الإنتخابات البلدية: ميلاد أم مقبرة للإصلاح؟!
أكد وزير البلديات مجدداً أن الإنتخابات الجزئية البلدية
ستقام هذا العام كما سبق وأن أعلنت الحكومة من قبل من
أن الإنتخابات ستجري كما قالت حينها في (العام القادم!).
لا نعلم هل العام القادم هجري أم ميلادي. فقد تحدث بعض
المحسوبين على الحكومة الى الصحافة العالمية بأن الإنتخابات
ستجري في اكتوبر القادم، ولكن يبدو هذا أمراً شبه مستحيل.
فأمامنا حتى نهاية السنة الميلادية نحو خمسة أشهر ونصف،
أما إذا كان المقصود بالعام القادم (هجرياً) فإن المتبقي
نحو سبعة أشهر.
حتى الآن لا نعلم بالإجراءات الحكومية، وأنظمتها المتعلقة
بالإنتخابات.
ولكن في كل الأحوال فإنه لا يمكن إجراء الإنتخابات
قبل القيام بتعداد السكان، ومن ثمّ تقرير عدد أعضاء مجالس
المحافظات، حسب عدد سكان كل محافظة. تقول الحكومة أنها
تستعد لتعداد السكان في شهر شعبان القادم، أي بعد أكثر
من ثلاثة أشهر (في حدود شهر اكتوبر) ومن هنا يحتمل أن
تجري الإنتخابات البلدية الجزئية أواخر العام الميلادي،
وليس شهر اكتوبر أو نوفمبر كما قيل، وفي أقصى الحدود فإن
الإنتخابات ستقام أواخر العام الهجري 1425هـ. لكن هذا
ليس قطعي أيضاً. فمن المحتمل أن يتم التأجيل الى العام
القادم الآخر (1426هـ/ 2005)، إما لأن الإجراءات لم تستكمل
بسبب تأخر المسؤولون المتعمد، أو لأنهم لم يقدروا الأمور
حق قدرها.
لا يبدو أن الإنتخابات في نتائجها ستأتي بجديد.
فالنساء لن يسمح لهن بالترشح، والأقرب للإحتمال أن
لا يسمح لهن بالإنتخاب.
والحكومة من جهتها ستعيّن نصف أعضاء المجالس البلدية
كما نصّ قانونها، وهؤلاء سيكونون (بالنسبة لمعظم المحافظات
غير النجدية) من نجد أو من الموالين تماماً لها، أو يتمتعون
بكلتا الصفتين. وهؤلاء أيضاً، ستكون بيدهم أزمّة الأمور
في تسيير الشؤون البلدية، هذا إذا ما توقعنا أن هناك أموراً
بتلك الأهمية، فنظام البلديات لا يمنح سوى الحدود الدنيا
من الصلاحيات للمجالس البلدية. وبالطبع قبل هذا، فقد تلاعبت
الحكومة ابتداءً بحدود المحافظات، لدرجة أنك تجد محافظة
بحجم منطقة وأخرى بحجم قرية!
من هنا لا يُنتظر أن تقدم الإنتخابات شيئاً جديداً
على الصعيد العملي.
لكن الرهان الحقيقي هو في آليات الإنتخاب التي ستعلّم
المواطنين وتبصرهم بأمور لا يمكنهم إدراكها إلا بالتجربة.
الرهان هو أن إجراءات الإنتخاب، وثقافة الإنتخاب، وممارسة
الإنتخابات ومتعلقاتها، ستعلم المواطنين ما يمكنهم في
المستقبل من تغيير الخارطة السياسية رغماً عن إرادة العائلة
المالكة، وسيكون ذلك أكبر فائدة للإنتخابات الجزئية المحلية.
بلا شك فإن العائلة المالكة تدرك هذا الأمر جيداً.
من المحتمل أن تشطب العديد من المرشحين.
ومن المحتمل جداً أن تقصّر ما أمكنها التقصير مدّة
الدعاية الإنتخابية. وقد تضع قيوداً على طريقة عرض البرامج.
ومن المؤكد أنها لن تسمح بأن تتطور البرامج والدعاية
الى فرز تجمعات وتكتلات سياسية واضحة المعالم.
لكن نجاحها في هذا لا يتعلق بقرارها السياسي، لأن العملية
الإجرائية ستؤدي بشكل تلقائي الى ما لا ترغب فيه، حتى
ولو أصبحت الإنتخابات عديمة الفائدة من حيث المنتج النهائي
لها.
هناك من يتحدث اليوم عن مقاطعة الإنتخابات، لأنها جزئية،
ولأن منتجها تافه في النهاية، ولأنها تزييف للوعي، وتضليل
للرأي العام المحلي والدولي، إذ ان العائلة المالكة تستخدم
الإنتخابات لغير اغراضها، وتعلن إنشاء منظمة حقوق الإنسان
تخرج من دواليب وزارة الداخلية وتمارس نقيض المبادئ التي
ترفعها اللجنة، وهكذا.
ورغم هذه المبررات القوية، إلا أن هناك رأياً آخر يرى
ضرورة الدخول في الإنتخابات وإعطاء اهتمام أكبر بالعملية
الإنتخابية بغض النظر عن نتائجها. بكلمة أخرى، محاولة
ترتيب وضع الشارع وتسييسه وبث الثقافة السياسية وتأطيره
ضمن هياكل في فترة الإعداد للإنتخابات، على أمل أن يصنع
المستقبل وعياً شعبياً عارماً كفيل بتغيير الهياكل السياسية
المهترئة التي تريد أن تبدأ مع الشعب لعبة السياسة من
نقطة ما تحت الصفر.
|