|
|
|
انتفاضة نوفمبر 1979 |
|
انتفاضة 2011 مستمرة حتى
الآن |
فيلم بي بي سي عن الحراك الشعبي في القطيف
سـقــوط الـقـنــاع
محمد الأنصاري
أدمنت الصمت، وهالها أن يصل صوت آخر من داخل مملكة
القمع والقهر الى الخارج، ولا غرابة في أن تصف كل صوت
يخرق السكون المطبق بأنه خيانة، ومؤامرة، وعدوان على السيادة.
إنها ماكينة الخداع التي تعمل من أجل غايات سقطت، وفي
مرحلة أدبرت.
لم يشعر القائمون على إمبراطورية الزيف بأن الزمن تغيّر
وأننا في مرحلة تكاد تكون فيها كمية الاسرار قليلة ونادرة،
لأن وسائل الكشف عنها ونشرها تعدّدت، وإن لا يزال آل سعود
يريدونها صمتاً وكبتاً وقهراً. إنهم بحاجة الى دروس في
فهم الواقع الجديد، فما يعتبرونه مؤامرة ليس سوى الحقيقة
التي هُرّبت من الحدود بعد أن أبت الارتهان لأناس يعيشون
الماضي ويقبضون أوهاماً.
فيلم وثائقي عن الحراك السري في السعودي، أعدّته الاعلامية
صفاء الأحمد، فجّر غضب الأمراء واعلامهم المرتهن. علّقت
صحيفة (وطن) في 31 مايو الماضي على رد الفعل السعودي بالقول
بأن الفيلم أثار جدلاً واسعاً في المواقع الاجتماعية والمواقع
السعودية التي اعتبرت الفيلم طائفياً، ونعتت الصحيفة الإعلامية
السعودية التي اعدت الفيلم على مدار عامين بـ (الرافضة).
|
صفاء الأحمد: معدّة الفيلم عن الحراك السياسي
في القطيف |
لصفاء الأحمد روايتها الخاصة حول فيلمها الوثائقي الذي
أنجزته على مدى ثلاث سنوات. كتبت عن معاناتها، عن شهادتها،
عن آلام من التقتهم بصورة مباشرة على الأرض، وسجّلت وصوّرت
لحظات صعبة في حياة الناشطين والاهالي. وحتى ما قيل عن
استخدام الرصاص من قبل الناشطين فإنهم وضعوا بتصرفها كل
ما بحوزتهم من صور حول مجمل نشاطاتهم، ولم يكن لديهم ما
يخفونه، وإن ثلاث سنوات من الحراك كانت كافية للحصول على
كل ما يتطلب من حقائق حول الحراك والمشاركين فيه.
عن تجربتها في اعداد الفيلم قالت:
تمكنت بي بي سي من الاتصال، و
بشكل غير مسبوق، ببعض النشطاء المناهضين للحكومة السعودية
في المنطقة الشرقية للمملكة، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة
للقضاء على أي اضطرابات مدنية.
وقد شهدت المنطقة الشرقية من المملكة
احتجاجات خلال الاعوام الثلاث الماضية. ومع التطورات التي
صاحبت الربيع العربي منذ عام 2011، بدأ المحتجون يعبرون
عن غضبهم تجاه الحكومة. إلا أن احتجاجاتهم لم تحظ الا
بالقليل جداً من التغطية الاعلامية، فمن شبه المستحيل
أن يتمكن الصحفيون من العمل بحرية في المنطقة الشرقية.
ولم تكن أخبار الاحتجاجات داخل
القطيف على الساحل الشرقي للمملكة، تصل حتى للناس داخل
المملكة الا بالكاد.
سافرت إلى المنطقة الشرقية عدة
مرات خلال العامين الماضيين دون علم السلطات السعودية.
أردت أن أعرف المزيد عن هذا الصراع
الذي يخاطر فيه أفراد من الأقلية الشيعية في البلاد بحياتهم
في التظاهر ضد ما يعتبره كثيرون نظاماً ملكياً قمعياً.
أنا أعرف هذه المنطقة جيدا لأنني
ولدت ونشأت في مدينة قريبة منها.
المنطقة الشرقية موطن معظم المسلمين
الشيعة في البلاد. وتشير تقديرات إلى أنهم يشكلون أقل
من 15 بالمئة من تعداد السكان، ويقول كثيرون منهم إنهم
يتعرضون للتمييز الطائفي.
كانت مهمة صعبة أن أعد تقريراً
عن تلك الاحتجاجات.
قد أكون سعودية لكن التجول بكاميرا
كان أمراً شديد الصعوبة، إذ يعرضني ذلك للاعتقال.
واعتمدت في تقريري بشكل جزئي على
صور زودني بها نشطاء والتي تظهر كيف تطور هذا الصراع على
مدى الأعوام الثلاثة الماضية.
وثق المحتجون ما يقومون به بشكل
كامل في محاولة لإيصال رسالتهم إلى العالم. فقد صوّروا
أنفسهم لدى قيامهم بأعمال تمثل استفزازاً كبيراً للسلطات،
مثل نزع وإحراق ملصق يحمل صورة الملك، وهو أمر لا يتصوره
كثير من السعوديين.
وتحدثت صفاء الأحمد عن لقائها بالنشاطين في منطقة القطيف،
وقالت بأنها حضرت اجتماعات سرية للمحتجين. وأتضح لي أنهم
لا يتفقون على ذات المطالب، لكنهم جميعا ينشدون إصلاحات
شاملة.
وعلى الرغم من أن المنطقة تضم أكبر حقول للنفط في العالم،
يقول النشطاء الشيعة إن سكان المنطقة يتعرضون للتهميش
الاقتصادي والسياسي منذ وقت طويل.
وتضيف صفاء الأحمد:
ذات صباح في شهر فبراير من عام
2013، كنت أجلس في غرفتي عندما تلقيت رسالة مفادها أن
قوات الأمن داهمت منزلين لاثنين من النشطاء المطلوبين،
هما فاضل الصفواني ومرسي الربح، في منطقة العوامية إلا
أنهما تمكنا من الهرب. وقد طوقت قوات الأمن المنطقة بنقاط
تفتيش عقب المداهمة، لكني تمكنت من اختراق الحصار وأنا
أحمل آلة تصوير.
لم يغامر أي من فاضل أو مرسي بالحديث
إلى الإعلام من قبل، لكنهما قررا الآن أن يرويا لي قصتهما.
يقول فاضل: «عاملونا كإرهابيين.
كان واضحا جداً أنهم يريدون قتلنا. أنتي تقفين الآن فوق
آبار نفط تغذي العالم بأسره. لكننا لا نستفيد منها شيئاً.
الفقر والجوع وغياب الشرف وانعدام الحرية السياسية. ليس
لدينا شيء. ماذا بقي إذن؟ وبعد كل هذا يهاجموننا ويحاولون
قتلنا».
وعلى مدى ثلاثة أعوام من الاضطرابات،
قتل عشرون شخصا بينما سجن وأصيب المئات.
اتخذت الحكومة السعودية خطوات
للقضاء على المعارضة.
أنفقت الحكومة خلال الاعوام الثلاث
الماضية مبالغ هائلة على المناطق الهامة، كما شجعت رجال
الدين الذين تدعمهم الدولة على إدانة المعارضة بوصفها
غير اسلامية، والتشكيك في المطالبة بالإصلاح وتشويه المحتجين
ووصفهم بأنهم تحت قيادة شيعية وطائفيون.
وتشمل المعارضة الشيعة في الشرق،
والنساء في بريدة اللائي يحتججن على اعتقال أقاربهن من
الذكور دون محاكمة، ورجال دين بارزين، ونشطاء في مجال
حقوق الإنسان يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي.
في أواخر العام الماضي اكتشفت
أن مرسي الربح، الناشط الذي التقيت به في زيارتي الأولى،
قد قتل. ويقول أصدقاؤه إن الشرطة أردته قتيلا خلال استعدادات
لإحياء مناسبة دينية في شوارع العوامية. وخلال العام الحالي
قتل رجلا شرطة في أعمال العنف.
ودخلت قوات الأمن والمحتجون في
حلقة من المواجهات العنيفة. وأصبحت القطيف منطقة عسكرية
تحيط بها نقاط التفتيش والعربات المدرعة.
وطلبت بي بي سي إجراء مقابلات
مع السلطات السعودية للتعليق على الموقف إلا أنها لم تتلق
ردا.
وبعد عامين من الزيارات المتكررة
تبين لي أن من الخطورة بمكان متابعة التحقيق في هذه القضية،
واضطررت إلى مغادرة وطني.
اعترى الخوف والشك الناس من حولي،
وعاد كفاحهم سرا لا يعلم عنه الناس شيئا.
|
الناشط الصفواني.. سلاحه الكاميرا، يطارده رصاص
السلطة |
موقع (سبق) السعودي المقرب والممول من وزارة الداخلية،
كتب تعليقا مثيراً على الفيلم بعنوان (إعلامية سعودية
تدافع عن مطلوبين في فيلم طائفي بتمويل BBC). وجاء فيه:
(في فيلم طائفي حمل العديد من التناقضات، قدمت الإعلامية
السعودية صفاء الأحمد فيلماً وثائقياً طائفياً عنونته
بـ «الحراك السري في السعودية» وبتمويل من قناة البي بي
سي حيث استطاعت الوصول إلى أبرز المطلوبين الأمنيين الذين
تلطخت أيديهم بدماء رجال الأمن بكل سهولة).
واضافت الصحيفة: (وفي مخالفة واضحة لأصول المهنية التي
تدعيها BBC، لم تقم الإعلامية بعرض أسر الشهداء من رجال
الأمن والذين تجاوز عددهم العشرات من القتلى والجرحى جراء
غدر هذه المجموعات الإرهابية، ولم تسلط الضوء على مصير
رجال الأمن، وانتهاج أقصى قدر من الحكمة والمسؤولية تجاه
بعض الاستفزازات والتي كلفتهم حياة الكثير من زملائهم).
نشير الى أن بيانات الداخلية لم تتحدث سوى عن اثنين
من القتلى الجنود، وإن الكلام عن عشرات القتلى والجرحى
لا يستند الى مصدر رسمي أو حتى شبه رسمي.
ومضى الموقع قائلاً: (وعلى النقيض تماماً قدمت الإعلامية
صفاء الأحمد المطلوبين الأمنيين والإرهابيين على أنهم
أبطال حقيقيون وقادة للثورة، ووصفتهم بقادة الحراك السلمي
في القطيف).
واعتبر الموقع بأن تصريحات معظم من التقت بهم الاعلامية
صفاء الأحمد كاذبة وتحمل تناقضات كبيرة حول الأسباب الحقيقية
حول حراكهم وإثارتهم للشغب، والقيام بأعمال إرهابية، حيث
ذكر الكثير منهم بأنها لأسباب معيشية فقط في إشارة هدفها
فقط إثارة المنظمات الدولية والحقوقية عبر وضع تصور لهم
بأن الفقر والجوع هو سبب خروجهم.
يعلق الموقع بأن: (العديد من أبناء هذه الطائفة ـ أي
الشيعة ـ يقومون بنشاطات خارجية هدفها فقط الإساءة لبلدهم
السعودية بكل الوسائل والطرق التي يستطيعون الوصول إليها).
صحيفة (الاقتصادية) التي انبرت منذ بداية الاحتجاج
الشعبي للنيل من الناشطين، وتشويه صورتهم وتهديدهم بالقتل
الجماعي والاجتياح العسكري لمدنهم، كان لها أيضاً موقف
من الفيلم الوثائقي. وكتب رئيس تحريرها سلمان الدوسري
في 1 يوينو الجاري مقالاً بعنوان (بي بي سي وفضيحة العوامية)،
اعتبر فيه هذا الفيلم بمثابة سقوط لهيئة الاذاعة البريطانية
التي كانت مثالاً للمصداقية والموضوعية. وراح يسرد قصة
انحراف البي بي سي العربي عن مهنيتها منذ تحوّلت الى تلفزيون
عام 1996 حيث (تجمّع فيها بقايا القوميين والشيوعيين والبعثيين
فعاثوا فيها، قبل أن يتحوّل أغلبية طاقم القناة ليكونوا
بذرة غير صالحة لقناة الجزيرة).
وبعد عرض القناة للفيلم الوثائقي عن الحراك الشعبي
في القطيف، يقول الدوسري: (كانت المفاجأة أن الفيلم سقط
في كوارث مهنية لا تُغتفر، وأسقط القناة معه في بئر لا
أعلم كيف ستخرج منها، فالإرهابيون الذين يطالبون بإسقاط
النظام، ويطلقون النار على رجال الأمن يُسمون «نشطاء»،
والمجرمون الذين يمزقون ويحرقون صور الملك يُوصفون بـ
«الأبرياء»، ناهيك عن السيناريو الذي يناسب فيلماً عاطفياً
مع موسيقى تصويرية حزينة جداً، تريد أن تصل بالمشاهد في
النهاية إلى أن هؤلاء يعانون القمع و»المظلومية»..).
وتوقف الدوسري عند معلومة اعتبرها من الكوارث مع أنها
وردت في مصادر كثيرة ولم يتحسس أحد منها، وقد تكون صفاء
الأحمد قد رجعت الى المصادر نفسها وهي (أن نسبة الشيعة
في السعودية 15 في المائة)، مع ان الاحتجاج لا يقوم على
أسس علمية من أي طرف، لأن الدوسري نفسه لا يمتلك احصائية
علمية ودقيقة. والانكى هو تعليقه على حرمان سكان المنطقة
الشرقية من الثروة الوطنية، حيث أجاب بطريقة غريبة كقوله:
(لن يستغرب أبداً تمرير المنطق بأنه طالما أن البترول
في القطيف فأهلها أحق به. وماذا عن أهلنا في جازان، مَن
يتكرّم عليهم مستقبلاً بالقليل، طالما أن منطقتهم ليست
غنية بالنفط؟). ومع أن الفيلم الوثائقي لم يتضمن تصريحات
من قبيل أن أحداً من الناشطين قال بأن البترول في القطيف
هو حق حصري لهم، وإنما الكلام حول حرمان أهلها منه، ولا
يعني ذلك عدم حرمان المناطق الأخرى أيضاً، فالناشطون تحدّثوا
عن موضوع محدّد، وإن إثباته في منطقة لا يعني نفيه في
أخرى، فالحرمان عام، وإن جازان هي الأخرى محرومة بل أشد
حرماناً من غيرها، وإن الفارق في مستوى المعيشة بينها
وبين الجانب اليمني المقابل لها لا يتجاوز 5 بالمئة.
الطريف ان الدوسري ينفي انتماءه الى أنصار نظرية المؤامرة
ولكن لا يلبث يثبت ذلك بقوله: (لا توجد مشكلة أن يجرى
هذا «التحقيق السري» طالما للـ»بي بي سي» علاقات خاصة
مع مَن تسميهم ناشطين!). وكما هو الحال بالنسبة لموقع
(سبق) وبقية الصحف والمواقع الموالية للحكومة، عاب الدوسري
على البي بي سي أن (تقبل القناة أن تسمّي الإرهابيين شهداء..)،
مع أنهم قتلوا برصاص الامن السعودي ولم يثبت على أحد أنه
قتل في مواجهة مسلحة مع قوات الأمن بل سقطوا برصاص الامن،
فيما كانوا هم يشاركون في مسيرات سلمية، وسقط بعضهم وكاميرات
التصوير حول رقبته، وأما وصف الناشطين بأنهم أبطال فإن
الاعلامية صفاء الأحمد عاشت وسط هؤلاء الذين يصفهم الدوسري
بأنهم ارهابيون.
وبالرغم من ذلك، فإن الكلام النقدي والتسقيطي ضد الفيلم،
وجد الدوسري فيه ما يصلح للدفاع عن النظام السعودي حتى
قال (لو بحثت السلطات السعودية عمَّن يدافع عن مواقفها
في مواجهات العوامية، فربما لن تجد أفضل من هذا الفيلم
الذي اختصر على العالم ما يحدث في العوامية منذ ثلاثة
أعوام).
مهما يكن تقييم الفيلم الوثائقي، فإنه يعتبر فريداً
من نوعه كونه ولأول مرة منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في
المنطقة الشرقية تقوم وسيلة اعلامية أجنبية بتغطيتها ميدانياً
وتوثيقياً، في وقت كانت وسائل الاعلام الاجنبية تصر على
تجاهل ما يجري في هذا البلد، تماماً كما الحكومات الغربية
التي رفضت مجرد التطرق ولو من بعيد عن أوضاع حقوق الانسان
في مملكة القهر.
|