أحمد زكي يماني في محاضرة له في (الفرقان)
دور المرأة المسلمة في القيادة السياسية!
القى الأستاذ الشيخ أحمد زكي يماني محاضرة بعنوان (حق
المرأة وكفاءتها لتبوءِ مناصب سياسية وعامة في الاسلام)
في مركز مؤسسة (الفرقان) التي يترأسها في لندن، وقد حضرها
عدد كثير من الاختصاصيين والشخصيات البارزة الضالعة في
هذه الشؤون. وكان يماني صريحا وجريئا جداً في هجومه على
الجهات التي حرَّفت الاسلام الحقيقي الذي مورس في العهود
الاولى لنشر الرسالة الاسلامية والذي كان منفتحاً لمشاركة
المرأة في شتى المجالات بما فيها العمل السياسي. ودعم
موقفه بمعلوماته ودراساته المعمقة للقرآن والحديث وشتى
مصادر الفقه الاسلامي الموثوق بها. بدأ اليماني كلمته
بقوله: (للرجل المسلم ولاية على المرأة المسلمة، وللمرأة
المسلمة ولاية على الرجل المسلم؛ والمؤمنون اولياء على
بعضهم الآخر). وأضاف ان النبي (صلى الله عليه وسلم) كرَّم
المرأة والرجل وجعلهما نصفين متكاملين.
وفي نظرة سريعة لما يحدث سياسيا في العالم الاسلامي
الحاضر قال يماني: (في أندونيسيا كان يجب ان تنتخب امرأة
رئيسة للجمهورية، ولكن بعض الجهات التقليدية أتت برجل
نصف اعمى وشبه متخلف عقليا ليحل مكانها وفرضته فرضاً.
وفي أفغانستان، القضية سياسية - اقتصادية، وحركة طالبان
تنتمي أصلا الى المذهب الحنفي المنفتح ازاء المرأة ودورها،
غير انها تحولت الى المذاهب المتشددة لغايات سياسية مرتبطة
بحاجة الشركات الامريكية لنقل الغاز الطبيعي من تركمانستان
عبر باكستان وأفغانستان بدلاً من إيران؛ وصارت طالبان
تتعامل مع النساء وكأنهن صنف آخر من البشر. اما في إيران،
فإن دور المرأة يتحسن تدريجيا، وسمح لعشر نساء بالترشح
لمنصب رئاسة الجمهورية. وفي الكويت، يا حسرتي على النساء
الكويتيات.. ما زلن يناضلن للحصول على حق التصويت والترشيح
للانتخابات التشريعية، ونتمنى لهن حظا سعيدا).
وأضاف: (اما عندنا في السعودية، فالنساء لا يواجهن
مشكلة في مسألة التصويت والانتخابات، لأن الرجال أنفسهم
لا يصوتون ولا ينتخبون، واكثر ما تحلم به النساء هو ان
يكون باستطاعتهن قيادة سيارة يوما ما!). وأضاف ساخراً:
(إننا غاضبون على جيراننا في قطر والبحرين وعمان، لأنهم
يتخذون خطوات لزيادة الديمقراطية في أنظمتهم السياسية
بما فيها التعزيز التدريجي لدور المرأة؛ ولكننا غير مرتاحين
الى هذا التوجه. ففي عُمان ومنذ عام 1990 بدأ التوجه الفعلي
نحو انشاء برلمان. ويتضايق المسؤولون في السلطة السعودية
لدى رؤيتهم نساء عُمانيات في هذا البرلمان وفي مناصب وزارية.
وحتى في اليمن نجد مشاركة نسائية في البرلمان). ويطلق
المسؤولون السعوديون على هذه الدول لقب الدول المتوجهة
نحو العلمانية وغير الاسلامية الحقيقية، ويعتبرون أن في
توجهها هذا مشكلة.
اذن، فالسؤال الذي يجب طرحه، هو التالي: (هل يسمح الشرع
الاسلامي للنساء بالمشاركة السياسية الفعلية وتبوء المناصب
السياسية القيادية؟). أكد يماني في كل عناصر محاضرته بأن
الجواب هو نعم، وأنه حان الوقت لإسكات الجهات التي تمنع
النساء من المشاركة السياسية الفاعلة وتخالف التعاليم
الحقيقة للاسلام. وعرض المحاضر تفاصيل (ورقة بحث) كتبها
بالانجليزية حول هذا الموضوع بعنوان: (الكفاءة السياسية
للنساء في الشرع الاسلامي)، وصدرت عن دار الفرقان. وأشار
في هذه الورقة الى قضية حقوق المرأة، وأنه من الضروري
الدراسة المكثفة لحياة النبي (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء
الراشدين لتأكيد هذا الواقع. وفي كثير من المصادر التقليدية،
يجري التركيز على واقعة او واقعتين وتفسيرهما من منظار
ضيق. ودعا يماني الى العودة الى ابن حزم والطبري بدلا
من الركون لتفسيرات المودودي وأمثاله.
وأشار يماني الى أن نساء مكة تصرفن بطريقة مختلفة عن
نساء المدينة في أيام الرسول، لأن الأوضاع الاجتماعية
تطلبت ذلك؛ فالنساء في المدينة كن قويات الشخصية يجادلن
ويناقشن، والنبي والخلفاء الراشدون كانوا يشجعون هذا الامر،
حتى ان الخليفة عمر بن الخطاب عيَّن قاضية لتبت في الخلافات
المالية في السوق التجارية (المركز الاقتصادي الاساسي
في تلك الحقبة) وتصدر احكامها التي تنفذ، شأنها شأن اي
احكام اخرى. كما قبل الخليفة عمر ان تجادله زوجته عندما
تجد حاجة لفعل ذلك؛ وهناك نصوص في هذا الشأن.
غير أن التوجه التقليدي في التعامل مع المرأة بدأ يتصاعد
في الدولة الأموية (حسب يماني) حيث أدى الاختلاط مع شعوب
يونانية وغير عربية الى دعوة الرجال نساءهم للتحجب. إذن،
فبرأيه، كانت التصرفات تتبدل كلما تبدلت الاوضاع الاجتماعية،
ولا شأن للاسلام الحقيقي فيها.
ويقول يماني انه حتى الإمام الشافعي، صاحب المذهب الذي
يحمل إسمه، بدل تعاليمه لدى إنتقاله من بغداد الى مصر،
وصارت تعاليم المذهب الشافعي تقسم الى القديم والجديد،
عِلماً بأنه كان يطرح تعاليمه استنادا الى القرآن والسنة.
واعتبر يماني بأن تغير الاحكام والاسماء امر مقبول في
الاسلام، ولكن هذا لا يعني بأن الاسلام يتمثل بكيفية ممارسته
في هذه الدولة او تلك التي تعرضت لعوامل اجتماعية وسياسية
دعتها الى التشدد والتخلف في تعاملها مع المرأة.
وركَّز القسم الاول من (ورقة) يماني على الاخطاء التي
ارتكبها العلماء المتشددون في تفسير النصوص الاسلامية،
وكيف كانوا انتقائيين في اختيارهم الأقوال، وسطحيين في
تفسيرها لتتناسب مع غاياتهم في إعطاء المرأة دوراً ثانوياً.
وتحدث المحاضر في هذا المضمار عن معنى (الرجال قوامون
على النساء)، مؤكدا ان الأهم في هذا أنه على الرجل الاهتمام
بامرأته وتقديم الخدمة اليها (مالياً وفي اشكال اُخرى)؛
ولا يعني ان الرجل افضل من المرأة، وبالتالي عليه هو ان
يأمرها، او انه ليس لها حق بتبوء منصب سياسي تأمر هي فيه
الرجال. ولو كان هذا صحيحا، قال يماني، لما عيَّن الخليفة
عمر بن الخطاب إمراة في منصب قاضية تحكم في شؤون الرجال
والنساء. وعندما تحدث النبي الى سيدات الانصار وقال انهن
ناقصات عقل ودين، لم يكن يتحدث عن جميع النساء، بل كان
يتساءل عن الخبرة التي اكتسبتها هذه المجموعة الخاصة من
النساء والتي تؤهلها لاعطاء الأوامر للرجال. ولو امتلكن
مثل هذه الخبرة لما عاد لقول نفس المعنى. وفي الشهادة
في المحاكم يعتبر النبي النساء والرجال متساوين؛ وقد قال:
(واشهدوا ذوي عدل منكم) (أي من النساء والرجال). بل أن
شاهدة المرأة في بعض الأمور تعتبر أفضل من شهادة الرجل.
وعن السماح للمرأة بالمشاركة في العمليات الجهادية
الميدانية والصلاة في الجوامع، قال يماني انه لا يفرض
على النساء فعل ذلك، ولكنهن قمن به في مناسبات؛ ففي (صلاة
الجامع) يفترض في النساء والرجال الحضور؛ وفي أكثر من
مناسبة حاربت نساء إسلاميات. وكل ما في الامر ان الذهاب
المتواصل الى الجامع والعمل الميداني الحربي الطويل الامد
قد لا يكونان بنفس السهولة للنساء كما هو للرجال، ولا
علاقة لهما بمن هو أفضل. وأشار يماني الى أن معظم التعاليم
الاسلامية بالنسبة الى تصرف النساء ارتبطت بالواقعية،
فالانتقال لامرأة بمفردها في الصحراء ليلاً لعدة ايام
ممنوع لأنه يشكل خطرا أكبر عليها من الرجل، ولذلك كان
عليها السفر برفقة رجل او مجموعة من النساء.
وعدم تبوء النساء مناصب قيادية في فترة حياة النبي
عليه السلام عائد الى أنهن لم يكتسبن الخبرة بعد لها؛
وعندما فعلن ذلك سُلمن هذه المناصب؛ وعندما تتبدل الاوضاع
الاجتماعية ويصبح بإمكان المرأة الاهتمام بأولادها وعائلتها
وتبؤ منصب قيادي، يؤكد يماني، ان الاسلام لا يعارض توجهها
ايجاباً في هذا المجال. وأكد ان النساء في عهد الرسول
لم يكن يقضين معظم أوقاتهن بداخل المنزل وكأنهن سجينات،
وكل من يفعل ذلك او يطلبه لا يفهم الاسلام الحقيقي.
وبالنسبة لما قاله النبي في غوران ابنة خسرو ملك الفرس
وعدم أهليتها لتبوء (المنصب الاعلى) فإنه عليه الصلاة
والسلام كان يشير الى صعوبة القيادة النسائية في المضمار
الديني وتقاليده لقلة خبرتهن فيه. ولكن أهم ما في الدين
الاسلامي هو مبدأ التوحيد: الكون واحد، والارض واحدة،
و (الرجل والمرأة) كائن واحد. وذكر يماني مناسبات شاركت
فيها نساء في مجالس شورى، وفي معركة أحد شاركن دفاعا عن
النبي الذي قال بنفسه انه شاهد النساء يحاولن الدفاع عنه؛
كما أشار الى أم حكيم التي لعبت دورا أساسيا في الغزو
الاسلامي لمصر المحتلة رومياَ، حيث هوجمت ومجموعتها من
جانب الجيش الرومي وناضلت بضراوة، واعتقلت.. ثم أنقذها
عمرو بن العاص.
وأشار يماني أيضا الى (أروى بنت احمد) التي حكمت جزءا
من اليمن وعسير وعمان، وكانت ملكة محبوبة وقوية؛ وما زالت
بعض المستشفيات والجوامع اليمنية تحمل اسمها. واختتم المحاضرة
بقوله: (أتمنى ان تشاركونني حزني على ما وصل اليه دور
المرأة في بعض الانظمة العربية التقليدية التي لا تفهم
المعنى الحقيقي للاسلام وموقفه من المرأة). وأشار الى
أن عدم تطبيق الاسلام على حقيقته مشكلة عانتها أديان أخرى،
بينها المسيحية. ولا يمكننا الحكم على الاسلام عبر تصرفات
بعض الدول التي تدعي أنها إسلامية. وأضاف: (في السعودية
هناك آراء مختلفة حول الشؤون الاسلامية وحقوق المرأة وشتى
الامور.. ولكننا لا نسمع سوى الرأي الواحد).
|