لغة البذاءة سبب هزيمة الرياض
الهبوط الاعلامي السعودي
عبد الوهاب فقي
تحاول الآلة الإعلامية والسياسية السعودية، تحفيز المواطنين
وتحشيدهم بأي صورة كانت، وتجيير أي خبر لصالحها. لكن هذا
لا يتم عبر استخدام المنطق والعقل والمحاججة بالتي هي
أحسن.
على العكس من ذلك تماماً. فأينما وجدت تعليقاً غريباً
وبشعاً وبذيئاً، تجد وراءه سعوديٌ موالٍ، غالباً، سواء
كان عبارة عن رأي أو فتوى دينية، أو كان موقفاً سياسياً،
أو تعليقاً على خبر او اعتراضاً على شخص.
وكلما جرى استسخاف تعليقات هؤلاء من مختلف شعوب الأرض،
كلما هبطت اللغة اكثر وأكثر، حتى ضجّ كثيرون، من أن هذا
لا يسوّد وجه النظام فقط، وإنما يسيء لكل المواطنين، ويعطي
انطباعاً سيئاً عنهم أينما ارتحلوا.
ولو توقف الأمر على تعليقات مواقع التواصل الاجتماعي
لكان الأمر هيّناً.
بل ان الاعلام الرسمي الحكومي انخرط في هذا الأمر،
عاكساً التوتر الذي ينتاب المهزوم في منطقه وفي فعله.
وإزاء تواصل وتصاعد بذاءات الاعلام السعودي في القنوات
الرسمية والصحف المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي، تكاثر
عدد المنتقدين لها، ولو من باب انها تسبب ضرراً للسعودية
دونما سواها، خاصة وان ابطال البذاءات رسميون او حتى بمرتبة
وزير مثل سعود القحطاني مستشار محمد بن سلمان.
صحيفة الاندبندنت قالت من واقع اعلام الأزمة بين السعودية
وحليفاتها ضد قطر، بان الشرق الأوسط أضحى أسوأ مكان بالعالم
للأخبار المزيفة وانحطاط القيم والمبادئ.
والدكتور نايف بن نهار كرر رأيه بأن (الأزمة الخليجية
تحرق ما بقي من رصيدنا الأخلاقي. استمرارها لا يعني سوى
حرق المزيد، والقابض على أخلاقه كالقابض على الجمر). والدكتور
علي سعد الموسى، الكاتب وعضو الشورى السابق قال: (بذاءة
الكلمة وصلت في الأزمة الخليجية حداً لا يُطاق. كيف سيبلع
هؤلاء حروفهم عند انتهاء الأزمة. بلاش الفجور عند المخاصمة).
أيدت هذا القول هداية سلمان، واضافت: (اعلامنا اليوم جعلنا
نتوارى خزياً. كنا نعيب على اعلام مصر، واذا بنا نفوقه
فجوراً، بل قبحاً).
ولأن اساس المشكلة يكمن في ولي العهد محمد بن سلمان،
الحاكم بأمره، ولأنه لا يمكن ان تستمر او تتوقف حملة البذاءة
بدون إذنه، توجه الاعلامي تركي الروقي اليه بالكلام ناصحاً.
قال الروقي لولي العهد: (اوقف مهزلة اعلامنا. اقطع
الطريق على المتاجرين بالأزمات. لم تكن البذاءة والسخافة
لغتنا). واعترض الروقي على التأييد الرسمي: (لسنا مع ان
يفيض اعلامنا فحشاً وبذاءة وسط صمت من مسؤولينا، ومجاراةٍ
من بعضهم لما يُطرح)؛ كما انتقد الصمت عما (يكتبه اعلامنا
من تفاهات بلغت حد نبش القبور)؛ وزاد ان معظم الشعب ضد
(الإنحطاط الإعلامي الذي نراه)، محذراً ولي العهد بأن
هناك تجار ازمات قد لا يقفون (بصفك حين المواجهة).
قليل هم من يمتلك جرأة الاعلامي تركي الروقي؛ خاصة
في زمن القمع السلماني، الذي لم يسلم منه حتى الموالون،
فكيف بالناصحين. اذن الصمت ضرورة خوفاً أو طمعاً. وحسب
الأديب أحمد ابو دهمان: (سُئل احد الكتاب السعوديين الكبار:
لماذا لا تكتب عن الأزمة مع قطر، فأجاب: في فمي دراهم)!
فهل قصد ريالات سعودية ام ريالات قطرية، أم دراهم اماراتية؟
كنموذج لافتعال الأزمات من قبل موظفي آل سعود، وتقويل
الآخر ما لم يقله، وصنع مشكلة لا أساس له. نورد هذه الحادثة:
الاعلامي القطري عبدالله العذبة، رئيس تحرير صحيفة
العرب القطرية، قال في سياق مقابلة معه في قناة الجزيرة
حول تحرير الكويت: (لا ننسى الدور الامريكي في تحرير الكويت.
والمملكة العربية السعودية خشيت ان تكون السعودية بعد
الكويت، لذلك قال الملك فهد: اما نبقى سوا ـ أي معاً ـ
أو نذهب سوا. هو يفهم ذلك رحمة الله عليه).
هذه العبارات القليلة صنع منها آل سعود قضية، وانه
يهين الملك فهد، ويقلل من دوره، وظهرت هاشتاقات عديدة،
لا يمكن فهم هذا كله الا بالكذب والتجنّي (ونكران سعودي
لجميل قطر بتحرير الخفجي)!
وكما استخدمت هذه العبارات اعتباطاً ضد قطر، استخدمت
أيضاً ضد الكويت، ولإيجاد الفتنة بين الكويت وقطر وكي
تصطف الكويت مع السعودية في معركتها الحالية.
بدأ سعود القحطاني، مستشار محمد بن سلمان، هاشتاقاً
بعنوان (الا الفهد ـ لن تمر مرور الكرام)، والحجة ان الاعلامي
العذبة لم (يوقّر ملوكنا)، وان العذبة يحرف تاريخ الكويت
وموقف المملكة.
ليس هناك مبرر للغضب السعودي حتى لو شتم القطريون حكام
السعودية، فالاعلام السعودي يحوي كما من الشتائم لامير
قطر وابيه وأمه، بما لا يتخيّله عاقل وما لا يمكننا نشره.
تستطيع ان تتبينها من عناوين الهاشتاقات، مثل (قطر تحتفل
بالبقر) وبوصول البغال والحمير. او كما قال رئيس تحرير
الحياة السعودية سعود الريّس، بأن سلوك قطر يشبه (فأراً
احتسى قدحين من الخمر، وبات يهدد من حوله صارخاً: أنا
أسد)؛ او مثل بعض شتائم سليطة اللسان الصحفية نورة شنار،
وغيرها.
وبدأت الحملة حيث التقط اعلاميو النظام هاشتاق (الا
الفَهْدْ)؛ وبدأوا بالنسج على المنوال القحطاني المعروف
شعبياً بـ (دْلَيْمْ) اي الصبي الخادم لدى ابن سلمان.
فقال رئيس تحرير الحياة ـ الطبعة السعودية، ان القطريين
(لا رموز لديهم)، وان (هذه تربيتهم: كبيرهم يأكل صغيرهم.
انه انحطاط من أعلى هرمهم)! ومحمد الطيار مدير تحرير أم
بي سي، خاطب المتهور ابن سلمان بأغنية لمحمد عبده: (يا
قايدي، يا سيدي. ابطش بهم ـ يقصد القطريين ـ يا راعي الجرح
العطيب).
|
لكن الصحفي محمد آل الشيخ، ركّز على هدف الحملة، حين
قال ان (صباح الأحمد) هكذا بدون لفظة امير (يجب ان يتصدّى
ـ للعذْبَة ـ اذا كان فيه ذرّة من وفاء وفروسية وإباء)!
واضاف آل الشيخ ملحاً الى الجرح فقال: (موقف المملكة المنقذ
للكويت من براثن صدام، يجب ان نرى ثمنه موقفاً مسانداً
لنا في موقفنا المناهض للإرهاب وتقليم أظافر قطر). ووجه
آل الشيخ رسالة الى المواطنين السعوديين بأن (عدوكم الحقيقي
هو: الحَمَدَين ـ قبل إيران، وقبل اسرائيل. التسامح او
التراخي مع هؤلاء الحَقَدَةْ الأشرار يعني ان تقرأوا على
وطنكم السلام)؛ وهدد القطريين بأنهم سيشعرون بالعزلة والإقصاء
في الأشهر القادمة، وحينها سيبدأ التحرك الشعبي ضد قادتهم!
ال سعود مستاؤون من موقف الكويت، وقد سبق للصحفية نورة
شنار أن وصفت امير الكويت بـ (الحمام الزّاجل)، استخفافاً
به وبوساطته، وانه مجرد ساعي بريد؛ تماماً مثلما قال مستشار
محمد بن سلمان. وايضاً ابدى الاعلامي السعودي الموالي
عبدالعزيز الخميس اعتراضه على موقف الكويت من الأزمة مع
قطر، وقال وهو يمنّ عليها المساعدة في انقاذها من صدام:
(كان يمكن لنا ان نكون محايدين عام ١٩٩٠،
خاصة وان الخلاف بين أخوة عرب. لكن الفرق بيننا وبين الآخرين
اننا نعرف معنى الأخوة وفزعتنا حاضرة). فرد عليه أحدهم
وقال: (كان يمكن ان يكون الشيخ مبارك الكبير محايداً في
الخلاف بين ابن سعود وابن الرشيد، لكنه يعرف معنى الأخوة
وفزعته حاضرة).
وردّ الكويتيون على آل الشيخ بهاشتاق: آل الشيخ يسيء
للشيخ صباح، ورأى عديدون ان ترفع سفارة الكويت في الرياض
دعوى عاجلة ضده؛ مثلما فعلت السعودية مع مجرد مغردين وبرلمانيين
كويتيين، انتقدوا موقف السعودية ولم يتعرضوا لقادتها.
ازاء هذا، دعا تركي الحمد الى التصعيد، وان تستخدم
السعودية اوراقها ضد تركيا وايران: ورقة الإقليات والمعارضة
في ايران، والورقة الكردية في تركيا؛ وكل ما كان يهم عثمان
العمير، رئيس تحرير الشرق الأوسط السابق، وصاحب موقع ايلاف،
هو ان ما أسماه بالقبيلة السياسية في واشنطن، اي الاستابلشمنت،
تبلغت من السعودية ان الرياض منحت الدوحة تأشيرة خروج
بلا عودة، اي ان المقاطعة وجدت لتبقى.
انها حرب تلد اخرى، او هزيمة سعودية تلد اخرى، أكبر
وأعمق منها.
|