الحرب على (التواصل الاجتماعي)
ناصر عنقاوي
لاشك إنها حرب حقيقية على مواقع الاتصال الاجتماعي
(تويتر، فيسبوك، كيك) وحتى على مواقع المحادثات (واتساب،
لاين، تانجو، نمبز، فايبر، وانستجرام ووو). حين يتواجد
6 ملايين مغرّد في (تويتر) في وقت واحد و9 ملايين على
موقع (فيسبوك)، وتكون وتيرة مشاركة مواطني المملكة متصاعدة
بمعدّلات خيالية نكون بالفعل أمام حرب في العالم الافتراضي
وتبتغي تحقيق ما لا تستطيع تحقيقه في العالم الواقعي..
كثيرة هي القضايا التي يتم تداولها في مواقع التواصل
الاجتماعي، وكبير هو حجم المشاركة الشعبية في هذه الحرب
بجبهاتها المتعددة، حيث تستهلك جبهة الهجوم على الحكومة
وسياساتها الجهد الأكبر..
مشاركة مواطني المملكة في مواقع التواصل الاجتماعي
والوتير المتصاعدة فيها، بل واحتلالهم المرتبة الأولى
على مستوى العالم من حيث ارتفاع أعداد المنخرطين في هذا
العالم الجديد نسبياً تحرّض وبقوة على دراسة هذه الظاهرة.
وكان يفترض أن يبادر أهل البلد أنفسهم لدراستها، ولكن
جاءت هذه الدراسة من جهة معنيّة بمراقبة تحوّلات المنطقة
بهدف تحصين وضعها الداخلي، وتأمين سبل حماية الكيان من
أية متغيرات سياسية وإجتماعية وأمنية وثقافية في عالم
شديد التحوّل.
دراسة اسرائيلية أعدّها كل من أوريت لابروف ويؤول جوزينسكي
وصادرة عن (مركز أبحاث الأمن القومي) التابع لجامعة تل
أبيب نشرت نتائجها في 11 شباط (فبراير) الماضي خلصت الى
أن أن مجموعة من الباحثين والصحافيين والسياسيين السعوديين
يوظفون مواقع التواصل الاجتماعي لتسويق المواقف والسياسات
الرسمية التي تتحرج العائلة المالكة من التعبير عنها.
وأكّدت الدراسة بأن العائلة المالكة توظف هذا الفريق الذي
تطلق عليه (معسكر البلاط) في الترويج لسياساتها وتعزيز
صدقيتها.
وأوضحت الدراسة بأن معسكر البلاط هذا يوجّه (يوجه انتقادات
لدول عربية أخرى وللولايات المتحدة وأوروبا وفق الخط الدعائي
الذي يرغب به القصر). وضربت الدراسة مثالاًعلى تبني معسكر
البلاط الأجندة الإعلامية للعائلة الحاكمة، وأشارت إلى
أنه قبل الانقلاب على مرسي، تجنبت المملكة توجيه انتقادات
علنية لحكم الإخوان، لكنها تركت المهمة لـ(معسكر البلاط)،
الذين وجهوا انتقادات حادة جداً لحكم الإخوان المسلمين،
وحذرت من خطورة مواصلة السماح لمرسي بالحكم.
وأشارت الدراسة إلى أن العائلة المالكة توظف (معسكر
البلاط) في إيصال الرسائل للغرب، حيث أن العائلة المالكة
لا تقوم بتوجيه انتقادات علنية لسياسات الإدارة الأمريكية
لكنها تترك هذه المهمة للمعسكر.
وأشارت الورقة إلى نتائج الدراسات والاستطلاعات العالمية
التي أظهرت أنه قد طرأت عام 2012 زيادة بنسبة 300% على
عدد السعوديين، الذين يرتادون مواقع التواصل الاجتماعي،
في حين أن عدد الذين الذين يستخدمون موقعي التويتر واليوتيوب
في السعودية هو الأعلى في العالم.
ونوهت الورقة إلى أن ثلث السعوديين مرتبط بشكل فاعل
بمواقع التواصل الاجتماعي، ولفتت إلى أن أعمار الذين يقبلون
على مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية تتراوح بين 26-55
عاماً، مشيرة إلى أن 87% من المستخدمين هم رجال، في حين
أن 13% فقط هم نساء.
وأكدت الدراسة أن القيود التي يفرضها النظام والمؤسسة
الدينية على المجتمع في السعودية جعل معظم السكان يرون
في مواقع التواصل الاجتماعي الفضاء الوحيد الذي يمكن أن
يعبِّروا فيه عن أنفسهم.
في الوقت نفسه أشارت الدراسة إلى أن سلطات الحكم وظَّفت
مواقع التواصل الاجتماعي لناحية التعرف على توجهات الناس
وميولهم، مع ذلك فهي لا تتردد في حجب مواقع تقدم معلومات
ترى أنها تمس باستقرار نظام الحكم، ولذلك تخشى العائلة
المالكة من أن تسهم مواقع التواصل الاجتماعي في تأجيج
نار ثورة ضدها.
ويلفت معدا الدراسة إلى أن طابع متصفحي مواقع التواصل
الاجتماعي في السعودية يختلف عن بقية الدول العربية. وبحسب
الدراسة فإن متصفحي شبكات التواصل الاجتماعي في العالم
العربي يمثلون (قوى التغيير)، لأنهم يتحدون البنى المجتمعية
والسياسية القائمة، مشيرة إلى أن السمات العامة لمرتادي
مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي تدلِّل على
أنهم يمثلون رجالاً ونساء، طبقة وسطى، مثقفون يقطنون المدينة،
ذوي توجهات ليبرالية وديموقراطية.
واستدركت الدراسة أن متصفحي مواقع التواصل الاجتماعي
في السعودية يختلفون من حيث التوجهات والميول عن النسق
العام في العالم العربي، مشيرة إلى أنهم ينتمون للقوى
المحافظة والراديكالية من الدعاة وأبواق الأسرة المالكة،
وهؤلاء يستخدمون هذه المواقع لنقل رسائلهم وللترويج لخطهم
الفكري.
ونوهت الدراسة إلى أن تحليل مضامين ما ينشره السعوديون
في مواقع التواصل الاجتماعية ذو طابع ديني، وأحالت إلى
دراسة دللت نتائجها على أن 20% من السعوديين يستخدمون
مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الاطلاع على مواد دينية،
في حين أن 8% فقط هدفوا للاطلاع على مواد ذات طابع سياسي.
وأضافت الدراسة أن القوى المحافظة وظفت مواقع التواصل
الاجتماعي في نقل الخطب والمواعظ الدينية للتأثير على
(جمهور المؤمنين) سواءً في السعودية أو خارجها، مدعية
أن المواعظ تهدف أيضاً إلى تجنيد (مقاتليين جهاديين سلفيين)،
علاوة على توظيف المواقع في التحذير من الاستخدامات (السيئة)
لمواقع التواصل الاجتماعي.
وأشارت الورقة إلى أنه بالإمكان العثور في مواقع التواصل
الاجتماعي على مضامين تمثل (قوى التغيير)، سيما أولئك
الذين ينظمون حملات تطالب بتحسين مكانة المرأة والأقليات
في المملكة.
واستدركت الدراسة أن هذه الأصوات لا تطالب في المقابل
بإحداث تغيير في منظومة الحكم والسلطة القائمة، ولا تتبنى
أجندة ليبرالية ديموقراطية، لكنها تحاول تحقيق تآكل تدريجي
في رصيد القوى المحافظة.
وأكدت الدراسة أن (الشيعة) السعوديين الذين يستخدمون
مواقع التواصل الاجتماعي ينتمون إلى (قوى التغيير)، نظراً
لأنهم يطالبون بتحسين أوضاعهم كأقلية.
وزعمت الدراسة أن الجدل حول القضايا المذهبية يطغى
على الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي، علاوة على دور
الدعاة في التحريض على الحكام السنة العلمانيين، ودعم
تنظيم (القاعدة) وعملياته في سوريا والعراق ولبنان.
|