فتّش عن ال سعود..
من الصحوة الى الإرهاب
ناصر عنقاوي
(الصحوة) تعني مرحلة زمنية استمرت نحو عقد ونصف، من
أواخر السبعينيات الميلادية الماضية الى منتصف التسعينيات،
كان طابعها الحماس الديني، والجهاد في أفغانستان، وإعادة
أسلمة المجتمع، ممارسة وفكراً عبر ضخ المزيد من القيود.
تلك الصحوة كانت صناعة حكومية، بل هي بحق: صناعة الملك
فهد، الذي رأى ان البلاد قد تنفجر أمامه بعد الثورة الإسلامية
في ايران، وبعد قيام جهيمان بمواجهة السلطة بالسلاح، فما
كان من الملك إلا أن قذف بالسلفيين بهم الى أفغانستان
لضرب عدّة عصافير بحجر، ومن تلك العصافير التغطية على
سوءات أكثر الملوك اشتهاراً بالبعد عن الدين في الممارسة؛
والإسهام في محاربة الشيوعية كدور أميركي مطلوب من الرياض
القيام به؛ وإشغال التيار السلفي بعدو خارجي يستنفذ جهده
وشبابه.
في تلك المرحلة ظهر من عرفوا بمشايخ الصحوة كنجوم في
المجتمع السلفي: كسلمان العودة، وناصر العمر، وعائض القرني،
وعوض القرني، وسفر الحوالي، والنجيمي، والعبيكان، وسعد
البريك، واضرابهم، فخدموا أجندة السلطة بالتشجيع على القتال
في افغانستان، والتحريض على اعداء النظام في الداخل، وبثّ
الشقاق المجتمعي على أسس طائفية وغيرها، فلما بدا فشل
ذلك الجهاد وتحوله الى حرب أهلية؛ ولما تحققت الأهداف
الأميركية، ولمّا استشعر بعض اولئك قوتهم، ووجدوا الفرصة
بعد تواجد القوات الأميركية لتحرير الكويت، تحرّكوا، وتمايزوا
عن النظام سياسياً، فأودع بعضهم السجون، ثم حمّلهم مسؤولية
التطرف والتكفير وتحريض الشباب على القتل والقتال، بل
وحتى سبب العنف الداخلي من قبل العائدين منهم.
تكرّر المشهد بعد احتلال اميركا للعراق، والآن الحرب
في سوريا. ولازال النظام يستخدم طوابير وطبقات من المشايخ
مرة تلو الأخرى في مشاريعه السياسية، ثم لما يستنفذ اغراضه،
يتهم المشايخ الداخليين، وبينهم مشايخ الصحوة، الذين يتهمون
الآن بدعم القتال في سوريا والذي هو صناعة رسمية سعودية.
كاتب رسمي أراد (فتح ملفات الصحوة) محرضاً على اولئك
المشايخ، لإشغال الناس بمعركة جديدة، بعيداً عن ملعب
السلطة التي هي سبب قذف الشباب الى سوريا. عبدالله الكويليت
من صحيفة الرياض، طالب بفتح ملفات الصحوة، فهناك وعاظ
ورجال اعمال ومنظمات حكومية واهلية شاركت حسب رايه في
صناعة كارثة الصحوة وأدلجة المجتمع واختطافه. ورأى أن
فتح الملف يجنّب المجتمع كوارث قادمة قد تحول البلاد الى
مجتمع طالباني موغل في التخلف!
أخطاء الصحويين كثيرة، ولكن لا يمكن تحميلهم كامل المسؤولية،
فنعتقد ان النظام بريء مما جرى خلال العقود الثلاثة الماضية.
الصحوة بنظر أمل العالي هي غفوة، هفوة، عمْوَه.. حولت
مجتمعاً طبيعياً الى متناقض ومحتار. ومن سلبياتها عند
البعض انها حاربت العقل والمنطق والتفكير العلمي وسيطرت
على التعليم والمشهد الثقافي لعقدين من الزمن، حسب المغرد
الشميسي. أما شادية خزندار، فرأت ان الصحوة ما هي إلا
عاصفة حصدت كل الجمال في حياتنا، فيما رفض بخيت الزهراني
تسميتها بالصحوة فما في ذلك من مغالطة كبرى، فهي لا تعدو
غيبوبة. هي اذن ليست صحوة، بل سطوة، قسوة، خالية من الوسطية،
غُمّه، ألمّت بالأمّة، حسب مغردة. وبحصب ديما راشد فإنها
اقرب ما تكون لحركة تخدم الشر والشيطان، وعمادها الكذب
والخداع والإفتراء، ونتائجها: مجتمع مريض منافق، معتلّ
الفطرة متخلّف وجاهل. ويعتقد المطوع أن غسيل الأدمغة الذي
قام به شيوخ الصحوة لم يحصل مثله في تاريخ البشرية؛ ولذا
يرى حمزة المحضار بأن المجتمع بحاجة الى نصف قرن ليعود
الى فطرته السليمة وينظف نفسه من اوساخ الصحوة اللعينة،
فالعقول غُسلت تماماً.
كيف تمّ كل هذا، وأين كان الأمراء عن ذلك وبيدهم الحكم؟
هل كانوا مغلوبين على أمرهم؟ يتساءل حمزة الحسن، فالصحوة
نشأت بدعم رسمي، مثل فكر القاعدة، وحين حقق آل سعود غرضهم
ذمّوا وحاربوا منتجاً صنعوه: مأكول مذموم! والسياسي هو
الذي اختطف عقول الشباب وشجع فكراً ومشايخ بعينهم لخدمة
أغراضه، وهو لازال يفعل ذلك عبر فكر ومشايخ آخرين. ويخلص
حمزة الحسن الى أن: (الصحوة والقاعدة ومشايخهما مجرد أدوات
في معركة الأمراء السياسية، استخدموها وتحوّلت جزئياً
ضدهم، فحاربوها وحمّلوها أخطاء آل سعود). فالنظام اليوم
يرى ان الصحوة سبباً للمشاكل، وبالأمس كانت داعش والقاعدة،
وقبلهم الروافض والحداثيين والليبراليين، في حين بقي آل
سعود وحدهم الأبرياء الطيبين المغلوب على أمرهم!
عبدالله اليحيان يرى ان فتح ملف الصحوة يعني محاكمة
حقبة كاملة بقراراتها السياسية والإجتماعية والدينية والإقتصادية.
بمعنى انه لن تكون هناك ادانة للمشايخ فقط بل أيضاً من
استخدمهم وهيّأ الأمر لهم وهم الأمراء. اما الكاتب خالد
الوابل فلم يشأ ان يضع النقاط على الحروف وتساءل: (الصحوة:
هل هي منتج ديني أم سياسي؟ المستفيد الأكبر هو من يحدد!).
من هو المستفيد الأكبر غير النظام وحلفائه الأميركان؟
الصحفي عبدالله العلويط يقول ان أمريكا هي المستفيد الأكبر،
يكفي جهاد افغانستان كمثال. اما الكاتب شتيوي الغيثي فكان
أكثر صراحة: (فتح ملفات الوهابية والسلفية واستغلال الدولة
لخطاب المشايخ يجب أن يتزامن مع فتح ملفات الصحوة أيضاً،
فكلها فروع لأصول فكرية واحدة). يجب الإعتراف إذن، ان
الصحوة كانت عبارة عن اجندة وضعتها وساهمت بنشرها الدولة
لخدمة مصالحها.
الآن، وفيما يوجه اعلام النظام سهامه لمشايخ ميّزوا
أنفسهم عن سياساته، هل النظام جاد في فتح ملف الصحوة،
وملف القاعدة، وملف التطرف والغلو؟ هل النظام على استعداد
للإعتراف ولو لمرة واحدة أنه أخطأ في شيء؟ بل هل يعترف
اعلامنا المحلي أو يجرؤ على القول بأن الفتن الداخلية
والخارجية ما هي إلا صناعة ملكية سعودية، وأن المشايخ
من مختلف اتجاهات السلفية ما هم الا أدوات بيد الأمراء؟!
|