الشيخ حسن المالكي من سجنه:
إعتقال وهّابي بامتياز لا شأن له بالسياسة
ناصر عنقاوي
لم يتحملوا فكره، ولم يطيقوا نقاشه، ولم يجرؤ إلا القليل
على الحوار ـ معه ومع هذا خسر، فكان الحلّ هو الإعتقال!
هذه قصة الشيخ حسن فرحان المالكي، بشكل مختصر.
كان استاذاً، واشتغل في إعداد المناهج الدينية، ثم
اكتشف وباء الوهابية وخطورة فكر ابن تيمية، فراح يبحث
ويكتب ويصدر الكتب، ففصلوه من عمله، ومنعوه من السفر،
وضيقوا عليه في الحديث الى الناس، ومنعوه من الإعلام الرسمي،
وشتموه وحرّضوه عليه، ولكن كل ذلك لم يفدهم في شيء، بل
ازداد مناصروه كلما زادت الإتهامات له والضغوط عليه، الى
أن قام النظام باعتقاله دفاعاً عن ايديولوجيته المتطرفة،
التي خرّجت القاعدة والدواعش.
قبل اعتقاله بأشهر كتب الشيخ حسن المالكي بالقول: (كثيرٌ
من المحبين يقول: اخرج من هذا البلد! مع بعض العروض. لكن
الصبر على الأذى والظلم مع قول كلمة الحق أفضل. ثم لم
يعد لي في العمر بقيّة كافية). بمعنى أنه كان يتوقع الإعتقال،
رغم أنه ليس معارضاً سياسياً، ولا يمكن بأيّ حال اعتباره
صاحب رأي سياسي بقدر ما هو صاحب فكر. وفي اليوم الوطني
الفائت في سبتمبر الماضي، كتب المالكي: (الوطنُ ليس شعاراً؛
هو حقيقة. ليس دكان تجارة، هو بيتٌ وأهل. إعادة معنى الوطن
الحق الى العقول والقلوب والسلوك واجب الدولة ومؤسساتها).
ومع هذا جاء خصومه المتطرفون الوهابيون ليتهموه بالكفر
والعمالة وغيرها.
فرح المتطرّفون الوهابيون الدواعش باعتقال الشيخ فرحان
المالكي الذي صبأ عن مذهبهم! واعتبروا الإعتقال فضلاً
من الله، فيما طالب آخرون منهم باعتقال آخرين يختلفون
معهم في الرأي، فوصموهم بالردة، وزعموا أنهم يتطاولون
على رسول الله ويحرضون على عصيان آل سعود!
الشيخ محمد الفراج شكر النظام على اعتقال خصمه في الفكر
والرأي فقال: (خطوة موفّقة مشكورة، ودليل على أن تهديدات
طغام الرافضة في الحكم على هرٍّ لم تهز في الدولة شعرة).
فكيف اصبح المالكي رافضياً بتعبيره؟ وكيف ربط الأمر بالشيخ
نمر النمر والحكم عليه بالإعدام؟! انه فجور في الخصومة.
ايضاً رأى محمد البراك (داعية الذبح) ان ينصب نفسه قاضياً
ومحرضاً قبل التحقيق حتى، وقبل ان يعرف أحد سبب الاعتقال،
بمن فيهم الضحية نفسه. قال البراك مرحباً باعتقال المالكي:
(خطوة في الاتجاه الصحيح تأخرت كثيراً، وأرجو أن ينال
عقابه الأليم، فهو لا يقل خبثاً عن رائف بدوي ويستحق أكثر
من عقوبته)!
كانت فرحة دواعش الوهابية كبيرة باعتقال الشيخ المالكي،
بل أن بعض المتسلقين من البعثية رحّبوا بالأمر من خارج
الحدود.. فهذه رغد ابنة صدام تشرح لنا: (نمر النمر او
حسن المالكي ما هم إلا مجرد أبواق قذرة للمشروع المجوسي
الكبير الذي تصدّع وانكشف أمره؛ والفضل لله ورجال المخابرات
السعودية. اطمئنوا)!
المفكر محمد علي المحمود ـ الذي يطالب الدواعش باعتقاله
أيضاً ـ علق على الحملة الداعشية ضد الشيخ المالكي قبل
اعتقال هذا الأخير، بالقول: (الشيخ عدنان ابراهيم والشيخ
حسن المالكي، طبيعي أن يُحسدا، وأن يُكرها، وأن تُحاك
لهما المكائد تلو المكائد؛ لأنه بمثلهما يتعرّى زيف الآخرين)؛
واضاف: (كان بإمكان الشيخ العالم المحقق حسن المالكي ان
يواصل في جامعة الإمام، وأن يكتب رسالة تبجيل في ابن تيمية،
فتنفتح له أبواب المال والجاه).
أما وقد حدث العكس والإعتقال، فلا يسع المرء، إلا أن
يدعو الله أن يكفيه السوء، مع احترام حقه في التعبير،
يكفيه أنه رمى أحجاراً ثقالاً في مستنقع تراث لا يستحق
التقديس، كما يقول الكاتب ابراهيم المديميغ. لكن عبدالرحمن
بن باز يرى أن مخالفة المالكي لابن تيمية، في رأيه بشأن
معاوية، يكفي لإدانته، وقد قال الأخير: (اتفق العلماء
على أن معاوية أفضل ملوك الأمة) في حين لا يرى المالكي
ذلك!
عزيزة اليوسف، الناشطة الحقوقية، تساءلت وهي ترى الإعتقالات
المتواصلة لكل صاحب فكر، حتى ولو لم يكن له علاقة بالسياسة،
فقالت: (الى متى كل يوم يطلع لنا خبر اعتقال؟ لماذا اصلاً
هذه الإعتقالات التعسّفية؟). فجاءها الجواب من أحدهم:
(في السعودية مليون ملحد طايحين شتم كل يوم بالله ورسوله.
هذا عادي جداً. بس أوعى تسبْ معاوية أو الصحابي الجليل
الأمير نايف). لكن المالكي لم يسب ولم يطعن في نايف حتى،
فلماذا زنازين الأمراء لا تتسع سوى للمفكرين والحقوقيين؟
نعم! وكما قال كثيرون بأن سبب الإعتقال هو أن الشيخ
حسن المالكي (يدفع ثمن تحرره من القيود السلفية الوهابية
التي تحارب كل من يخالفها). هذا يعني ان الخلاف مع الوهابية
لا يختلف عن الخلاف مع آل سعود، فهما جسد واحد ملتحم بالمصالح
المشتركة، والخلاف مع احدهما يعني خلافاً مع الآخر. ثم
ان الأمراء يحاولون فرض هيبتهم المتضعضعة عبر توزيع الظلم
على الجميع. وحسب الناشط الحقوقي في المنفى يحي العسيري،
فقد (دخل ذئبٌ حظيرة غنم، وأخذ واحدة بيضاء وذبحها، ففرحت
السوداوات وغضبت البيضاوات. فعاد وأخذ سوداء وذبحها؛ فاطمئنوا
جميعاً الى عدله، ولازال ينشرُ عدلَهُ بينهم).
المالكي في (خمس نجوم)!
في أحاديث مسرّبة من سجنه بالملز في الرياض، نقلها
ولده العباس على موقع الفيس بوك وتويتر، شرح المفكر الشيخ
حسن فرحان المالكي، ملابسات سجنه وأوضاع السجن، والإنتهاكات
الحقوقية، والاتهامات الموجهة اليه وغيرها.
قال أنه تفاجأ من أن حقوق الإنسان النظرية في السعودية
(لاواقع لها) حين التنفيذ؛ وأن (تفاؤلنا بمستقبل حقوقي
للبلاد، رأيته وهماً)؛ وشدد على أن الجهات التنفيذية لا
تعير بالاً الى حقوق المواطنين التي تزعمها هيئة التحقيق
والإدعاء العام.
وتحدث الشيخ حسن فرحان المالكي عن أوضاع السجن، فأكد
الإزدحام الشديد حيث يتشارك كل إثنين في فراش واحد؛ فينام
أحدهما ويقوم الآخر، في تطبيق عملي لما قاله عبدالعزيز
قاسم عن (سجون خمس نجوم).
وأكد الشيخ حسن المالكي وجود تعذيب تعرض له كثير من
السجناء، خاصة اليمنيين، وقال أنه رأى آثار التعذيب على
اجسادهم، حيث يتهمون كل أحد من المعتقلين اليمنيين بأنه
من الحوثيين؛ مضيفاً بأن هذا يخالف حقوق الإنسان التي
تعلن عنها السجون ووزارة الداخلية، وقد ناشدها بأن تتقي
الله عز وجل في السجناء. وتابع: (لا نبرئ كل سجين، ولكن
ننكر التعذيب) واصفاً ما رآه في السجن بأنه (انتكاسة حقوقيه
نراها بأم أعيننا).
وبيّن الشيخ حسن المالكي طبيعة الوضع الصحي في السجن
حيث حقوق الإنسان غائبة ـ كما يقول، وأن ما أحزنه أن السجن
مزدحم وأن أحد عشر شخصاً أصابهم الجنون داخل السجن، وهم
يتعرضون للضرب والإهانة، وطالب بمعالجتهم نفسياً؛ خاصة
وأنهم دخلوا سليمي العقل ثم (انلَحَسوا) كما يقال.
ومن داخل سجنه في المَلَزْ بالرياض، وجه المالكي نداءً
الى الملك ووزير الداخلية والجهات التنفيذية الاخرى، بأن
يتداركوا حقوق الإنسان المنتهكة، والتي قال أنها (تتعرض
للإنتحار من خلال العيّنة التي رأيتها)؛ موضحا أن تلك
الانتهاكات اذا ما كان المسؤولون يعرفون عنها، بمثابة
(كارثة).
ولاحظ الشيخ حسن فرحان المالكي، بأن الثقافة المتعصبة
انتقلت الى السجون والسجناء والى المحققين، مؤكداً بأن
الثقافة القرآنية هي التي تُبعد الثقافة المذهبية التي
تسبب انتهاك حقوق الإنسان. ويضيف بأنه (من الغريب جداً
في المملكة أن يتم سجن من يرى التفجير والتطرف، مع من
يحارب التنزيه والتطرّف)، وقال بأن (هذه لا تتوفر في سجون
العالم إلا في المملكة)، ملقياً باللائمة على الجهات التنفيذية
ووزارة التربية و التعليم، والإعلام، ووزارة الشؤون الاسلامية،
اذ رسخت جميعها ثقافة شعبية مغالية يتبنّاها أغلب الشعب.
وعن وضعه الخاص فإنه رأى أن (ليس من العدل أن يتم اعتقال
صاحب الفكر مع صاحب الحزام والتفجير)؛ مؤكدا أنه لا ينتمي
الى تنظيم سياسي أو معارضة سياسية، أو حتى معارضة مذهبية؛
وأن كل ما لديه هو معارضة فكرية للغلو سواء كان معادياً
للدولة او في داخل مؤسساتها؛ متهماً المحققين ووزارة الداخلية
بأنهم خضعوا لتحريض الغوغاء، وعدّ ذلك نقطة ضعف؛ مؤملاً
عدم مسايرة الجهات الرسمية للغلاة والتأثر بضغوطاتهم ضد
من يختلف معهم في الرأي والفكر.
وأكد الشيخ حسن المالكي، بأن من أسماهم بالغلاة من
رموز التطرف الوهابي، فشلوا في حواره ومناظرته، فلجأوا
الى تحريض مؤسسات الحكم عليه. ورغم هذا فهو يصر بأن آراءه
لن تتزعزع بالإستعداء، ولا بتحالف الغلاة مع المؤسسات
الحكومية ضده، وهذا حقه في التفكير والتعبير.
وشرح المالكي بأنه كان يجري معه التحقيق قبل أسابيع
عديدة من اعتقاله، مشدداً على أن كل الموضوع لا علاقة
له بالسياسة، بل بتبنّي اتهامات الغوغاء والغلاة والمحرضين؛
وقال ان المعرفة لا يجوز محاكمتها، وقراءة التاريخ لا
يجوز أن تخضع لأحكام مذهبية؛ والأحكام الشرعية ليس فيها
حكم على الآراء التاريخية، وكل حكم قضائي على قضية تاريخية
هو حكم وضعي. واعتبر المالكي استخدام الموقف من قضايا
تاريخية كإدانة، سابقة خطيرة في تبني الدولة المذهبي لفكرة
ونصرتها بالمحاكمات.
وأخيراً يعتقد الشيخ حسن فرحان المالكي بأن الدولة
في ورطة: بين محاربة الغلو والإستجابة له، فيما هو يحاول
مساعدة الدولة ونفسه والشعب من الغلو؛ ولكن مؤسسات الدولة
التنفيذية تأبى الإستجابة للعلاج الجذي للتطرف، وأنها
تعالج القضية بمعالجات ساذجة تكتيكية، ليصل الى الحقيقة
المرة، بأن اعتقاله إنما هو (اعتقال وهّابي بامتياز لا
شأن له بالسياسة)؛ وأن تحريضات الغلاة (مشايخ سلطويين
وقاعديين) أنتجت اعتقاله، وان الإتهامات مبنية على اساس
فكري وهي اتهامات ساذجة.
|