أوباما في الرياض: المصالح قبل حقوق الإنسان
توفيق العباد
رغم الدعوات المفتوحة التي وجهتها منظمات حقوقية عالمية
عديدة الى الرئيس أوباما، بأن يضغط على حلفائه السعوديين
من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان، وبالذات حقوق المرأة
والعمال الأجانب، والحق في حرية التعبير، واطلاق سراح
معتقلي الرأي.. فإن الرئيس الأميركي لم يبحث الموضوع من
أساسه مع الملك السعودي حين التقاه في الرياض مؤخراً.
وتذرّع مسؤول أميركي عدم طرح موضوع حقوق الإنسان في
نقاشات اوباما مع المسؤولين السعوديين، بأن اللقاء كان
مخصصاً لملفات جيوسياسية كبيرة، وأن الوقت لم يسعف اوباما
لأن جلّ الوقت قد استغرق في الحديث عن سوريا وايران. ومع
هذا اعترف المسؤول الأميركي بالقول: (لدينا الكثير من
القلق الجدي حول اوضاع حقوق الانسان فيما يخص النساء والحريات
الدينية وحرية التعبير، كما ان بعض القوانين التي أُقرّت
اخيرا تطرح اسئلة حول قدرة الناس على التعبير عن ارائهم
بحرية). وأضاف: (هناك اختلافات في وجهات النظر في علاقتنا
مع الرياض بينها مسالة حقوق الانسان).
|
اوباما ومها المنيف |
الأمر الوحيد الذي اعتبر اشارة الى الموضوع الحقوقي
هو تكريم اوباما لسيدة سعودية تعمل ضد (العنف المنزلي).
فتغطية لإخفاقه في طرح موضوع انتهاكات حقوق الإنسان
مع حلفائه في الرياض، وإزاء الحرج المتزايد لإدارته التي
تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، وتخفيفاً لوطأة الغضب من
قبل المنظمات الحقوقية الدولية المطالبة له بالتدخل..
سلم باراك أوباما أثناء زيارته للرياض، الناشطة السعودية
مها المنيف جائزة (أشجع امرأة)، والتي تمنحها وزارة الخارجية
الأمريكية.
والتقى أوباما السيدة المنيف قبل مغادرته الرياض، وأشاد
بجهودها أثناء التقاط الصور بينما كان يسلمها الجائزة
قائلا: (نحن فخورون كثيرا جدا بك، ونكنّ امتنانا لك نظرا
لما تفعلينه هنا). ومها المنيف بكالوريوس هي المديرة التنفيذية
لبرنامج الأمان الأسري الوطني، وعضو في الشبكة العربية
لحماية الطفل من الإيذاء، وتبذل جهودا لمكافحة العنف الأسري
والعنف ضد الأطفال. كما أنها ساهمت في وضع تشريع يحظر
العنف الأسري في السعودية.
بيد أن الناشطة الحقوقية نسيمة السادة عبرت عن خيبة
أملها إزاء عدم تطرق أوباما لمسألة حقوق الإنسان في محادثاته
مع الملك السعودي. وقالت في هذا الشأن بأن اللقاء بين
أوباما والمنيف كان (مناسبا له سياسيا، لكنه لم يوجه الرسالة
الحقيقية للمرأة السعودية من حيث المطالبة بحقوقها). وأضافت:
(لقد وعد بإثارة موضوع المرأة لكنه لم يفعل، ليس هذا ما
كنا نأمله من زيارته). وأوضحت السادة: (كنا نأمل أن يلتقي
بوفد من الناشطات في المجتمع المدني لشرح أوضاع المرأة
وحقوق الإنسان بشكل أفضل).
وكانت سارة ليا ويتسون، المديرة التنفيذية لقسم الشرق
الأوسط في هيومن رايتس ووتش قد حضّت اوباما بأن (لا يدع
الفرصة تمر دون إثارة قضايا حقوق الإنسان المهمة مع الملك
عبد الله، بما في ذلك قانون مكافحة الإرهاب الجديد، وحقوق
المرأة وأعمال الترحيل الجماعي. وعليه أن يوضح أنه لا
ينبغي للسلطات السعودية أن تستخدم قانون مكافحة الإرهاب
الجديد ـ فضفاض الصياغة ـ لتزيد من تقييد مساحة حرية التعبير
المقيدة بالفعل).
أيضاً فإن العفو الدولية كررت مطالبها لأوباما مرتين
بأن يطرح ملف احترام حقوق الإنسان مع المسؤولين السعوديين،
آخرها بيان صحفي قبل يوم واحد من زيارته للرياض، طالبته
فيه بأن يضع حداً لصمت الإدارة الأميركية حيال سجل السعودية
الحقوقي، ودعته لاتخاذ موقف علنيّ صارم إزاء ما أسمته
(الإنتهاكات المنظّمة التي تُرتكب). ولاحظت المنظمة أن
زيارة اوباما تصادفت مع حملة جديدة للنساء المطالبات برفع
الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، حيث قام العديد منهن بقيادة
سياراتهن علناً في مدن عديدة من المملكة. وقالت العفو
الدولية بأنها تطالب اوباما بأن يعبّر عن امتعاضه من التمييز
ضد المرأة، وأن يحاول اللقاء بالنساء السعوديات اللاتي
يتحدينَ الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة. وقالت
نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط في المنظمة، حسيبة حاج
صحراوي: (إن تقاعس اوباما عن القيام ببحث الانتهاكات من
شأنه أن يقوّض من مبادئ حقوق الإنسان التي تزعم الولايات
المتحدة أنها تدافع عنها.. لقد نأت الولايات المتحدة بنفسها
لأمد طويل عن مواجهة السعودية علنا على صعيد سجلها في
حقوق الإنسان، وأشاحت ببصرها عن طائفة واسعة من الانتهاكات
وأشكال الإساءة المرتكبة، مضحّية باحترام حقوق الإنسان،
لحساب المصالح الاقتصادية والمنفعة السياسية). وكررت حسيبة
اتهامها لحكومة الرياض بأنها (لا ولن تتورّع عن سحق كل
من تسول له نفسه بانتقاد أساليبها دون أن تشعر بتأنيب
الضمير. فلقد سبق لها وأن لجأت على نحو متكرر إلى سبل
قمعية من أجل القضاء على جميع أشكال المعارضة).
وأكملت حاج صحراوي بأن قمع حريات التعبير عن الرأي
ومنع تشكيل الجمعيات والتمييز الطائفي ضد الشيعة والعمال
الأجانب والمرأة يجب أن يتوقف، بما فيه التعذيب وغيره
من ضروب سوء المعاملة. وحذرت من أن (الانتقائية في انتقاد
انتهاكات حقوق الإنسان التي يتركبها البعض، بينما يتم
تجاهل تلك التي يرتكبها حلفاء أمريكا من شأنها أن تخذل
الضحايا، وتقوض النظام الدولي لحقوق الإنسان).
وعبر آدم كوغل الباحث في هيومن رايتس ووتش عن غضبه
من نتائج زيارة اوباما للرياض: (من المخجل أن أوباما لم
يعمل بنصيحته هو نفسه. إن إقناع المسؤولين السعوديين بالعمل
على تحسين احترام حقوق الإنسان يتطلب التفاعل المستمر
معهم ـ في السر والعلن. وفي هذه الزيارة لم يقم أوباما
بهذا ولا ذاك. من الصعب ألا نتساءل عما يلزم لقيام أوباما
ـ أو أي مسؤول أمريكي رفيع المستوى ـ بإلقاء الضوء على
هذه الانتهاكات المتفشية. كثيراً ما يوحي المسؤولون الأمريكيون
بأنهم، في سبيل الفعالية، يختارون دعم حقوق الإنسان في
السعودية من خلال القنوات الخاصة لا العامة. ولكن يبدو
أن أوباما لم يفعل حتى هذا).
|