معالم وآثار يهدمها الوهابيون

المساجد السبعة.. قيمة لها تاريخ

من المعالم التي يزورها القادمون إلى المدينة المساجد السبعة، وهي مجموعة مساجد صغيرة عددها الحقيقي ستة وليس سبعة، ولكنها اشتهرت بهذا الاسم، ويرى بعضهم أن مسجد القبلتين يضاف إليها؛ لأن من يزورها يزور ذلك المسجد أيضاً في نفس الرحلة فيصبح عددها سبعة.

وهناك روايات حديثية لابن شبة تحدث فيها عن مسجد الفتح وعن عدة مساجد حوله. وقد روى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في تلك المساجد كلها التي حول المسجد الاعلى فوق الجبل) كما ذكر ذلك الواقدي في مغازيه. كما روى معاذ بن سعد السُّلمي عن أبيه عن جابر رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد الفتح وفي المساجد التي حوله، وقد ذكر ذلك الفيروزأبادي والمراغي وابن النجاز والمطري وغيرهم.

وقد كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أول من اقتفى آثار الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة وماحولها، ثم جاء الخليفة عمر بن عبد العزيز (تولى سنة 87 ـ 91هـ ) فرعاها حق الرعاية ومن بينها مساجد الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد سار الخلفاء والملوك عبر التاريخ الاسلامي على هدي الخليفة الراشد حيث جددوا معظم هذه المساجد وأولوها عناية خاصة.

وقد كان بعض المتعصبين قد توهم بأن المساجد المعروفة في منطقة الخندق في أسفل مسجد الفتح المعروف، بأنها ليست مساجد أثرية، وأن الرسول لم يصلِّ فيها، مع أن الاتفاق منعقد بين المحدثين والمؤرخين على السواء والذين تجاوز عددهم أكثر من ثلاثين بأنها كانت مقراً لأصحابه من كبار قادة المعركة المعروفة بغزو الخندق وهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وسلمان الفارسي، صاحب فكرة الخندق، رضي الله عليهم أجمعين. كما ظن هؤلاء بأنها مساجد محدّثة بنيت في زمن متأخر، وبخصوص العهد العثماني على وجه التحديد، علما بأن لهذه المساجد ذكراً ووجوداً قبل قيام الدولة العثمانية، حيث تم تجديد بعضها في عام 575 هـ على يد الحسين بن أبي الهيجاء أحد وزراء العبيديين ملوك مصر.

وهذه المساجد بنيت إبان حفر الخندق عندما استنهضت قريش حلفاءها من القبائل العربية الأخرى لمحاربة المسلمين، وعندما أشار الصحابي الجليل سلمان الفارسي على الرسول الكريم بحفر ذلك الخندق ليتدرع به المسلمون، وتم بناء عريشة للرسول على جبل سلع لبني النجار، حيث أقيم مسجد الخندق، وأخذ المسلمون في حفر الخندق، والرسول عليه السلام يعمل معهم بيده، وفي ذلك المكان ـ سلع ـ وقف النبي يراقب المشركين ويسأل الله النصر من عنده، فأنزل تعالى على رسوله البشرى بأمرين هامين: بشرى بفتح مكة، والتبشير بالنصر في معركة الأحزاب.

وما يجدر الالتفات اليه أن المساجد مثّلت تموقعات الصحابة التي سميّت بأسمائهم وهي تمثل خطوط التماس مع الاحزاب الذين تجمعوا لقتال النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، حيث كان هؤلاء يمثلون كبار الصحابة وشجعانها وأهل الرأي والمشورة الامر الذي يجعلهم يرابطون بالقرب من مركز القيادة الممثلة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، اضافة الى استعدادهم للتقدم نحو القتال والذود عن حريم الاسلام وعن المصطفى صلى الله عليه وسلم. إذن فقد كانت المساجد السبعة مرابط لأصحابها استعداداً لخوض الحرب ضد المشركين، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم ويتفقد أحوالهم ويصلي في مرابطهم التي تحولت الى مساجد.

والمساجد السبعة هي ضمن الأماكن والآثار الإسلامية التي يحرص الحجاج وزوار المدينة المنورة على ارتيادها في مواسم الحج والعمرة والزيارة. وقد سمي كل مسجد باسم مَن رابط فيه، عدا مسجد الفتح الذي بني في موقع قبة ضُربت لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه المساجد على التوالي من الشمال إلى الجنوب هي:

ـ مسجد الفتح أو (الأحزاب)

وهو أهم المساجد السبعة، وقد سمي بهذا الاسم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى فيه خلال أحداث الغزوة، وطلب إلى الله الفتح والنصر، ويعد مسجد الفتح أكبر المساجد السبعة وهو مبني فوق رابية في السفح الغربي لجبل سلع، وقد بناه عمربن عبد العزيز في فترة إمارته على المدينة بالحجارة من 87 ـ93هـ ثم جدد عام 575هـ بأمر الوزير سيف الدين بن أبي الهيجاء، ثم أعيد بناؤه في عهد السلطان العثماني عبد المجيد الأول عام 1268هـ 1851م.

مسجد سلمان الفارسي

ـ مسجد سلمان الفارسي

يقع هذا المسجد جنوب مسجد الفتح مباشرة وعلى بعد عشرين متراً في قاعدة جبل سلع، وسمي باسم الصحابي سلمان الفارسي صاحب فكرة حفر الخندق لتحصين المدينة من غزو الأحزاب. يتكون من رواق واحد طوله وعرضه 7م ودرجة صغيرة عرضها متران. بني هذا المسجد في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة أيضاً، وجدد بأمر الوزير سيف الدين أبي الهيجاء عام 575هـ. وأعيد بناؤه في عهد السلطان العثماني عبدالمجيد الأول.

ـ مسجد أبي بكر الصديق

يقع مسجد أبي بكر الصديق جنوب غربي مسجد سلمان وعلى بعد خمسة عشر متراً منه، وقد ذكرت إحدى الروايات أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه صلى في هذا المسجد العيد أيام خلافته؛ ولهذا سمي المسجد باسمه، كما أنه من المساجد التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد أيضا.

ـ مسجد عمر بن الخطاب

يقع مسجد عمر بن الخطاب على بعد عشرة أمتار من مسجد أبي بكر جنوباً وقبالة مسجد الغمامة القريب من المسجد النبوي، ولم تذكر كتب المصادر شيئا عن هذا المسجد المنسوب لعمر بن الخطاب، لكن ربما كان هذا المسجد الأثري في موضع الدرة، وربما صلى فيه عمر بن الخطاب العيد زمن خلافته فنسب إليه. وهو على شكل رواق مستطيل وله رحبة غير مسقوفة على صورته، يرتفع عن الأرض ثماني درجات، وطريقة بنائه تطابق بناء مسجد الفتح، وربما يكون قد بني وجدد معه.

ـ مسجد علي بن أبي طالب

ويقع شرقي مسجد فاطمة على رابية مرتفعة مستطيلة الشكل طوله 8.5 م وعرضه 6.5م وله درجة صغيرة. بني هذا المسجد وجدد على الأرجح مع مسجد الفتح، ويروى أن علياً قتل في هذا الموقع عمرو بن ود العامري الذي اجتاز الخندق في غزوة الأحزاب.

ـ مسجد فاطمة الزهراء

ويسمى في المصادر التاريخية مسجد سعد بن معاذ، وهو أصغر مساجد هذه المجموعة مساحة 4×3م وله درجة صغيرة. وآخر بناء له على نمط أبنية المجموعة نفسها، يرجح أنها في العصر العثماني في عهد السلطان عبد المجيد الأول 1268هـ / 1851م.


المساجد النبوية نشأة وسيرة على مر العصور

منذ تولى الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز في الفترة ما بين 87 ـ 91 هجرية حظيت المساجد النبوية بعناية خاصة كما ذكر ذلك ابن زبالة (توفي 199هـ) بحسب الواقدي (عاش في الفترة مابين 130 ـ 207هـ ) مؤرخ المدينة وصاحب كتاب المغازي والمشهور في السيرة النبوية، وتبعهما مؤرخ المدينة المعروف ابن شبه الذي عاش في الفترة مابين (172 ـ 263هـ). وقد روى ابن شبه في كتابه تاريخ المدينة ما يؤكد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في المساجد التي رعاه عمر بن عبد العزيز وحرص على بنائها بصورة متطابقة. وقد ذكر ابن شبه في الجزء الأول من (تاريخ المدينة المنورة) بأن (كل مسجد من مساجد المدينة ونواحيها مبني بالحجارة المنقوشة المطابقة فقد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ حين بنى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ـ والناس متوافرون ـ عن المساجد التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بناها بالحجارة المنقوشة المطابقة).

وقد ذكر هؤلاء وغيرهم روايات تفيد بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي بأعلى الجبل، أي مسجد الفتح، وصلى في المساجد التي حوله كلها، كما يذكر الواقدي في المغازي.

وقد صحّ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المساجد النبوية في مواقعها بإستثناء المساجد الكبرى المباركة التي وردت أخبارها المؤكد والثابتة عند المحدثين والمؤرخين، ولا خلاف في ذلك عليها، وقد وضع المصطفى صلى الله عليه وسلم بيديه الكريمتين لبناتها وأرسى أساساتها وفي مقدمتها المسجد النبوي الشريف، ومسجد قباء، أو تلك التي صح أنه تردد عليها وصلى فيها، ووردت أخبار مستفيضة عنها في كتب الحديث مثل مسجد القبلتين، ومسجد الإجابة، ومسجد الميقات، ومسجد السقيا، ومسجد الجمعة، ومسجد الفتح، ومسجد بني حرام، ومساجد كثيرة لم تعرف عينها ولكن تعرف جهاتها. وقد أورد ابن شبة في تاريخه عدداً منها زادت على ستين مسجداً معلومة في جهتها وعينها.

أما بقية المساجد التي أتت كتب الحديث على ذكرها بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيها كتلك المساجد التي في الطريق بين مكة المكرمة والمدينة المنورة أثناء هجرته، أو في حجة الوداع، أو في غزو الحديبية فقد أفرد لها الامام البخاري رحمه الله بابا سماه (باب المساجد التي على طريق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم)، وهذه المساجد لم يبق منها اليوم الا القليل الذي يُعد على أصابع اليد، مثل مسجد بالروحاء، ومسجد بمر الظهران، ومسجد بالقرب من الجحفة، ولكن للأسف الشديد فقد إندثر بعضها، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

على أن ما يسلي الفؤاد قيام الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله بأن يبني المساجد النبوية في المدينة المنورة إبان ولايته، بحجارة منقوشة متطابقة، وقد بلغ تعداد ما بناه من المساجد داخل المدينة المنورة ستين مسجداً. وقد ذكر الحافظ بن حجر في فتح الباري قصة البناء وذكر بأن عمر إبن شبة عيّن منها العدد الكثير، لكن أكثرها إندثر في الوقت الحاضر بفعل الاهمال وسياسات تجريف الآثار بحجة التوسعة وتلبية لرغبة المتعصبين.

لقد أمدّنا إبن شبة بمعلومات قيّمة حول المساجد النبوية داخل المدينة، فهو أقدم مؤرخ للمدينة المنورة وذكر ما يزيد عن ستين مسجداً عدا المواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهي كثيرة، كما ذكر المواقع التي عيّنها الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ولم يصلِّ لهم فيها، أو أنه اختلف في صلاته لهم فيها.

اما مساجد الفتح فقد روى إبن شبة بأسانيده بوجود أكثر من مسجد في هذا الموقع، ولهذا اشتهرت هذه المنطقة بالسبع المساجد أو مساجد الفتح، وهو ما أكدّه السمهودي في (وفاء الوفاء) وغيره ممن أرخ للمدينة المنورة. بل إن اسم (مساجد الفتح) موجود في مخطوط ابن شبة الاصلي.

وقد أورد ابن شبة روايات تاريخية تؤكد وجود المساجد السبعة منها. منها ما رواه عن مسجدين هما مسجد الفتح المعروف، حيث لا خلاف بين المتقدمين والمتأخرين على صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فيه وهذا مذكور في كتب السنة، أما المسجد الثاني المتضمن في هذه الرواية الأولى فهو المسجد المعروف بمسجد سلمان الفارسي.

يقول ابن شبة (حدثنا ابو غسان عن أبن أبي يحي، عن أسيد إبن أبي أسيد، عن أشياخهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على الجبل الذي عليه مسجد الفتح، وصلى في المسجد الصغير الذي بأصل الجبل، على الطريق حتى مصعد الجبل) وهو وصف دقيق لموقع مسجد سلمان الحالي، فهو أقرب تلك المساجد الى المسجد الأعلى (مسجد الفتح). وقد ذكر مؤرخ المدينة المنورة المعروف ابن زبالة ذلك ولكن الكتاب ضاع رغم إنه أقدم من ابن شبة ومتقدم عليه، ولكن نقل عنه ابن شبة في تاريخه المشهور.

ومن بين الروايات أيضاً ما روي عن وصف مسجد أبي بكر الصديق رضي الله عنه يقول فيها ابن شبة (وأخبرني عبد العزيز، عن محمد بن موسى، عن عمار بن أبي اليسر قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الأسفل) وهذا الوصف ينطبق على مسجد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كونه يقع وسط سفح جبل سلع في أسفله وهو المسجد الثاني بعد مسجد سلمان بإتجاه النزول.

وهناك رواية ثالثة تتحدث عن مصلى للنبي صلى الله عليه وسلم خلف مسجد الفتح، لكن لقربه من المسجد الأصلي أدخل ضمن المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصبح جزءا من مسجد الفتح يقول عنه ابن شبة: (عن ابن أبي يحيى، عن الفضل بن بشير عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الجبل الذي عليه مسجد الفتح من ناحية الغرب، وصلى من وراء المسجد)، وهذا يشير الى وجود مسجد آخر فوق الجبل أدخل ضمن مسجد الفتح وأصبح مسجداً واحداً، ومكانه الآن في رحبة المسجد المكشوفة على وجه التحديد.

وقد ذكرت رواية رابعة عن مسجد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأن إشارته وعبارته تدل على أنه مسجد آخر غير تلك المساجد الثلاثة الآنف ذكرها. يقول ابن شبة: (حدثنا أبو غسان عن ابن ابي يحيى، عن الحارث بن فضل أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ يصلي أسفل من الجبل يوم الأحزاب، ثم صعد فدعا على الجبل). ولعل في هذه الرواية ما يكشف بوضوح عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى فيها كلها، حيث بدأ بمسجد الفاروق مروراً بمسجد الصديق ثم سلمان، ثم صعد فدعا في مسجد الفتح، فذكره المسجد أسفل الجبل يؤكد وجود مسجد رابع هو المسجد المعروف بـ (مسجد عمر بن الخطاب) رضي الله عنه.

وما يلزم التشديد عليه أن تكرار صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في هذه المساجد والدعاء فيها طيلة أيام غزوة الخندق يضفي مكانة روحية وتاريخية خاصة على المساجد بسبب الظروف العصيبة التي مرّ بها المسلمون في تلك الغزوة والتي عبّر عنها القرآن الكريم بما نصه (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا). إن الضغوطات النفسية والعسكرية الشديدة التي واجهها المسلمون ألجأتهم للدعاء والصلاة ليجعل الله لهم النصر. وقد روى الامام أحمد بسنده الى جابر بن عبد الله رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد الفتح ثلاثاً، يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، فاستجيب له يوم الاربعاء بين الصلاتين فعرف البُشرَ في وجهه). وقد نقل ابن شبة هذه الروايات في تاريخ المدينة المنورة وتدعمها روايات أخرى للواقدي في المغازي الذي يعتبر مصدراً رئيسياً لكل من جاء من بعده وروى عن تاريخ المدينة ومواقعها التاريخية وخصوصاً تلك المتعلقة بالغزوات.

وقد روى الواقدي في المغازي بسنده كان ابن أبي ذئب يتحدث عن رجل من بني سلمة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجبل الذي عليه المسجد (يعني الفتح) فدعا في إزاره ورفع يديه مداً، ثم جاء مرة أخرى فصلى ودعا). كما روى الواقدي عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في المساجد السبعة وهي المنقولة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث قال (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخَرِيقِ القَابلِ الصَّابِ على أرض بني النضير (وهو اليوم موضع المسجد الذي بأسفل الجبل)، ويقال إنه صلى في تلك المساجد كلها التي حول المسجد الذي فوق الجبل)، ثم قال: (وهو أثبت الاحاديث). ويقصد بالمسجد الواقع بأسفل الوادي مسجد أبي بكر الصديق كما مرّ وقد تم هدمه ولم يعد بناؤه الى اليوم.

وقد أورد جمع من المؤرخين مثل الحافظ ابن النجار في (الدرّة الثمينة) والمطري في التعريف ما ذكره سعد بن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد الفتح في الجبل وفي المساجد التي حوله، وزاد المطري على ذلك (ومسجد القبلتين).

اما المسجد السادس فهو المعروف بمسجد السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وقد ذكرت الخريطة المساحية للمدينة المنورة الصادرة عام 1947م أن هذا المسجد هو مسجد سعد بن معاذ الانصاري.

وقد أفرد المطري في كتابه التعريف فصلاً عن أخبار المساجد السبعة وذكر ما مرّ عليها من أحوال ومتغيرات ومن هدم وبناء خاصة في الفترة التي كانت المدينة المنورة خاضعة تحت العبيديين وبخاصة في عهد سيف الدين الحسين بن أبي الهيجاء، حيث أولى رعاية خاصة بهذه المساجد.

وقد ذكر الزين المراغي (727 ـ 816) في (تحقيق النصرة) مسجداً باسم مسجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو المسجد الخامس. ويعلل البعض عدم ذكر السابقين لهذا المسجد هو ارتفاعه وصعوبة الوصول اليه في ذلك الوقت، ولكن هذا المسجد قد دخل ضمن رواية المساجد التي حول الفتح، والتي رواها ابن شبة، والواقدي والمطري.

وقد أكد مؤرخ المدينة المشهور السمهودي (844 ـ 911) وصاحب أكبر موسوعة في تاريخ المدينة ما نقله المطري في التعريف في ذكر مسجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه والواقع في الركن الشرقي الأعلى من سفح الجبل في موضعه قبل التدمير. غير أن ما تميّزت به أخبار السمهودي عن هذه المساجد أنه وصف بناءها وشكل الأسقف فيها، وعدد الأروقة في بعضها، وذرعة ثلاثة مساجد منها وهي: مسجد الفتح وذرعته 20 في 17 ذراعاً، ومسجد سلمان الفارسي وذرعته 14 في 17 ذراعاً، ومسجد علي بن أبي طالب وذرعته 13 في 16 ذراعاً. ولعل عدم ذكر ذرعة المسجدين الآخرين وهما مسجد أبي بكر الصديق ومسجد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما لأنهما في بداية سفح الجبل ويصلي فيهما الناس على الدوام، ولا يخفى أمرهما وشكلهما عليهم.

وقد ذكر الرحالة ابن جبير الذي زار المدينة المنورة في عام 580هـ المساجد السبعة وسمى عدداً منها، كما ذكر بعضاً منها ابن بطوطة في زيارته سنة 726، ثم جاء مؤرخ المدينة السمهودي ليقدّم وصفاً شاملاً معمارياً لهذه المساجد إعتمدها المؤرخون اللاحقون امثال الحسيني والعباسي والافندي والصديقي الذين اجتهدوا في تحديد أماكن كثير من المساجد التي كانت عرضة للاندثار وقد تم.

الصفحة السابقة