في مملكة الشريعة المُسعودة!
سعدالدين منصوري
القضايا المثيرة للجدل في مملكة آل سعود كثيرة، بل
تجد الكثير منها يومياً في الصحافة، ووسائل الاعلام الشعبي.
هذه عيّناتٌ منها:
(1) محاكمة موافق الرويلي، بطل الكشف عن مزوّري الشهادات
العليا، والمستأكلين بها.
السعودية بلد الشهادات المزوّرة! لا يضاهيها في ذلك
بلدٌ آخر في العالم.
قد يكون السبب معضلة ثقافية، وشعور بالدونيّة، خاصة
لأولئك المتخمين بالمال فارغي الرأس، الذين بفضلهم انتشت
جامعات وهمية في كل بلدان العالم، سوقها الرئيس هو الخليج،
يغرف منه كثيرون شهادات الماجستير والدكتوراة، التي تُشترى
ببضع مئات أو آلاف من الدولارات.
مؤسسات الدولة العليا، ممتلئة من أصحاب الشهادات المزورة،
وبينهم مسؤولون كبار، وحتى وزراء ووكلاء وزارات ومدراء
عامون.
مهندسون، أطباء، صيادلة، أساتذة جامعات، مثقفون، وكتاب،
ومشايخ ودعاة، مواطنون وأجانب، يحملون شهادات مزوّرة.
فتخيلوا كيف هو شكل الدولة السعودية وأجهزتها في الجوهر،
ولماذا هي في إعاقة شبه دائمة، ولا تستطيع النهوض، ومثل
هؤلاء المزورين يحتلون كل مواقع التأثير والسيطرة.
انبرى الدكتور موافق الرويلي لهم، فكشف المئات منهم،
واستخدم تويتر لفضحهم، في هاشتاق متواصل عنوانه (هلكوني)!
المتضررون الكثر من تخصص الدكتور موافق في فضح لصوصياتهم
وعبثهم من حملة الشهادات المزوّرة، يبحثون عن وسيلة للإنتقام
لذواتهم، فأرادوا محاكمة خصمهم، هكذا عبثاً. وما كانوا
ليتجرّأوا على فعل ذلك، لو لم يكن المزورون متواجدين في
كل مواقع المسؤولية حتى القضاء نفسه!
محاكمة الرويلي تتحدث عن مأساة هذا البلد المسعود المنكوب،
بالمزورين واللصوص والفاسدين.
الأكاديمي الدكتور عبدالمحسن هلال قال أن (من علامات
فساد الأمم والشعوب، أن يُحاكم الإصلاحي، ويُتركُ الفاسد،
حتى يصبح الفسادُ عُرفاً؛ ويصبح الإصلاحُ مُنكَراً). وخالد
الشغدلي رأى أن (أشياء كثيرة تثبت لنا ان محاربة الفساد
كذبة كبيرة. والصحيح أن كل شيء حولنا يقول بأننا أقرب
الى محاربة الإصلاح والمصلحين). والناشط والإعلامي عقل
الباهلي يذكّر بفضل الدكتور موافق، ويسأل عماذا حدث لمن
تم كشف تزويره للشهادة واستأكل بها، وهل لازال باق في
منصبه؟
تتوقع الناشطة عزيزة اليوسف ان الشكوى ضد الرويلي كيدية،
وأن هدفها (تكميم الأفواه عن كشف الفساد)؛ وهذا هو رأي
محمد الحويل، فغرض الشكوى ثني موافق عن مشروعه الوطني
وفضحه كل خامل صاحب شهادة مزورة لا تتعدى ثقافته أرنَبَة
جيبه، حسب تعبيره. وأما الدكتور عمر اليمني فمندهش ويسأل:
(هل أصبح لدينا من يدافع عن الفساد، وسرقة الشهادات الوهمية
علناً، حتى نطالب بمحاكمة من يكشفهم ويعرّيهم؟).
من جانبه خاطب عطية الثبيتي الدكتور موافق الرويلي
فقال: (لقد كشفتَهم، وسلطتَ الضوء عليهم، وفضحتهم، وبقي
الآن دور الحكومة لإلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم). لكن
لو ارادت ان تحارب اصحاب الشهادات المزورة لفعلت منذ سنوات،
لكنها لم ولن تفعل! لأن الفاسد لا يُحاكم، ولأن (كشف الفساد
في السعودية، يؤدي الى السجن).
(2) شيخ وهابي يفتي بأن عمل المرأة في المستشفيات حرام.
مجالان اساسيان مسموح للمرأة المسعودة العمل فيهما:
التعليم، والصحّة. وكنا قد توقعنا ان مسألة عمل المرأة
كطبيبة او ممرضة قد انتهى النقاش بشأنها، وضرورتها، وبدل
أن يزداد فضاء عمل المرأة، حيث الأكثرية عاطلات عن العمل..
ظهر لنا أحد المشايخ ليعيدنا الى المربع الأول، وليفتي
بحُرمة عمل المرأة في المستشفيات.
الشيخ عبدالرحمن العبدالكريم، عضو الجمعية الفقهية،
قال بما نصّه: (عمل المرأة بالمستشفيات حرام) وأضاف بجهالة:
(كيف لرجل عاقل أن يتخصص بـ «الولادة»).
الصحفية هيلة المشوح تسأل: اذا كان عمل المرأة في المستشفيات
حرام: (طيّب مَنْ سيولّد حريمكم؟). ورائدة السبع التي
تعمل في المستشفى، تعلّق: (أفتخرُ بعملي في المستشفى،
وتبّاً لعقولكم التي لو استُبدِلَتْ بعُلْبَة بيبسي، ما
فَرَقْ مَعْكُمْ). وشرح الصحفي خلف الحربي فتوى المشايخ
ساخراً، بأن (قصدهم إذا كانت العاملة سعودية فحرام، أما
الباقي فحلال. مفصّلين دينهم على كيفهم، وعايشين جوّهُم).
أما الطبيب المعارض ماجد، فقد أصاب حين قال: (السعودية
قصة حزينة طويلة. حكومةٌ ديكتاتوريةٌ، وشعبٌ مُستعبَدٌ
طوعياً. من الصعب العيش معهم).
ورداً على سؤال الشيخ العبدالكريم: هل هناك رجل عاقل
يتخصص بالولادة، رد فهد الفرّاج: (السؤال المنطقي والعقلاني،
بل والبديهي هو: هل هناك رجلٌ عاقل، بل فتى بلغ الرشد،
يسأل مثل هذا السؤال؟ إنه غباء مُزمِنْ). وأجاب آخر: (نعم
يوجد رجل عاقل يتخصص بالولادة، وبالذات توليد الثيران
والجهلة والمتطرفين والدواعش).
(3) السجن المخفف لمغتصبي امرأة امام زوجها وابنتها.
شاعر المدينة المنورة عبدالمحسن الحلّيتْ، مُنع قبل
سنوات من الكتابة في الصحافة؛ والسبب قصيدته الشهيرة التي
عنوانها (المفسدون في الأرض) والتي هجا فيها قضاة آل سعود
وقضائهم. حتى رئيس التحرير محمد المختار الفال تمت معاقبته
وإقالته.
تقول القصيدة التي يخاطب بها قضاة آل سعود وقضائهم:
كُلكم قاتـلٌ ولا استثنـاءُ
والقتيلُ القضاءُ والشـرفاءُ
واعتلتْ عُصبةُ اللصوصِ وماتتْ
في السجونِ العـدالةُ العذراءُ
أكبرُ المجرمين أنتمْ ولـكن
لا وجوهٌ لكم ولا أسـماءُ
أيها المرتَشونَ من أين جئتمْ
ألغيرِ التُقاةِ كـان القـضاء؟
تدَّعونَ التُقى وأنتمْ ضِباعٌ
أَكَلتنا .. فـكُلنا أشــلاء
أيها المفسدونَ في كلِّ أرضٍ
قاتل اللهُ علمكمْ ، والسماء
أيها المتُخمونَ فسقاً .. أهذا
ما تقـولُ الشريعةُ السمحاء؟!
كيفَ صارَ القضاءُ عنزاً حلوباً
يتسلى بحـَلْبِها من يشــاء
أَكْلُ لحمِ الخنزيرِ في عُـرفكمْ شِركٌ،
وأكلُ الحقوقِ فيهِ الشفاءُ
|
ويبدو أن تغريدة الشيخ عيسى غيث، القاضي السابق وعضو
الشورى، دخلت هي الأخرى التاريخ مثل قصيدة الحلّيت.
قال الغيث شهادة زور: (شهادة
لله: قضاؤنا هو الأنزَهْ عالمياً)!
هذه التغريدة وتلك القصيدة، تذكرها المواطنون
مراراً، كلما أظهر القضاء السعودي عفنه.
مرة حين برّأ قضاء آل سعود والد الطفلة لمى، فيحان
الغامدي، الذي اعتدى عليها وقتلها، واعتبر كل ما جرى إسراف
في التأديب!
وثانية حين حكم قاض على سائق اغتصب شاباً من ذوي الاحتياجات
الخاصة، لعامين فقط.
وثالثة حين تمت تبرئة كاتب عدل زوّر صكّاً بقيمة
ستة مليارات ريال فقط.
ورابعة حين تم العفو عن مجرمين اقتحموا منزلا وحاولوا
اغتصاب امرأة بحضور زوجها المريض وفي بيتها.
والآن جاءنا شيء جديد من القضاء السعودي النزيه.
فقد رفضت المحكمة تطبيق حد الحرابة على اربعة متهمين باغتصاب
امرأة أمام زوجها وابنتها واكتفت بالسجن.
لا يحتاج احد ان يشوه سمعة القضاء السعودي.يكفي ان
يستعرضوا أحكامه، حيث يُسجن المرء لعشر سنوات لتغريدة،
ويخرج آخر من السجن في عملية اغتصاب بريئاً.
|