لا .. يا ولي العهد!
أيـن أنـتَ مـن مـكّـة وأهـلـهـا؟
من عبقريات التلفزيون السعودي والسياسة الملكية الرشيدة
هذه الأيام، أن مكتب ولي العهد، كما مكتب الملك غير المتوج،
وزير الداخلية نايف بن عبد العزيز، يقومان بالإتصال بشكل
شبه يومي، بالقبائل ووجهاء المدن والمناطق، مطالبين إياهم
بالحضور للقاء ولي العهد، و (تجديد الولاء والبيعة) للعائلة
المالكة، والتضامن معها في محنتها، والتنديد بالعنف، والثناء
على إنجازاتها غير المسبوقة في التاريخ!
الخيخة يذم أهل مكة وهو أولى بالذمّ
|
ولهذا يطلّ علينا التلفزيون السعودي بمعزوفة متكررة
في المشهد والحديث، لا تخلو من عبارات مكررة، وقصائد شعبية
ركيكة. هذه المشاهد التي يحضرها ولي العهد، ويصطف أمامه
بضعة أفراد، يتحدث بالنيابة عنهم شخص، من ورقة مكتوبة،
لم تكن بمبادرة شعبية، وإنما بطلبات رسمية، كما هي الأحوال
المعتادة.. والسبب وراء هذا النوع من الطلبات، هو شعور
الحاكمين بنقص في شرعيتهم، وبجدية التهديد الذي يواجهونه
من الداخل والخارج، ولكي يغسلوا ما يلحق في ذهن المواطن
من شعور بضعف الدولة، وتخلخل في قيادتها ومؤسساتها، بحيث
يتمّ إخراج سيناريوهات الولاء وكأن الشعب يصطف وراء العائلة
المالكة، ويدعمها، وأنه لا يريد بديلاً لها، وكأن أولويات
المواطن هي ذات أولويات الأمراء!
لقد جيء بالعديد من قيادات القبائل والمناطق والمدن
من مختلف أنحاء المملكة. فطلب من الإمارة، أو إشارة من
مكتب ولي العهد، تكفي لجرّ المواطنين ليقفوا أمام (الخيخة)
تاركين وراءهم أعمالهم، وليؤدوا واجب طاعة مجبرين هم لا
يرونه كذلك.
ولقد حدث في الشهر الماضي أن طُلب مكتب ولي العهد،
بأن يأتيه وفد من أهالي مكة ليقوم بمراسيم البيعة المتجددة!،
وليكمل مشاهد الخداع والتضليل للجمهور. وما كان أمام نخبة
القوم إلا أن يلتقوه في مجلسه الديمقراطي، وقد كان بجدّة..
وتشكل وفد (الضرورة) من عبد الرحمن الفقيه، ومحمد عبده
يماني، وزهير السباعي، وفايز جمال، ومحمد سعيد طيب.
في المجلس، وجد القوم أن وفداً آخر من جيزان قد سبقهم
الى (الحفلة)، فأُجلسوا على مقاعد المشاهدين، واصطف الوفد
الجيزاني أمام (الخيخة) وتقدم المقرئ، فقرأ قصيدة شعبية،
تنضح كالعادة بما يعجب الأمير والعائلة المالكة سماعه.
والأمير من جانبه، وكما عوّدنا، يكرر بضع جمل أُرغمنا
على حفظها رغماً عن أنفنا! فولي العهد، الفصيح المفوّه،
اعتاد في مثل هذه المناسبات أن يرد على الوفد بالقول:
أنتم ما وراكم قصور، أنتم معروفين عندنا، أنتم وآباؤكم
وجدودكم!، وان الفئة الضالة ـ أبشركم ـ الى زوال، الخ!
وقبل ان ينتهي حفل الجيزانيين، تقدم السويلم، مدير
مكتب ولي العهد، تقدم الى وفد أهالي مكة، وراح يعلّمهم
أصول الإيتكيت البدوي الجلف!، مستخدماً يديه ورجليه! فعليكم
أن تصطفوا على بعد كذا متر! ثم يتقدم واحدٌ منكم بمسافة
نصف متر فقط! وإذا جاءته الإشارة فليتحدث ولا يطيل! ولا
يخرج عن النص المكتوب!
ويبدو أن الوفد شعر بالإهانة، ولكنها كانت البداية
فحسب!
تقدم عبدالرحمن فقيه، فألقى الخطبة ـ معروفة التفاصيل
ـ في مثل هذه الأحوال!
وبقي الوفد منتظراً الجواهر التي ستقطر من فم صاحب
العبقرية ولي العهد!
وكان من المنتظر أن تكون مثل سابقاتها، كلام لا رابط
له، وعبارات محفوظة، قليلة المعنى.
لكن الأمير في ذلك اللقاء فاجأ المدعوين لإعلان الولاء،
فقال مخاطباً الوفد مستحقراً إيّاه ومن ورائهم أهل مكة
والحجاز جميعاً: (نحن نعرفكم ونعرف أصلكم وفصلكم)! وكأنه
يريد القول بأنهم ليسوا من قبائل ذات محتد مزعوم كما في
نجد، وقد قال الأمير ذلك بلغة عنصرية بغيضة.
ثم قال فيما قاله: أنتم طيبين! لا .. مو كلكم طيبين،
بعضك طيبين، والبعض الآخر...، وحرّك الأمير يده مستهتراً
بما يفيد العكس.
وإذا كان مما لا شك فيه أن كل مجتمع يحوي الصالح والطالح،
إلا أن إشارات من هذا النوع لم تظهر من ولي العهد إلا
حين الحديث عن مكة وأهلها. الأمر الذي أصاب الوفد بالصدمة،
وقد وجّهت لأعضائه سهام النقد لذهابهم، حيث رأى البعض
أنه كان الأجدر بهم أن لا يذهبوا الى مجالس آل سعود، فأحقادهم
على الحجاز وأهله قديمة وهي تسري في الأمراء مسرى الدم
في الجسم. في حين انتقدهم البعض الآخر لأنهم لم يردوا
على ولي العهد في حينه وأمامه، ويخرسوه مهما كانت النتائج.
وإذا كان ولي العهد قد نفث بعضاً مما في صدره، لسذاجته،
الأمر الذي ترتب عليه قطع بعض مقاطع حديثه حين عرض على
التلفاز، خشية الإثارة ورد الفعل السيء.. فإن الأمراء
الكبار من الجناح السديري، يعملون في الخفاء لتحطيم الوجود
والهوية الحجازية. ولقد كانوا أشرس الجميع في السعي لذلك
منذ تولى كبيرهم الحكم، والذي جعله الله عظّة لمن لا يتعظ!
العائلة المالكة، المتهمة في نسبها (اليهودي) حيث زعم
السعوديون أنهم فرع من عنزة (المصاليخ)، ولكن كثيراً من
النسّابة الكبار يعرفون أن آل سعود لا ينتمون الى عنزة
ولا الى أي قبيلة عربية، بل هم يهود، وهناك دراسات وأشعار
قديمة تثبت ذلك، بل أن الملك فيصل شكل لجنة للبحث في نسب
آل سعود، وأوكل الى العصبة السورية (المستشارين السوريين)
تدبّر الأمر، ولكنهم توصلوا بعد ستة أشهر الى أن نسب آل
سعود هو نسب يهودي في الأصل. ومع هذا، يأتينا هؤلاء القوم،
فيطعنون في أنساب أهل مكة، ممن انتسب الى قريش، والى الأِشراف،
والى القبائل العربية الأخرى، ومتناسين أن من لا يرفعه
عمله لا يرفعه نسبه، ومتناسين فضل مكة المكرمة وأهلها،
كما ورد في الأحاديث الشريفة، ومتناسين أن الذم الذي ترويه
الأحاديث مسلّط على نجد (قرن الشيطان) التي تظهر منها
الفتنة وتعود إليها.
وما كاد الوفد المكي يفيق من هول الصدمة، حتى اتصل
بهم مدير مكتب نايف، وزير الداخلية، والملك غير المتوج،
ولذات الغرض!
حقاً إنها مهزلة المهازل أن يحكم هؤلاء مقدسات المسلمين
في الحجاز وثروات الوطن!
|