مفاجأة أبريل
موجة العنف تكسر مصداقية الحكومة
عادت أجواء التوتر مجدداً الى الرياض بعد فترة هدوء حذر، حيث بدأت
منذ الخامس من ابريل سلسلة مواجهات مسلحة بين مجموعات العنف وقوات الامن
السعودية. أسفرت المواجهة في شارع (إنكاس) بحي الروضة شرقي الرياض بالاسلحة
الرشاشة عن مقتل شخص وإصابة آخر، وهما من غير المدرجين في قائمة الستة
والعشرين المطلوبين، وأن أعمارهما في نطاق العشرين عاماً. وقد وقع الاشتباك
عقب رصد الاجهزة الامنية إحدى السيارات المطلوبة التي فشلت هذه الاجهزة
في ايقافها حيث باغتها المطلوبان باطلاق نار كثيف قبل ان يلوذا بالفرار،
أعقبها عملية مطاردة استمرت لساعات، تخللها تبادل لاطلاق النار نتج عنه
مقتل شخص وجرح آخر..
وضربت قوات الأمن طوقاً واسعاً حول المنطقة الواقعة خلف أسواق (بندة)
على مقربة من طريق خريص الذي يخترق الرياض من الشرق الى الغرب، وجرت
عمليات تمشيط واسعة لهذه المنطقة، حيث تمت مداهمة إحدى المنازل في المنطقة.
وبحسب بعض المصادر المقرّبة من الاجهزة الأمنية، فإن الاخيرة فرضت حصاراً
مشدداً على منزل يعتقد بأن أحد المطلوبين لجأ اليه، وأن قوات الطوارىء
تنتظر نفاد ذخيرته قبل القيام بمداهمة المنزل واعتقال المطلوب، الذي
زعم بأنه أحد المطلوبين الستة والعشرين ويدعى عبد العزيز المقرن، ولكن
قوات الأمن قامت بالانسحاب بعد عدة ساعات دون ما يشير الى عثور هذه القوات
على المطلوب.
وكان حصار شديد فرضته قوات الامن السعودية على مجموعة مساكن في شارع
(إنكاس) يعتقد بأن عدداً من المطلوبين يتحصن بداخله، من بينهم أعضاء
قائمة الـ 26. ويعتقد أيضاً بأن هذه المساكن تضم مخازن للسلاح وقواعد
تنطلق منها هذه المجموعة لتنفيذ عملياتها العسكرية، وقد قامت قوات الامن
باخلاء المنازل المجاورة للمنزل الذي يعتقد بأن بعض المطلوبين يتحصنون
بداخله.
وقد بدأت الاجهزة الأمنية في ما وصف بأنها عملية اختراق للجماعات
المطلوبة وأنها في طريقها الى تفيكيك هذه الجماعات، حيث بدأت قوات الطوارىء
والقوات الخاصة بتكثيف عمليات التمشيط والمداهمة في شرق الرياض وبالتحديد
في حي المنار وقامت بإغلاق جميع المنافذ المؤدية اليه، ويأتي هذا الاجراء
عقب حصار طويل فرض على حي الزهرة داخل حي السويدي جنوبي الرياض. ووضعت
القوات الخاصة عربات مجنزرة على الطريق المؤدية لسوق بندة مما يوحي بأن
المواجهة لا تنحصر في عملية مطاردة لأحد المشتبه بهم، خصوصاً وأن عدد
سيارات الاسعاف التي وصلت الى المنطقة ونقلها لمصابين قالت بعض المصادر
بأنهم من رجال الامن الى جانب الاستعدادات الكثيفة والنوعية التي قامت
بها الاجهزة الأمنية بما يوحي بمواجهة كبيرة مع مجموعة كبيرة من المسلّحين.
وفي منطقة الروابي شرق الرياض قتل أحد رجال الأمن داخل دورية الأمن
التي أصيبت بقذيفة آر بي جي، فيما أصيب خمسة آخرون في تبادل لإطلاق النار
في الثاني عشر من أبريل، وتمكّن ثلاثة من جماعات العنف من الفرار، وفشلت
أجهزة الأمن التي قامت بعملية المطاردة من القاء القبض عليهم.
وعلى عكس ما كان يعتقد بحصر مسرح عمليات جماعات العنف في شرقي الرياض،
فقد كشفت الاجهزة الامنية في الثالث عشر من أبريل عن عمليات تفجير كانت
هذه الجماعات تنوي تنفيذها. وقد ذكرت الاجهزة الامنية التي تواجدت بشكل
مكثّف بأنها عثرت على سيارتين مفخختين على بعد 14 كم من محافظة الشماسية
في القصيم، التي كانت شهدت مقتل أربعة من رجال الأمن أحدهم برتبة نقيب
في فجر ذلك اليوم على يد أفراد من هذه الجماعات بالقرب من مسجد عند مركز
(أم سدرة) الأمني، قبل أن يلوذوا بالفرار، وقد أعقب ذلك بساعات قليلة
قتل رجلي أمن على يد مجموعة أخرى أمطرت دورية الأمن بوابل من الرصاص.
وقد أحدثت عمليتا قتل رجال الأمن صدمة لدى أجهزة الامن حيث جاء رد الفعل
فورياً في محاولة لرد الاعتبار، حيث بدأت أجهزة الامن تكثيف نشاطها في
أجزاء مختلفة من منطقة القصيم مستعينة بطائرات هليكوبتر بحثاً عن مسلّحين.
وقد أسفرت عمليات التفتيش المكثفة عن اكتشاف شاحنتين محمّلتين بالمتفجرات
قيل بأنهما كافيتان لنسف حي كامل مثل حي المحيا في الرياض، وقد جرى تصميمهما
بطريقة دقيقة بحيث يمكن تفجيرهما عن بُعد، إضافة الى سيارة أخرى تحمل
أسلحة متنوعة. وكانت السيارتان واقفتان داخل مزرعة على بعد 15 كم من
الطريق الرئيسي، وقد تم اكتشافهما عن طريق الصدفة خلال مطاردة بعض المطلوبين.
وكانت عمليات مداهمة سابقة قامت بها أجهزة الأمن في حي الفيحاء بمدينة
الرياض كشفت عن عدد من مخازن الاسلحة والمخابىء التي يلجأ اليها بعض
أعضاء المجموعة. ولكن جريدة (الرياض) التي زارت فيلا يقطنها المطلوبون،
فإن داخل الفناء يحتوي على ورشة مصغّرة وقطع غيار حديثة، تتمثل في 4
إطارات جديدة الى جانب مقابض حديدية وعديد من الاجهزة والادوات الخاصة
بالسيارات والصدامات الربل، ولم تذكر الجريدة ما يفيد بالعثور على مخابىء
للاسلحة. غير أن الجريدة ذكرت بأن المطلوبين استأجروا المنازل المحيطة
بالفيلا من أجل التغطية على تجهيزات المواد المتفجّرة المستعملة في الشاحنات
المفخّخة.
وكان تبادل لاطلاق نار كثيف وقع في مجمع سكني في الحي، وقد تأثرت
واجهات المباني والمحال التجارية والمطاعم والسيارات وحتى غرف النوم
بالاعيرة النارية التي كانت تطلق بصورة عشوائية، خلفت مشهداً يثير الهلع
بفعل الدمار والأضرار التي شهدها الحي، مما أثار الذعر في أوساط الاهالي
القاطنين في هذا الحي، وقد بدا الخوف يسيطر على كثير من النساء والاطفال
الذين كانوا في المنازل فيما كانت الحرائق تشتعل في العديد من السيارات
بفعل كثافة الطلقات النارية، وكانت قوات الأمن تقوم باطلاق النار على
بعض البيوت المجاورة للمنزل المطلوب اعتقاداً منها بأن هناك مجموعة أخرى
مختبئة فيها او على تنسيق مع المطلوبين. وقد حاول بعض الآباء الاتصال
عبر الهواتف للاطمئنان على سلامة أسرهم التي كانت محاصرة داخل الحي،
وكانت صراخات النساء والاطفال تتعالى من أصوات الرصاص، ودوي انفجار صواريخ
آر بي جي التي كانت تتجه صوب سيارات رجال الأمن، حسب أحد ساكني حي الفيحاء.
وقد امتنع كثير من سكان الحي مغادرة مساكنهم في اليوم التالي نتيجة للذعر
والهلع الذي أصابهم مما حدث، فيما قرر أبناء الحي عدم الذهاب للمدارس
خشية من تكرار المشهد الامني في اليوم السابق.
وقد استمر تبادل اطلاق النار لمدة تصل الى ثلاث ساعات وتعدّت المواجهات
محوّر العمليات لتمتمد الى الاحياء المجاورة وهي الروابي والجزيرة والسلي
في شرقي الرياض قبل أن تنتقل الى أحد الطرق السريعة بعد فرار احد المطلوبين
بسيارة.
وقد جرى نصب نقاط تفتيش عديدة في طريق الرياض ـ القصيم السريع، وطريق
أم سدرة ـ الزلفي وطريق أم سدرة ـ عنيزة وطريق أم سدرة ـ الشماسية، وقامت
قوات الامن بتفتيش المارة فيما ظل قادة أمنيون بالتواجد بمنطقة القصيم
في مسرح العمليات، بمساندة طائرات عمودية كانت تقوم بمسح المنطقة في
عدد من المواقع التي يعتقد بأن المطلوبين هربوها اليها، كما فرضت قوات
الامن طوقاً أمنياً في المنطقة الواقعة بين مخرجي 14 و16 بالدائري الشرقي
حيث أغلق على إثره العديد من الطريق.
وفي مساء يوم الاربعاء الرابع عشر من أبريل سقط أحد رجال الأمن وجرح
آخر في مواجهة مع مجموعة مسلحة، فيما جرت مطاردات واسعة لسيارات يقلها
أعضاء جماعات العنف. إن هذه المواجهات المتكررة والتي حصدت أرواح العشرات
من رجال الأمن وجرحت العديد منهم، لا تبعث على الاعتقاد بأن موجة العنف
قد انحسرت بصورة شبه نهائية بحسب تصريحات الامير سلطان قبل أكثر من شهر،
بل إن نوعية الأسلحة المستعملة واعداد المشاركين في هذه العمليات توحي
وكأن هناك طريقا طويلاً لايزال أمام البلاد للوصول الى مرحلة إستتباب
الأمن.
مما تجدر الاشارة اليه أن المتورطين في المواجهات هذه لم يكونوا مدرجين
على قائمة المطلوبين الستة والعشرين، مما يبعث على القلق من وجود أفراد
آخرين يعملون ضمن عمليات العنف والتي فشلت اجهزة الامن في رصدهم أو التعرف
عليهم، وقد ذكر أحد شهود العيان بأن المشاركين من جماعات العنف في مواجهات
حي الفيحاء وحده كانوا أكثر من عشرة أشخاص. وقد ذكرت مصادر أمنية بأنه
بات من الصعب بعد المواجهات الاخيرة تحديد عدد المطلوبين الذي يفوق القائمة
المطلوبة بأضعاف. وكانت السلطات الامنية قد اصدرت قائمة بأسماء (26)
مطلوباً، ورصدت مكافآت مالية لمن يدلي بمعلومات تساهم بالقاء القبض عليهم.
وهي القائمة التي أعلنت عنها الاجهزة الأمنية بعد تفجيرات الرياض التي
وقعت في مايو ونوفمبر من العام.
ثمة تطوّر خطير آخر في مسلسل المواجهات المسلّحة التي بدأت منذ الخامس
من أبريل أن جماعات العنف أدخلت سلاح آر بي جي للمرة الأولى في معاركها،
وهذا التصعيد يجعل المواجهات المسلحة شديدة الخطورة على المستوى الأمني،
الأمر الذي يهز مصداقية بيانات وزارة الداخلية الهادفة الى زرع الاطمئنان
لدى المواطنين عبر تأكيد قدرة أجهزة الامن على التعامل مع جماعات العنف.
سلسلة المواجهات الاخيرة تستدعي أجواء الرعب التي خلقتها تفجيرات
الثاني عشر من مايو والثامن من نوفمبر عام 2003 في مجمعات سكنية في مدينة
الرياض والتي أودت بحياة 50 شخصاً على الأقل.
ضوء خاطف على المواجهات
ثمة عناصر رئيسية في سلسلة المواجهات المسلّحة التي بدأت في الخامس
من أبريل، وهي على النحو التالي:
ـ أنها تمت في الغالب في الاحياء الواقعة شرقي الرياض المعروفة بكونها
أحياء فقيرة، ومحافظة، وذات كثافة سكانية عالية، الى جانب الخليط الاجتماعي
المتنوع، حيث يتحدّر قاطنوها من منطقتي القصيم والجنوب، الى جانب كون
هذه الاحياء مطلّة على مخارج استراتيجية تتيح لهذه الجماعات سهولة الحركة
والتنقل من والى العاصة الرياض.
ـ أن المشاركين في المواجهات هم في الغالب من فئة العشرين عاماً،
وأن تحصيلهم العلمي لم يتجاوز المرحلة المتوسطة او الثانوية العامة،
وهذا يلمح الى أن هؤلاء تلقوا تدريباتهم في الداخل وليسوا بقايا الفائض
الجهادي المنقول من أفغانستان.
ـ أن أعضاء المجموعة مدّربون على حرب الشوارع واستعمال أسلحة متطورة
مثل آر بي جي ورشاشات ثقيلة، الى جانب تجهيز سيارات مفخّخة، وتزوير وثائق
ولوائح خاصة تمكّنهم من التمويه على نقاط التفتيش والوصول الى أهدافهم،
زائداً الاحتياطات الامنية الدقيقة والدعم اللوجستي والاستخباراتي الذي
تتبعه المجموعة للخلاص من الرقابة او الكشف.
ـ أن ردود الفعل الصادرة عن هذه المجموعة للافلات من قوات الامن تنبىء
عن شراسة غير متوقعة.. فبالرغم من أن المجموعة نشأت وأعدت لعمليات تفجير
في أحياء يقطنها الاجانب حسب زعمهم، الا أن المواجهات المسلحة والاستبسال
الشديد الذي أظهره أفراد المجموعة تكشف عن نزعة لا اخلاقية في هذه المواجهات،
من خلال العشوائية في اطلاق النيران دون التفات الى كون هذه المواجهات
تتم داخل احياء سكنية يقطنها نساء وأطفال وأبرياء.
ـ أن رحى المواجهات الاخيرة كانت تدور في الحاضنة الجغرافية للسلفية،
أي القصيم والرياض، وأن المشاركين فيها هم من المصنّفين دينياً على التيار
السلفي المتشدد، وهذا يشير جزئياً على الأقل الى اخفاق العائلة المالكة
ووزارة الداخلية بوجه الخاص في احتواء جماعات العنف، منذ القاء القبض
على عدد من رموز التيار الجهادي واعترافهم على شاشات التلفزيون.
ـ أن توالي المواجهات المسلحة والخسائر البشرية والمادية الكبيرة
التي أوقعتها جماعات العنف هزّت مصداقية الحكومة في مجال مكافحة العنف،
حيث لم تسفر المواجهات عن تقدّم نوعي أو انتصار حقيقي للعائلة المالكة..
فقد سقط عدد من رجال الأمن ضحية مواجهات غير متكافئة، وتمكّن المطلوبون
من الفرار بإستثناء بعض الاصابات.
ـ إن أهم ما تلفت اليه المواجهات هو غياب بيانات المعاضدة التقليدية
التي كانت تصدر من قبل القوى الوطنية في أوقات سابقة، وقد يأتي هذا الغياب
كرد فعل على العائلة المالكة في مواجهة التيار الاصلاحي.. وهناك من استبدّل
خيار المساندة العلنية للحكومة بتقديم تفسير لما جرى بما يتضمن إتهاماً
مبطّناً للسياسات العامة التي تتبعها الدولة في معالجة مشكلة الأمن.
|