حكم سياسي بإعدام (مرتد حفر الباطن)!
يحي مفتي
لم يعد السؤال حول ما اذا كان هناك ملحدون في المملكة
السعودية أم لا، فقد حسم الأمر منذ سنوات طويلة، وبات
السؤال يتمحور حول أعدادهم أو النسبة التي يمثلونها من
إجمالي السكان. في 2014 نشرت تقديرات حول نسبة الملحدين
في السعودية، وهي بالمناسبة الأعلى على مستوى الشرق الأوسط،
كونها تتراوح بين 5 ـ9 في المائة من عدد السكان. صحيفة
(واشنطن بوست) في 23 مايو 2013 ذكرت، نقلاً عن معهد غالوب
وين (الهولندي)، بأن نسبة الالحاد في السعودية تصل الى
5 في المائة، أي ما يقرب من مليون ملحد. لم يرق لبعض المؤدلجين
الوهابيين والمسكونين بوهم امتلاك الحقيقة المطلقة، والطائفة
المنصورة، والفرقة الناجية، بأن يخرج من بينها ملحدون،
ونسوا أو تناسوا بأن تشدّدهم وتطرّفهم قد أخرج الناس أفواجاً
من الدين..
في حفر الباطن، في الشمال الشرقي من المملكة، قرّر
فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حفر الباطن،
وفق مصادر مطلعة بتاريخ 27 أبريل الماضي، أن يعقد جلسة
مناقشة مع المتّهم بالإلحاد والتورّط في سب الذات الإلهية
وبعض الصحابة.
وبحسب المصادر إن مقاطع الفيديو المحمّلة على موقع
«كيك» هي أساس النقاش والاستجواب، تمهيداً لاتخاذ الإجراءات
عبر جهات معنية أخرى. وبناء عليه، فإن المتّهم عليه تقديم
الدليل لنفي ما سوف ينسب اليه من تهمة الالحاد، أو، وهذا
خيار آخر، «استنتاج طبّي يؤكد عدم السلامة العقلية للمُتهم».
وبدا واضحاً أن الهيئة تجاهلت أسباب انتشار ظاهرة الالحاد،
ولماذا يلجأ الأفراد الى ترك الدين في بلد يصل فيه التوجيه
الديني نقطة التشبّع. ليست الهيئة معنيّة بالاجابة عن
هذا النوع من الأسئلة، فقد صمّمت لكي تكون قوة إكراهية
فحسب، وليست توجيهية و/أو إقناعية.
أقصى ما قيل في هذه المسألة، كلام الداعية عبد الله
بن مفرح العنزي، العامل في وزارة الشؤون الاسلامية والذي
علّق قائلاً بأن «ظاهرة الردة ليست جديدة على المحيط الإسلامي»،
وعليه «كان الحكام الموفقون والعلماء الربانيون يواجهون
ذلك بحزم وشجاعة محذرين من طريق مستبدلي الكفر بالإيمان،
ومشتري الحياة الدنيا بالآخرة».
هكذا ببساطة هو الحل لدى مشايخ الوهابية، الذي يعكس
الافلاس الفكري التام، والقوالب الذهنية الجاهزة التي
تتعاطي مع النتيجة وليس أسبابها ولا العوامل الضالعة في
تشكيلها.
وفي 25 إبريل الماضي، ثبّتت محكمة سعودية، حكما بالإعدام
على المواطن أحمد الشمري أدين بتهمة «الإلحاد»، في العام
2015. وقال المحامي ثروي المفلح، إن «محكمة حفر الباطن
تصر على حكمها السابق بعد نقضه من قبل المحكمة العليا،
وتحكم بالقتل». المحامي الآخر، إبراهيم المديميغ، قال
إن «الإصرار على حكم قتل أحمد الشمري في حفر الباطن أفقدني
توازني»، متابعا: «لا يمكن تصوّر صدور ما فعل من مكتسب
أهليّة شرعية».
معلوم ان أكبر نسبة الحاد في العالم الاسلامي (حسب
معهد غلوب) هي في السعودية؛ والسبب هو استخدام الدين في
التستر على الفساد وفي قمع المجتمع وفي التغطية على جرائم
العائلة المالكة ووعاظها الفاسدين.
وبشكل عام فإن تهمة (الردة) و (الإلحاد) يجري استخدامه
سياسياً، حيث الاتهام بالجملة لكل مخالف للنظام او لمشايخ
السلطة.. وفي بعض الأحيان يجري الصاق تهمة الإلحاد باشخاص
تأكيداً لسلطة مشايخ الوهابية او اجهزتهم، مثل هيئة المنكر،
وهذا ربما ما حدث مع مراهق في العشرين من عمره، قيل انه
شتم الله ورسوله علناً. وعُرفت قضيته بـ (مرتد حفر الباطن).
تطورات قصة هذا الشاب تمت مناقشتها على مواقع التواصل
الاجتماعي، وقد فند الكثيرون موضوع (حد الردّة) بالآيات
ومن خلال السيرة النبوية، واتهموا المشايخ او بعضهم بأنهم
قدّموا الأحاديث على الآيات القرآنية.
الحكومة السعودية تقول للخارج بانها تحترم الأديان،
وهي لا تفعل ذلك قطعاً؛ وتقول انها تسمح بحرية الإعتقاد،
وهذه كذبة أخرى ايضاً. وسبق ان كتب أحد الصحفيين مقالاً
بيّن فيه كيف ان المحاكمات لهؤلاء هزلية، وأوضح التناقض
لدى القضاة فضلاً عن تساهلهم في الدماء.
المعارض المسعري، وهو فقيه، رأى ان المرتد لا يُقتل
ولا يوجد سابقة تاريخية، وحتى المرتد المحارب يُقتل لأنه
مُحارب. وتحدى احدهم القاضي ان يأتي بدليل ان رسول الله
عليه السلام قتل مرتداً واحداً او استتابه؛ كما أن ابن
ابي السرح ارتد عن الاسلام في عهد الرسول ولم يقتله، ثم
عاد للإسلام وبايعه النبي. وقال آخرون بأن كل آيات الردّة
لم تُشر الى عقوبة في الدنيا بل في الآخرة. ثم هناك نحو
مئتي آية في القرآن حول حرية الاعتقاد الديني، فكيف يتم
نسفها بحديث واحد؟.
واستغرب الاعلامي شافي الوسعان معلقاً: (لا أعرف كيف
يمكن محاربة الإلحاد بتغذية أسبابه؟ ولا أدري لمَ يستعجل
بعضهم إرساله ـ إذا كان ملحداً ـ الى النار؟!). ومثله
ماهر المنصور الذي يرى ان قتل الشاب قد يدفع بالناس الى
الإلحاد اكثر. وذكر أحدهم ان مصطفى محمود كان ملحداً لثلاثين
عاماً، ثم اصبح من اكثر المسلمين خدمة للإسلام، ماذا لو
قتلوه قبل ذلك؟
الدكتور تركي الحمد، الذي طالما اتُهم بالإلحاد هو
الآخر، وجد بحكم دراسته للتاريخ ان الاتهام بالإلحاد والردة
كان ورقة سياسية استخدمها الخلفاء للتخلص من خصومهم وتغليف
ذلك بالدين؛ واضاف بأن المشايخ لا يدافعون عن الدين، بل
يحاولون الحفاظ على مكتسباتهم، وهذا هو فصل الخطاب.
|