دينها، لأنه مع طول الزمن والبعد عن آثار النبوة يحصل
كثير من الانحراف، ويخفى كثير من السنن، ويظهر كثير من
البدع، ولما كانت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم عامة
وباقية الى أن تقوم الساعة وهو خاتم النبيين، جعل الله
المصلحين من علماء هذه الأمة يقومون بمهمة تجديد الدين
وإحياء السنة ومحاربة البدع، واصلاح العقائد، وحماية الشريعة
من التغيير والتبديل، وجمع كلمة الأمة على الحق والهدى...
وهذا تحقيق ما تكفل الله به من حفظ الدين وبقاء السنة
وظهور طائفة على الحق الى قيام الساعة).
ثم يذكر نماذج من جهود أئمة السنة وأعلام الهدى (والأغلبية
منهم ينتمون الى خط فكري ومذهب واحد، يختتم بالشيخ محمد
بن عبد الوهاب)، في بيان العقيدة الصحيحة والدفاع عنها
ورد ما يخالفها: ومنها:
(ولما احتشدت حشود الأهواء ـ الجهمية والمعتزلة ومن
سار على نهجهم (في القرن الثالث) قيض الله لهم إمام السنة
وقامع البدعة الامام أحمد بن حنبل رحمه الله فثبت على
السنة وصبر على الابتلاء في نصرها وناظر أهل البدع وألف
في الرد عليهم. وفي القرن السادس وما بعده عمت البدع وكثر
الافتراق وانتشرت الطرق الصوفية ببدعها الغالية، كما انتشر
علم الكلام والفلسفة والعقائد الباطنية، وتسلط الكفار
على كثير من بلاد المسلمين، فقيض الله أمثال الشاطبي وصلاح
الدين الايوبي، ثم شيخ الاسلام ابن تيمية وتلاميذه رحمهم
الله تعالى، وكان شيخ الاسلام ابن تيمية مجاهداً بعلمه
وقلمه ولسانه لبدع أهل الكلام والفلاسفة والصوفية وغيرهم
كما كان مجاهداً بسيفه ولسانه للكفار التتار والنصارى
والصليبيين حتى أبان الله السنة ونصر الله به راية السلف.
وفي العصور المتأخرة استحكمت البدع والشركيات، وانتشرت
الطرق الصوفية، وتعظيم القبور والعادات الجاهلية، فقيض
الله لها علماء نصروا السنة أمثال ولي الله الدهلوي في
الهند، وفي جزيرة العرب الامام محمد بن اسماعيل الصنعاني
والامام الشوكاني والامام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه،
وذلك حين ناصره الامير محمد ابن سعود مؤسس الدولة السعودية
الاولى، فطهر الله بدعوته المباركة أرض جزيرة العرب خاصة
كما نفع الله بدعوته سائر أقطار المسلمين، ولا نزال بحمد
الله نرى ثمار هذه الدعوة المباركة في كل مكان).
وحسب كتاب التوحيد فان النفع قد تمثل في (ص21،22):
(الرجوع الى مصادر الدين النقية الكتاب والسنة. وآثار
السلف الصالح؛ نشر عقيدة السلف بإحياء السنة، وإزالة البدع
والخرافات؛ قيام دولة اسلامية تحكم بكتاب الله وسنة رسوله
وتقوم بالدعوة الى الله، ولاتزال بحمد الله قائمة حتى
الآن وستظل بحول الله مضرب المثل في الأمن والاستقرار
ما بقيت متمسكة بالكتاب والسنة).
في ضوء ما سبق، يبدو واضحاً أن ما عناه
المقرر لا يتجاوز الوهابية والدولة السعودية الحاضنة لها.
لا يحيد المقرر عن الخط العقدي المرسوم سلفاً منذ بداية
المرحلة الابتدائية ومروراً بالمرحلة المتوسطة وانتهاءً
بالمرحلة الثانوية. فهو لا ينمي قيمة التعددية المذهبية،
ولا يعرض الاعتقادات الأخرى الى جانب العقيدة الوهابية،
وإنما يؤكّد على أنها العقيدة الصحيحة وما سواها فاسدة،
وأتباعها بين مشرك شرك أكبر، ومبتدع، وبالتالي لا يصح
تدريس العقائد الباطلة.
في الوحدة الثانية من المقرر، يقعّد للنوع الثاني من
التوحيد أي توحيد الربوبية، وإن الاهداف المرجوة من دراسة
الوحدة هي (ص29): (أن يدرك ـ الطالب ـ الانحراف عن توحيد
الربوبية ويتمكن من الرد على منكريه). وفي الدرس الخامس
الموسوم بـ (الانحراف عن توحيد الربوبية ص34، 35)، ثمة
نتيجة يخلص اليها واضعو المقرر أمام الطالب، بالحكم على
أنه حصل الانحراف في توحيد الربوبية باتجاهين: الاول:
الالحاد والانكار: مثال ذلك فرعون وكذلك يوجد من الملاحدة
كالشيوعيين من يتظاهر بانكار وجود الرب الخالق سبحانه،
وهذا كله مكابرة وإلا فهم في الباطن عارفون بأن الله الخالق
المدبر سبحانه وتعالى، ولذا نجدهم في الاضطرار عند الشدائد
والكروب يرجعون الى ربهم ويتعلقون به.
الثاني: الاشراك: أي نسبة شيء من أفعال الله تعالى
الى المخلوق كاعتقاد خالق مع الله أو رازق أو مدبر يشارك
الله تعالى فيما يختص به من الأفعال.
يمثّل لذلك باعتقاد المجوس أن للعالم خالقين هما النور
والظلمة واعتقاد بعض الغلاة أن بعض المخلوقين يتصرفون
في العالم ويدبرونه. والمجوس هنا قد لا يكونوا الفرقة
التي ظهرت في تاريخ ايران القديم، فقد يستخدم العنوان
نفسه للتصويب على طوائف إسلامية أخرى في هذا الزمن، كما
يفرضه الايمان بنوع من التوحيد دون آخر، بحسب تصوّر أتباع
المذهب الوهابي، وقد جاء في (ص39):
(إن العبد لا يكون موحدا بمجرد اعترافه بتوحيد الربوبية
حتى يقر بتوحيد الألوهية ويعمله به، وإلا فإن المشركين
كانوا مقرين بتوحيد الربوبية ولم يدخلهم ذلك في الاسلام،
وقاتلهم رسول الله وهم يقرون بأن الله هو الخالق الرازق
المحيي المميت).
وفي الوحدة الثالثة: توحيد الألوهية، هناك أهداف مرجوة
يراد تحقيقها منها: (3 ـ أن يحذِّر من العقائد الضالة
في العبادة ويتمكن من الرد عليها. 4 ـ أن يذكر نواقض الاسلام
ويجتنبها. 6 ـ أن يحذر من بعض المفاهيم الخاطئة في تحديد
العبادة). انها أهداف لا تحيد عن المضامين العقدية المذكورة
في كتب ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأهل دعوته.
في الدرس العاشر الموسوم بـ (عقائد الأمم الضالة في
معبوداتهم) جاء في (ص52): (ذهب بعض المشركين الى أن معبوداتهم
تملك بعض التصرفات في الكون وقد تلاعب بهم الشيطان في
عبادة هذه المعبودات، فطائفة دعاهم الى عبادتها من جهة
تعظيم الموتى الذين صاروا تلك الأصنام على صورهم كقوم
نوح. ومنهم من يعبد الملائكة والانبياء والصالحين. ومنهم
من يعبد الموتى والقبور والأضرحة، وكل هذا بسبب أن هؤلاء
توهموا أن في هذه الأشياء شيئاً من خصائص الربوبية. ومنهم
من يزعم أن هؤلاء الأموات يشفعون لهم عند الله في قضاء
حوائجهم).
لا يحتاج مدرّس المادة وهو المتخرّج من
إحدى الجامعات والمعاهد الدينية الى بذل جهد استثنائي
كيما يضع النقاط على الحروف، فينقل الطالب من العالم النظري
الى الواقع العملي، حيث يسرد له قائمة الطوائف الاسلامية
المصنّفة في خانة الشرك والابتداع الارتداد. ولبيان ذلك،
خصّص الدرس الثاني عشر من المقرر لـ (نواقض الاسلام)،
أي ما يخرج به الشخص من الاسلام بعد أن كان داخلاً فيه،
وهي كثيرة، بحسب العقيدة الوهابية، من أشهرها (ص57): (الشرك
في عبادة الله، بأن يصرف شيئاً من العبادة لغير الله أو
يتخذ وسطاء وشفعاء يدعوهم من دون الله).
وتبدو السذاجة في أبسط أشكالها حين يختتم الدرس بعبارة
أدخلت على النص عنوة كالتالي (ص59): (ويجب أن يحذر المسلم
من تكفير المسلم، ثم ليعلم أن الذي يقوم بالحكم بالكفر
على من وقع في ناقض من نواقض الاسلام هم الراسخون في العلم،
فلا يقدم على التكفير من لم يكن منهم). والحال، أن من
تلقّى كل هذه المقدّمات الموصلة الى تكفير الآخر، ونبذه،
وصولاً الى مقاتلته، لا يمكن ان يعثر بعبارة التحذير من
التكفير. وكما قال الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له
|
إيّاك إيّاك أن تبتلَّ بالماء!
|
ولذلك فإن الجملة الاعتراضية لا تغيّر من مسار التنشئة
العقدية القائمة على تنزيه الذات وتجريم الآخر. فالهيئة
المشرفة على وضع مقرر (التوحيد) تواصل عملها في غرس العقيدة
الوهابية في الطالب/الطالبة.
في الوحدة الرابعة بعنوان: (توحيد الاسماء والصفات)،
هناك أهداف محدّدة لدراستها ومنها (ص90): (أن يتمكن ـ
أي الطالب ـ من الرد على أبرز أقوال الفرق المنحرفة عن
الحق في باب الأسماء والصفات).
وتعريف هذا النوع من التوحيد على النحو التالي: (الايمان
بما وصفه الله به في نفسه في كتابه أو ووصفه به رسول الله
من الأسماء الحسنى والصفات العلى على الوجه اللائق به).
وحدد منهج السلف وطريقتهم في أسماء الله وصفاته: ( الايمان
الكامل بجميع أسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة
على الحقيقة والتسليم). أي (ص91): (إثبات ما أثبته الله
لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل). يعني
السمع والبصر والساق والاستواء على العرش و..و.. صفات
ثابتة.
فكي يكتمل إسلام المرء يجب عليه الإيمان بأن الله جسم
ولكن لا كالاجسام، ومن يخالف هذا الاعتقاد يصبح ملحداً،
بحسب ما جاء تحت عنوان: (أنواع الإلحاد في أسماء الله
تعالى) أي ص 97: (أن ينكرها أو ينكر شيئاً منها أو مما
دلت عليه من الصفات والمعاني والأحكام كما فعل المعطلة
من الجهمية وغيرهم).
ويقسم المقرر صفات الله تعالى الى (ص99): (ذاتية: التي
لم يزل متصفاً بها، كالعلم والقدرة والسمع والبصر والعز
والعلو. وفعلية: وهي التي تتعلق بمشيئته أي يفعلها سبحانه
إذا شاء كالنزول الى السماء الدنيا.. وقد تكون صفة ذاتية
فعلية باعتبارين كالكلام فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية،
لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلماً، وباعتبار آحاد
الكلام صفة فعلية لأن الكلام يتعلق بمشيئته يتكلم متى
شاء بما شاء).
وفي ضوء ما سبق، يكون التمايز ليس على أساس إجتهادي/
مذهبي، بل على أساس إيماني (مؤمن وملحد). وقد جاء في الدرس
العاشر بعنوان: (مذاهب الفرق الضالة في أسماء الله وصفاته)
(ص 104): (المنحرفون عن منهج الحق منهج أهل السنة والجماعة
في أسماء الله وصفاته طائفتان هما: المشبهة: الذين يشبهون
الله بخلقه ويعتقدون أن صفاته أو بعضها مثل صفات المخلوقين.
فقد كفر. والمعطّلة: وهم الذين نفوا عن الله ما وصف به
نفسه أو وصفه به رسوله من الاسماء الحسنى وصفات الكمال
أو بعضها مع تفاوت بينهم).
وفي الرد (ص104،105): (أن السلف الصالح أجمعوا على
إثبات الصفات ولم يختلفوا فيها. أنه يلزم من نفي الصفات
نفي وجود الله لأن كل موجود يلزم أن تكون له صفات والذي
ليس له صفات هو المعدوم فمن نفى عن الله الصفات فقد شبهه
بالمعدومات. أن صرف كلام الله وكلام رسوله ص عن ظاهره
الى معنى يخالفه قول على الله بغير علم).
ومن صفاته (ص 109): العلو: (فمن صفاته سبحانه علوه
فوق خلقه، والعلو يشمل علو الذات وعلو الصفات وعلو القدر
وعلو القهر).
الوجه: (أن لله وجهاً حقيقياً على ما يليق به سبحانه
موصوفاً بالجلال والاكرام والبهاء والعظمة والنور فيتعلق
العبد بربه ويشتاق الى النظر الى وجهه الكريم).
اليدين: (فنؤمن أن لله يدين حقيقة كما يليق بجلاله
وعظمته، فإثباتهما يدل على كمال الله تعالى في الخلق والرزق
والكرم والقدرة).
الكلام: (إثبات الحديث والقول والكلام والنداء والمناجاة
وكلها أنواع من الكلام ثابتة لله عزل وجل).
الاستواء على العرش: (المراد به ارتفاعه وعلوه على
عرشه على وجه الحقيقة على ما يليق بجلال الله وعظمته واعتقاد
ذلك يغرس في قلب المؤمن تعظيم الله عز وجل والهيبة له).
وهناك صفات أخرى (ص110) جاء ذكرها في القرآن والسنة
مثل: الفرح، والحب، والرضا، والسخط، الكراهية، الاتيان
(أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة)، المجيء.
لا توصل هذه الأوصاف سوى الى نتيجة واحدة وهي أن الله
جسم ولكن لا كبقية الأجسام، وهنا يفترق المسلمون في أغلبهم
مع هذا الفهم الحرفي للآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية.
وبصرف النظر عن الصحة والخطأ، فإن هذا الفهم لا يلزم أحداً
من المسلمين، لأنه فهم خاص بمذهب محدّد، ولا يسري على
بقية المذاهب، وإن إدّعاء أن ما عليه هو إيمان وغيره كفر
والحاد لا يعدو أن يكون دعوى فارغة.
على أية حال، فإن مقرر (التوحيد) في المرحلة الثانوية
يقدّم العقيدة الوهابية كنسخة متكاملة، فتصبح الأسس التي
اختلف فيها المذهب الوهابي عن بقية المذاهب مشروحة بإسهاب.
يبدأ مقرر (التوحيد) المخصص لطلاب الصف الثاني الثانوي
(اداري ـ طبيعي ـ أدبي ـ علمي ـ تحفيظ قرآن)، للسنة الدراسية
1434 ـ 1435/ 2013 ـ2014، بالمقدمة ذاتها التي وردت في
مقررات سابقة وهي: (فإن تعلم العقيدة الصحيحة من منبعها
الصافي الكتاب والسنة على نهج سلف هذه الأمة من أعظم القربات
وأشرف المقامات).
وتبدو العبارات المستخدمة في المقرر أشد وضوحاً وحسماً
منها (ص35): (من شروط الايمان بالله افراده بأنواع التوحيد
الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وتوحيد الاسماء
والصفات). أي أن الايمان بالله لا يتحقق الا حين يكون
وفق النهج الوهابي في عقيدة التوحيد.
وفي الفصل الدارسي الثاني (ص105)، خصّص قسم كبير من
الكتاب للحديث عن أخبار آخر الزمان، وعن ظهور المسيح الدجال،
وعن العلامات الكبرى وأشراط الساعة، وعن رؤية الله في
الآخرة فيقول: (رؤية الله في الآخرة ثابتة بالكتاب والسنة
واجماع السلف).
وهذا التسلل من الموضوعات والمضامين الثاوية فيها من
خصوصيات المدرسة الوهابية. وعلى الطريقة نفسها، وبقدر
أكبر من الاسهاب والتوسّع يعرض مقرر (التوحيد) للصف الثالث
الثانوي (اداري ـ طبيعي ـ أدبي ـ علمي ـ تحفيظ قرآن)،
للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/ 2013 ـ2014 جوانب أخرى مركزية
من العقيدة الوهابية.
يبدأ المقرر بالمقدمة ذاتها: (فإن تعلم العقيدة الصحيحة
من منبعها الصافي....الخ).
ويشتمل الكتاب على الوحدات التالية: الاولى: الشرك
والكفر والنفاق والفسق والردة والتكفير؛ الثانية: أقوال
وأفعال تناقض التوحيد أو تنقصه؛ الثالث: ما يجب اعتقاده
في الرسول وأهل بيته وصحابته؛ الرابعة: الفتن؛ الخامسة:
الامامة؛ السادسة: الولاء والبراء والتشبّه بالكفار؛ السابعة:
البدع). ثم يلي ذلك بعبارة ذات دلالة: (والغرض من هذا
تحقيق العبودية لله وحده وتجنب عبادة من سواه بغرس العقيدة
الصحيحة وظهور آثارها في أفعال الشخص وتصرفاته).
وفي الدرس الأول من الوحدة الاولى يتم تقديم موضوع
الشرك بأركانه كافة. ويعرّف الشرك على هذا النحو (ص12):
(جعل شريك لله تعالى في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه
أو صفاته. والغالب وقوع الاشراك في الألوهية بأن يصرف
لغير الله شيءٌ من أنواع العبادة: كالدعاء، والذبح، والنذر،
والخوف، والرجاء، والمحبة).
وبناء على هذا التعريف والحكم يصبح على النحو التالي:
أن الله لا يغفر الشرك.. وأن الشرك يحبط الأعمال.. وأن
الله حرم الجنة على المشرك وأنه خالد مخلد في نار جهنم..
والأخطر من ذلك كله في الدنيا (ص13): (إن الشرك سبب لقتال
أصحابه ومجاهدتهم، مستنداً على حديث نبوي: أمرت أن أقاتل
الناس حتى يقولوا لا اله الا الله فمن قال لا اله الا
الله فقد عصم مني نفسه وماله الا بحقه وحسابه على الله).
وهنا لفتة ضرورية تتكرر في كل كتب التوحيد
وما تحويه من تكفير الآخر وما يستوجب من مواقف لاحقة.
فالتكفير ثابت ولكن مع وقف تنفيذ القتل الا بإذن ولي الأمر
(وهنا يشمل العلماء والأمراء معاً) بحسب تفسير علماء الوهابية
(راجع الشيخ ناصر العمر، محاضرة على بصيرة، على شبكة المسلم
بتاريخ 17 ربيع الثاني سنة 1427هـ).
فبعد تكفير الآخر، يصبح الكلام عن تنفيذ
حكم القتل وشروطه كما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة رقم
الفتوى 1257 ج1 ص 244 ـ245، والتي تتناول شروط وضوابط
مقاتلة الكفار والمشركين: (أن تتم دعوتهم الى الاسلام
فيرفضوا الدخول فيه ويرفضوا دفع الجزية؛ أن يكون لدى المسلمين
قوة وقدرة على المقاتلة؛ أن يكون ذلك بإذن ولي الأمر وتحت
رايته؛ ألا يكون هناك عهد بينهم وبين المسلمين في ترك
المقاتلة).
إذن ما جرى في مناهج التعليم كان تنقيحاً
وليس تصحيحاً، أي أن نفي الآخر وكراهيته وتكفيره بقي ذاته،
ولكن جرى تأجيل موعد تنفيذ الحكم فيه قتلاً.
ومع ذلك يتأكد الحكم في صفحات تالية ويبقى الاثراء
مجرد جملة اعتراضية وتجميل لصورة الدولة في الخارج.
الشرك نوعان: أكبر وأصغر. الأكبر (ص14): (بأن يصرف
العبد شيئاً من أنواع العبادة لغير الله، كدعاء غير الله
والتقرب بالذبائح والنذور لغير الله من أصحاب القبور والجن
والشياطين والاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه الا
الله من قضاء الحاجات وتفريج الكربات كما يحصل من بعض
الناس عند قبور بعض الأولياء والصالحين. وحكمه: يخرج من
الملة ويخلد صاحبه في النار وإذا مات ولم ويتب منه. وتفسير
ذلك: أنه ليس من المسلمين، أي من الكفار وينطبق عليه ما
ينطبق على الكفار من أحكام بما في ذلك القتل بل قد يجري
عليه أحكام الردة).
ما سبق من تعريف وتمثيل وإشارات يشتمل
على أحكام واضحة وهي أن طوائف بعينها من المسلمين إما
كافرة أو مرتدة وخارج الملة ومخلّدة في النار، لأن الوهابية
تزعم بأنها تصرف العبادة لغير الله، وتشرك غيره سبحانه
وتعالى في عبادته، مثل الشيعة بطوائفهم الامامية والزيدية
والاسماعيلية، والصوفية بفرقهم، والسنّة من الشافعية والحنفية
والمالكية.
ما يلفت هو معالجة الدولة لمشكلة التكفير
مع الآخر، غير المسلم، أي العامل الأجنبي لأن لذلك صلة
بالدولة واستقرارها، بالرغم من المضامين المعلولة في النظر
الى الآخر غير المسلم. فقد جاء في فقرة نشاط فردي (ص17):
(تعرفتَ ـ أيها الطالب ـ على رجل كافر ممن قدم للعمل في
بلادك، فما واجبك نحوه؟). فالسؤال يضمر موقفاً دينياً
تجاه العامل الأجنبي الذي يصفه بالكفر ابتداءً، ثم يسأل
واضعو المقرر عن الحكم وقد أسّسوا لكل ما يحط من قدر،
ويولدّ من كراهية، ويحرّض في بعض المقاطع على قتله، ثم
يسأل عن الواجب نحوه، وقد حكموا بأن كل ما عدا أتباع محمد
بن عبد الوهاب هم كفّار حكماً.
وفي النشاط الفردي أيضاً (ص17) يوجّه واضعو
المقرر الطالب/ الطالبة كيما يضطلع بدور الداعية بأن:
(يقوم الطلاب بإشراف المعلم بزيارة أحد المكاتب التعاونية
للدعوة وتوعية الجاليات للتعرف على ما يقوم به المكتب
من دعوة للكفار).
فالطالب/الطالبة يبقى داخل البيئة الحاضنة للعقيدة
الوهابية، لا يغادرها، فالانتقال من المدرسة الى مكتب
توعية الجاليات يأتي ضمن المجال العقدي للمذهب الرسمي،
وإن ما سوف يطلع عليه الطالب/ الطالبة هو مجرّد تقنيات
الدعوة المستعملة لجلب (الكفّار!!) الى الدين، الى العقيدة
الصحيحة، الى الوهابية.
في الدرس الخامس عن الردّة، يتم تطبيقها على من ارتكب
ناقض من نواقض الاسلام، وهي كثيرة ولكن ترجع الى أربعة
أقسام من بينها:
(الردة بالقول: مثل سب الله تعالى أو رسوله أو ملائكته
أو أحد من رسله أو ادعاء علم الغيب أو ادعاء النبوة أو
تصديق من يدعيها أو دعاء غير الله أو الاستغاثة بغير الله
فيما لا يقدر عليه الا الله أو الاستعاذة به من ذلك؛ الردة
بالفعل: كالسجود للصنم والشجر والحجر والقبور والذبح لها
و..؛ الردة بالاعتقاد: كاعتقاد الشرك لله، أو أن الزنا
والخمر والربا حلال، أو أن الصلاة غير واجبة).
ضمن المواصفات المذكورة هنا يصبح واضحاً
المذاهب المصنّفة بكونها مرتدة، وسوف تعين الفتاوى المنتشرة
بكثافة في المدارس، والمعاهد والجامعات الدينية، وفي خطب
المساجد، وفي حلقات الدرس على تسمية الأشياء بأسمائها.
والخلاف يدور حينئذ حول تنفيذ أحكام الردّة،
ومن هي الجهة المخوّلة بذلك. والا فإن الطريقة المتبّعة
مع المرتدّين ثابتة، وهي كما ورد في أحكام الردة (ص28):
(المرتد يستتاب من قبل الحاكم فإن تاب ورجع إلى الاسلام
قبل منه ذلك وترك وإن أبى أن يتوب وجب على ولي الأمر قتله.
ويُمنع من التصرف في ماله مدّة استتابته فإن أسلم فهو
له، والا صار فيئاً لبيت المال من حين قتله إلى موته على
الردة. ويُفرّق بينه وبين زوجته المسلمة فإنها لا تحل
له. وينقطع التوارث بينه وبين أقاربه فلا يرثهم ولا يرثونه.
وإذا مات أو قتل على ردته فإنه لا يُغسّل ولا يُصلّى عليه،
ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإنما يدفن في مقابر الكفار،
أو يوارى في التراب في أي مكان غير مقابر المسلمين).
وليس المرتد هنا كائناً غامضاً أو مجهول
الهوية، بل يقصد به طوائف من المسلمين طبّقت عليهم أوصاف
المرتد، بحسب العقيدة الوهابية، التي يتشرّبها الطالب/الطالبة.
وللمرء تخيّل رؤية الطالب لزميله وقد انتهى المطاف لأن
يرى أحدهما الآخر مرتداً، بعد أن كان زميلاً في الصف،
يتقاسم معه أحلام التفوق والتنافس على العلم، فإذا به
يصبح مجرد خصم يستحق القتل.
ويثير الدرس السادس الموسوم بـ (التكفير) سؤالاً كبيراً:
لماذا هذا الدرس؟ وهل الطالب في الصف الثالث الثانوي بحاجة
الى تعلم أحكام التكفير؟ ثم ألا يعكس هذا الموضوع مشكلة
داخلية ناجمة عن تفشي ثقافة التكفير في البلاد، عبر مناهج
التعليم الديني، وخطب المساجد والجوامع وحلقات العلوم
الشرعية وغيرها..
يقسّم واضعو المقرر الناس على أساس عقدي، فيصبح بعضهم
إما أن يكون كافراً أصلياً كاليهود والنصارى والوثنيين،
كما في قوله تعالى (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين
في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية). ومن الواضح
أن الآية لا تتحدث عن عموم أهل الكتاب وإنما بعضهم بنص
الآية (الذين كفروا من أهل الكتاب)، والا وقع التعارض
مع آيات أخرى كقوله تعالى (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة
قائمة يتلون آيات الله آناء الله وهو يسجدون) آل عمران
ـ113، وقوله تعالى (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله
وما أنزل اليكم وما أنزل اليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات
الله ثمناً قليلاً..الآية) آل عمران 199.
ما يلفت في النص الوارد في المقرر هو التعليق
لاحقاً والذي يقوم على (ص30) أن: (تكفير هؤلاء واجب، بل
إن من لم يكفرهم أو شك في كفرهم فهو كافر، لأنه مكذب لما
جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في كفرهم، وإما
أن يكون مسلماً فهذا لا يجوز تكفيره، إلا اذا توافرت فيه
شروط التكفير وانتفت موانعه والذي يحكم بذلك هم الراسخون
في العلم). والراسخون في العلم هم ليسوا فئة مجهولة أو
منبثة بين المسلمين عامة من كل المذاهب، بل هم الذين ينتمون
الى المذهب الوهابي حصراً.
سوف نعثر دائماً بالعبارة الملغومة (لا
نكفر الا من كفّره الله ورسوله)، حيث يتحوّل أهل الدعوة
الوهابية ناطقين باسم الله ورسوله، واحتكار الحقيقة المطلقة،
فهم وحدهم من يعرف من يكفّره الله ورسوله. فتصبح المعادلة
مقلوبة، أن من يكفّرونه هم هو من يكفّره الله ورسوله وليس
العكس.
وقد جاء تحت عنوان فرعي (التكفير حق لله) ما نصّه (ص31):
(فلا نكفِّر إلا من كفّره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم،
وأهل السنة لا يكفّرون من خالفهم.. التكفير حق الله فلا
نكفر الا من كفره الله ورسوله، وخلافاً لما عليه بعض الغلاة
المعاصرين الذين سلكوا نهج الخوارج).
وحين نعود الى أدبيات الوهابية منذ زمان الشيخ محمد
بن عبد الوهاب وحتى يومنا هذا، نجد أحكام التكفير الصادرة
ضد العموم والمعيّن طافحة، بل تفشّت الى حد بات من المستحيل
إنكارها. فقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب (أنظر: الرسائل
الشخصية، المجلد السابع من مؤلفات الامام محمد بن عبد
الوهاب، ص 69) ما نصّه (واعلم أن المشركين في زماننا قد
زادوا على الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم
يدعون الأولياء والصالحين في الرخاء والشدّة..). وتبعه
حفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب
في كتابه (قرّة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء
والمرسلين، دمشق، 1990، ص16) بقوله: (وقد وقع الأكثر من
متأخري هذه الأمة في هذا الشرك.. وعلموا أن لا اله الا
الله تنفي الشرك الذي وقعوا فيه، وأنكروا التوحيد الذي
دلت عليه، فصار أولئك المشركون أعلم بمعنى هذه الكلمة:
«لا اله الا الله» من أكثر متأخري هذه الأمة، لا سيما
أهل العلم منهم..) في إشارة الى الشرك في الألوهية، على
أساس أن من يدخل الإنسان الاسلام هو توحيد الألوهية، بحسب
التقسيم الوهابي للتوحيد.
وذكر الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتابه (القول
المفيد على كتاب التوحيد ج1 ص 5،6) وهو شرح لكتاب (التوحيد)
للشيخ محمد بن عبد الوهاب ما نصهّ: (ما أكثر المسلمين
الواقعين في شرك العبادة). ونفي صفة أهل السنة والجماعة
عن غير أتباع المذهب الوهابي وقال (لا يمكن أن يوصفوا
بأهل السنة والجماعة، لأن الاضافة تقتضي النسبة، فأهل
السنة منتسبون للسنة، لأنهم متمسكون بها، وهؤلاء ليسوا
متمسكين بالسنة فيما ذهبوا إليه من التحريف. وأيضاً الجماعة
في الأصل الاجتماع: وهم غير مجتمعين في آرائهم. ففي كتبهم
التداخل والتناقض، والاضطراب، حتى أن بعضهم يضلل بعضاً..).
ولذلك، أخرج العثيمين الاشاعرة والماتريدية وهم أغلبية
أهل السنة والجماعة حالياً من هذا المسمى.
وفي عنوان: أنواع التكفير، جاء أن للتكفير أنواعاً
ثلاثة، تكفير بالعموم، وتكفير أوصاف، وتكفير أشخاص، وبيان
ذلك: (التكفير بالعموم، ومعناه تكفير المخالفين كلهم عالمهم
وجاهلهم من قامت عليه الحجة ومن لم تقم. وهذه طريقة أهل
البدع وقد عصم الله أهل السنة منها). يحيل الكتاب الى
مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب الجزء 12 ص 58).
فأين علماء الوهابية من تكفير عموم الشيعة الامامية والزيدية
والصوفية والاسماعيلية والمعتزلة والاشاعرة.. وفتاوى محمد
بن عبد الوهاب في أهل البوادي وقبائل بعينها، وقال عن
البادية بأنهم: (كفروا بالكتاب كله، وتبرؤوا من الدين
كله) (أنظر الرسائل الشخصية، الرسائل التاسعة عشرة ص 209).
فأهل السنة والجماعة، بحسب واضعو المقرر، في ذلك وسط
بين من يقول (ص31): (لا نكفر أحداً من المسلمين ولو ارتكب
ما ارتكب من نواقض الاسلام.. وبين من يكفر المسلم بكل
ذنب دون النظر الى أن هذا الذنب مما يكفر به فاعله أم
لا). وجاء في شروط التكفير: (أن يقوم الدليل من الكتاب
أو السنة الثابتة على أن هذا القول أو الفعل مما يكفر
به فاعله؛ انطباق الحكم على من فعل ذلك بحيث يكون عالماً
بذلك قاصداً له مختاراً، فإن كان جاهلاً أو متأولاً أو
مخطئاً أو مكرهاً، فقد قام به مانع من موانع التكفير فلا
يكفر).
وفي مربع المصطلحات جاء تعريف الباطنية على هذا النحو
(ص33): (فرقة ضالة تنتحل الاسلام..لأنها تزعم أن لكل ظاهر
باطناً ولكل تنزيل تأويلاً). ويثير التعريف إشكالية كبرى،
فهل يستحق هذا التعريف الحكم بالضلال واخراج أهلها من
الاسلام، بصرف النظر عن الجهة المقصودة بالباطنية لأن
النزعة الهيرومنطقية تكاد تكون قارّة في كل المذاهب الاسلامية
والمدارس الفكرية التي تحاول فهم المقاصد النهائية والبعيدة
من الاسلام عبر سبر أسرار اللغة التي كتبت بها النصوص
الدينية.
في الوحدة الثانية بعنوان: (أقوال وأفعال تنافي التوحيد
أو تنقصه)، حيث يراد تحديد أهداف الوحدة ومنها (ص37):
(أن تزداد معرفة الطلاب ببعض وسائل الشرك كالتماثيل والنصب
والقرابين وتعظيم القبور). إن تكرار هذا الأمر عبر مراحل
الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، لا تجعل الطالب/
الطالبة في منأى عن الأحكام الجاهزة التي يأخذها كمسلّمات
لا تخضع لمجرد التفكير فضلاً المسائلة والتحقيق، لفرط
تكرارها حتى تتحوّل الى مكوّن رئيس في نظام المسلّمات.
فما يتلقاه الطالب/ الطالبة في آخر مشواره الدراسي قبل
الانتقال الى مرحلة الدراسة الجامعية هو أن يتخرّج وقد
حصد طائفة كبيرة من الأعداء.
في الدرس الخامس بعنوان: (سد ذرائع البدع والشرك في
القبور) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حذّر من (ص49):
(1 ـ الغلو في الأولياء والصالحين لأن ذلك يؤدي الى عبادتهم.
2 ـ البناء على القبور. 3 ـ الصلاة عند القبور).
وجميعها ممارسات شائعة في كل بلاد المسلمين، ولم يصدر
عن أي من المسلمين ما يفيد بأنه يشرك في عبادة الله أحداً
غير الله، وإن حب الأولياء والصالحين لا يأتي في عرض حب
الله سبحانه وتعالى وإنما في طوله، أي أن حبّهم لأنهم
أولياء لله ومقرّبين منه، ولو لم يكونوا كذلك لما اكتسبوا
صفة الأولياء والصالحين.. والبناء لا يعني العبادة ولا
الصلاة عند القبور كذلك، فهي تصوّرات نمطية وجائرة.
وفي الدرس العاشر بعنوان: (الانتماء الى المذاهب الالحادية
والأحزاب والفرق الضالة)، يجمع بين المذاهب الواقعة خارج
نطاق الدين، مثل الشيوعية والعلمانية والرأسمالية ويعتبرها
الحادية، ويترك الباب مفتوحاً أمام معلّم المادة كي يكمل
القائمة أو ربما يجتهد الطالب/ الطالبة لاستكمالها لأن
ثمة فرقاً ضالة جرى عرض أوصافها ولم يرد تحديد هويتها،
وهي محسوبة على المسلمين وليس الملحدين.
ولكن ثمة ما يلفت تحت عنوان: (أثر الحزبيات والفرق
في تفريق المسلمين)، فهنا تصبح النزعة الالغائية مزدوجة
الهدف: ديني/ سياسي. وكأن واضعو المقرر يضعون نصب أعينهم
موقف الدولة من الأحزاب الدينية التي تنطوي على تهديد
لنموذج الدولة السعودية القائمة على أساس مدعيات دينية،
وفي الوقت نفسه لم ينسوا نصيبهم بنفي كل ما سواهم على
قاعدة تمايز مذهبي.
وعليه ص(61، 62): (يكون الأصل أن المسلمين أمة واحدة..
فلا يجوز أن يتفرق المسلمون تحت شعارات حزبية أو عصبية
أو مادية أو غيرها، ولو تسمّت بالإسلام فيعادي بعضهم بعضاً
ولا يوالي أحدهم ولا يحب إلا من كان منتمياً الى حزبه
أو جماعته فتراه يستبيح غيبة مخالفه ويسيء الظن به. فالواجب
أن يعلم أن التعصب للحزب والقومية والقبيلة من المعاصي
التي تفرق الأمة. والتعصب للحزبيات أو القوميات بسبب رفض
الحق الذي مع الآخرين كحال اليهود).
ولا غرابة حينئذ أن يضع الكتاب الانتماء لحزب اسلامي
والتعصب له في باب الانتماء للأحزاب والفرق الضالة.
وفي تواصل مع عملية ترسيخ أسس الدولة السعودية
بما تتطلبه من قطع للصلة مع أي انتماء لا يؤدي في نهاية
المطاف الى الولاء للدولة، فإن النظرة إلى الدنيا هي الأخرى
تنطلق من نفس النقطة، أي ترسيخ الدولة (=السعودية) من
خلال تزهيد الناس في الدنيا وترك شؤون الدولة لأهل الحكم.
في درس بعنوان (الحياة الدنيا ونظر الناس اليها)، تصبح
شؤون الدولة غائبة تماماً عن اهتمامات المؤمن/ المواطن/
الطالب/ الطالبة، عن طريق التزهيد في الدنيا، والنظر اليها
(بوصفها دار ممر ومزرعة للآخرة ومجالاً للتسابق في الخيرات..)،
والتحذير من تبني النزعة الدنيوية كما هي لدى غير المسلمين
(ص65): (فقلوب الذين يريدون الحياة الدنيا وعقولهم متعلقة
بها، ومثل ذلك من ينبهر بما عند بعض الكفار من تقدم صناعي
واقتصادي فيعجب بهم ويدعو الى اقتفاء آثارهم، مع تناسي
انحطاطهم الأخلاقي وسوء عاقبتهم في الآخرة..).
نظرة نمطية لم تعد قابلة للتسويق، وترتد الى أزمنة
غابرة حين كان الشرق يواري سوءاته الاخلاقية وتفكّكه الاجتماعي
وانهيار نظامه القيمي. إن ثمة جدلية تهدف صرف انتباه الطالب/الطالبة
الى الآخر المصنّف في خانة الكفّار.
وفيما راح المقرر يسهب في عرض الغلو في أهل البيت (ص83)،
سرد كل مبررات العودة للتاريخ الاسلامي واعتبر مذهب أهل
السنة والجماعة هو الكف عن الحديث عما شجر بين الصحابة،
واعتبر الخلاف الذي نشب في عهد الخليفة عثمان مؤامرة يهودية،
قادها عبد الله بن سبأ، ثم يقرر واضعو المقرر نتيجة (ص84،
85):(فالتف حوله من انخدع به من قاصري النظر وضعاف الإيمان
ومحبي الفتنة). هذا ولا يزال مذهب أهل السنة والجماعة
يشدّد على الكف عن الحديث عمّا شجر بين الصحابة في تلك
المرحلة، وقد نال من صحابة بشّرهم رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم بالقتل ظلماً، مثل عمار بن ياسر الذي قال
فيه (يا عمّار تقتلك الفئة الباغية)، وفي الصحابة محمد
بن أبي بكر، نجل أول الخلفاء الراشدين، وغيرهما، وهؤلاء
ممن يصعب قبول انخداعهم بشخص نكرة ظهر فجأة في عهد الخليفة
عثمان واختفى للأبد بعد حرب صفين، وكأن عبد الله بن سبأ
هذا الإسم الحركي لأحد من شارك في حركة الاحتجاج ضد الخليفة
عثمان.
ما يلفت حقاً أن المقرر وهو يشدّد على الكف عن الحديث
في ما جرى في عهد الخليفة عثمان وما بعده، يخصص وحدة بعنوان
(الفتن) ويبسط الحديث في قسميها. يتحدث في الثانية (ص94)
عن فتن شبهات تتعلق بالدين كالأهواء التي أدت الى ظهور
البدع والقتال بين المسلمين. ويختم بتحديد موقف المسلمين
من الفتن وطرق الوقاية منها (ص95): (1 ـ التعوذ من الفتن.
2 ـ التمسك بالكتاب والسنة. 3 ـ لزوم جماعة المسلمين وإمامهم.
4 ـ السمع والطاعة للولاة والصبر على جورهم وعدم الخروج
عليهم. 5 ـ الرجوع الى العلماء الراسخين. 6 ـ ترك السعي
في الفتنة).
في ضوء هذا العرض، يتبيّن أن الدعوة للكف
عن الحديث عن وقائع مرحلة الخلافة الراشدة ليست لذاتها
بل لغيرها، أي لتأسيس فكرة الطاعة للسلطة القائمة والتماهي
معها وعدم الخروج عليها، واعتبار أن معارضتها من باب الفتنة،
تماماً كتلك التي يصوّرها واضعو المقرر في عهد عثمان!
ومادام الحال كذلك، فإن الإمامة في مفهوم
المذهب الوهابي لا تعني شيئاً آخر سوى (ص99): (طاعة ولي
الأمر وحرمة الخروج عليه، وتحريم منازعته حتى ولو كان
عنده جور وظلم ومعصية، وأمرت بالصبر ولزوم الجماعة لما
يسببه الخروج من فتن وفساد وشرور واختلال الأمن واراقة
الدماء وطمع الأعداء).
يقترب الطالب/الطالبة وهو ينهي مراحل الدراسة الرسمية
من نقاط التماس في العقيدة، وفي النظرة الى الأشياء من
حوله، وفي العلاقة مع الآخر.. نقاط ترسم خارطة سلوك عام
لدى الفرد والجماعة التي تعتنق العقيدة. ولاشيء يمكن أن
يشكّل عصبية جماعة دينية وهويتها الخاصة كما تفعل عقيدة
الولاء والبراء، بحسب ما جاء في الوحدة السادسة من مقرر
التوحيد.
ويكفي للتعرف على خطورة هذه العقيدة، التأمل
في أهدافها على النحو التالي: (أن يتعرف الطلاب أحكام
عقيدة الولاء والبراء في الاسلام ومكانتها. أن يتبين الطلاب
بعض صور موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين. أن يدرك الطلاب
العلاقة بين الموالاة والاهتمام بشؤون المسلمين. أن يحذر
الطلاب من التشبّه بالكفّار). السؤال هنا: مالذي يحتاجه
الطلاب في هذا الدرس سوى كراهية الآخر وسبل ترجمتها عملياً،
والتي تصل في أخطر مآلاتها إلى قتل الآخر.
فقد جاء في بيان هذه العقيدة (ص102) ما نصّه: (فالولاء
والبراء له أثر كبير في توجيه تصرفات المسلم وعلاقاته
بالناس مؤمنهم وكافرهم). ويمضي: (أساس الولاء والبراء
مبني على أن الاسلام هو الدين الحق الذي لا يقبل الله
من العباد غيره وأن ما سواه من الأديان باطلة لا يقبلها
الا الله ولا يرضاها).
والسؤال ما هو المطلوب بعد ذلك؟ الجواب (ص104): (فالواجب
على المسلم موالاة إخوانه المسلمين ومحبتهم، وعليه أن
يأتي بما يستطيع من حقوق الموالاة). وبحسب المقرر (ص107)
نهى الله عن موالاة الكفار، وهم بحسب الادلة الواردة هم
اليهود والنصارى وكل الأديان السماوية غير الاسلام.
يقسم موالاة الكفار الى ظاهر دون الباطن لعذر شرعي
من إكراه واضطرار أو خوف وضعف في بعض الأزمان والبلدان
فهذه الموالاة جائزة بقدر الحاجة، ففي حال الإكراه تجوز
الموالاة الظاهرة بإظهار الموافقة لهم على دينهم ـ ما
دام القلب مطمئناً بالإيمان. وهناك موالاة ظاهرة دون الباطن
لأغراض دنيوية دون عذر شرعي فهذا العمل الظاهر ـ وإن لم
يكن كفراً ـ إلا أنه محرم.
ومن صور ذلك اتخاذهم بطانة باسناد الولايات إليهم وكثرة
مجالستهم والانبساط لهم، لأغراض دنيوية والتشبه بهم فيما
ابتدعوه من الأعياد والمناسبات وما اختصوا به من العوائد
في هيئاتهم ولباسهم وأخلاقهم وطرائقهم السيئة في عموم
حياتهم، وكذا التسمي بأسمائهم وإطلاق الثناء عليهم، ومما
يدخل في موالاة الكفار المحرمة الاقامة في بلادهم دون
عذر شرعي.
وكما في المرات السابقة، فإن التنقيح يطال
بصورة رئيسية المواقف التي تشكّل مصدر خطر على الدولة.
ففي عرض أخطاء في مفهوم الولاء، كان تصحيح مفهوم الولاء
يقتصر على جانب الدولة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كالدخول
في معاهدات مع الكفار!! من أنواع الولاء المحرم ومن الركون
الى الذين ظلموا الموجب للخروج من الاسلام وهذا الكلام
ليس على اطلاقه فقد يرى ولي أمر المسلمين في معاهدة الكفار
في بعض الاحوال والأزمان ما يحقق مصلحة للمسلمين أو يدرأ
عنها شراً، وقد تكون هذه المعاهدة مشتملة على نوع من التنازل
والغضاضة على المسلمين لكنها في مراعاة لمصلحة أعظم أو
دفع مفسدة أكبر. ويبدو النزوع نحو التمييز بين ما هو ممنوع
ومشروع في هذا الأمر واضحاً في تسامحه لجهة تبرير المعاهدات
المعقودة بين الدولة والدول المصنّفة في خانة الكفّار،
حيث تتم معالجة (ص 107 ـ111): (الخلط بين ولاء الكفار
الممنوع وبين البر والاحسان والاقساط المشروع؛ القول بأن
كل موالاة الكفار ردّة وكفر وهذا غير صحيح؛ الظن بأن مما
يدخل في موالاة الكفار المعاملات التجارية معهم وتبادل
الخبرات والاستفادة من تجاربهم المفيدة؛ الظن بأن ما يوجد
من محبة طبيعية فطرية من المسلم لقريبه الكافر نوع من
الموالاة المحرّمة؛ تأييد موقف المسلم ضد الكافر مطلقاً
حتى لو كان المسلم ظالماً).
وسوف يأتي التناقض لاحقاً.
وعلى المنوال نفسه يتم التفريق بين براء مشروع وآخر
ممنوع. ومن صور البراء المشروع (ص114): (1 ـ بغض الكافرين
والبراءة منهم ومعاداتهم لأجل ما هم عليه من الكفر والشرك
بالله تعالى. 2 ـ البراءة والبغض والابتعاد عن كل ما يبغضه
الله ورسوله من الاعمال والاعتقادات المنحرفة وجميع أنواع
الشرك والفساد ومن كفر وفسوق وعصيان وبدع ومنكرات. 3 ـ
بغض أهل الفسوق والظلم والشر والفساد من المسلمين وهذا
البغض هذا الصنف بغض جزئي فهو بغض معه حب.. بغض لما قام
به من البدع والذنوب والفساد والشروك ويحبون ويوالون لما
معهم من الايمان والخير والحسنات التي يحبها الله ورسوله).
وبحسب التنقيح أيضاً، فإن المقرر يضيء على أخطاء في
مفهوم البراء، وهي في الغالب على صلة بالدولة وليس المجتمع،
ومن تلك الأخطاء (ص114 ـ115): (الظن بأن البراءة من غير
المسلمين ومعاداتهم وبغضهم يجيز ظلمهم والاعتداء عليهم
وسلب حقوقهم؛ الظن بأن تحريم ظلم الكافرين والأمر بالعدل
معهم والاحسان اليهم يستلزم منع البراءة منهم وعدم بغضهم؛
الغلو في بغض أصحاب البدع والذنوب والفساد من المسلمين
والزيادة عن المشروع في ذلك حتى يجعل بغضهم كبغض الكافرين،
ويتبرأ منهم براءة لا ولاية ولا محبة معها وهذا من البغي
والظلم، لأن المسلم مهما عمل من الذنوب التي لا تخرجه
من الملة فإن المحبة والموالاة له باقية وان كانت ناقصة،
فيحبُّ ويوالى لما معه من الإيمان والخير ويبغض بقدر ما
معه من الشر).
والحديث هنا ليس عن أي مسلم بل عن شخص حصل على مواصفات
المسلم وفق المعايير الوهابية، فهنا يجري الحديث عن مسلم
لم تخرجه الذنوب من الملة، وقد لحظنا سابقاً بأن ثمة أنواع
من الشرك تخرج من الملة كما جاء سابقاً.
قد يعتقد بأن المقصود بالكفّار هنا هم النصارى واليهود
فحسب، ولكن سوف نكتشف فيما بعد أن القائمة مفتوحة وتستوعب
المسلمين من طوائف أخرى، كما يكشف عن ذلك الدرس الرابع
بعنوان (التشبّه بالكفار وآثاره)، وحكمه: التشبه بالكفار
فيما هو من شعائر دينهم أو شعاراتهم المختصة بهم محرم
وعليه وعيد شديد، لأنه من مظاهر موالاتهم..والتشبّه يتفاوت
بحسب آثاره فمنه (ص117): (ما هو كفر كالتشبه بهم في ما
هو من عقائدهم الباطلة وعبادتهم كالشرك مثل: تعظيم معبوداتهم؛
وطاعة العظماء في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحله، ومن
ذلك تحكيم القوانين الوضعية بدلاً من الشريعة الاسلامية.
ما هو بدعة أو من ذرائع الشرك ووسائله كبناء المساجد والقباب
على القبور، وكذلك التشبه بهم فيما ابتدعوه من الأعياد
والمناسبات وغير ذلك).
فالبراء لا يقتصر على غير المسلمين بل هناك طوائف كبيرة
من المسلمين تخضع لعقوبة البراءة، حتى وإن تعمّد واضعو
المقرر ولأسباب باتت معروفة استبعادهم من قائمة أنواع
الكفار منهج التعامل معهم، رغم أن في هذا الأنواع ما يصلح
تطبيقه عليهم مثل المعاهدون: وهم الكفار الذين يكون بينهم
وبين المسلمين عهد على ترك القتال..
وتتأكّد صفة الكفر على طوائف من المسلمين في الوحدة
السابعة حول (البدع)، ويتفاوت التحريم فيها بحسب نوع البدعة
(ص123): (فمنها ما هو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقرّباً
إلى أصحابها، وتقديم الذبائح والنذور تقرباً لها ودعاء
أصحابها والاستغاثة بهم وكإنكار أسماء الله وصفاته. ومنها
ما هو كبيرة، لأنه من وسائل الشرك كالبناء على القبور
والصلاة والدعاء عندها. ومنها ما هو معصية، كبدعة الصيام
قائماً في الشمس والتعبد بترك الزواج واعتزال الجمعة والجماعة).
فحين تجمع ما قيل سابقاً حول البراء من الكفار، وما
يقال هنا عن الكفر الصراح، لا يكون هناك ريب في أن حكماً
بالكفر قد نال كثيراً من طوائف المسلمين.
وحتى يقطع الشك باليقين فإن الدرس الثاني من وحدة البدع،
بعنوان (ظهور البدع في حياة المسلمين وأسبابها)، يذكر
من بين الأسباب التي أدت الى ظهور البدع (ص 125): التشبه
بالكفار. ولا تتوقف البدعة عند آثارها وأسبابها كيما يوصم
صاحبها بالكفر، فإن مفاسد البدع هي الأخرى تؤول الى النتيجة
ذاتها حيث أنها (ص126):
(تستلزم الاستدراك على الشرع والقدح في الشريعة، والايحاء
بأنها ناقصة فأكملها هذا المبتدع وهذا مخال لقوله تعالى
(اليوم أكملت لكم دينكم)، لأنه إذا جاء ببدعة جديدة يعتبرها
ديناً، فمقتضاه أن الدين لم يكمل. كما تستلزم القدح في
المسلمين الأوائل من سلف الأولين من سلف هذه الامة وخيارها
الذين لم يأتوا بها، لأن هذا يعني أن كل ما سبق هذه البدع
من المسلمين فإن دينهم ناقص. وكذلك الانشغال بالبدع والمحدثات
عن السنن لأن الغالب أن من اشتغل ببدعة، انشغل عن سنّة
كما قال بعض السلف. إن هذه البدع توجب تفرق الأمة، لأن
هؤلاء المبتدعة يعتقدون أنهم من أصحاب الحق، ومن سواهم
على ضلال. ان الابتداع في الدين يؤدي الى التنازع الذي
هو أعظم سبب لفشل الأمة وهوانها).
ماذا يعني ذلك؟
أن أصحاب البدع كفّار، لأنهم بحسب المفاسد الواردة
أعلاه: شكّكوا في الدين، وخالفوا سيرة السلف الصالح، وأحدثوا
في الدين، وفرّقوا الأمة، وساقوها الى التنازع والفشل.
وفي مثل حالة هؤلاء لابد من موقف، ولن يصدر الا عن
أهل التوحيد، وأتباع العقيدة الصحيحة. وكما جاء في الدرس
الثالث: (موقف السلف من المبتدعة ومنهجهم في الرد عليهم)
فإنهم (ص128 ـ129): (قد ألفوا المؤلفات الكثيرة في ذلك،
وردّوا على المبتدعة في أصول الايمان والعقيدة وألفوا
كتباً خاصة في ذلك كما ألف الامام أحمد كتاب الرد على
الزنادقة والجهمية، وألف البخاري كتاب خلق أفعال العباد،
وألف عثمان ابن سعيد الدارمي كتاب الرد على الجهمية، وكذا
من جاء بعدهم كشيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم،
والشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهم ممن تصدوا للرد على
تلك الفرق وعلى القبورية والصوفية).
والقبورية هنا هي المكافىء المذهبي للشيعة، وسوف يتولى
معلّم المادة، المتشرّب لعقيدة التوحيد وأباطيل الفرق
الضالة بحسب المذهب الوهابي مهمة تحديد من هي الفرق وأوصافها،
وسوف يكتشف الطالب/ الطالبة أن أكثرية المسلمين هم واقعون
في خانة المبتدعة، لكفرهم بتوحيد الألوهية أو توحيد الأسماء
والصفات، وما يندرج تحت أحدهما أو كليهما من عناوين وموضوعات
كزيارة القبور، وطلب الحاجات من الأموات، والاستغاثة بهم..الخ..
ويذكر الدرس الرابع: (نماذج من البدع)
(ص130): (الاحتفال بمناسبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم؛
والتبرك بالأماكن والآثار والأموات ونحو ذلك؛ والبدع في
مجالات العبادات والتقرب الى الله بما لم يشرع. والبدع
كثيرة بحكم تأخر الزمن وقلة العلم وكثرة الدعاة الى البدع
والمخالفات وشيوع التشبه بالكفار في عاداتهم وطقوسهم).
وفي موضوعة الاحتفال بمناسبة مولد النبي
صلى الله عليه وآله جاء في المقرر بأنه (ص130): (حرام،
لأنه من البدع المحدثة، وهو تشبه بالنصارى في عمل ما يسمى
بالاحتفال بمولد المسيح). ويضيف (ص131): (وبعض هذه الاحتفالات
علاوة على كونها بدعة وتشبهاً بالنصارى لا يخلو من الشركيات
كإنشاد القصائد التي فيها الغلو في حق الرسول صلى الله
عليه وسلم، الى درجة دعائه من دون الله والاستغاثة به..
يحضر احتفالاتهم من المنكرات التي تصاحب هذه الاحتفالات
الاذكار البدعية والأناشيد الجمعية المنغمة وضرب الطبول،
وغير ذلك من الاذكار الصوفية المبتدعة، وقد يكون فيها
اختلاط الرجال والنساء، مما يسبب الفتنة ويجر الى الوقوع
في الفواحش.. وحتى لو خلا هذا الاحتفال من هذه المحاذير
واقتصر على الاجتماع وتناول الطعام في إظهار الفرع فإنه
بدعة محدثة ـ وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة
في النار).
ومن الواضح، أن واضعي المقرر متحررون من
أي قيد شرعي وأخلاقي وإنساني فهم يتحدثون عن فئة من الكفّار
بما يجيز لهم تجاوز كل الخطوط والقول فيهم بما يشاؤون
طالما ألا شيء يحول دون ذلك. ومن البدع أيضاً (ص133):
(الاحتفال بالمناسبات الدينية كمناسبة الاسراء والمعراج
ومناسبة الهجرة النبوية.. ومنها اقامة المآتم على الأموات
وصناعة الاطعمة واستئجار المقرئين يزعمون أن ذلك من باب
العزاء أو أن ذلك ينفع الميت.. ومن ذلك ما يفعل في شهر
رجب كالعمرة وما يفعل من العبادات الخاصة به كالتطوع بالصلاة
والصيام فيه خاصة.. ومن ذلك البناء على القبور واتخاذها
مساجد وزيارتها لأجل التبرك بها والتوسل بالموتى وغير
ذلك من الاغراض الشركية، وزيارة النساء لها).
وحال هؤلاء كحال من يحتفل بالمولد النبوي،
يجوز الحط من قدرهم، وتوصيمهم بأي تهمة تخطر على بال أهل
التوحيد، فقد سقطت حرمة الدين، بما يستوجب عصمة المال
والدم والعرض فأعقبها سقوط حرمة الإنسانية، بما يستوجب
احترام الشراكة في الخلق.. وحين يسقط المحرّمان الديني
والإنساني لا يعود هناك حد أو قيد في العلاقة بين أتباع
العقيدة الصحيحة وأتباع العقائد الفاسدة، أي الكفار، بحسب
مقرر التوحيد، المستمد من المرجعيات الوهابية التأسيسية.
صحيح، أن المقرر خفّف العقوبة على الطلاّب الكفّار
في المدارس الرسمية، رعاية للدولة واستقرارها في الداخل
وصورتها في الخارج، إلا أن لشبكة الدعوة والدعاة أن تفصّل
ما أوجزه المقرر، الذي ترك الباب موارباً إن لم يكن مفتوحاً
أمام نوع العقوبة التي يستحقها الطالب/ الطالبة المدرجين
في خانة الكفّار.
وقد جاء تحت عنوان (ما يعامل به المبتدعة) (ص134):
(معاملة المبتدعة تحكمه قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، وينظر فيه الى تحقيق المصلحة ودفع المفسدة. ونقل
عن شيخ الاسلام ابن تيمية: هجران اهل البدع، وترك عيادتهم،
وتشييع جنائزهم، من باب العقوبات الشرعية، وهو يختلف باختلاف
الاحوال من: قلة البدعة وكثرتها وظهور السنة وخفائها..
فيما قسّم الشيخ محمد بن صالح بن العثيمين البدع الى قسمين:
بدع مكفِّرة وبدع دون ذلك.. فإذا كانت البدع مكفّرة وجب
هجره والا يصبح التخيير بين هجره واجتناب ذلك في أصحاب
البدع غير المكفّرة).
|