السلفية العنفية الساذجة
تفجيرات المحيا أذهلت جميع المراقبين المحليين والأجانب ليس فقط في
كونها تقصدت مدنيين، اعتاد دعاة العنف السلفي في المملكة تقصدهم، بل
لأنها أصابت مدنيين عرباً ومسلمين، وهو ما يخرج المسألة من دائرة (تطهير
جزيرة العرب من المشركين)!
حتى الآن، فهناك من بين المؤيدين للقاعدة من يعتقد بأن المستهدف كان
أميركيون يعملون في الإف بي آي والسي آي أيه. ومع أن وجود هؤلاء في المملكة
صار رسمياً وأمراً معلناً، إلاّ أن هؤلاء يصرّون على أن هناك قتلى بين
الأميركيين وهو أمرٌ لم يحدث البتة. وكان يفترض على الأقل الإعتذار عن
هدر دماء المسلمين والعرب بعنف أعمى طائش، إن كان دعاة العنف يعتقدون
بأن دماء الضحايا معصومة.
لكن المسألة أكبر من هذا. فقد تداعت أسئلة بين المواطنين أنفسهم تقول:
إذا كانت المواجهة بين السلفيين والحكومة وصلت الى حمل السلاح، فلماذا
لا تُستهدف الحكومة ورجالاتها حتى الآن، في حين أن معظم إن لم يكن كل
الضحايا هم من المدنيين السعوديين والعرب والمسلمين والأجانب؟ ولماذا
توجيه السلاح الى المجتمع نفسه والذي أدّى الى تحفيزه ضد السلفيين العنفيين
أنفسهم، أفلا يهتمون برأي المواطن السعودي ومصالحه وأمنه واستقراره؟
المسألة هنا أكبر من كونها خطأً غير مقصود لم يعتذر عنه؛ فالسلفيون
يتكئون على قاعدة دينية وتفسير مضلل لأحكام الشرع، تمنح الذريعة لدعاة
العنف بإصابة المدنيين وتبرير الخسائر بينهم ما دام دعاة العنف في مواجهة
مع من يسمونهم (الأجانب الكفار). أي لا يهم أن يسقط مدنيون في حرب أعلنوها
ضد آخرين. وهناك تخريجات شرعية سلفية واسعة لمثل هذا، استخدم في أماكن
عدّة قبل أن يصل الى المملكة وشعبها.
السذاجة في اختيار الهدف العسكري، والسذاجة في اختيار الهدف السياسي،
سمتان من سمات التيار العنفي السلفي في المملكة. تاريخياً، نجد أن حركة
العنف الإخوانية التي تمردت على الملك عبد العزيز، لم تبادر الى حمل
السلاح ضد الملك الذي اعترضوا عليه وخلعوا يد الطاعة، بل توجهوا الى
الكويت والعراق ليهاجموهما، وذلك باعتقادهم أن الجهاد ضد الكفار يجب
أن يتواصل، وأنهم لم يختاروا أهدافاً (إسلامية توحيدية!) وإنما من خارج
الملّة، يفترض أن يكون الهدف مقبولاً بين القاعدة الوهابية النجدية.
وحين بدأ العنف في المملكة منذ منتصف التسعينيات الميلادية الماضية،
توجه الى الأجانب أيضاً في الخبر والرياض، فهذا الهدف ـ من وجهة دعاة
العنف السلفي ـ مجمع عليه شرعاً وفق آلية تخريج الحديث الضعيف: لا يجتمع
دينان في جزيرة العرب، وبالتالي فجهاد هؤلاء لن يثير زوبعة ـ عقدية ـ
بين أقطاب الوهابية كبيرة، في حين كانوا يعتقدون بأن استهداف الحكومة
ورجالاتها ومنشآت البلاد بشكل عام، لن تحظى بالإجماع العقدي.
هذا هو السبب في استهداف الأجانب (الكفار) دون غيرهم. وأما من يقتل
كما حدث، فكان التبرير: ولماذا يخالطون الكفار، ويعيشون بين ظهرانيهم؟!
وكأن هؤلاء المواطنين يسكنون في لندن أو واشنطن! وليس في أرضهم ووطنهم
(الإسلامي!).
يعتقد دعاة العنف، أنهم بضرب الأجانب يحرجون الحكومة (شرعياً)، ويوحدون
القاعدة الدينية الوهابية المتطرفة وراءهم، فهم لا يستهدفون المسلمين،
ولم يستهدفوا آل سعود، حيث عدّ ذلك تابو لا يجوز اقتحامه، حتى وإن كان
هناك ـ من الناحية النظرية ـ شبه إتفاق بين السلفيين بأن الدولة السعودية
غير دينية، ولكنهم يفترقون عند مسألة إزالتها بالعنف. وهذا هو الفارق
بين الرسميين الوهابيين وبين العنفيين الذين صاروا ينعتون بالخوارج اليوم!
مع أن الجميع يستقي من منبع فكري واحد!
السذاجة في اختيار الهدف العسكري يمكن ملاحظتها فيما قام به جهيمان
من احتلال للحرم المكي الشريف في نوفمبر 1979، فقد جاء بأكثر من ثلاثة
آلاف شخص ليحتلوا الحرم بقوة السلاح، وتردد يومها أنه كان بإمكانه بتلك
القوة السيطرة على القصور الملكية، وعلى الوزارات وعلى مبنى التلفزيون
والإذاعة وحتى الصحف لو أراد. ولكن سذاجته الدينية المبنيّة على رؤى
وأحلام، ساقته الى الهدف الخطأ بدون مشروع سياسي واضح، فتمّ سحقه بالقوة
العسكرية المحلية بمعونة القوات الخاصة الفرنسية وغيرها.
في الهدف السياسي، لا نعلم حتى الآن ماذا يريد دعاة العنف في المملكة.
ويفترض أن ليس لديهم هدف واضح. فهم يريدون الجهاد، ومقاتلة أعداء الله
من الأميركيين والبريطانيين. في السابق لبّت الحكومة (تطلعاتهم!) تلك
وقذفت بهم الى أفغانستان ومن هناك تنقلوا من بلد الى آخر، من البوسنة
الى الصومال الى الشيشان وهكذا. ولكن الحكومة وبعد زلزال 11/9 لا تريد
إفساح المجال لهم من جديد، لممارسة الجهاد، فارتدّ عليها داخلياً.
وحتى الآن أيضاً، لا نعلم إن كان هؤلاء يريدون إسقاط النظام، والسيطرة
على الحكم. فأفعالهم واستراتيجتهم العسكرية لا تشي بذلك، كما هو واضح.
فهم ليسوا طلاب سلطة بالضرورة، وإن كان هناك ما يشبه الجناح السياسي
السلفي الذي يستثمر أعمال العنف للحصول على مكاسب أكبر على الأرض.
وهؤلاء العنفيون لا يدعون إلى إصلاح إداري أو سياسي أو حريات أو تعددية
أو ما أشبه، وإن كان من شبه المؤكد أنهم يرون في أنفسهم دعاة للإصلاح،
وفق تصور ما، وأنهم يريدون المزيد من الجرعات الدينية في الدولة وإقصاء
كل الآراء والوجوه التي تخالفهم. أي أنهم قد يسعون الى دولة (جهادية
دينية وهابية خالصة) مع بقاء آل سعود، ولكن يأتمر هؤلاء بأمر المشايخ،
فإن أبوا يزالون ويقصون عن مواقعهم.
السذاجة السياسية والعسكرية سمتان متأصلتان في المنهج السلفي. ولذا
فإن سهامهم دائماً تخيب، ولذلك أيضاً تقودهم سذاجتهم السياسية الى أن
يكونوا مطيّة لغيرهم، سواء للحكومة أو غيرها.
|