الحجاز لن يتخلّى عن هويته وتراثه
نخبة الحجاز: هموم المرحلة وتحديات المستقبل
من نافلة القول التأكيد على أن (الحجاز) وقد سبق له
أن كان دولة تتمتع بكل أجهزة الدولة الحديثة هو الأكثر
إخافة لحكم النجديين الوهابيين من أن يفلت من بين أيديهم،
فيخسروا مكانتهم الدينية، وتبقى دعوتهم المتطرفة في حدود
صحرائها، لا تتمتع بغطاء الحرمين الشريفين وإدارتهما،
واللذان من خلالهما يتم فرض المذهب الوهابي وتضليل العالم
الإسلامي، بل ومن تحت ذلك الغطاء تتم ممارسة أبشع وسائل
التدمير لتراث الحجاز وتراث المسلمين.
زعيم الحجاز الديني: تشكيل مؤسسة غير وهابية
|
وإذا كانت أموال النفط قد أمدّت الحكم السعودية ودعوته
الدينية المتطرّفة بزخم غير عادي لم يتأتّى لأي دعوة أخرى
في العهد الحديث، فإن النفط نفسه ليس مضموناً الى الأبد
مادامت سياسات النجديين النقيضة لكل ما هو وطني ولكل ما
هو عدالة ومساواة، قائمة ومستمرة.. فالنفط ومنطقته قد
تذهبان أيضاً، بالرغم من الشعور المغالى فيه بالقوة الذي
يبديه متطرفو الوهابية وآل سعود على حدّ سواء، والذي يُظهر
وكأن الدنيا والعالم قد توقف عندهم وغير قابل للزوال.
بيد أن ممارسات التمييز المناطقي والطائفي التي صارت
نهجاً معتاداً في الحكم السعودي الفئوي لم تشهد اعتراضاً
قوياً (ملموساً) من قبل نخبة الحجاز وأهله، بسبب الخوف
المستحوذ على كثير منهم، وبسبب الضغط والدموية اللتان
شكلتا مشهد الحجاز التاريخي منذ نحو ثمانين عاماً من الإحتلال
السعودي. وبالرغم من ظهور العجز في النظام، وتوافر وسائل
القوة والتمكين لدى شرائح من سكان الحجاز ونخبه، إلا أن
تلك الشرائح لازالت تعيش تراث الماضي السعودي الوهابي
الدموي، الأمر الذي جعلها لا تقرأ معطيات الحاضر بعيون
مختلفة، بعيداً عن ذلك الإرث، أو على الأقل غير متأثرة
به الى الحدّ الذي يمنعها من قراءة المتغيرات على الساحة
المحلية الحجازية والسعودية بشكل عام.
منذ عهد فهد بداية الثمانينيات من القرن الماضي بدأت
موجة الوهابيين تأخذ أبعاداً خطيرة؛ حيث بدأ النجديون
بتغيير الديمغرافيا كما في المدينة المنورة، وبدأوا بإقصاء
النخبة الحجازية عن مواقعها في الجيش والإقتصاد والإدارة
والتعليم، فضلاً عن السياسة والدين، الأمر الذي أعاد تلك
النخبة الى مواقعها في مناطقها، فلا تشعر بسوى السخط والتململ،
ولم يتحوّل ذلك الى عمل جادّ ومؤسسي يحفظ لأهل الحجاز
حقوقهم داخل الدولة، أو بعيداً عنها إن اقتضى الأمر.
واليوم إذ تجبهنا جرائم الوهابيين المتكررة والمستمرة
فيما يتعلق بتراث الحجاز الديني، واستمرار حالة الإقصاء
في مناحي كثيرة أخرى، تكاد تمر تلك الجرائم النكراء دونما
ردّ فعل يتوازى مع حجم الخطر والجريمة ذاتها، الأمر الذي
سيشجّع صرب الوهابية وآل سعود الى ارتكاب المزيد منها
في غياب من الرأي العام العربي والإسلامي المشغول بقضايا
السياسة وجرائم الأميركيين والصهاينة في العراق وفلسطين
وغيرهما، وكذلك في ظل غياب الصوت الوطني المدافع عن هوية
الحجاز وثقافته وتاريخه.. ومَنْ أولى من أهل الحجاز ونخبه
في الدفاع عن قضيتهم، خاصة وأن كل مناطق البلاد لها مشاكلها
الخاصة مع المركز النجدي الوهابي، وهي مشغولة بها.
حتى الآن لم نسمع إلا القليل من قيادات الحجاز الدينية
والمدنية، ولا نتفهم سرّ هذا الصمت، ولا مبرر للخوف والحذر،
فقد مضى زمنه وأفل. ما هو مطلوب من نخب الحجاز:
أولاً ـ استثمار علاقاتهم مع القيادات الدينية في العالم
العربي والإسلامي بتزويدهم بآخر المستجدات بشأن ما يجري
للأماكن المقدسة والآثار الإسلامية، وتجاوزات الوهابيين
على الحجاج والمعتمرين، وسياسات الحكومة السعودية ومواقف
مؤسستها الدينية التي تتعرض لجمهور المسلمين في أنفسهم
وعقائدهم.
ثانياً ـ التواصل مع المنظمات الدولية والإنسانية المهتمة
بحماية الآثار ومواجهة الحكومة السعودية في المحافل الدولية.
هذه المنظمات والمؤسسات الدولية ـ وبعضها تابع للأمم المتحدة
ـ يجب أن تسمع الرأي المحلي، وأن تحصل على المعلومة الموثقة
والمصورة بهذا الشأن.
ثالثاً ـ القيام بحملة إعلامية في الخارج والإستفادة
من الحدّ المتوفر من هامش التعبير في الداخل. فكثير من
الحجازيين ككتاب وصحافيين وشخصيات دينية ورجال أعمال،
يمتلكون شبكة واسعة من العلاقات مع الصحافيين والكتاب
في العالم كلّه.. ولذا يجب الإتصال بهم، وتقديم آخر المعلومات
المتعلقة بتجاوزات ال سعود ومتطرفي الوهابية ليقوموا بنشر
الأخبار والمقالات وتحشيد الرأي العام ضد ممارسات صرب
الوهابية وآل سعود.
رابعاً ـ وبإمكان النخبة الحجازية التي لها تواصل مع
بعض صناع القرار في العالم، أن يستثمروا ذلك في ذات الإتجاه.
خامساً ـ وعلى الصعيد الإستراتيجي فإن الوجه الديني
المغيّب في الحجاز، هو الذي يعطي ديمومة لمشايخ التطرف
الوهابي ويظهرهم وكأنهم ممثلون للشعب ـ كل الشعب. لم يستطع
آل سعود وحلفاؤهم من متطرفي الوهابية أن يفعلوا ما فعلوا
وأن يديموا سيطرتهم إلا بتغييب الحجازيين سياسياً وثقافياً
ودينياً. ومما لا شك فيه فإن الوجود الديني الحجازي قد
تعرّض لما يشبه النكبة، ولذا يجب أن يفكر جدياً في إعادة
بناء مؤسسة دينية مرجعية في الحجاز تمثل رمزاً لهوية المنطقة
وإظهاراً للرأي الآخر، وملجأ لحفظ التراث والذات. تشكيل
المؤسسة هذا يستدعي اتفاق علماء الحجاز الكبار، كما يتطلب
تطوير الحركة العلمية والدراسة الدينية، التي هي غير متوفرة
في داخل المملكة، وبالإمكان زيادة أعداد رجال الدين والخطباء
والقضاة من خلال ابتعاثهم للدراسة في مصر وغيرها.
سادساً ـ ومن الأمور الإستراتيجية أيضاً، أن تتفق النخبة
السياسية الحجازية فيما بينها على أجندة أهداف تشكل الحدود
الدنيا للإتفاق والتي قاسمها المشترك هو الدفاع عن الحجاز
مصالح وشعب وتراث، وأن تكون هناك خطط عملية تمثل الوسائل
التي يتحرك جميع الحجازيين في إطارها للدفاع عن أنفسهم
في وجه تغوّل الوهابية النجديّة.
|