|
|
|
جوزفين تلفت العالم الى انتهاكات
آل سعود |
|
ممثل آل سعود مقاطعاً بجهالة!
|
إلا الحماقة أعيت من يداويها
الهجوم خير وسيلة للدفاع عن ملف حقوقي أسود!
خالد شبكشي
في اجتماعات الدورة السادسة والعشرين لاجتماعات مجلس
حقوق الإنسان في جنيف والتي استغرقت شهر يونيو بأكمله،
بدا أن السعودية قد شربت حليب السباع، وقررت كما يبدو
منذ أشهر استخدام سياسة الهجوم بدلاً من الدفاع عن سجلها
الحقوقي الأسود. وبناءً على ذلك، وحسب مصادر مؤكدة، فقد
قررت دول مجلس التعاون الخليجي الغاء الاجتماع الوزاري
المشترك بين دول المجلس والإتحاد الأوروبي احتجاجاً على
البيان المشترك الذي أدان حكومة البحرين والذي أصدرته
سبع وأربعون دولة من دول مجلس حقوق الإنسان.
آخر صرعات الاستراتيجية السعودية هذه، والتي تعتمد
سياسة الهجوم، أن مندوب السعودية يوم يونيو الماضي، وبجهالة
عمياء بآليات عمل الأمم المتحدة، قاطع في جنيف كلمة لإحدى
منظمات المجتمع المدني أمام وفود دول العالم، وشتى منظمات
حقوق الإنسان الدولية، وكلما قيل له بأن هذه المقاطعة
لا سند قانوني لها؛ وان تتحدث منظمات المجتمع المدني في
المجلس وتخاطب أعضاءه، إنما هو جزء أساس من عمل مجلس حقوق
الإنسان، عاد الحمق السعودي وأصر على ما يريده، مقاطعاً
الكلمة لثلاث مرات فقط!
بدأت جوزفين ماكنتوش ممثلة سنتر اوف اينكاويري بالحديث،
في وفود الدول والمنظمات في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان،
عن حقوق الإنسان في السعودية، وتحديداً عن رائف بدوي،
مؤسس منتدى الليبرالية على الإنترنت لإثراء الحوار عن
السياسة والدين، والذي دعا الحكومة السعودية الى احترام
الأديان وتحقيق حرية الاعتقاد، وحرية المرأة، فأشارت الى
أنه حُكم عليه شهر مايو الماضي بالسجن لعشر سنوات وبالجلد
ألف جلدة، وبغرامة مالية وصلت الى مليون ريال، ولاحظت
ان رائف بدوي قد حُكم عليه بادئ الأمر بالسجن لسبعة أشهر
وذلك في عام ;؛ في مخالفة لنظام الاجراءات القضائية السعودية
نفسها.
بعدها تحدثت جوزفين عن محامي رائف بدوي، وهو المحامي
والناشط الحقوقي وليد أبو الخير، الذي اعتقل لنشاطه الحقوقي،
وأضافت بأن رائف بدوي يعتبر سجين ضمير، والذي لم يكن جرمه
يتعدى تأسيس منتدى للنقاش على الإنترنت، وأنه مارس حقه
السلمي في التعبير عن الرأي.
هنا، وبعد أقل من دقيقة من حديث جوزفين ماكنتوش، قاطع
ممثل السعودية في المجلس الكلمة، بمبرر تافه فقال: (نعتقد
بأن م قيل من قبل هذه المنظمة ل علاقة له البتة بموضوع
التقرير، ولم تناقش موضوع نايف عوادي، ولذا نحن نطلب بإيقافها
عن الحديث).
ردّ ممثل الولايات المتحدة الأميركية ـ حليف آل سعود
ـ على المقاطعة، فقال: (إن الولايات المتحدة تؤكد بأن
منظمات المجتمع المدني ذات المصداقية يجب أن يسمح لها
بالحديث في مجلس حقوق الإنسان، بالرغم من أن الولايات
المتحدة ودول عديدة ربما وفي بعض الأحيان لا تؤيد محتوى
ما تقوله تلك المنظمات، لكنه لأمر أساسي أن يُسمع صوت
تلك المنظمات غير الحكومية في المجلس وفي جو من الحرية
الكاملة في التعبير)، ورأى الممثل الأميركي بأن ما سمعته
وفود الدول حتى الآن، له علاقة مباشرة بالموضوع الحقوقي
السعودي، اعتمادا على المادة الرابعة التي تشير الى حق
منظمات المجتمع المدني بالحديث الى دول مجلس حقوق الإنسان
في موضوع يستحق ان يسترعي انتباهها. وبناء عليه، رأى ممثل
الوفد الأميركي بل وطلب من مديرة الجلسة ـ نائبة رئيس
المجلس ـ بأن تسمح لجوزفين بإنهاء كلمتها.
ولحقت جمهورية ايرلندا فطلب ممثلها الحديث ليرد على
الوفد السعودي، فأثنى على ما قاله زميله الأميركي، وشدد
على أهمية احترام حق المنظمات غير الحكومية بالحديث أمام
دول العالم، بغض النظر عن الموقف من محتوى المادة التي
تعرضها. واضاف بأنه م كان يجب أن تقاطع كلمة سنتر أوف
اينكاويري وطالب بالسماح لجوزفين بإكمال كلمة المركز الذي
تمثّله.
ممثلة فرنسا أيضاً امتعضت من موقف الوفد السعودي، غير
المبني على أساس قانوني، ولا على أساس فهم ولو أولي لآليات
عمل مجلس حقوق الإنسان حيث يمثل بلاده في اجتماعاته، وقالت
بأن من حق المنظمات غير الحكومية الحديث امام المجلس،
فهذا جزء اساسي من تشريعات مجلس حقوق الإنسان الدولي،
ودعت الوفد السعودي الى عدم المقاطعة.
كندا سارت على ذات الخط، فقال ممثلها بأنه يؤيد مواقف
زملائه السابقين وأصر على إكمال الكلمة المتعلقة بسجل
السعودية.
ومع أن المتاح من الوقت بين ثلاث او اربع دقائق، فإن
الوفد السعودي والردود عليه استغرقت نحو أربع دقائق، وقبل
ان يُسمح لممثلة سنتر اوف اينكاويري بمواصلة حديثها، قرأت
مديرة الجلسة نص المادة الرابعة في التشريع الذي يسمح
لمنظمات المجتمع المدني بالحديث امام دول العالم في مجلس
حقوق الإنسان، واسترعاء انتباهها لقضية معينة. وهذه رسالة
موجهة للوفد السعودي اساساً إن كان يفقه طبيعة عمله.
واصلت جوزفين كلمتها فتحدثت عن أساليب التعذيب في السعودية
كالجلد، وقالت بأنه يخالف مواثيق حقوق الإنسان، ودعت الحكومة
السعودية المنتخبة حديثاً كعضو في المجلس بأن تطلق سراح
رائف بدوي فورا وبدون قيد أو شرط، وإسقاط كافة التهم الموجهة
ضده بما فيها الاتهام بالردّة.
عشرون ثانية فقط مضت، وإذ بالوفد السعودي يقاطع الكلمة
مرّة أخرى، في ظل استغراب من دول المجلس على ارتكاب مثل
هذه الحماقة المرة تلو الأخرى. وليقول (نصرّ على إيقاف
الكلمة، فهذه الإتهامات غير مقبولة اطلاقاً، والمملكة
ترفض السماح بمواصلة الكلمة بناء على المادة الرابعة).
عاد ممثل الولايات المتحدة ليرد مؤكداً من جديد حق
المنظمات غير الحكومية بالحديث الى دول المجلس بناء على
المادة الرابعة، وليصرّ على ان تواصل جوزفين كلمتها. نائبة
رئيس المجلس علّقت بأن حديث المنظمات غير الحكومية الى
دول المجلس ممارسة مستمرة لاطلاعها على قضايا مثيرة للقلق،
وأضافت بأنها تشجّع وفد السعودية على استخدام حقه في الردّ،
في إشارة الى ان بإمكان الوفد طلب حق الردّ، بدلاً من
المقاطعة الطفولية.
عادت جوزفين لتتحدث للمرة الثالثة فقالت بأن من الملزم
للحكومة السعودية، باعتبارها عضواً منتخباً في مجلس حقوق
الإنسان، أن تبدي أداءً عالياً في الترويج والإحترام لحقوق
الإنسان، وان تتعاون مع مجلس حقوق الإنسان بشكل كامل،
ولكي تحتفظ السعودية بمصداقية عضويتها في المجلس، فإنها
مطالبة بإصلاح تشريعاتها بحيث يتم احترام حق حرية العبادة،
ووو..
هنا، أيضاً وبعد أقل من خمس وعشرين ثانية، عادت الطفولية
السعودية الغبيّة لتقاطع الكلمة، وقال ممثل السعودية بأنه
يحب أن يوضح بان المملكة قد انتخبت كعضو بمائة وأربعين
صوتاً. فهل هذا ردّ؟ وهل يستحق أن يقاطع من أجله الكلمة؟
وأكملت جوزفين ممثلة سنتر اوف اينكاويري: (لكي تحتفظ
السعودية بمصداقية عضويتها عليها أن تصلح تشريعاتها، بحيث
يتم احترام حق حرية العبادة، والإعتقاد وكذلك حرية التعبير،
وايقاف العقوبات الجسدية).
مجموع المدة التي استغرقتها الكلمة هي دقيقة وخمسين
ثانية فقط. لكن الوفد السعودي لم يتحملها، فاستغرقت الكلمة
والنقاش حولها نحو ثمان دقائق ونصف.
هناك فيما يبدو واضحاً الآن من هو جاهل بالعمل الحقوقي
أساساً، وهناك من هو أجهل منه في الخارجية السعودية من
أوصى ممثلية بلاده في جنيف بأن تتخذ الشدّة في المواجهة
بلا منطق او عقل، بل التخريب على كلام الغير، وكأن هذا
التدخل الغبي سيمنح آل سعود احتراماً او يغيّر نظرة العالم
عنهم. ولكن في المحصلة النهائية، فإن الوفد السعودي أُهين،
ونُظر اليه باحتقار، ليس فقط لجهالته، بل لرعونته أيضاً.
ولقد عكس الوفد السعودي الصورة النمطية المتخلّفة لنظام
الحكم الذي يعتقد أن بأمواله ومشاغباته يستطيع إخفاء الإنتهاكات.
حتى الدول الصديقة والحليفة لآل سعود لا تستطيع تحمّل
عنجهيتهم وهي عنجهية تؤثر عليهم وعلى سمعتهم كما هو واضح
اليوم لكل من يتابع مجريات النقاشات الحقوقية على مستوى
العالم.
لاحظ بعض كتاب السلطة هذا التحوّل في التوجّه السعودي
والذي عنوانه الهجوم والمواجهة في اجتماعات جنيف؛ فكتب
عددٌ منهم مرحبين، وكان آخر من كتب الصحفية اسماء المحمد،
التي كتبت مقالاً في صحيفة الوطن تحت عنوان (حقوق الإنسان..
زخمٌ ونديّة). والعنوان يكفي لتبيان جهل الطاقم الرسمي
والاعلامي للسلطة بموضوعة حقوق الإنسان وطريقة ادارتها.
فيما أشادت الصحف السعودية برد فيصل طراد مندوب السعودية
في جنيف، على ممثل النرويج الذي تحدث عن قمع الحريات الأساسية
في السعودية، وعبّر عن قلقه إزاء مناخ القمع القائم. طراد
قال بأن قلق النرويج العميق لا يقلق بلاده على الإطلاق،
لأنها ملتزمة بحماية حقوق الإنسان، وهي ترفض بشدة انتقاص
مكانة قضائها، زاعماً ان حكومته تكفل الحريات الأساسية،
وان الإدعاء بوجود قمع للحريات عارٍ عن الصحة.
|