الموجة الثالثة
الاستبداد والاستعمار في الخليج
عبدالحميد قدس
شهدت العلاقة بين الاستعمار والاستبداد في منطقة الخليج
موجات ثلاث:
الأولى: الاستعمار المولّد للاستبداد
|
عبدالعزيز وبيرسي كوكس ومس بل |
إذ رسم الاستعمار الأوروبي حدود الدول الاستبدادية
في المنطقة وربطها باتفاقيات تشرعن وجوده وتحيل تلك الدول
الى محميات تابعة له.
في السعودية، على سبيل المثال، تعد معاهدة دارين أو
القطيف التي أبرمها عبد العزيز بن سعود مع بريطانيا بتاريخ
26 إيلول 1915 من المعاهدات التأسيسية التي أرست مبدأ
الحماية مقابل الارتباط بنظام المصالح الحيوية لبريطانيا
في مرحلة أولى وللولايات المتحدة في مرحلة لاحقة..
وقد جرى لقاء بين عبد العزيز وبين المعتمد السياسي
البريطاني في الخليج السير برسي كوكس، ممثلاً عن الحكومة
البريطانية، واعترفت الأخيرة به ملكاً على نجد والإحساء
والقطيف والجبيل وتوابعها ولأبنائه من بعد. ما يجدر الإلتفات
إليه هو اشتراط بريطانيا على عبد العزيز بأن كل من يأتي
من بعده الى العرش ألا يكون «مناوئاً للحكومة البريطانية
بوجه من الوجوه، خاصة فيما يتعلق بهذه المعاهدة». وهذا
البند تكرر في كل الاتفاقيات التي أجرتها بريطانيا مع
مشيخات الخليج الأخرى.
وفي البند الثاني من المعاهدة تأكيد على مبدأ الحماية
البريطانية لحكم آل سعود: «إذا حدث اعتداء من قبل إحدى
الدول الأجنبية على أراضي الأقطار التابعة لابن سعود وخلفائه
بدون مراجعة الحكومة البريطانية وبدون إعطائها الفرصة
للمخابرة مع ابن سعود وتسوية المسألة، فالحكومة البريطانية
تعين ابن سعود بعد استشارته، إلى ذلك القدر، وعلى تلك
الصورة اللذين تعتبرهما الحكومة البريطانية فعاليتين لحماية
بلدانه ومصالحه».. ما يعنيه البند أن دولة ابن سعود تنضوي
تحت نظام الحماية البريطاني، وأن أي عداوان على دولته
هو اعتداء على السيادة البريطانية، وأنها هي من تعينه.
وفي البند الثالث نص واضح على تبعية الحكم السعودي
للسيادة البريطانية «يتّفق ابن سعود ويعد بأن يتحاشى الدخول
في مراسلة أو وفاق أو معاهدة مع أية أمّة أجنبية أو دولة،
وعلاوة على ذلك بأن يبلغ حالاً إلى معتمدي السياسة من
قبل الحكومة البريطانية كل محاولة من قبل أي دولة أخرى
في أن تتدخل في الأقطار المذكورة سابقاً».
فابن سعود ليس فقط مجرد وكيل معتمد من قبل الانجليز
على المناطق الخاضعة تحت سيطرته، بل مطلوب منه الإبلاغ
عن أي محاولة من قبل أي قوة دولية منافسة لبريطانيا في
التدخل في الأقطار الأخرى سواء الخاضعة تحت سيطرة ابن
سعود أو المشيخات الخليجية الأخرى..
في البند الرابع من المعاهدة «يتعهد إبن سعود بألا
يسلّم ولا يبيع ولا يرهن ولا يؤجّر الأقطار المذكورة ولا
قسماً منها، ولا يتنازل عنها بطريقة ما، ولا يمنح امتيازاً
ضمن هذه الأقطار لدولة أجنبية بدون رضى الحكومة البريطانية،
وبأن يتبع مشورتها دائماً بدون استثناء على شرط أن لا
يكون ذلك مجحفاً بمصالحه الخاصة». الطريف أن المعاهدة
نفسها وفي ضوء تلك البنود الصريحة في استتباعه، تنص على
اعتراف بريطانيا به «حاكماً مستقلاً»!
وقد وردت معلومة غير مسبوقة في البند السادس تكشف عن
علاقة سابقة بين آباء عبد العزيز والانجليز حيث ينص البند
على ما يلي: «يتعهد ابن سعود كما تعهّد آباؤه من قبل،
بأن يتحاشى الإعتداء على أقطار الكويت والبحرين ومشايخ
قطر وسواحل عمان التي هي تحت حماية الحكومة البريطانية
ولها صلات عهدية مع الحكومة المذكورة، وألا يتدخل في شؤونها».
فالبند صريح في ارتباط آباء عبد العزيز بمعاهدات مع
الانجليز، وكذلك الحال بالنسبة لمشيخات الخليج الخاضعة
تحت الحماية البريطانية..
في ضوء إتفاقية سايكس بيكو سنة 1916، عقدت بريطانيا
مجموعة اتفاقيات لإرساء علاقات مستقرة للمحميات البريطانية
في الخليج، مثل اتفاقية المحمرة في 5 أيار 1922 بين سلطنة
نجد وتوابعها وبين مملكة العراق تحت رعاية بريطانيا عبر
ممثلها المندوب السامي في العراق الميجر جنرال السير ب.
ز. كوكس، ومعاهدة العقير في 2 كانون الأول 1922 بين سلطنة
نجد بحضور عبد العزيز، وصبيح بك، وزير المواصلات، ممثلاً
عن ملك العراق فيصل الأول، وجون مور الوكيل السياسي البريطاني
في الكويت ممثلا عن الكويت. و كوكس هو مهندس المعاهدة
والذي لعب دور الوسيط في الاجتماعات التي سبقت المعاهدة،
وبموجب المعاهدة تمّ ترسيم حدود سلطنة نجد الشمالية مع
مملكة العراق والكويت.
وينقل هـ .ر.ب. ديكسون في كتابه (الكويت وجاراتها)
وقائع الجلسة التي جمعته مع بيرسي كوكس وابن سعود ووصف
رد فعل الأخير بعد أن انتهى كوكس من تخطيط الحدود بالقول:
(..فانهار ابن سعود وأخذ يتودّد ويتوسّل معلناً أن السير
بيرسي هو أبوه وأمه، وأنه هو الذي صنعه ورفعه من لا شيء
الى المكانة التي يحتلها، وأنه على استعداد لأن يتخلى
عن نصف مملكته بل كلها إذا أمر السير بيرسي بذلك).
ويذكر ديكسون بأن ابن سعود لم يلعب دوراً يذكر في المحادثات
(تاركاً الأمر للسير بيرسي ليقرر حل مشكلة الحدود) ثم
يقول: (وفي اجتماع عام للمؤتمر أخذ السير بيرسي قلماً
أحمر ورسم بعناية فائقة على خارطة للجزيرة العربية خطاً
للحدود من الخليج الفارسي الى جبل عنيزان بالقرب من حدود
شرق الأردن)، ويضيف (وإرضاء لإبن سعود حرم ـ أي السير
بيرسي ـ الكويت بدون شفقة من ثلثي أراضيها تقريباً وأعطاها
لنجد بحجة أن سلطة ابن صباح في الصحراء أصبحت أقل مما
كانت عليه يوم وضعت الإتفاقية الانكليزية ـ التركية).
وفي ضوء اتفاقيات رعتها بريطانيا مع جميع مشيخات الخليج
(التي تؤلّف اليوم منظومة دول مجلس التعاون الخليجي)،
نشأت أنظمة شمولية تحت حماية التاج البريطاني، وحالت،
بموجب تلك الاتفاقيات، دون إدخال إصلاحات سياسية في هذه
الدول، واطمأنت مشيخات الخليج الى أن ثمة قوة أجنبية توفّر
لها الغطاء الدولي والحماية الأمر الذي يبيح لها ممارسة
سياسات قمعية ضد القوى الإجتماعية والسياسية المطلبة بالإصلاح،
بالرغم من معرفتها بحقيقة العوائل الحاكمة في الخليج.
في البحرين على سبيل المثال، كتب المقيم السياسي في
البحرين الكولونيل أيه. بي . تريفور سنة 1923 عن حاكم
البحرين سلمان بن حمد آل خليفه (حكم بين 1942 ـ 1961)،
بأن: «لديه كل الصفات السيئة في عائلة آل خليفة. هو غير
متعلم على الإطلاق، فارغ، كسول، ويميل الى قهر وظلم كل
شخص لا يملك قدرة على المقاومة. وسلمان لا يصلح على الإطلاق
بأن يرث أباه كحاكم».
أما المقيم السياسي البريطاني في الخليج سي.سي.جيه.
باريت، فكتب في 1929: «أن أبناء العائلة ـ آل خليفة ـ
فليسوا متعلّمين، ومتوحشون، مع قشرة من أخلاقيات المدينة».
تشارلز بلجريف الذي عمل في منصب مستشار لأهم الشخصيات
السياسية في البحرين على مدى واحد وثلاثين عاماً (1929م
حتى 1957)، وكان الحاكم الفعلي للبحرين في تلك الفترة،
كتب في 21 أغسطس سنة 1921 في وصف آل خليفة بما نصّه: «يتم
دفع مكافآت لأفرادها من قبل الحكومة ـ البريطانية ـ، ولا
يقومون كما هو واضح بأي عمل..هؤلاء كسالى، في الغالب هم
أناس قمعيون متغطرسون، ويعيشون بكونهم ملوكاً». وكتب في
1929: «مع قلّة من الاستثناءات، فإن أعضاء عائلة آل خليفة
هم كسالى، وفي الغالب أميّون، وبدون روح عامة على الإطلاق».
وفي عام 1954 كتب جريف في مذكرته عن آل خليفه بأنهم: «مدمنون،
حمقى، غير مخلصين، وفقدوا بالكامل الهيبة القليلة التي
كانت لديهم في السابق».
وما يقال عن آل خليفة ينسحب على بقية العوائل الحاكمة
في الخليج، وجميعها يخضع تحت حماية بريطانيا العظمى. ولذلك،
قرّرت الأخيرة تنظيم بعثات دراسية لأبناء العوائل الحاكمة
في الخليج من أجل تأهيلهم علمياً وسياسياً وإدارياً، وتدريبهم
على بروتوكولات ملكية في القصر ومع الحكومات والناس..
الثاني: الاستقلال الملغوم
|
الميجور ديكسون، المعتمد في الكويت |
ربط الدول الاستبدادية باتفاقيات استراتيجية ومعاهدات
حماية وشراكات اقتصادية..وقد واجهت القوى الاستعمارية
الأوروبية تحديّات كبيرة في أعقاب الحرب العالمية الثانية،
بفعل استنزاف الحرب لكثير من موارد هذه القوى، وبات عليها
تقليص حضورها في العالم. في موازاة ذلك، اكتسب مبدأ حق
تقرير المصير الذي طرحه وودرو نيلسون رئيس الولايات المتحدة،
بعد الحرب العالمية الأولى زخماً أكبر، وأن المبادىء الأربعة
عشر التي أعلن عنها نيلسون لجهة إعادة بناء أوروبا وإقرار
السلام في العالم كانت لجهة فض الاشتباك بين القوى الاستعمارية
وحفظ وحدة الكيانات الأوروبية بعد الحرب الكونية الأولى.
وقد تقرر في مؤتمر فارساي في فرنسا سنة 1919 مناقشة مبادىء
ويلسون، وحضر من الجانب السعودي الأمير فيصل، نجل عبد
العزيز والملك لاحقاً، وبدا الأخير قلقاً إزاء فكرة «حق
الشعوب في تقرير المصير» لما تنطوي عليه من مخاوف على
عرشه الذي أقامه بقوة السيف في نجد والإحساء والقطيف قبل
أن يقدم على احتلال الحجاز في سنوات لاحقة.
بقيت بريطانيا الاستعمارية داعمة لمشيخات الخليج إلى
حين انتقال التركة الاستعمارية إلى الولايات المتحدة في
نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، فكانت بريطانيا تسيطر
على منطقة شرق عدن لتأمين الطرق الملاحية الممتدة من الهند
الى الخليج، ولكن بمرور الوقت تآكلت قدراتها على تمويل
وجودها العسكري في المنطقة، فاضطررت الى تخفيف هذا الوجود
الى حد أدنى، بما لا يحرمها بالكامل من الافادة من منطقة
حيوية كالخليج.
وكانت مجلة (الايكونوميست) نشرت مقالاً في 14 كانون
أول 2014 بعنوان (نحن عائدون)، تحدثت فيه عن «إعلان منطقة
شرق السويس» سنة 1968 في ظل أزمات أقتصادية خانقة عانت
منها بريطانيا دفعت الحكومة العمّالية إلى الانسحاب من
قواعدها شرق عدن. وتعلّق المجلة بأن كثيرين اعتقدوا بأن
الاعلان كان ايذاناً بنهاية الامبراطورية البريطانية في
المنطقة. ولكن بعد مرور خمسين عام على الاعلان، فإن البحرية
الملكيّة سوف تحصل على قاعدة جديدة دائمة في ميناء سلمان
في البحرين..
وفي الواقع، وبحسب المجلّة، فإن بريطانيا لم تغادر
الخليج مطلقاً. فلديها علاقات أمنيّة طويلة مع عمان، وقطر،
والسعودية، والامارات العربية المتحدة (حيث تشغّل القوات
الجوية الملكيّة سرب طائرات تايفون الحربية من قاعدة المنهاد
الجوية في دبي، والتي تعمل كجسر لوجستي للعمليات في أفغانستان).
الثالث: الاستبداد بغطاء استعماري
تبدّل الحال منذ نهاية عصر الاستعمار المباشر، وبتنا
أمام نموذج للاستعمار متطوّراً عن سابقه، وإن بقيت الأهداف
موحّدة في كل أشكال الأستعمار.
وبدا الربيع العربي وما أنجبه من هواجس لدى الأنظمة
الشمولية في الخليج بمثابة مبرر إضافي لدعوة الاستعمار
القديم، الأوروبي على وجه الخصوص، بالعودة الى الخليج
عسكرياً وأمنياً بدرجة أكبر.
قد يكون مثال البحرين الأبرز في تظهير العلاقة الوثيقة
بين الاستبداد والاستعمار. في زيارته الى بريطانيا لحضور
احتفال ويندزور الدولي لسباق الخيل، أقام ملك البحرين
حمد آل خليفة حفل استقبال في مقرّ إقامته في 12 أيار 2013
حضره الامير أندرو، حاكم يورك، والممثل الشخصي للملك عبد
الله بن حمد آل خليفة، وناصر بن حمد، وخالد بن حمد، ووزير
الدفاع البريطاني وعدد من أعضاء مجلس العموم البريطاني
ورؤساء شركات مرافقين للملك وعدد من المسؤولين والضيوف..وخطب
حمد في الحضور وربط بين دعوة المشاركة في الاحتفال والعلاقات
التاريخية بين البحرين وبريطانيا العظمى، وعدّ المشاركة
رمزاً لتلك العلاقة التي تعود الى أول معاهدة وقّعت بين
الدولتين سنة 1820 وبقيت سارية المفعول حتى 1971، وهي
السنة التي أعلنت فيها بريطانيا انسحابها من الخليج. وهنا
يعلّق الملك بالقول: “ان قرار الإنسحاب كان من طرف واحد،
إذ قال والدي: «لماذا؟ لم يطلب منكم أحد بالرحيل». ويضيف:
«في حقيقة الأمر ولأغراض عملية واستراتيجية لم يتغيّر
الوجود البريطاني، بل بقي لأننا نعتقد بأن من غير الممكن
أن نكون بدونه على الإطلاق».
ويخلص: «وعليه، فإنني سعيد للقول بأن العلاقة قوية
كما كانت ـ ربما حتى أقوى. ولدينا تعاون وثيق من خلال
طيف واسع من النشاطات وخصوصاً في حقل الدفاع، إذ إننا
نسعى الى توسيع الوجود البريطاني في بلادنا لتحقيق مصلحة
مشتركة». وأفصح عن اتفاقية تعاون دفاعي مع بريطانيا في
أكتوبر 2012، وأشار الى وجود ما يقرب من 9000 مقيم دائم
من بريطانيا في البحرين. كما كشف عن دعم بريطانيا للإجراءات
الأمنية التي تقوم بها حكومة البحرين في مواجهة الاحتجاجات
الشعبية السلمية.
قرار إنشاء قاعدة بريطانية دائمة في البحرين هي خطوة
وصفتها مجلة (الإيكونوميست) في المقالة سالفة الذكر انعكاساً
لرغبة الحكومة الحالية في استعراض التزام بريطانيا المتجدد
للمشيخات الخليجية، والتي تحتفظ معها بعلاقات تجارية واستثمارية
كبيرة، في وقت يتزايد الإضطراب في المنطقة.
وزير الخارجية البريطانية فيليب هاموند صرّح في 5 ديسمبر
الماضي (2014) خلال التوقيع على اتفاقية إنشاء القاعدة
مع نظيره البحريني: «إن أمنكم هو أمننا». السبب الآخر
وراء إعادة تأسيس وجود عسكري دائم في الخليج هو أن الأميركيين،
وفي أعقاب أفغانستان، فإن بريطانيا، الى جانب فرنسا، سوف
تبقى حليفاً مفيداً وموثوقاً. وبحسب هاموند: «فيما تركّز
الولايات المتحدة جهودها بصورة أكبر على منطقة آسيا ـ
المحيط الهادىء، فإننا وشركاؤنا الأوروبيون من المتوقّع
أن نتحمل قسطاَ أكبر من العبء في الخليج، والشرق الأدنى
وشمال أفريقيا». والقسط هنا لا يعني سوى التدخّل العسكري
في هذه المناطق عبر إرسال جيوش وتدريب فرق وقوات تدخّل
سريع، وتعاون أمني استخباري مع مشيخات الخليج.
لعل من المفيد التوقف هنا للإضاءة على الفارق بين الاستعمار
الأوروبي والاستعمار الأميركي في المنطقة خاصة والعالم
بصورة عامة.
في ضوء التجارب الاستعمارية في التاريخ الحديث، تعد
تجربة الاستعمار الأوروبي الأسوأ على كل الأصعدة، إذ لم
تتردد القوى الاستعمارية الأوروبية في الدخول في مواجهة
مع الشعوب (وهناك أمثلة في العقد الثاني من القرن العشرين:
بريطانيا في العراق، وفرنسا في سوريا، وايطاليا في ليبيا...).
في حقيقة الأمر، أن الاستعمار الأوروبي كان يواجه شعوباً
ويقمع ثوراتها من أجل تنصيب طغاة تابعين له، وحكومات خاضعة
له..
في المقابل، فإن الاستعمار الأميركي على الرغم من كل
سيئاته (والاستعمار بكل أشكاله أكبر عار في تاريخ الإنسانية)،
إلا أن ما يميّزه عن الاستعمار الأوروبي أن تجاربه الاستعمارية
كانت فاشلة: فيتنام، أفغانستان، العراق..وكان يتردد، في
الغالب، في الاحتكاك المباشر مع الشعوب: كوريا الجنوبية،
اليابان، إيران الشاه، مصر، السعودية، البحرين، قطر، الامارات..وفي
حال واجه معارضة شعبية واسعة يرفع الغطاء عن حليفه: الشاه
في ايران، حسني مبارك في مصر، وكاد أن يفعل ذلك مع دول
أخرى فيما لو تطوّر الحال كما حصل في البحرين، حيث أطلق
الرئيس الأميركي باراك أوباما تصريحاً في الأول من مايو
2011 بدعوة ملك البحرين «لاحترام حقوق الشعب»، ما أخاف
حكّام آل خليفه، لولا الضغوطات التي مارستها بريطانيا
والسعودية للحيلولة دون تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها
في الخليج..
في النتائج، الولايات المتحدة ليست مثل أوروبا في السلوك
الاستعماري في المنطقة، وهذا الذي دفع دول الخليج للمسارعة
بإعادة الالتحام بالاستعمار الأوربي حين قرّرت الولايات
المتحدة نقل ثقلها الى شرق آسيا..
إن نموذج العلاقة بين البحرين وبريطانيا يؤشّر الى
مصاهرة مفزعة بين الاستبداد والاستعمار، في ضوء الدور
البريطاني السلبي في انتفاضة الشعب البحريني، الذي يتعرّض
لعملية قمع ممنهج من قبل حكام آل خليفة وبغطاء بريطاني.
وبسبب نزعة بريطانيا الى تأييد الأنظمة الملكية، فإن تعميم
النموذج الملكي خليجياً يشي بموجة استبداد ثالثة سوف تدخل
المنطقة في متاهة جديدة.
|