الفساد والنهب هما السبب وليس الحرب
آل سعود يهجرون آل زيدان وآل يحي من جيزان
محمد الأنصاري
الجنونُ فنون.
نحن في مملكة فقدت عقلها، وإزاء قيادة سياسية متوترة
تتخبط في قراراتها، ويحكمها الأهواء.
الخوف من تزلزل أسس البلاد، واحتمال نهايتها بالسقوط
والتقسيم، هو سبب التوتر الأساس بين النخبة النجدية الحاكمة،
سواء كانت آل سعود، أو مشايخ المؤسسة الدينية الوهابية،
او النخب المتعلمة النجدية التي تمسك جميعاً بجهاز الدولة.
الشعور غير المسبوق بأن اسس الدول تتبدد، وأن الهزيمة
على أكثر من صعيد قد تطيح ليس فقط بالنظام السياسي الأقلوي
المناطقي القائم، بل بأسس الدولة السعودية نفسها.. هذا
الشعور هو وراء كل العنف الرسمي، وكل القمع لحريات التعبير،
وكل حفلات الإعدام، وكل الصرف والنهب المجنون وتهريب الأموال
الى الخارج. وهو السبب في التخبّط والعناد والغرور، حيث
لا يصدق هؤلاء أنه يمكن هزيمتهم، او أن ملكهم العضوض يمكن
أن يزول، كما زال الفراعنة في الماضي والحاضر.
حرب اليمن، والعدوان عليه، وقتل أهله بالقصف والقنابل
العنقودية والتآمر والحصار للموانئ والمطارات.. واحدة
من أهم بوابات التغيير في السعودية. بل هي البوابة الأكبر
التي ـ ضمن عوامل أخرى ـ قد تؤدي الى زوال العرش السعودي
نفسه.
في حرب السعودية على اليمنيين في صعدة عام ٢٠٠٩،
والتي استمرت بضعة أشهر، قال مسؤول العمليات الأمير خالد
بن سلطان، نائب وزير الدفاع، بأن الحرب لن تتوقف حتى ينسحب
(الحوثي) الى مسافة ٢٥ كيلومتراً، بحيث تصبح
هذه المسافة منطقة عراء خالية من السكان، منزوعة السلاح.
وبعد شهرين أو ثلاثة، كانت السعودية تأمر نحو ثلاثمائة
ألف مواطن بالإنسحاب من عشرات القرى التابعة لمنطقة جيزان،
لأنها أصبحت منطقة حربية، وأصبح الحزام الأمني داخل السعودية،
وليس داخل اليمن، إذ لا إمكانية لحدوث ذلك إلا بهزيمة
عسكرية لليمنيين لم تستطع الرياض تحقيقها.
كان قرارا غبيّاً ومؤلماً للمواطنين، الذين اقتلعوا
اقتلاعاً عن مسرح طفولتهم، ومستقر أحلامهم، ومدفن آبائهم
وأجدادهم، ومخزن ذاكرتهم.
كان قراراً غبياً غير مبرر لا عسكريا ولا سياسياً ولا
إنسانياً.
لكنه الفساد.
|
|
حصار المواطنين: موقع قحدة في جيزان الذي يسمى
بمعبر رفح |
مليارات نُهبت بحجة توطين عشرات الألوف من المواطنين،
الذين سيُبنى لهم منازل، ويوجد لهم أعمال.
لم تبنَ المنازل، وبالكاد يستلم المهجّرون إيجار منازلهم،
وهم بلا عمل، إذ ان عملهم الأساس هو الزراعة.
أما المليارات فذهبت الى جيوب المتنفذين من الأمراء
الكبار.
وأما المدن والقرى التي تم تهجير البشر منها، فهي مسوّرة
بالأسلاك الشائكة، لا يقيم فيها إلا المهربون للأسلحة
والمخدرات، والمشرّدون، يقتحمونها ويعيشون فيها بدلاً
من أهلها.
اليوم تكرّ السّبْحَة، وتبدأ عملية تهجير جديدة، بنفس
الطريقة القديمة، وبنفس الأساليب والحجج، وفي منطقة جازان
أيضاً، وبذات الحجج: أي تحويل المنطقة الحدودية الى منطقة
عسكرية الى الأبد لتشكيل حزام أمني مزعوم، وتشريد أهلها
الى الأبد أيضاً. مع ان العملية بدأت بإخلاء كيلومتر واحد
فقط، على طول الحدود، وقد رفض المواطنون ذلك ولكنهم قبلوا
على مضض مقابل تعويض.
وفجأة يُلغى الإتفاق، وتأمر السلطات المواطنين بإخلاء
قراهم جميعها (آل زيدان، وآل يحي) خلال ثلاثة أيام، بلا
تعويض وبلا مكان بديل للسكن حتى. وعمدت السلطات الى منع
أي أحد من دخول تلك المنطقة إلا بتصريح، فمن يخرج لا يعود،
واما الجهات الحكومية فأوقفت خدماتها، وكأن تلك القرى
ليست على الخارطة، في عملية تطفيش متعمدة.
قرار إخلاء قرى حدودية أخرى في جازان، وتحديداً في
محافظة الداير بني مالك، اتخذ منذ سنوات، ولكن التنفيذ
بُدئ به قبل بضعة أسابيع. وقالت الحكومة على لسان المحافظ
محمد الشمراني، أنه لن يتم نقل اي مواطن من منزله إلا
بعد حصوله على تعويضات كبيرة ومجزية، من أجل اعادة توطينهم
في موقع آخر.
الناشط عيسى حمد النخيفي، ابن جيزان، والذي وقف بالصوت
والصورة ضد تهجير مواطنيه عام ٢٠٠٩
و ٢٠١٠، وبسبب ذلك أُدخل السجن
ولم يخرج منه إلا مؤخراً، عاد من جديد أيضاً من خلال التغريدات
ومن خلال التصوير ليكشف المأساة.
يقول الناشط النخيفي: (هناك خلل غير طبيعي تقوده زمرة
فاسدة بجازان، تريد انفجار الوضع بين المواطن والدولة)؛
ويضيف بأن الكثير لا يعلم بمدى الألم الذي أتألمه (وأنا
أكتب عن تهجير قبائلي. قد تسبق دموعي حروفي. اللهم عليك
بالظالمين، قُهرنا). ووصف حياة المواطنين المراد تهجيرهم
بأنهم في سجن، يُمنع زيارتهم، وأنهم مضايقون في عيشهم.
الشيخ حسن فرحان المالكي، هو ابن تلك المنطقة، وقد
أيّد دعوة مواطنيه بأن تعيد الحكومة النظر في قرار تهجيرهم.
فكل حجج التهجير للمواطنين غير مقنعة البتة، انه اعتباط
فقط. ووصف المالكي بعض اداريي المنطقة الجنوبية بأنهم
مستبدون (لا يستشيرون ولا يبحثون عن البدائل. يرفعون التقارير
ويقطعون عن الناس). ورفض ان تعتبر منطقة آل يحي وآل زيدان
وجبل شهدان عسكرية، وأضاف: (طلعت جبل شهدان الى أعلى قمة
كَتْفَةْ. لا يمكن أن يصدر من هناك غزو أبداً. لا واقعاً
ولا عُرفاً). الغزو ـ بسبب التضاريس ـ غير ممكن لا الى
اليمن ولا من اليمن، فضلاً عن وجود عهود بين القبائل على
الحدود.
ويغضب ابن المنطقة جابر المالكي فيقول متعجباً: (تشريد
آلاف المواطنين من أرضهم وإرثهم ودورهم، من أجل مصلحة
الوطن! ما هو الوطن إن لم نكن نحنُ الوطن؟).
|