المقاطعة والمشاركة
رأيان في الإنتخابات البلدية
هناك اتفاق بأن الإنتخابات البلدية لا تمثل بداية صحيحة
للإصلاح السياسي، أو زيادة المشاركة الشعبية في الحكم.
المشاركة السياسية، ميدانها الأساس سياسي، وهو ما يتعلق
بانتخاب ممثلي مجلس الشورى، لكي يقوم المنتخبون بأداء
مهام سياسية في الدرجة الأولى، تقوم على التشريع والإشراف
والمحاسبة للسلطة التنفيذية.
والبداية الصحيحة كان يمكن أن تكون من خلال وضع دستور
للبلاد أولاً، يصوّت عليه الشعب، ويجري التحاكم اليه.
والفائدة من ذلك، أن تتوضح خريطة الإصلاحات السياسية،
والقاعدة القانونية التي تحتكم اليها. هذا ما يحدث في
كل بلاد الدنيا، حيث تبدأ بانتخاب لجنة تضع الدستور ومن
ثم يوضع للإقتراع العام.
وإذا ما قيل بأن الإنتخابات البلدية هي البداية للممارسة
السياسية ومن ثمّ يتم تطور الأمر الى انتخابات مجلس الشورى،
فإن ما يردّ على ذلك، هو أن الحكومة السعودية لم تقبل
حتى الآن، ولم تصرّح او تعلن بأنها بصدد انتخابات لمجلس
الشورى. فقد تكون الإنتخابات البلدية مجرد عملية واحدة
لا سلسلة متواصلة من النشاطات السياسية لإقرار مبدأ المشاركة
الشعبية. اي ان الحكومة قد تمضي في الإنتخابات البلدية
ـ النصفية دون أن تقوم بالخطوات التالية، وهي لم تلزم
نفسها حتى الآن بتلك الخطوات لا من ناحية المبدأ ولا من
ناحية الزمن والتوقيت.
المسألة الأخرى، هي أن لا ننسى أن هذه الإنتخابات جزئية:
أي أنها نصف انتخابات على المستوى البلدي، أي في موضوع
لا علاقة له بالسياسة، وستجد الحكومة ألف طريقة لتفريغ
عملية الإنتخابات من محتواها، أولاً لأنها ستعين نصف الأعضاء،
وهؤلاء ستكون لهم أجندتهم الخاصة الكابحة، وستكون لهم
على الأرجح الكلمة الأولى في القرارات البلدية. وثانياً،
إن القرارات البلدية نفسها ستكون مجهضة نظراً لعدم وجود
صلاحيات للمجالس البلدية ذات قيمة في الأساس. وثالثاً،
فإن الحكومة نفسها ستتدخل بشأن العناصر التي ترشح نفسها
للإنتخابات حيث ستمنع البعض من الترشح، وسيكون لها مرشحوها
الخاصون بها الذين قد تفرضهم على الجمهور بصور ملتوية.
هذا فضلاً عن أن الحكومة ومنذ البداية بدأت بالتلاعب بالدوائر
الانتخابية من جهة تحديد المحافظات وعدد الأعضاء، وفي
غياب إحصاء سكاني فإن الوضع الحالي يتيح لها التلاعب بكل
مفردات اللعبة الإنتخابية.
وباختصار، العملية الإنتخابية البلدية، هي تافهة بكل
ما تعنيه الكلمة.. سواء في محتواها أو نتائجها.
لا يوجد أحد يؤمل من الإنتخابات البلدية في حد ذاتها
خيراً. ولهذا فإنها لا تحظى باهتمام يذكر في الساحة الشعبية
التي هي ناضجة منذ زمن طويل لما هو أبعد منها بكثير.
على هذا الأساس، ورغم الإتفاق على ما ذكر أعلاه، أو
معظمه، فإن هناك رأيان شعبيان إزاء المشاركة في الإنتخابات
البلدية القادمة. فبعضهم يقول بالمشاركة، وبعضهم يرفضها
بشدة.
الرافضون يستندون الى التحليل السابق لرفض الإنتخابات
لأنها أولاً عديمة الجدوى، وثانياً لأنها تمنح السلطة
قوة وفائدة على صعيد تلميع صورتها (في الخارج) لتضلل بذلك
الجمهور العربي والدولي، ولذلك يرى الرافضون في عدم المشاركة
إفشالاً لمخطط الحكومة الصوري في مسألة المشاركة السياسية،
وسحب ورقة التضليل التي تلعب بها على المستوى الخارجي.
القائلون بالإنتخابات وضرورة المشاركة، يتفقون مع معارضيهم
في التحليل العام، ولكنهم يرون بأن الأهمية لا تنبع من
نتائج الإنتخابات، فالنتائج محددة سلفاً ولا قيمة كبيرة
لها. ولكنهم يصرون على أن الأهمية تتمحور في (العملية
الإنتخابية) أي في الأجواء السابقة للإنتخابات، كعملية
الترشيح، التي تفرز بدون شك أنوية تجمعات وتكتلات سياسية
أو اجتماعية، فهذا من لوازم الإنتخابات، كما يرى المشاركون
بأن الدعاية الإنتخابية ستكون مصدر تثقيف وتنوير للمجتمع
بحقوقه، وتعلّمه أوليات الممارسة الإنتخابية رغم هزالها.
الإجراءات ـ كما يقول هؤلاء ـ هي المهمة، أما النتائج
المنحصرة في العملية الإنتخابية وتأثيرها على صناعة القرار
وتحسين الوضع البلدي في كل محافظة او منطقة، فمسألة أخرى.
فقد لا يتغير أي شيء على هذا الصعيد. مجرد ديكور.
هذان الرأيان لهما اليوم أتباعهما في الشارع، وإن كانت
الأكثرية النخبوية الإصلاحية لا تميل الى المشاركة في
الإنتخابات القادمة.. ولذا لن تعدم الحكومة دفع مرشحيها
الى الواجهة، وهذا إن تم فإنه لن يفيد الحكومة والعائلة
المالكة على المدى الإستراتيجي، فأي تغيير هزيل يعطي دفقاً
هائلاً من مشاعر الإحباط واليأس، ويؤجج النقمة على العائلة
المالكة، ويزيد من عزلة الأمراء عن الجمهور، ويفتح آفاقاً
واسعة نحو العنف.
ويخشى المترددون من المشاركة في الإنتخابات البلدية،
بأن الإجراءات ما قبل الإنتخابية ستكون محسوبة أيضاً في
الأجندة الملكية. قد تقدم العائلة المالكة على اختصار
مدة الترشيح والدعاية الى اسبوع أو اسبوعين، الأمر الذي
يجعل من فائدة الإنتخابات حتى في هذه الحدود شبه معدومة.
مهما تكن المواقف (الملحقة) بالإنتخابات البلدية المزمعة
بين نوفمبر القادم ومطلع السنة القادمة، فإنه مما لا شك
فيه أنها تمثل نكسة منذ الإعلان عنها قبل بضعة أشهر، وقد
كان الإعلان الحكومي يومئذ إشارة واضحة بأن العائلة المالكة
ليست بصدد إصلاحات حقيقية وهيكلية كما كانت تشدد عرائض
الإصلاح.
لن تكون هناك إصلاحات هيكلية ولا متدرجة.
والتدرّج المزعوم غير معلوم أو محدد، لا من جهة بنود
الإصلاح، ولا وقته، ولا حتى وسائله.
|