العدوان على غزة
عار سعودي آخر!
توفيق العباد
لم يعد الأمر سرّاً، فالخيانة باتت علنيّة وكذلك التآمر..انقشع
السحر، ولم يعد ثمة حرمة للقضية التي حلبوها دماً وباسمها
باع قادة العرب شعوبهم أوهاماً. لم تعد فلسطين قضية مقدّسة،
بل لم تعد إسلامية أو حتى عربية من وجهة نظر قادة الخيانة،
ولم تعد قضية شعب حتى بل يجري التعامل معها على أساس “ورطة
يراد الخلاص منها”.
تقارير متوالية كانت تسكب في ماكينة الاعلام الاسرائيلي
والعربي والدولي حول “الدعم” السعودي لحرب الصهاينة على
غزة مالياً وسياسياً. تصريحات على أعلى المستويات في الكيان
الاسرائيلي تتحدث عن هذا الدعم، فيما كان الجانب السعودي
الرسمي يلتزم الصمت، وحين نطق لم يجد من يرد عليه سوى
الصحافي البريطاني ديفيد هيرست لأنه أضاء على تصريحات
قادة الكيان.
سوف نستعرض هنا ما جرى تداوله في الاعلام حول عار سعودي
آخر خلال العدوان الاسرائيلي الأخير على غزّة.
في 20 يوليو الماضي نشر الكاتب البريطاني ديفيد هيرست
مقالة في صحيفة (هيفنتجون بوست) الأميركية قال فيها:
“إن العدوان الإسرائيلي على غزة جاء بمباركة دولية
وإقليمية من دول على رأسها مصر والولايات المتحدة وأخيراً
السعودية”. ورأى الكاتب أن العدوان على غزة جاء بموافقة
السعودية التي أرادات مع مصر أن تلحق بالمقاومة في غزة
ضربة كبيرة تجبرها على الاستسلام والقبول بشروط التسوية
في وقف إطلاق النار، والسلام مع العدو الصهيوني مستقبلاً
من باب مباردة السلام العربية.
استهل هيرست مقاله بالقول: “هناك العديد من الأيدي
وراء هجوم الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، أميركا غير
مستاءه بتلقي حماس مثل هذا الضربة؛ جون كيري قال على إن
بي سي في برنامج قابل الصحافة أنه من حق إسرائيل الدفاع
عن نفسها وذلك في تعليقه على مشاهد من مجزرة حي الشجاعية،
والسفير الأمريكي في إسرائيل دان شابيرو صرّح للقناة الثانية
الإسرائيلية أن الولايات المتحدة ستساعد القوى المعتدلة
في غزة أن تصبح أقوى..يعني بذلك السلطة الفلسطينية”.
وعن مصر، أضاف الكاتب قائلاً “لا يبدو على مصر الأسى،
وزير خارجيتها سامح شكري حمّل حماس مسئولية موت المدنيين
بعد رفضها مبادرة وقف إطلاق النار”.
وتابع هيرست “نتنياهو لا يهمه سوى الشريك الثالث الغير
المعلن في هذا الحلف الغير المقدس، والذي بدونه لم يكن
في إمكان نتنياهو الحصول على غطاء للعملية العسكرية الشرسة،
والتي لا يمكن نفض الأيدي منها سوى من جانب شريك قوي كالولايات
المتحدة، لكنها أيضا تحتاج إلى موافقة لا يمكن أن يأتي
إلا من أخ عربي.. ليس سراً في إسرائيل أن الهجوم على غزة
أتى بمرسوم ملكي سعودي، مسئولي الدفاع الحاليين والسابقين
لا يخفون ذلك، فالتفويض الملكي ليس سوى سر معلنً في إسرائيل.
وزير الدفاع الإسرائيلي السابق شاؤول موفاز فاجأ مقدم
برامج على القناة العاشرة الإسرائيلية بقوله أن السعودية
والإمارات لهم دور في مسعى نزع سلاح حماس، وبسؤاله عن
معنى ما يقول، أضاف أن أموال السعودية والإمارات المخصصة
لإعادة بناء غزة ستستخدم فقط بعد نزع أنياب حماس”.
|
ديفيد هيرست: تآمر سعودي اسرائيلي |
ونقل هيرست تصريحات عاموس جلعاد، مسئول الدائرة السياسية
والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية أثناء مقابلته مع
مدير معهد الشرق الأوسط، جيمس دورسي، والتي وصف من خلالها
التعاون الأمني بين إسرائيل من ناحية ومصر ودول خليجية
من ناحية أخرى بـ “الفريد من نوعه” متابعاً “كل شيء تحت
الأرض ولا يوجد شيء معلن..هذه هي الفترة الأفضل في العلاقات
الأمنية والدبلوماسية مع العرب”. وعلّق كاتب المقال على
هذا بقوله “يبدو أن الاحتفال متبادل، فمن المعروف أن الملك
عبد الله أجرى اتصالاً مع الرئيس عبد الفتاح السيسي
للتصديق على المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة،
التي لم تُرسل إلى حماس، وأَقْتَبس من تحليل نُشر مسبقاً
في جيروزاليم بوست، إذا كان وقف إطلاق النار كان بالفعل
هو الهدف المقصود وأنه أُخذ على محمل الجد من جانب مَن
قدمه”.
وذكر هيرست أن مسئولين من الموساد والاستخبارات السعودية
يجتمعون بصفة منتظمة، فقال “الجانبان تشاورا حول مسألة
خلع الرئيس المصري السابق محمد مرسي، وتعاونوا يدا بيد
فيما يخص إيران، سواء في التحضير لهجوم إسرائيلي عليها
عبر المجال الجوي السعودي لتدمير قدرات البرنامج النووي..مصدر
موثوق أدعى أن السعودية ستمول معظم تكاليف الحملة الإسرائيلية
الباهظة ضد إيران”.
وطرح هيرست تساؤلاً عن دوافع كل من السعودية وإسرائيل
في أن يكونا على وفاق وصل إلى مرحلة أن يكونا “شركاء فراش
واحد” على حد تعبيره، مفسّراً ذلك بقوله “على مدى عقود
كان لدى البلدين شعور مماثل عندما ينظرون حولهم: الخوف.
وكذلك كانت ردة فعلهم مماثلة. كل منهم يمكن أن يحمي نفسه
بغزو جيرانهم (لبنان، اليمن) أو من خلال تمويل حرب بالوكالة
وانقلابات (سوريا، مصر، ليبيا) ولديهم أعداء ومنافسين
مشتركين: إيران، تركيا، قطر، حماس في غزة، والإخوان المسلمون.
ولديهم نفس الحلفاء أيضاً: المؤسسات العسكرية الأمريكية
والبريطانية، ورجل فتح القوي محمد دحلان، الذي حاول السيطرة
على غزة قبل فيما مضى، وربما يكون في متناول اليد عند
الحاجة إليه عندما يكون مطلوباً في مرة قادمة”.
وأوضح هيرست أنه “للمرة الأولى في تاريخ البلدين أصبح
هناك تعاون وتنسيق مفتوح بين القوتين العسكريتين، فأبن
أخ الملك عبد الله، الأمير تركي كان الوجهة العلنية من
هذا التقارب، وذهب إلى بروكسل في مايو الماضي لمقابلة
الجنرال عاموس يادلين الرئيس السابق للاستخبارات الاسرائيلية
والمطلوب للمحاكمة بسبب دوره في اقتحام سفينة مرمره”.
وقال هيرست عن تركي الفيصل بأنه “لا يوجد عنده إحساس
بالذنب في مسعاه، فطالما رغب تركي في التغلب على المحرّمات
القديمة، وأنه موقن بأن دوافعه سلمية وجديرة بالثناء،
فالأمير مؤيد قوي لمبادرة السلام التي اقترحها العاهل
السعودي، المبادرة المدعومة من22 دولة عربية و56 دولة
إسلامية ستكون مؤسسة للسلام إن لم تتجاهلها إسرائيل منذ
12 عام”.
وأورد هيرست مقتطف من خطاب تركي الفيصل الذي وجهه لمؤتمر
“إسرائيل للسلام” الذي عقد قبل في 7 يوليو الماضي برعاية
صحيفة (هآرتس)، والتي نشرت خطابه في التاسع من يوليو.
وجاء فيه: “كم أتمنى أن أكون قادرا على دعوة ليس فقط الفلسطينيين،
وإنما أيضاً الإسرائيليين لزيارتي في الرياض، حيث يمكنهم
زيارة مسقط رأسي وأرض أجدادي في الدرعية، التي ذاقت على
يد إبراهيم باشا نفس المصير الذي ذاقته أورشليم على يد
نبوخذ نصر”.
وعلّق الكاتب على هذا الخطاب بقوله “إنهُ وسيلة وليست
غاية، ففضح الكُلفة الحقيقية لهذا التحالف (بين السعودية
وإسرائيل)، فترويج الأمير تركي للمبادرة العربية للسلام
يأتي على حساب التخلي عن الدعم التاريخي من المملكة للمقاومة
الفلسطينية..المحلل السعودي جمال خاشقجي أشار لهذه النقطة
بالذات عند مخاطبته بمواربة للمثقفين الذين يهاجمون فكرة
المقاومة فقال: “هذا المدخل مهم للمثقفين العرب والكُتّاب
الذين انبروا للهجوم على فكرة المقاومة بشكل غير مفهوم
في حرب غزة الدائرة الآن، ما يستدعي تحليلاً لهذه الظاهرة
الغريبة، وللأسف نصيبنا منهم نحن السعوديين أكبر من المعدل
المعقول بشكل سيؤدي لو استمر إلى تدمير رصيد المملكة المشرّف
المؤيد والمنافح عن القضية الفلسطينية منذ عهد الملك المؤسس
عبد العزيز آل سعود، ولا ينافسنا في ذلك غير الإعلام المصري
والكتّاب هناك، ولكن هؤلاء لا يعوّل عليهم، إذ إنهم يمرون
بحال غريبة استثنائية لا تستحق التوقف عندها وإنما انتظار
عبورها”.
وختم هيرست مقاله بالقول: “بالتأكيد السلام مرحب به
من الجميع، ماعدا غزة في الوقت الراهن، غاية حلفاء إسرائيل
في المملكة السعودية ومصر تسير نحو تحقيق ذلك، من خلال
تشجيع إسرائيل للتعامل مع حماس بضربة قاضية. وذلك يستدعى
التساؤل عن ماذا يجري هنا؟ ...التحالف السعودي الإسرائيلي
صوغ بالدم، الدم الفلسطيني دم أكثر من مئة روح زهقت في
الشجاعية”.
الرد السعودي
أصابت مقالة هيرست آل سعود في مقتل، وأدخلتهم في نوبة
جنون وهياج غير مسبوق، عكسه رد السفير السعودي في لندن
محمد بن نوّاف آل سعود في 25 يوليو الماضي على مقالة هيرست
التي وصفها بأنه “هراء مطلق” و“أكاذيب لا أساس لها” بشأن
الشراكة، التي أكَّد مسئولون إسرائيليون علناً بأن الأموال
السعودية سيتم الاعتماد عليها لإعادة بناء غزة بمجرد القضاء
على حماس.
وجّه إبن نواف سؤال لهيرست: “هل لديك نية الإهانة؟
أم أنك مجرد جاهل تماما في التاريخ أو السياسة في الشرق
الأوسط؟”. وقال ابن نوّاف “من الصعب أن نصدّق أن مثل هذه
التخريفات المطلقة، ومثل هذه الأكاذيب التي لا أساس لها،
يمكن أن تكون مكتوبة من قبل شخص يزعم أن يكون رئيس تحرير
لأي وسيلة اعلامية”.
واصل إبن نوّاف هجومه على هيرست وسأله: “وهل تخليت
عن المبادىء الصحفية والاخلاقيات المهنية والشعارات التي
تزعم أنك تتبناها من خلال صحيفة الالكترونية ومنها “لدينا
ولاء رئيسي نحو قرائنا ـ والمهة الرئيسية لدينا هو تقديم
الحقائق للقارىء” والسؤال أين الحقائق الموثّقة فيما قدّمته”.
على أية حال، لم يهب هيرست السفير السعودي الوقت طويلاً
قبل أن يواجهه برد مضاد، لأن ما بحوزته من معطيات تكفي
لنسف مدّعيات إبن نواف ومن ورائه آل سعود عامة.
ردّ هيرست على نوّاف
كتب ديفيد هيرست ردّاً محكماً عالي النبرة على بيان
الأمير محمد نوّاف آل سعود بعنوان (دموع التماسيح التي
تذرفها السعودية على غزة)، نشر في موقع “هافينجتون بوست”،
وجاء فيه ما نصّه:
ليس يسيراً أن تكون السفير السعودي في المملكة المتحدة.
بادئ ذي بدء يتوجب عليك أن تنهمك بإنكار ما لا يمكن إنكاره:
أي حقيقة أن العدوان الإسرائيلي على غزة جاء بتمويل سعودي.
إنها بلا شك مهمة مهينة. إلا أن الأدهى والأمر، أنك بمجرد
ما تفتح مدافع الغضب على متهمي بلادك حتى يخرج زميل لك
بما يناقض ما ذهبت إليه. والأسوأ في كل ذلك، أنه شقيق
رئيسك في العمل. إذن، ماذا عسى الأمير أن يفعل؟ (في إشارة
الى مقالة تركي الفيصل في صحيفة هآرتس الإسرائيلية والتي
نشرنا نصّها في عدد سابق).
في رده على مقالي السابق، كتب الأمير محمد بن نايف
آل سعود يقول: “أن يظن أي إنسان بأن المملكة العربية السعودية،
التي ألزمت نفسها بدعم وحماية حقوق جميع الفلسطينيين بتقرير
المصير والسيادة، يمكن أن تدعم عن علم ودراية الإجراء
الإسرائيلي فإن ذلك يرقى إلى إهانة في غاية القبح”. ومع
ذلك، تراه يعترف بوجود “تعاملات” بين المملكة وإسرائيل
ولكن يزعم أنها “تقتصر على التوصل إلى خطة للسلام”. ثم
يقول:
“إن أبناء الشعب الفلسطيني أشقاؤنا وشقيقاتنا، سواء
كانوا مسلمين عرب أو نصارى عرب. أؤكد لكم أن المملكة العربية
السعودية شعباً وحكومة لا يمكن أبداً أن تتخلى عنهم، ولن
نفعل شيئاً يضر بهم أبداً، وسوف نبذل قصارى ما في وسعنا
لمساعدتهم في حقهم المشروع في وطنهم وبحق العودة إلى الأراضي
التي سلبت منهم بغير وجه حق”.
لم يكد يجف حبر البيان الرسمي الصادر عن السفير السعودي
في لندن حتى خرجت علينا صحيفة الشرق الأوسط بمقال (نحلم
بقيادات فلسطينية أكثر حذراً بتاريخ 25 يوليو الماضي)،
كتبه الأمير تركي الفيصل الذي كان يشغل منصب السفير السعودي
في المملكة المتحدة قبل محمد بن نواف، كما كان يشغل من
قبل منصب رئيس الاستخبارات السعودية، وهو أخ لوزير الخارجية
الحالي سعود الفيصل. يلوم تركي الفيصل في مقاله ذاك حماس
ويحملها المسؤولية لإطلاقها الصواريخ ورفضها قبول المبادرة
المصرية لوقف إطلاق النار (التي لو قبلت لترتب عليها نزع
السلاح من أيدي المقاومين). وهذا هو بالضبط موقف كل من
إسرائيل ومصر.
فأي الموقفين يمثل المملكة العربية السعودية إذن؟ هل
تدعم المملكة الفلسطينيين في مقاومتهم ضد الاحتلال؟ أم
أنها تدعم الحصار المفروض عليهم من قبل إسرائيل ومصر إلى
أن يتم نزع السلاح من غزة؟ هاتان سياستان مختلفتان تماماً
كما هو واضح: دعم المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال وإنهاء
الحصار المفروض على غزة، أو إبقاء الحصار كما هو إلى أن
تسلم جميع الفصائل أسلحتها. إما أن إسرائيل تقوم بإبادة
جماعية (وهذه كلمات قوية لك يا سعادة السفير) أو أن المقاومين
ما هم إلا إرهابيون ينبغي تجريدهم من السلاح. قرروا، لو
سمحتم، ما الذي ترغبون في أن تقوله المملكة، لأنه ليس
من الممكن التعبير عن موقفين متناقضين في نفس الوقت. لا
يمكنك أن تبايع الفلسطينيين ثم تعطي إشارة من طرف خفي
للقتلة ليفتكوا بهم.
ثم، هل فعلاً تقتصر تعاملات المملكة مع إسرائيل “على
التوصل إلى خطة للسلام؟”.. لابد أنك مطلع على محتوى البرقيات
الديبلوماسية المتبادلة بين الجانبين يا سعادة السفير.
إذن، أطلعنا على فحوى ما دار بين الأمير بندر ومدير الموساد
تامير باردو في أحد فنادق العقبة في نوفمبر من العام الماضي.
فقد سرب الأردنيون تفاصيل ما جرى بينهما إلى صحيفة إسرائيلية
في إيلات. ماذا فعل بندر وباردو؟
• هل جلسا يستجمان في شمس الشتاء؟ 2) أم تبادلا أطراف
الحديث عن المبادرة العربية للسلام؟ 3) أم خططا معاً لقصف
إيران؟
ثم، لماذا يثرثر أصدقاؤك الإسرائيليون الجدد كثيراً؟
فعلى سبيل المثال، لماذا قال دان غيلرمان سفير إسرائيل
إلى الأمم المتحدة في الفترة من2003 الى 2008 نهاية هذا
الأسبوع: “لقد طلب منا ممثلون عن دول الخليج مراراً وتكراراً
إنهاء المهمة في غزة”. إنهاء المهمة؟ قتل ما يزيد عن ألف
فلسطيني جلهم من المدنيين؟ هل هذا ما قصدته حين قلت” “ولن
نفعل شيئاً يضر بهم أبداً؟”.
ما من شك في أن المأساة التي ترتكب في غزة تكشف
بوضوح عن أصحاب الأدوار فيها. المثير للعجب في ذلك أنهم
جيمعاً حلفاء للولايات المتحدة الأمريكية، ثلاثة منهم
يوجد في أراضيهم قواعد عسكرية أمريكية والرابع عضو في
حلف شمال الأطلسي (الناتو). من المفارقات أن تكون مشاكل
الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط
ناجمة عن حلفائها الحميميين أكثر مما هي ناجمة عن أعدائها
اللدودين.
في أحد الفسطاطين تقف كل من إسرائيل والمملكة العربية
السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن. وهذه الدول
تعتبر نفسها صوت العقل والاعتدال، مع أن أساليبها عنفية
— لم يفصل بين الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر والهجوم
على غزة أكثر من اثني عشر شهراً. وفي الفسطاط الآخر تقف
كل من تركيا وقطر وجماعة الإخوان المسلمين وشقيقتها حماس.
إلا أن علينا أن نميّز بين الحكومات والشعوب، ونحن
هنا نتكلم عن مواقف الحكومات لا مواقف الشعوب. إن السبب
في تطرف حكومة المملكة العربية السعودية في معاداة حماس
والإخوان المسلمين بشكل عام هو معرفتها جيداً أن شعبها
لا يشاطرها الرأي.
|
السفير الأمير محمد بن نواف: المنطق الضعيف
|
فقد وجدت مؤسسة راكين السعودية لاستطلاعات الرأي أن
95 بالمائة من عينة تعدادها 2000 سعودي يدعمون استمرار
فصائل المقاومة الفلسطينية. فقط 3 بالمائة عارضوا استمرارها.
كما أن 82 بالمائة أيدوا إطلاق الصواريخ على إسرائيل
بينما عارضه 14 بالمائة. كراهية المملكة للإسلاميين ليست
ناجمة عن اعتبار أنهم يشكلون نموذجاً منافساً في تفسير
الاسلام فحسب، وإنما لأنهم يقدمون للمؤمن بديلاً ديمقراطياً.
هذا هو بالضبط ما يرعب النظام الملكي السعودي.
ولا أدل على فحوى هذه الاجتماعات السعودية الإسرائيلية
من السلوك المصري، إذ يستحيل تصديق أن الرئيس الجديد عبد
الفتاح السيسي بإمكانه أن يتصرف تجاه حماس في غزة بشكل
منفرد وباستقلال عن مموليه وأرباب نعمته في الرياض. فمن
يدفع للزمّار - خمسة مليارات دولار مباشرة بعد الانقلاب،
وعشرين ملياراً الآن - هو الذي يختار ما يريد سماعه من
أنغام.
لا يرى السيسي حماس إلا من خلال منشور الإخوان المسلمين
الذين أطاح بحكمهم في العام الماضي. ولذلك يجري شيطنة
حماس في الإعلام المصري الخاضع تماماً لرغبات من في السطة،
وتوصف بأنها عدو من أعداء مصر. ولم يسمح حتى الآن سوى
لنزر يسير من المساعدات بالعبور من خلال معبر رفح الذي
لا يفتح إلا كل حين وحين للسماح بمرور بضعة الاف من المصابين
الفلسطينيين. وأنفاق حماس لا يفجرها الجيش الإسرائيلي
فقط وإنما يقوم الجيش المصري بجهد كبير في هذا الشأن وقد
أعلن مؤخراً عن تدمير 13 نفقاً آخر، مما أكسب الجيش المصري
لقب “الجار البار” بإسرائيل. والسيسي راض عن توجيه الضربات
الموجعة لحماس ولغزة، ولا يبذل أدنى جهد لوقف إطلاق النار،
ولم يأبه حينما أعلن عن مبادرته الأخير حتى بالتشاور مع
حماس.
حينما اجتاح الإسرائيليون لبنان في عام 2006 إرتكب
مبارك حماقة مشابهة إذ دعم العملية التي ظن أنها ستفضي
إلى شل حزب الله وإعاقته تماماً. وفي النهاية اضطر إلى
ابتعاث ابنه جمال إلى بيروت ليعرب عن دعم مصر للشعب اللبناني.
تعلم المملكة العربية السعودية ويعلم السيسي أيضاً أن
الرمي بالورقة الفلسطينية أمر في غاية الخطورة.
تسير المملكة العربية السعودية في طريق محفوف بالمجازفات،
فبحسب مصادري الخاصة ما كان نتنياهو ليجرؤ على رفض مبادرة
كيري لوقف إطلاق النار نهاية هذا الأسبوع لولا الدعم الكامل
الذي يتلقاه من حلفائه العرب. ولولا الدور السعودي لما
استمرت هذه الحرب الوحشية على غزة يوماً واحداً آخر.
ديبكا.. يؤكّد اتهامات هيرست
ديبكا، وهو موقع إخباري معروف بقربه من وكالة الاستخبارات
الإسرائيلية “الموساد”، نشر تقريراً في 25 يوليو الماضي
يؤكد فيه اتهامات هيرست بشأن ظهور تحالف سعودي إسرائيلي
لسحق حركة حماس في غزة. وجاء التقرير، بعد أيام
من صدور مقال لهيرست وصف فيه القصف المستمر لقطاع غزة
بأنه ناشيء عن تحالف ثلاثي بين المملكة العربية السعودية
وإسرائيل ومصر.
ووفقا للموقع القريب من الموساد، يحافظ الرئيس السابق
للمخابرات السعودية الأمير بندر بن سلطان على “اتصالات
مباشرة” مع تامير باردو، الذي يرأس وكالة الاستخبارات
الإسرائيلية. وقال أن هناك طائرة متوقفة بشكل دائم في
مطار القاهرة العسكري، وعلى استعداد لنقل الرسائل السرية
بين إسرائيل والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وتعد المملكة العربية السعودية هي المصدر الرئيسي لتمويل
الرئيس المصري المنتخب حديثا، السيسي، والذي قام بإغلاق
معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة.
مجتهد يؤكد أيضاً..
بعد خمسة أيام من نشر مقالة ديفيد هيرست في صحيفة “هافينجتون
بوست” كتب “مجتهد” على حسابه على تويتر قائلا: إن المملكة
العربية السعودية لا تدعم فقط الهجوم البري الإسرائيلي
على غزة لكنها أيضاً وعدت نتنياهو بفتح سفارات إسرائيلية
في الرياض وأبو ظبي إذا نجح في التخلص من حماس. موضحاً
أن هذا يفسر إصرار نتنياهو على الاستمرار في اجتياح غزة
رغم الخسائر الكثيرة والمطالبات بإنهاء هذه الحرب من الداخل
الإسرائيلي قبل الخارج.
الصحافة الفرنسية.. ال سعود متآمرون
أولت الصحف الفرنسية اهتماماً خاصاً بالدور السعودي
في العدوان الاسرائيلي على غزة، وذكرت بأن قيادات المملكة
العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هم الذين
يمولون الحرب البرية للجيش الصهيوني ضد شعب غزة، بينما
تدعمها مصر سياسياً ودبلوماسياً، كما أوردت ذلك على سبيل
المثال صحيفة “مغرب نوت” الصادرة باللغة الفرنسية.
وذكرت الصحيفة أن إسرائيل تعتمد كثيرا على الدعم المالي
من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة
وخاصة في الحرب البرية في السابع عشر من يوليو الماضي
ضد غزة وهي العملية التي تهدف إلى القضاء على حركة المقاومة
الاسلامية (حماس).
أما صحيفة “ISM فرانس” فأوردت فيه الكاتبة “نادين أوري”
مقالاً تحت عنوان “إذا كان لديك أصدقاء مثل الدول العربية
فأنت لست بحاجة إلى أعداء”.
وأوضحت الكاتبة عنوان مقالها بأن تمويل الحرب الإسرائيلية
على غزة من قبل السعوديين والإماراتيين والمصريين أصبح
معلوماً للقاصي والداني بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية
ونزع سلاحها، وقالت: إن هذا الهدف أصبح عنوان المبادرة
المصرية وغاية للمفاوضات الجارية التي تبحث عن التوصل
إلى اتفاق وقف إطلاق النار وإنقاذ المدنيين في القطاع
الذي تعرض لأكبر عملية تدمير وتخريب طالت المنازل والمساجد
والكنائس والمستشفيات والمدارس.
وتقول الكاتبة: إن هذا الهدف الذي خرج إلى العلن الآن
ليس جديداً، بل إن الأنظمة العربية كانت تعمل عليه منذ
عقود طويلة من وراء الكواليس مع الصهاينة وأمريكا وأوروبا
بأن يتم إخماد كل أصوات المقاومة والنضال وخاصة إذا كانت
إسلامية التوجه، بل إن هذا الأمر يعود إلى نهاية الحرب
العالمية الأولى قبل نحو مائة سنة.
الأمر الأعجب هو أن القيادة الإسرائيلية هي التي تبحث
الآن عن التهدئة بعد ارتفاع خسائرها بشكل غير مسبوق، إلا
أن الأطراف العربية المذكورة هي التي تطالب بإطالة أمد
الحرب وتعهدت بدفع فاتورتها.
سي إن إن: حرب بالوكالة
ذكر موقع (سي إن إن) الأمريكية في 2 أغسطس الجاري
في تعليق على العدوان الاسرائيلي على غزّة ما نصّه: إن
إسرائيل تخوض حربا شرسة ضد حماس في قطاع غزة نيابة عن
كل من السعودية ومصر والإمارات ودول وجهات عربية أخرى.
وهو ما يشير إلى دعم تلك الدول بشكل أو آخر هذه الحرب
التي ستدخل شهرها الثاني بعد أيام.
وذكر الموقع: “أن اصطفاف تلك الدول مع إسرائيل أمر
غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي” ونقل عن
علي يونس، المحلل المهتم بشؤون الشرق الأوسط والذي يعمل
في سي ان ان قوله: إن “معظم الدول العربية تدعم إسرائيل
ضد حماس والأمر لا يخجل من إعلانه كبار رموز النظم العربية
الحاكمة ولم يعد سراً”، موضحا أنه “من وجهة نظر مصر والسعودية
والإمارات والأردن فإن حرب نتنياهو ضد حماس، هي حرب بالنيابة
عنهم لإنهاء المعقل القوي والمسلح للإخوان المسلمين”.
وقال: “إن الحرب لم تعد بين المسلمين واليهود، بل إنها
أصبحت بين فريق يرفض الإخوان المسلمين والمقاومة السنية،
ويضم مصر والأردن والإمارات والسعودية وإسرائيل، وفريق
آخر ممثل في حركة حماس. بدليل أن الفريق الأول سارع بالقبول
بالمبادرة المصرية التي تقود في نهاية الأمر إلى نزع سلاح
المقاومة الفلسطينية، وهو الأمر الذي ترفضه حماس بشدة
وتقول إنه لا يدخل في دائرة المساومات والمفاوضات”.
ويوضح يونس بأن السعودية تحاول ترويض عمليات التغيير
في المنطقة، فدعمت الانقلاب العسكري في مصر وتقوم بتمويل
وسائل الإعلام التي تشن حملات هجومية ضد الإخوان في كل
من مصر والأردن والسعودية والإمارات.. وهي الدول التي
تنظر إلى أن “تدمير حماس” فيه مصلحة للأمن الداخلي واستقرار
المنطقة.
تركي الفيصل في خدمة العدوّان
نجحت اسرائيل في توظيف تصريحات تركي الفيصل لتبرير
مجازرها ضد الفلسطينيين في قطاع غزّة. وعمدت ماكينة الاعلام
الاسرائيلي في توجيه اتهامات تركي الفيصل لحركة حماس بالمسؤولية
عن اندلاع الحرب التي يشنها الاحتلال الاسرائيلي على القطاع
لتبرير قتل النساء والأطفال والشيوخ..
وكشفت الإذاعة العبرية مساء الثلاثاء 29-7-2014، النقاب
عن أن وزارة الخارجية الإسرائيلية قد ترجمت تصريحات الفيصل
إلى لغات عدة وقامت بتضمينها في منشورات وزِّعت على ممثلي
السفارات الأجنبية في (تل أبيب)، علاوة على الطلب من السفارات
الإسرائيلية في أرجاء العالم بتوظيف هذه التصريحات في
التدليل على صدقية الموقف الإسرائيلي في الحرب.
وكان الفيصل قال في مقالة له نشرتها صحيفة “الشرق الاوسط
أون لاين” في 26 يوليو الماضي: “أن حماس تتحمل تبعات ما
يحدث في غزة من مجازر، نتيجة لتكرارها لأخطاء الماضي وغطرستها،
عبر إرسالها للصواريخ عديمة الأثر إلى (إسرائيل)، على
حد قوله.
وندد الفيصل بتوافق حماس مع الموقفين القطري والتركي،
معتبراً أن تركيا وقطر تهتمان بحرمان مصر من دورها القيادي
أكثر من منع الاحتلال الاسرائيلي من تدمير غزة.
كما نوهت الإذاعة إلى أن وزارة خارجية وديوان رئيس
حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعكفان على
توظيف ما يكتبه الكثير من الكتاب العرب المعادين للإسلاميين
بشكل عام، والذين يحمّلون حركة حماس المسؤولية عن سقوط
القتلى في صفوف المدنيين الفلسطينيين،بزعم أنها التي سارعت
للحرب.
من ناحية ثانية كشفت صحيفة “يديعوت أحرنوت” النقاب
عن أن حكومة نتنياهو معنية بدور أكبر للسعودية في جهود
وقف إطلاق النار، على اعتبار أن كلاً من السعودية ومصر
غير معنيتين بتمكين حركة “حماس” من الحصول على انجازات
في أعقاب العدوان.
وذكرت الصحيفة على موقعها في 29 يوليو الماضي أن (إسرائيل)
معنية باستدراج السعودية للجهود المبذولة لوقف إطلاق النار
من أجل تحقيق مزيد من التقارب مع الرياض.
وفي ذات السياق، قال الجنرال إليعازر مروم، القائد
السابق لسلاح البحرية الإسرائيلية إن “مسار العدوان دلّل
على وجوب سعي إسرائيلي لبناء تحالف مصري سعودي إسرائيلي
لمواجهة الحركات السنية المتطرفة”.
نشير هنا الى تصريحات وزير العلوم الاسرائيلي ورئيس
الشاباك السابق يعقوب بيري في 5 أغسطس الجاري إن أمام
حكومته فرصاً يجب استغلالها لتشكيل ما سمّاه محوراً لدول
الاعتدال في الشرق الأوسط، يضم مصر والسعودية والأردن
والسلطة الفلسطينية.
وأضاف الوزير الإسرائيلي في تصريحات صحفية أن العملية
في غزة لم تنته بعد، ولا ينبغي لإسرائيل أن تستعمل عبارة
“الانتصار”، بل عليها أن تقول إنها حققت الأهداف التي
حددتها لنفسها، وهي تدمير الأنفاق.
وأشار بيري -وهو عضو في المجلس الوزاري الأمني المصغر
في الحكومة الإسرائيلية- إلى أن الفرصة سانحة أيضا للخروج
من دائرة الحرب في قطاع غزة بمشروع سياسي لا يوقف الحصار
فحسب، بل ينهي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والإسرائيلي
العربي برمته. وقال إن ذلك يمكن أن يتحقق عن طريق إطلاق
مبادرة مفاوضات إقليمية للوصول إلى اتفاق أو عقد مؤتمر
دولي لبحث إنهاء النزاع.
وقال أعتقد أن دولاً مثل السعودية ومصر والأردن والسلطة
الفلسطينية وإسرائيل تستطيع أن تلتئم وتتفاوض وتتوصل إلى
تفاهمات تقود في نهاية المطاف إلى إنهاء الصراع وإنجاح
مسار التفاوض الثنائي بيننا وبين الفلسطينيين.
في السياق نفسه، نقلت صحيفة (جيروزاليم بوست) الاسرائيلية
في 3 أغسطس الجاري عن رئيس المعارضة في الكيان الاسرائيلي
ايسحاق هرتسوغ دعوته رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لاغتنام
الفرصة للشراكة مع دول عربية. وطالب هرتسوغ نتنياهو “زيادة
التعاون مع الدول العربية الإقليمية التي تشاطر إسرائيل
مصلحة مشتركة في تسوية الصراع القائم وحذره من اندلاع
جولة جديدة من العنف إذا لم يفعل ذلك”.
يضيف هرتسوغ “أن الحملة الإسرائيلية على غزة أتاحت
فرصة نادرة لتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية
في المنطقة الباحثة عن استعادة السلام والنظام في منطقة
الشرق الأوسط”.
هل ثمة خطأ في التقدير الاسرائيلي للمواقف العربية
الرسمية، أم أن الأمر أخطر من ذلك بكثير وأن ما يقوله
قادة الكيان مبني على معلومات دقيقة.
|