طرد محتسبين من معرض كتاب جدة
نـعــم.. يـرضـيـنــا!
سعدالدين منصوري
في كل معرض كتاب هنالك معركة، أبطالها رجال هيئة المنكر،
أو من يسمون انفسهم أسود الحسبة. وجودهم لازمة فهم رجال
السلطة وعيونها، اما اعتراضا على كتاب، أو على ندوة ثقافية
على هامشه، أو على امرأة تشتري كتباً. هذا هو الحال في
الرياض دائماً. وكان معرض كتاب جدة قد أُلغي لسنوات، وفي
هذا العام، جاء المطاوعة، لينكدوا على الناس، ويخربوا
أمسية ثقافية لمجرد أن إمرأة وقفت أمام الجمهور تلقي شعراً.
جاء المحتسب الوهابي، ليقطع على المستمعين ومحاولا
أن يلغي الندوة، وسأل: هل يريضيكم يا إخوان. قالوا بأجمعهم:
نعم واطلع برّا! فبهت وخرج.
كانت مفاجأة الطرد قد أفرحت ملايين السعوديين المتضررين
من المطاوعة الذين يستخدمهم النظام في القمع الداخلي،
ضمن جهاز رسمي إسمه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
في الأصل فإن مشايخ الوهابية أعداء الكتاب بالجملة
عدا كتبهم. وهم كناصر العمر ينصحون بأن لا يذهب الشاب
لشراء كتاب إلا برفقة موجه ناصح خبير.
وفي الأصل يتعمد المشايخ (اللقافة) والتعدّي في معارض
الكتب والندوات، وعادة ما ينجحون في تخريبها، وكلمة (اللقافة)
يعتبرونها استهزاءً بالدين، وليس بهم، ويقترب قائلها من
الردّة على الدين، كما يقول الداعشي استاذ جامعة ام القرى
محمد البراك. فكره أفعال رجال الهيئة وتعدياتهم، يعني
بنظرهم كرهاً للدين.
وفي الأصل، فإن المشايخ كالدريهم المتطرف، يؤيد ندوات
على هامش معارض الكتب كما في المغرب مثلاً، ولكن في الداخل
هو لا يرضى بذلك ولا أقل منه.
وفي الأصل فإن الثقافة والكتب الداعشية تغزو معارض
الكتب في السعودية، والرقابة الحكومية صارمة، وقد اغلقت
في جدة قسم المركز العربي للأبحاث؛ ومع كره المشايخ لمعارض
الكتب يصرون على حضور بضاعتهم فيها، ولكنهم لا يقبلون
بعرض غيرها ويعتبرونها كتباً الحادية. اما كتب الرقية
ففيها الفوز العظيم؛ والكتب التي تكافح الإرهاب وتفضحه
يتم منعها، مثل كتاب: (الطائرة الخامسة: اوراق ارهابي
فاتته رحلة أفغانستان).
الشيخ المتطرف عبدالمحسن الأحمد ندد بطرد المحتسبين
من معرض الكتاب، وقال انه رجل جاء يسعى للجنان، فغضب أتباع
الشهوات؛ ووصف الجمهور بأنهم كالبكتيريا تكره وجود المضاد.
والعنصري الشيخ المطيري الذي للتوّ وصم الشيخ الكلباني
بأنه (عبد لا تفيد معه إلا العصا) يتمثل الحالة الرسولية،
فطرد صاحبه هو طريق الأنبياء. ووصف الشيخ الصقعبي خصومه
بأنهم شراذم فساد، وتباكى من أن الدعاة الى الله لا يحق
لهم التعبير عن مرادهم (تخيل أنه مع كل الصلاحيات التي
بيدهم ويقولون بأنه لا حق لهم بالتعبير، وهم الذين أخمدوا
أنفاس الشعب بكل فئاته وطوائفه). أما المتطرف الشيخ عبدالعزيز
الطريفي فوصم الكتب في معرض الكتاب بجدة بالإلحادية، وأن
بيعها أعظم خطراً من بيع السلاح للقتل. ايضاً فالشيخ المتطرف
سعد التويم، اعتبر المحتسب المطرود مثل نبي الله نوح،
وان من قالوا: نعم نرضى بطرده، مجرد إجماع من قوم نوح
على الباطل. والإرهابي محمد البراك رمى من انتقد المطاوعة
وقال أنهم متطفلون (ملقوفون) بأنهم يستهزؤون بالدين ويكرهونه،
ويخشى عليهم من الردة. وعلق احدهم على قوله: (هذا كبير
هيئة التكفير بالجامعة. إن عطستَ ولم تحمد الله، صرفَ
لكَ صكّ تكفير).
المفكر محمد المحمود اعتبر مجرد وجود معرض للكتاب..
احتساب على مُنْكَر الجهل. فالجهل أكبر منكر. واضاف: (لا
تقولوا: محتسبين. هؤلاء ليسوا محتسبين. هؤلاء أسميتهم
من قبل: شَغاسِبَةْ، أي: شغب + تمظهر بالإحتساب). ومثله
المحامي اللاحم الذي وصفهم بالملاقيف، الذين (يحاولون
اختطاف سلطة الدولة). واضاف: (اصرخوا في وجوه الملاقيف:
نعم يرضينا، ولا تسرقوا أصواتنا، لا تتحدثوا نيابة عنا).
وافتتح المواطنون هاشتاقاً ضد مشايخ التكفير بعنوان:
(نعم يرضينا). قال أحدهم: (نعم يرضينا ان نعامل المرأة
كإنسان، ونحسن الظن بالجميع، ونعيش كبقية الدول، وأن لا
يكون لجماعة سلطة علينا). وقال آخر:(نعم يرضينا، وما راح
تخنقونا بعد الآن بإسم الدين). والصحفي محمد حمزة يقول:
(نعم يرضينا، هي صرخة تحرر من استعباد الظلام. نعم يرضينا:
صرخة ردعٍ لكل مثير فتنة. نعم يرضينا: صرخة وعي بإنسانية
مجتمع).
ووصف الكاتب خلف الحربي مواجهة مواطني جدة لمشايخ التطرف
الذين سألوا: هل هذا يرضيكم: (نعم يرضينا، واطلع برّا)،
وصف جملة: نعم يرضينا بأنها جملة سحرية كان يحتاجها المجتمع
من عشرات السنين في مواجهة الوصاية العشوائية التي أزعجت
البشر والشجر والحجر. وإزاء سحر هذه الجملة، قال الصحفي
جمال خاشقجي: (لو كنتُ رئيس تحرير لصحيفة، لجعلت: هاشتاق
نعم يرضينا، مانشيت وببنط يمتد على عرض الصفحة).
ووصف تركي الحمد حادثة معرض كتاب جدة بأنها (مؤشر على
أن المجتمع قد بدأ يستعيد الوعي ويخرج من القوقعة). والمغردة
نورة استغربت من وجود رجال الهيئة المستمر في أماكن ثقافية
وترفيهية وأضافت بأن (وجودهم فقط للتنكيد على خلق الله).
وقال آخر: (سبحان الله، راحوا يحتسبون عند معرض كتاب،
لكن ما يقدروا يحتسبون عند الحكومة يوم غرقت جدّة بالسيول).
كما انهم لم يحتسبوا على ملاك الشبوك والناهبين والسراق،
والسبب أنهم (يشتغلون براتب من الدولة، لا أحد يطارد الناس
ويتعب نفسه بدون مقابل. فكّونا من كلمة محتسب)، يقول المغرد
بندر.
حقاً كما يقول الصحفي وحيد الغامدي: هذه الليلة.. ليلة
طرد المحتسب.. نطقت الأغلبية الصامتة، ضد مشايخ الجهل
الوهابيين. وخاطبهم فقال: (لم يعد صوتكم هو الأوحد، لم
تعد الأجيال ترتهن لكم، أنتم في مجتمع جديد، في عصر جديد،
عنوانه: نعم يرضينا).
|