التمرد الشعبي ضد العائلة المالكة عام 1955
إنتفاضات العمال والقبائل
لا ريب ان ما تشهده المملكة من بروز تشكيلات سياسية
متنوعة لها جذورها في الماضي القريب، فجميع هذه التشكيلات
لها امتدادات في حركات التمرد والعمل الحزبي والنشاط السياسي
الاعتراضي الذي تفجّر في الخمسينيات. هناك كثيرون يقرأون
المملكة في لحظتها الراهنة، ويرون بأن الفعالية السياسية
في شكلها الشعبوي قد بدأ منذ عدة سنوات، وقد يعتقد البعض
بأن ما يجري الآن هو مقطوع الصلة بالماضي، ولكن ما يُغفل
عنه أحياناً هو وجود تلك الصلة الحميمية المستمرة في النشاطات
الاحتجاجية داخل المملكة، والربط بينها وبين الماضي. تماماً
كما أن فساد مؤسسة الحكم ليس هو الآخر سوى امتداد لظاهرة
فساد متفشية في الجسد السلطوي، فما يقال عن بذخ الملك
سعود واسرافه يسدل أحياناً ستاراً من السرّية على بذخ
كبار الأمراء الحاليين واسرافهم، ولربما أستعمل الحديث
عن الملك سعود من أجل تركيز الضوء على شخصية تؤدي الى
الذهول عن غيره..
فترة الخمسينيات تعتبر مرحلة مفصلية في تاريخ السعودية
السياسي، مرحلة تزخر بالكثير من التطورات الايديولوجية
والاجتماعية والسياسية الهامة، الامر الذي يتطلب إحياء
تلك الصورة التي كانت عليها مرحلة الخمسينيات، من أجل
استيعاب ما يجري حالياً، إذ ما زالت وجوه بارزة اليوم
تعمل في المجال السياسي على المستوى الوطني مستلهمة من
تجربة الخمسينيات أو موصلة إياها، حيث كان بعضهم قد عاشها
وشارك فيها وصنع بعض احداثها.. ثمة تحولات وأحداث وشخصيات
وصراعات شهدتها فترة الخمسينيات تناولتها الوثائق البريطانية
بشيء من التفصيل والتحليل، ونحن بدورنا نضعها بين يديك
ـ عزيزي القارىء ـ لتشكيل صورة ما عن هذا البلد:
الوثيقة الأولى
الوثيقة رقم 6/1015 ..E
تاريخ الصدور: 11 مايو ـ آيار 1955
تاريخ التسجيل: 25 مايو ـ آيار 1955
من: المستر فيلبس جدة..
الى سعادة هارولد ماكميلان، وزير الخارجية، لندن
سيدي،
1 ـ من التقارير التي كنت أرفعها (إليكم) بين الحين
والآخر عن مباحثاتي مع أعضاء الحكومة العربية السعودية،
يتضح أن معظم القوة (السلطة) في هذا القطر، يديرها ويسيطر
عليها، رهط (الحاشية) من المستشارين يحيطون بالملك سعود..
قليل من هؤلاء سعوديو المولد، ومعظمهم إما مرتزقة أو وافدون
من دول عربية اخرى، ولن أبالغ إذا قلت أنهم يمثلون مبادئ
رجعية في الحكم داخل العربية السعودية، وسياسات شديدة
العداء للغرب في الخارج.
2 ـ ولما كان هؤلاء المستشارون يحافظون على سلطتهم
ونفوذهم من خلال قدرتهم على الوصول الدائم والمباشر الى
الملك، فليس من المستغرب أن يعتبروا وجود وزراء لا يستطيعون
التحكم فيها ـ ويمكن أن يرفعوا توصيات الى الملك تخالف
رغباتهم ـ، أن يعتبروهم مصدر خطر عليهم.. وعلى هذا الاساس،
صدرت مؤخراً موجة من المراسم الملكية دون العودة الى مجلس
الوزراء، ولا حتى أولئك الوزراء الذين تكون مواضيع المراسم
الصادرة داخلة ضمن حدود صلاحياتهم ومسؤولياتهم.. من المحتمل
أن يكون المستشارون الملكيّون قد دغدغوا خيلاء الملك وأوحوا
له بأن موقعه سيقوى بإصدار مراسيم تهدف الى تذكير الشعب
بأنه مهما كانت طبيعة آلية الحكم القائمة، فإن الملك مايزال
يمسك بزمام الأمور بحزم في يديه، ويستطيع إصدار القوانين
والتشريعات التي يرغب بها، دون العودة الى أي شخص آخر..
وبتعزيز موقع الملك، يصبح موقع هؤلاء المستشارين (وهو
بلا شك ما يأملونه) أكثر أماناً ورسوخاً في البلاط، ويصبح
ما يلتقطون من الفتات أكثر إغراء.
3 ـ مثل هذا الاسلوب الاعتباطي في وضع السياسة لا يمكن
أن ينجو من النقد، حتى داخل البلاد نفسها، رغم المصاعب
التي تتعرض لها حرية التعبير هنا. ربما لا يفصح عن معظم
هذه الانتقادات علناً، رغم أن الاشاعات عنها تصلني من
حين الى آخر.. إلا أنه في الفترة الأخيرة استمع أحد موظفيي
في السفارة الى سيل مكشوف حاد من الانتقادات العنيفة لكل
عصبة المستشارين الموجودين في الرياض، تلاه عليه محمد
علي رضا، وزير التجارة هنا.. إدعى بأنه أكّد لولي العهد،
الأمير فيصل (والذي هو أيضاً وزير الخارجية بالطبع) ـ
وفيما يتعلق بالحلف التركي/العراقي أنه في وقت الأزمات
يكون من السخف أن تقتفي العربية السعودية خطى مصر بكل
هذا الرضوخ في مجال السياسة الخارجية، في حين أن مصالحها
الحقيقية إنما تكمن في السعي لتأمين الحماية لنفسها من
التهديد السوفياتي، عن طريق إقامة علاقات وطيدة مع الولايات
المتحدة، والمملكة المتحدة، وعن طريق دفن الصراعات العائلية
مع الهاشميين، وذلك عن طريق الاشتراك في الحلف التركي
ـ والعراقي (حلف بغداد). والقادة المصريون لا يتمتعون
بأية خبرة بالشؤون الدولية، وهم منتفخون بغرورهم الشخصي..
وإنه من السخف الافتراض بأن العربية السعودية يمكن أن
تبقى على الحياد في حال قيام حرب عالمية اخرى، نظراً لقرب
حقول النفط في الظهران من قواعد القاذفات الروسيّة.
4 ـ يرى محمد علي بأن السياسة الخارجية التي تتبعها
العربية السعودية حالياً هي سياسة مأساوية (يمكن أن تاتي
بالمصائب والنكبات).. وهو يعلم يقيناً بانها من صنع المستشارين
الوافدين المحيطين بالملك.. ثم يأتي سيء السمعة (أوتو
فون هنتغ/شخصية ألمانية هتلرية أصبح مستشاراً للملك سعود)،
اضافة جديدة الى هذه العصبة.. حتى فيصل لم يكن من القوة
بما يكفي للوقوف ضدهم.. إن الطريقة الوحيدة لاصلاح الوضع
ـ حسب رأي محمد علي رضا ـ إنما تكمن في طرد كل هؤلاء،
وأضاف أنه وآخرين يسعون الآن لازاحة يوسف ياسين من مواقع
التحكم الفعلي بالشؤون الخارجية (ويوسف ياسين مقيم في
البلاط الملكي)، وكذلك ازاحة إبن أخته، طاهر رضوان (والذي
يقيم في جدّة كرئيس لديوان وزارة الخارجية) والذي لا يتمتع
الا (بصلاحية القيام بأعمال ساعي البريد الخاص بيوسف).
ويفكر محمد علي رضا وجماعته بشقيقه ـ علي ـ كبديل ليوسف
ياسين.. عمل هذا الأخير كمستشار للأمير فيصل لبعض الوقت
(حيث رافقه الى مؤتمر باندونج)، والنيّة متجّهة لبذل الجهود
لتعيينه رسمياً بهذا المنصب (أي كمستشار للأمير فيصل)..
وقد يعيّن فيما بعد نائباً لفيصل مكان يوسف ياسين.. وفي
الحقيقة، فقد بدأت اكتشف علامات تدل على أن هذا الجزء
من البرنامج قد نفذ فعلاً: إذ أعلنت الصحافة هنا يوم التاسع
والعشرين من نيسان/أبريل بأنه تم منح علي علي رضا لقب
وزير دولة.
5 ـ غير أن انتقادات محمد علي رضا لا تقف بحال عند
حد تسيير الشؤون الخارجية.. فمحمد ـ وهو من رجال الاعمال
ـ ينظر باحتقار الى جهل، وعدم كفاءة مجلس الوزراء.. وتساءل
رضا: ماذا يعرف جمال الحسيني، أو خالد القرقني، أو الأمير
مشعل، أو الأمير سلطان، أو الأمير فهد أو الامير عبد الله
الفيصل، أو حتى الأمير فيصل نفسه، عن شؤون الاعمال والتجارة؟..
وذكر حادثة وقعت منذ عدة أشهر، حين اقترح جمال الحسيني
أن يصدر بيان يعلن أن كل ديون الحكومة ستدفع في المستقبل
على أقساط..
وافق الجميع على رأيه، الى أن أوضح محمد علي رضا نفسه
أن ذلك سيعني قراراً رسمياً بتأجيل دفع الديون المستحقة
نتيجة اشتداد الازمة الاقتصادية (موراتوريوم Moratarium)،
وأن هذا سيحطم بشكل لن يقبل الاصلاح الثقة القليلة التي
ماتزال الحكومة تتمتع بها لدى الآخرين.. قال إنه لم يكن
هناك شخص واحد في ذلك الاجتماع سمع بشيء اسمه (موارتوريوم)
من قبل!، الا أنه اتفق عل نسيان القضية كلها ولفها.. ولم
يكن هناك أي وحدة أو حس بالتوجّه في دوائر الحكومة في
الرياض: لم يكن هناك، في الواقع سوى حفنة من الناس شديدي
التعصب والمضللين أو مجرد الجهلة، يحاولون التأثير على
الملك بأفكارهم عن طريق دغدغة خيلائه، والامتناع عن القيام
بأية محاولة لتحقيق سياسة حسنة التنسيق ومناسبة..
6 ـ لابدّ لنا من رش بعض الملح على كلمات محمد علي
رضا (حتى يكون تذوقها وابتلاعها).. فشعبيته التي تنهار
بسرعة متزايدة في دوائر الحكومة العليا، وانتكاساته فيما
يتعلق باتفاقية أوناسيس المتعلقة بناقلات النفط (والتي
كان المشجع الرئيسي على عقدها)، ورغبته الشخصية بالعودة
الى ممارسة الاعمال التجارية، كل هذا يجعل من المحتمل
أن يستقيل قبل مضي وقت طويل، مهما حدث من تطورات.. وإنني
أشك في أن تكون مشاعره بنفس القوة التي يرغب أن نصدقها،
ولكنّي أعتقد أنه غير راضٍ، وبصدق عن الاوضاع الداخلية
في البلاد، وغير راضٍ عن سياستها الخارجية، وأنه يشعر
بالحاجة الى نظام للحكم أوسع قاعدة، يأخذ في الحسبان،
وجهات نظر ومصالح تجارة الحجاز ونجد، والذين يمكن القول
بحق أنهم كل ما يمكن أن يسمى رأياً عاماً في العربية السعودية.
7 ـ إذا استطاعت عائلة علي رضا أن تضمن أي قدر من التحكم
بالسياسة الخارجية هنا، فإن النتائج ستكون بكل تأكيد تحسيناً
وتقدماً عن حالة الاوضاع الراهنة.. فعائلة علي رضا مثقفة
(متطورة) غربية التفكير، وأسلوب الحياة، وعلي رضا يمتلك
على الاقل بعض الخبرة الدبلوماسية التي اكتسبها من عمله
مع الوفد السعودي لدى الامم المتحدة.. وربما تكون المباحثات
معه مثمرة أكثر (مما هي مع غيره)، وستكون بالتأكيد أقل
مدعاة للسخط والغضب، مما هي عليه مع يوسف ياسين.
8 ـ وبناء على ذلك، ففي حين يتوفر أساس معقول للأمل
بتحول مقادير وتسيير الشؤون الخارجية السعودية الى أيد
اخرى، فالفرصة قليلة محدودة، كما أراها في الوقت الحالي،
لحدوث أي تغيّر ملحوظ ومهم نحو الأفضل في البنية المتداعية
المتساقطة للحكومة العربية السعودية ككل.. قد تتوافر بعض
بذور التغيير في شائعات الانتقادات الشعبية التي ذكرتها
آنفاً، وفي أن يكون الملك من الحكمة بما يكفي بحيث يتوقف
ويعي (مضامين وأهمية) الانتقادات، فيعطي الشعب حصته العادلة
من ثروة البلاد النفطية.. ولكنه قد يخنق المنتقدين، ولا
يتخلى عن أي من سلطاته الأوتوقراطية (المطلقة).
وربما سيختار الطريق الثاني، شريطة أن يضمن استمرار
قوّة أتباعه المتدينين و(ولاء) قبائله، وقوة ذهبه للحفاظ
على هذا الموقع..
بالنسبة للغرب.. قد يعني هذا الفائدة الوحيدة المتوفرة
حالياً للتأكد من (تأمين) توفر أفضل الاحتراسات والاحتياطات
ضد (انتشار) الشيوعية في هذا البلد.. ولكن من الواضح أن
لهذا الوضع مخاطره أيضاً، وإن وضع الملك في صورة هذه الأخطار
في الوقت المناسب.. أو عدم وضعه في تلك الصورة، إنما سيعتمد
الى حد كبير على إرادة مستشاريه.
9 ـ سأرسل نسخاً من هذه المراسلة الى رئيس المكتب البريطاني
للشرق الاوسط، والمقيم السياسي في البحرين، والى حاكم
عدن.
يشرفني، يا سيدي، ومع بالغ التقدير والاحترام، أن أكون..
خادمكم المطيع
توقيع/ فيليبس
الوثيقة الثانية
الوثيقة رقم 7/1015 ..ES
السفارة البريطانية ـ جدة
12 مايو ـ آيار 1955م
رقم (45) (55/5/1013)
مكتوم
من المستر فيلبس ـ جدة..
الى سعادة هارولد ماكميلان، وزير الخارجية، لندن..
سيدي،
في معرض حديثه مع وزير الدولة يوم العاشر من مارس ـ
آذار ]والذي أعلمني به رئيس الدائرة الشرقية في رسالته
رقم (2/1015
S)، وتاريخ 15 مارس ـ آذار[ عبر المستر هاري كيرن،
محرر الشؤون الخارجية في مجلة النيوزويك، وكاتب المقالة
في تلك المجلة التي يصف فيها زيارته للعربية السعودية
مؤخراً، عبَّر عن رأيه بأن الوضع في هذه البلاد قد أصبح
عفناً جديداً، وأنه حسب رأيه، لن يستمر وقتاً طويلاً..
هذا الرأي، والذي ربما توصل اليه بعد زيارة قصيرة وتشكيل
انطباع سطحي يبدو لي أهلاً للنقاش، وأن الاتجاهات التي
وصفتها في مراسلتي السابقة لهذه مباشرة تجعل من هذه اللحظة
لحظة مناسبة للتعليق على ملاحظات المستر كيرن.
2 ـ إن انفاق الملك سعود لملايين الجنيهات على القصور
ومظاهر الترف (التي يغدقها) على شخصه وحاشيته قد أصبح
قولاً مألوفاً ومصدر سخرية واستهزاء في الشرق الاوسط وخارجه..
ومن الطبيعي أن يصاب زائرو هذا البلد بالصدمة حين يرون
التناقض بين الثراء الفاحش الذي تتمتع به الدوائر الملكية
(العائلة المالكة) والتجار الأثرياء، وبين الفقر التقليدي
(المعهود) الذي يعيشه عرب الصحراء.. ويشعر هؤلاء الزوار
بأن القصور الهائلة المطلية بالذهب لا يمكن أن تستمر بالتعايش
مدة طويلة جنباً الى جنب مع خيام البدو الرحل وأكواخ الطين.
3 ـ هذه الصور تبدو لي مضللة الى حد ما.. صحيح ان هناك
أقاويل وشائعات عن أشياء وسخط بعض الشرائح عن سكان البلاد،
ولا يمكن الا أن يكون هناك بعض الانتقاد لنظام توزيع الثروة
الوطنية بهذا الشكل غير العادل على الاطلاق.. الا أننا
لا نرى أو نسمع الا بالقليل من علامات الفقر المدقع الحقيقي
في العربية السعودية. فحسب مقاييس الشرق الاوسط لا يشاهد
أحد الا القليلين من المتسوّلين ورغم جدب البلاد.. فلا
أحد يجوع فالبدو على الأقل، وهم الذين يتطلع الملك ويتوجه
اليهم طلباً للدعم ما يزالون غير مثقفين بشكل عام، ومتمسكين
بتقاليدهم، بما يكفي لكي ينظروا الى ثراء مليكهم على أنه
حقه (الطبيعي) باعتباره شيخهم (والحقيقة أنه الشيخ الاوحد
بالنسبة لهم) مهما كانت ظروف حياتهم هم.
4 ـ من السذاجة طبعاً الافتراض بأن النظام يحافظ على
الاستقرار الذي يتمتع به، من خلال الثقة الشعبية (الجماهيرية)
بحكمة وكفاءة (حكومة) الملك سعود.. فأسلوب الملك هو مجرد
تكييف وامتداد للعادات القبلية القديمة القائمة على ضمان
ولاء الأفراد من الرعايا بوسائل متعددة مختلفة ونتيجة
ذلك.. ضمان أن يكون لكل شخص مصلحة شخصية، كبيرة كانت أم
صغيرة، في الحفاظ على الوضع الراهن.. فالولاء يشترى من
البدو عن طريق مكافأة ولائهم التقليدي بالذهب، أو عن طريق
ربط القبائل بالعائلة المالكة عن طريق زيجات سياسية مؤقته..
ويشتري هذا الولاء من رجال الدين (والذين يمارسون سلطات
ونفوذاً كبيراً بين الناس)، وذلك عن طريق تمسلك الملك
بالاسلام تمسكاً شديداً، ومن موقعه كحام للأماكن المقدسة..
ومن تجار الاحساء ونجد، يشتري الولاء بالضمانات الشفهية
(الضمنية وغير المكتوبة أو غير المصرح بها) بإستمرار تدفق
الأرباح الطائلة عليهم من التجارة.. أما من الفقراء والمحتاجين،
فيشتري الولاء بالصدقات التي توزع بكثير من التدقيق بالتفاصيل
من قبل الملك خلال جولاته العديدة على المناطق المختلفة
من المملكة.
5 ـ إن الاسقاط الواضح من التقسيم (التصنيفات) المذكورة
أعلاه للسكان، هو لتلك الطبقة التي تعرف في بلدان اخرى
في الشرق الاوسط بإسم (طبقة الأفندية).. ولكن لم تظهر
حتى الآن سوى علامات (دلائل) قليلة على أن مثل هذه الطبقة
بدأت تتشكل في العربية السعودية، والتي ربما تكون تحديداً
للأسس (الأبوية) للنظام السعودي.. وهذا يعود الى العناية
التي تمارس في التحكم بأي أعضاء محتملين، قد ينتمون الى
هذه الطبقة.. فبموجب مرسوم ملكي صدر مؤخراً على سبيل المثال،
لا يسمح لأي أطفال سعوديين بتلقي العلم في المدارس الابتدائية
والثانوية في أي مكان خارج البلاد على أساس أنه قد تهمل
تربيتهم (نشأتهم) الدينية، أو قد تفسد.
إما التعليم الفعلي، داخل المملكة العربيةالسعودية
فإنه غير متوافر حتى الآن، ويمكن دائماً أن تعطى لشباب
من ذوي الأفكار الخطيرة، أعمال ووظائف بسيطة في الوزارات
حيث يمكن إبقاؤهم تحت التحكم والمراقبة، وأما بالنسبة
للمعلمين والمحامين والمهندسين والأطباء فإن الملك سعود
يتوجه الى مصر وسورية ولبنان (للحصول عليهم) .. لا يحدث
هذا لأن شعبه غير قادر على إنتاج مثل هؤلاء الاختصاصيين
فقط، وإنما أيضاً لأن هذه الطبقة من الشعب بالذات هي التي
يمكن أن تصبح نواة الثورة.. وطالما أن هؤلاء من المستخدمين
الأجانب يعملون هذا بموجب عقود، فليس هناك خطر يأتي منهم
داخل البلاد.. وبشكل عام، فإن دخول هؤلاء ـ العالية ـ
هنا تشجعهم على متابعة تجارة جمع المال دون التدخل بالسياسة.
6 ـ إلا أن هذا لا يعني أنه لا تسمع أصوات أبداً ترتفع
ضد الحكومة.. فما يسمع في خارج الأوساط السعودية الرسمية
قد لا يعدو ان يكون إشاعة، كما سبق أن قلت في مراسلتي
التي سبقت هذه مباشرة.. ولكن يبدو أن الاشاعات تعتبر في
الاوساط الرسمية شيئاً أعلى من ذلك صوتاً، وتسري هنا إشاعة
قوية حالياً تفيد بأنه خلال الأيام القليلة الماضية اكتشفت
سلطات الأمن السعودية بعض منشورات سيئة الطباعة تنتقد
الملك، وتبذيره واسرافه.. (لا أدري) إن كانت (التالية
أسماؤهم) هم في الحقيقة من زرع المناشير أم لا (يقال أنها
طبعت في بيروت) فقد علمنا أن عدداً من الاشخاص قد اعتقلوا
في جدة والرياض والظهران بمن فيهم والد زوجة عبد الله
السليمان وزير المالية السابق، وكذلك رئيس مكتب علاقات
العمل (العمّال) الحكومي في مقاطعة الأحساء (والذي حلَّ
محله المخلص تركي بن عطيشان صاحب الشهرية البريمية)..
يقال أن بعض هؤلاء الذين أُعتقلوا فعلاً تم اطلاق سراحهم
بعد أن تعرضوا للضرب المبرح دون أن يثبت أي شيء ضدهم،
ولكن تفيد التقارير بأن عدد المعتقلين الآن يتجاوز الثلاثين.
7 ـ عندي من الاسباب القوّية ما يجعلني بأنه ليس كل
المعتقلين من المناوئين للملكية، ويبدو أن الملك اغتنم
هذه الفرصة لالقاء القبض على كل من يشتبه بأنهم يتعاطفون
مع الحزب القومي السوري (Partie Populiste Syrien)، ربما
كمحاولة لتعزيز القرار ( المتخذ) في دمشق حول الحلف السعودي
ـ السوري ـ المصري المقترح، وسواء كانت هذه التفاصيل صحيحة
أم غير ذلك (فحقائق من هذا النوع، سيئة السمعة، ويصعب
التحقق منها)،.. فإن الذي بدا مؤكداً هو أنه قد حدث فعلاً
إنفجار للاضطرابات في جماعات محدودة من السكان..
سيكون من المستغرب ألا تقع مثل هذه الاضطرابات بين
الحين والآخر في مجتمع من النوع الموجود في هذه البلاد
رغم كل الاحتياطات الامنية التي تتخذها الحكومة.. ولكن
لم نسمع كلاماً هنا حتى الآن عن أي شيء شبيه بالانتقاد
العام القريب أو بالغضب وعدم الرضى بين سكان أي جزء من
أجزاء البلاد، لا يمكن الحكم على السعودية من خلال النظرة
الغربية وبالمقاييس الموجودة في جيرانها العربيات الأكثر
تقدماً وتطوراً.
واذا ما استمر الملك وعصبته في امتلاك الذهب الكثير
والحصول على دعم القبائل، فلن يكون هناك من سبب في المستقبل
المنظور على الأقل، يمنع أن تكون تنبوءات المستر كيرن
خاطئة، من المؤكد أنه سيكون في مصلحة الغرب أن يثبت خطأ
(هذه التنبوءات) طالما أنه لا يتوفر بديل مرضٍ ومنظور
للشكل الحالي من نظام الحكم في هذا البلد.
8 ـ سأرسل نسخاً من هذه المراسلة الى المكتب البريطاني
للشرق الاوسط، والى سفراء جلالة الملكة في القاهرة ودمشق
والى المقيم السياسي في البحرين، والى حاكم عدن.
يشرفني يا سيدي، ومع فائق التقدير والاحترام، أن أكون..
خادمكم المطيع، فيلبس/توقيع
الوثيقة الثالثة
رقم الوثيقة 8 /1015 ES
السفارة البريطانية ـ جدة
14 مايو ـ آيار 1955م
من: المستر فيلبي ـ جدة
الى: الدائرة الشرقية، وزارة الخارجية، لندن، S.W.1..
الدائرة العزيزة،
ظهر البيان التالي في عدد صحيفة البلاد السعودية الصادرة
في 18 ابريل ـ نيسان:
(لما كان سمو الأمير طلال قد استقال من منصبه، فقد
ألحقت وزارة المواصلات بوزارة المالية بموجب المرسوم الملكي
رقم 5/19/1/1416، والمؤرخ في الثالث والعشرين من شعبان
1347هـ (16 نيسان ـ أبريل 1955م.)
2 ـ خلال توليه لمهام منصبه.. والذي استمر حوالي العامين،
يبدو أن الأمير طلال، رغم بعده الكبير عن كونه الوزير
المثالي الدؤوب على عمله، استطاع أن يقيم وينشىء تلك الوزارة
من الصفر.. كما أن المسؤولين الذين كان يختارهم كانوا
من ذوي القدرة والكفاءة بالدرحة الرئيسية، ومن الرجال
المستقيمين نسبياً واستطاعات الوزارة أن تكسب شهرة وسمعة
أفضل في معظم الوزارات في مجال إعلانها عن المناقصات بأقل
قدر من الفساد.
3 ـ تتفاوت الآراء حول أسباب استقالة طلال.. من المعروف
أنه قد استقال عدة مرات من قبل حين (أعيقت) (المخصصات)،
التي كان يعتبرها بالغة الحيوية لأغراض المشاريع الوزارية..
يبدو أن الاحتمال الكبير هو أن هذه القضية برزت الى الوجود
مرّة أخرى، حين قام الملك قبل شهرين ودون استشارة الوزارة،
قام بإصدار مرسوم مفاجىء يقضي بوجوب إنشاء 1300 ميل من
الطرقات من جدة الى الدمام، دون وجود أية مخصصات لها في
الميزانية.. أما الملك من طرفه فيبدو أنه غضب عندما أُخبر
بأن وزارة المواصلات قد أنفقت بالفعل عشرة ملايين ريال
من مخصصاتها في ميزانية عام 1954 ـ 1955 دون أن يكون هناك
من النتائج الملموسة ما يغطي ويبرر هذا الاتفاق.
يعتقد أنه سيجري في الوقت الحالي، على أي تقدير، تقييد
الانفاق بإحكام على مشاريع المواصلات من قبل وزير المالية..
4 ـ ربما بإيحاء من زوجته اللبنانية الأصل، والتي تكره
الحياة في العربية السعودية، طلب طلال تعيينه سفيراً لدى
فرنسا، ووافق الملك على طلبه، وقد أرسلت (لكم) بتقرير
مستقل حول هذا الموضوع في مراسلتي رقم 41 تاريخ 4 مايو
(13/901/W F).
5 ـ سأرسل نسخة من هذه الرسالة الى باريس..
المخلص أبداً، هـ. فيلبس،
توقيع
الوثيقة الرابعة
ترجمة منشور:
(نداء من قلب الكعبة الى كل الوطنيين الذين يعشقون
الحرية)
لقد انتشر الفساد في طول البلاد وعرضها، والأشرار يواصلون
عدم اكتراثهم لمصالح البلاد وشعبها.. فماذا أنت فاعل يا
أخي المواطن والمدافع عن وطنك ودينك؟.. لقد سخر حكامك
المضللون المخدوعون من كل ما تعتبره مقدّساً، وسمحوا لأنفسهم
بأشياء وأمور حرموها عليك وعلى أبناء بلدك، هل تعرف يا
أخي أن الشباب القوي النشيط يمحى من الوجود حين يصيبه
المرض والفقر والجوع والعري والحرمان والإهمال؟..إلتفت
يميناً ويساراً وسترى القصور الشاهقة ومعالم الحياة المترفة
الباذخة جنباً الى جنب مع الزرائب القذرة التي يعيش فيها
أبناؤك، بينما أقرباؤك ينبطحون بحثاً عن حبّة أرز لا قيمة
لها.. وسيكون نصيبهم الجلد والضرب على أيدي عبيد العبيد.
هل تعرف يا أخي أن مئات القصور يجري بناؤها في المدينة،
وجدة، والرياض، والطائف، والدمام لحساب ملك غبي أحمق خالٍ
من الوقار، ترى فيه خيال رجل لا يهمه الا إرضاء شهواته،
وتأمين راحته، وتكويم الأملاك لأبنائه وزوجاته وخليلاته؟
اللصوص يرتكبون سرقاتهم في وضح النهار، ويتمتعون بحمايته
ورعايته بلا خجل ولا حياء.. واذا لم يكن الأمر كذلك، فمالذي
حصل للموصلي وفاهوم ومحمد رضا، والعبيد من الخونة الآخرين
من اللصوص من أمثالهم؟
هل تعلم يا أخي، أن الأمير فيصل ولي العهد الذي يفترض
أنه مستقيم لاغبار عليه، يبني قصوراً لنفسه تكلِّف عشرات
الملايين؟.. وأنه حين يخرج للصيد، يأخذ معه ثلاثمائة خيمة
ومئات من السيارات والراقصات للتسلية؟ .. وعملاؤه يغدون
ويروحون ليأخذوا ما يريد من مخازن وزير الدولة الشربتلي،
الذي كان بالأمس هدفاً لخطاباته وسخطه، وانتقاده اللاذع،
بينما هو في نفس الوقت أقرب المقربين اليه وأقرب مستشاريه..
فماذا جرى إذن؟.. هل هم يقتربون من الشيخوخة والهرم؟ ..
أم ما هو المصير والكارثة التي يقادون اليها؟
هل يمكن أن تفوتكم ملاحظة كون الملك محاطاً بحلقة من
اللصوص والجواسيس، وأنه محبوس وراء أبواب موصدة، ونتيجة
ذلك أنه لا أحد يستطيع الوصول اليه سوى أولئك الذين يوافق
عليهم أتباع فيصل في الحجاز؟
ألم تسمع بالحكاية المشهور عن مقايضة الجمال؟.. والمعنى
كما يقول المثال، هو في قلب الشاعر. لاشك أنك قرأت وسمعت
بأن دخل (عائدات) بلادك لا يقل عن 1,300,000,000 ريال
، وأن نصفها يبدده ويبذره الملك المسرف، وأن ثلثها يذهب
الى وليّ عهده الكافر الغدار (الخائن)، وأن ما تبقى يذهب
الى جيوب اللصوص.
فإذا أنت وبلدك خاليا الوفاض.
فماذا فعلت؟..وماذا أنت فاعل يا أخي؟
هل شحذتم سيوفكم، وهيأتكم سلاحكم ليوم الثأر، ويوم
المشاركة في حكومة رشيدة تحكم وطناً نفخر به ونعتز؟
كل شيء ممكن حين تتقارب من بعضها القلوب المليئة بالإشمئزاز
والألم..
قال وزير المالية والاقتصاد الوطني إن الديون المستحقة
على الدولة تبلغ 600,000,000 ريال سعودي، وأن لجنة قد
شكلت لتصفية هذه الديون، وأن خبراء قد تم احضارهم من خارج
البلاد لهذا الغرض.. إلا أن ما هو مهم حقاً هو أن حقوق
فاحشي الثراء قد ضمنت لهم فوراً ودون تأخير، بينما الديون
المستحقة (على الدولة) للفقراء الذين لا يملكون ما يرشون
به (المرتشين) قد أحيلت الى لجنة تصفية الديون، أي الى
مدفنها الأخير..
إن ما حدث في قضية أوناسيس يظهر الاستعداد التام لمن
هم في موقع السلطة للضحية بمصالح البلاد العليا من أجل
مصالحهم الشخصية الحقيرة الخسيسة.
أبناء وطننا الأعزاء: مواطني العزيز:
إن توزيع هذه المطبوعات على أوسع نطاق وبين كل طبقات
الشعب سيوضح ويبرهن على أنك مخلص وأنك لن توفر جهداً لخدمة
هذه القضية..
الوثيقة الخامسة
وثيقة رقم: 4/1015 ES..
مكتوم: من البحرين الى وزارة الخارجية..
من: المستر باروز..
الى وزارة الخارجية..
رقم: 327، وتاريخ 13 مايو ـ آيار 1955م
أفضلية في العرض مكتوم
مكررة الى: جدة للإطلاع..
العربية السعودية،
تدور شائعات هنا عن وقوع بعض الاضطرابات في منطقة الاحساء
خلال الأيام القليلة الماضية.. وبالرغم من تباين الروايات
فإنها تتفق جميعها على أنه قد تم اعتقال عدد من الاشخاص..
يؤكد هذا كبير ضباط البحرية الأميركية الذي كان في الظهران
يوم 10 مايو ـ آيار. وقد فهمت أن أحدا هؤلاء المعتقلين
هو ابن أحد التجار الأثرياء، وهو من معارف عمل حاكم البحرين
المقربين.. كما يعتقد ضابط البحرية الأميركية المشار اليه
أعلاه بأن القضية قد تكون مرتبطة بالتوزيع الذي جرى مؤخراً
لرسائل مغلّفة التوقيع موجهة الى الملك، ومرسلة على ما
يظهر، من بيروت.. وتوحي الاستفسارات التي قام بها أحد
الطيارين البريطانيين العاملين في شركة طيران الخليج،
ومن اتصالات أجراها في مطار الظهران، أن بعض الأشخاص المشمولين
(بالاعتقالات) على الأقل هم من العاملين في إدارة علاقات
العمل في الدمام.
أرجو من وزارة الخارجية إرسال نسخة من هذه البرقة الى
جدّة تحت رقم (60) مكررة الى جدّة..
نسخة الى: الدائرة الشرقية.
الوثيقة السادسة
رقم: A/4/1015ES..
مكتوم، من جدة الى وزارة الخارجية (من المستر فيلبس)،
رقم 121 تاريخ 16 مايو ـ آيار 1955م ـ مكتوم..
برقية موجهة الى وزارة الخارجية تحت رقم 121، تاريخ
16 مايو ـ آيار 1955، مكررة للإطلاع الى البحرين.
بالإشارة الى برقية البحرين رقم (327) (4/1015 ES)
المرسلة اليكم: الوضع الداخلي في العربية السعودية.
1 ـ نظراً للعطل الفني في مكتب البرق المحلّي، لم أستلم
البرقية المشار اليها حتّى اليوم.. إلاّ أنها تقدم لي
تأكيداً مفيداً لأخبار الاعتقالات التي أفدتكم عنها في
مراسلتي رقم (45) تاريخ 12 مايو.
2 ـ مما تجمع لي من معلومات هنا، لم (تقع) أية اضطرابات
(أكرر: لم تقع).. لكن الاعتقالات هنا وفي الرياض، وكذلك
في منطقة حقول النفط قد وصل عددها (حسب قول زميلي الأمريكي)
ـ وبناء على معلومات تلقاها من الظهران ـ الى حوالي ستين
معتقلاً تقريباً.. ويشمل هؤلاء رئيس دائرة علاقات العمل
في مقاطعة الاحساء، والذي حل محله تركي بن عطيشان، صاحب
الشهرة البريمية.
3 ـ معظم المعتقلين متهمون بنشاطات معادية للعائلة
المالكة.. ولكن هناك أسباب قوية للاعتقاد بأن الحكومة
استغلت هذه الفرصة أيضاً لتطويق واعتقال المتعاطفين مع
الحزب القومي السوري.. أرجو من وزارة الخارجية إرسالة
نسخة من هذه البرقية الى البحرين تحت رقم (60).
مكررة الى البحرين
نسخة الى: الدوائر الشرقية
الوثيقة السابعة
رقم: ES1015/5..
المقيمية البريطانية..
البحرين 16 مايو ـ آيار 1955
(55/8/101212) مكتوم
من: ب. آ. ب. باوز ـ البحرين..
إلى: ل. آ. س. فراي المحترم الدائرة الشرقية، وزارة
الخارجية، لندن..
عزيزي بني،
1 ـ بالاشارة الى برقيتي رقم (327) (4/1015) وتاريخ
13 مايو حول شائعات الاضطرابات في المنطقة الشرقية من
العربية السعودية.
2 ـ (منذ أن أرسلت برقيتي المذكورة)، زار قنصل الولايات
المتحدة في الظهران الى البحرين، وقدم لي المعلومات التي
بحوزته.. عملية الاعتقال الرئيسية التي يعلمون بها كانت
لرئيس مكتب علاقات العمال الحكومي في الدمام.. وقد سيق
الى الرياض، ولم يسمع عنه شيء بعد ذلك.. حلّ محله في رئاسة
المكتب تركي بن عطيشان.. كما وقع عدد آخر من الاعتقالات
في الأحساء لأشخاص أقل أهمية.. وقد وصل الى مسامع القنصلية
شائعات لم تتأكد بعد بأنه تمّ إعدام أربعة أشخاص في الرياض..
وهناك حالة توتر واضطرابات خفيفة بين العمال في (بقيق)،
وهو أحد الحقول النفطية المنتجة الواقع على مسافة غير
بعيدة غربي الظهران، حيث يقاطع العمال السعوديون خدمات
النقل التي أدخلتها الشركة (أرامكو) حديثاً، بحجة أن الحافلات
(الباصات) ليست مريحة ولا منتظمة كحافلات الموظفين الأميركيين..
مضى الآن شهر على بدء هذه المقاطعة..
القضية ليست ذات أهمية بحد ذاتها، ولكنها مهمة كظاهرة
مقاومة سلبية للسلطة، وكتعبير عن التنظيم المتواصل بين
العمال.
3 ـ سأرسل نسخة من هذه الرسالة الى فيلبس في جدّة.
المخلص أبداً، بيرنارد باروز،
توقيع
الوثيقة الثامنة
رقم: 13/1015 ES..
محدود التوزيع..
السفارة البريطانية ـ جدة..
29 سبتمبر ـ أيلول..
من: المستر فيلبس ـ جدة..
الى: الدائرة الشرقية ـ وزارة الخارجية ـ لندن S.W.1
الدائرة العزيزة،
كنت على وشك الكتابة لأقدّم لكم ملخصاً عن عدد من الشائعات
التي تناهت الى سمعنا خلال الشهر الماضي حول الاضطرابات
في عسير، في جنوب العربية السعودية، حيث نشرت الحكاية
أمس في الصحيفة المحلية.. وبناءً عليه، فسأبدأ بالرواية
الرسمية (مأخوذة من صحيفة البلاد السعودية، العدد الصادر
في 28 سبتمبر ـ أيلول)، وفيما يلي فحوى المقال:(أحد أفراد
قبيلة الريث، وهي من القبائل الجبلية التي تقطن جنوب شرق
جيزان، قتل يمنياً ثم اختفى في أحد الكهوف في تلك المنطقة..
عرضت قبيلة دفع الديّة المعهودة، الا أنها رفضت تسليم
الرجل للعدالة.. إهتم الملك بالقضية وأمر بأن يأخذ الحكم
الشرعي مجراه.. ولكن القبيلة أصرت على عنادها، وإنسحبت
لتتحصن في موقع حصين في الجبال.. عندها أمر الملك بإرسال
مئات الجنود الى المنطقة، وحين طوقت مواقع القبيلة، أمر
الملك مرة أخرى بإجراء مفاوضات.. ومع ذلك، رفضت القبيلة
الاستسلام.. أمرت القوات بالإطباق عليها، ولكن في آخر
لحظة أمرها الملك بالتوقف،وأرسل الرسل لتسليم إنذار نهائي
لرجال القبيلة.. وإعجاباً بروح الرحمة هذه في مليكهم،
أعلنوا خضوعهم أخيراً).
هذا ما قلته للصحيفة..أما الاشاعات المحليّة فقد تباينت
كبيراً، وذكرت أسباباً أخرى غير المذكورة أعلاه.. فقالت
إحدى الروايات أن أحد الأمراء المحليين قد وضع في السحن
لانتقاده النظام، فثارت القبائل غضباً واحتجاجاً.. وقالت
رواية اخرى أن ابن أحد شيوخ القبائل كان سيجلد علناً (أمام
الناس) ورفض الحاكم المحلي إلغاء الحكم، عندها قامت القبيلة
التي كان شرفها وكرامتها في خطر، بقتل الحاكم ثم هربت
الى الجبال.. اتفقت معظم الروايات على أن عدداً من جنود
الحكومة قد قتلوا أثناء المعركة التي حدثت بعد ذلك..
3 ـ وسرعان ما تأكد أن الاضطرابات لم تكن كما إشتبهنا
في بادىء الأمر، تعبيراً عن الاستياء من الحكم السعودي..
ومع ذلك فقد كان حجم القلق الذي سببته لدى حكام البلاد
هائلاً، وهو دليل آخر على تزايد شعورهم بالقلق والخوف..
وقد علمت من مصادر موثوقة أن الملك، وولي العهد، ووزير
الدفاع كانوا يراقبون الأمور بأقصى حدود الاهتمام.. ومن
المؤكد أن حجم العمليات العسكرية كان كبيراً واسعاً، فقد
أخبرني ضابط الاتصال الجوي في السفارة الأميركية، الذي
جمع المعلومات التي تلقيناها بالفعل من طياري الخطوط الجوية
السعودية الأمريكيين، ومن الشائعات المحلية (قارن مع رسالة
البحرين رقم 55/74/1197 تاريخ 13 سبتمبر ـ أيلول الموجهة
إليكم)..
أخبرني أن عدداً من الجنود يتراوح ما بين 3000 و 4000
جندي قد تحركوا الى المنطقة عن طريق الجو والبر، خلال
الاسابيع القليلة الماضية.
4 ـ حتى لو كانت كل هذه زوبعة في فنجان، تبقى الحقيقة
أن هذه أول حادثة من حوادث الاضطرابات القبلية تشهدها
البلاد منذ عدة أعوام.. إن الولاء القبلي (ولاء القبائل)
لعائلة سعود عامل رئيسي في استمرار استقرار النظام القائم..
وقد أظهرت هذه الحادثة الصغيرة، أن الحكومة لم تستطع أن
تخمد ثورة قبيلة منشقة (واحدة) إلاّ بصعوبة بالغة، وبتكاليف
باهظة..
ولا أعتقد أن من المبالغة الافتراض بأن هناك الآن بعض
من يتساءلون كيف ستتدبر الحكومة أمرها إذا ما واجهتها
انفجارات واضطرابات كبرى في البلاد..
5 ـ سأرسل نسخاً من هذه الرسالة الى البحرين وتعز والمكتب
البريطاني للشرق الأوسط.
المخلص أبداً، هـ. فيلبس،
توقيع
الوثيقة التاسعة
رقم: 15/1015 ES..
السفارة البريطانية ـ جدة
31 تشرين الأول ـ اكتوبر 1955م
55/27/1013
مكتوم
من: جهاز الاستخبارات (السفارة ـ جدة)
الى: الدائرة الشرقية، وزارة الخارجية، لندن S.W.1
الدائرة العزيزة،
1 ـ أرجو العودة الى رسالتنا رقم 55/24/1013، تاريخ
29 سبتمبر ـ أيلول، حول الاضطرابات القبلية في عسير.
2 ـ يبدو أن هذه الاضطرابات قد تمّ القضاء عليها وإخمادها
أخيراً.. وقد أعلن الملك أمس عن عفو عام.. وتطور الثورة
لم يكن بالقضية السهلة أبداً بالنسبة للحكومة.. قبل حوالي
ثلاثة أسابيع ـ أي بعد نشر التقرير عن خضوع القبيلة المنشقّة
(المتمردة) ـ علمنا أنه يجري إرسال قوات إضافية أخرى الى
جنوب عسير، وأن سلاح الجو السعودي قد أمر بقصف معاقل المتمردين..
بعد فترة قصيرة من ذلك نشرت الحقائق أو بالأحرى بعض الحقائق
ـ في الصحيفة.. أفادت الأخبار (التقارير) أن زعماء القبائل،
بعد أن قبلوا عرض الملك بالعفو العام الذي حمله مبعوثوه،
غيروا رأيهم بعد أن عادوا الى قبائلهم.. وقد أصبح واضحاً
الآن أن هؤلاء نجحوا في استمرار المقاومة أسبوعين آخرين،
وهو ليس بالشيء القليل إذ علمنا أنها مجرد قبيلة صغيرة،
وأن قوات الحكومة كانت تتألف من مئات الجنود، إضافة الى
كل القوة الجوية السعودية بأكملها.
سنرسل نسخاً من هذه الرسالة الى البحرين وتعز والمكتب
السياسي التابع لقوات الشرق الاوسط (البريطانية).
المخلص أبداً
(دائرة الاستخبارات في السفارة)
جدة
الوثيقة العاشرة
السفارة البريطانية ـ دمشق
1 تشرين الثاني ـ نوفمبر 1955م
مكتوم
(55/6/10216)
من: دائرة الاستخبارات، دمشق
إلى: دائرة الاستخبارات، جدة
دائرة الاستخبارات العزيزة،
1 ـ تلقينا بعض المعلومات عن العربية السعودية من الأشخاص
الذين عادوا مؤخراً الى سورية. نحن غير قادرين، بالطبع،
على تقدير مدى صحة هذه المعلومات، ولكن ربما يهمكم أن
تطلعوا عليهم وتعطوها ما تستحق من الأهمية..
2 ـ من الواضح أن مخبرينا من أوائل ذوي العلاقات والاتصالات
الجيدة، ولهم أصدقاء مهمون في العربية السعودية.. خلال
إقامتهم هناك، والتي استمرت سبعة أشهر، تناولوا طعام العشاء
مع الملك، وأقاموا في أحد فنادق مكة، حيث ينزل العديد
من ضيوف الملك.. غير أن حكمهم (تفكيرهم) ربما يكون متأثراً
بالنتائج غير الناجحة لبعض الصفقات التجارية التي عقدوها
هناك.. أخبرونا بأن هناك (في العربية السعودية) حالة إنشقاق
حادة داخل العائلة المالكة نفسها.. فالأمراء في صراع حاد
ودائم فيما بينهم ومع الملك.. وأوضح مخبر هذا الأمر بقوله
أن الملك أوقف كل رحلاتهم (رحلات الأمراء) الى الخارج،
واحتفظ بأموالهم لنفسه.
وقال مصدر معلوماتنا أنه سمع من أخت الملك أن المراء
وضعوا تحت الحراسة المسلحة، بعد أن هددوا بالإطاحة بالملك..
3 ـ كما أفاد مخبرونا الأوائل أيضاً بأن قبائل عسير
وبني شهر وهذيل قامت بتمرد في منطقة جبل جيزان قرب الحدود
اليمنية..وقد استطاعات القبائل تطويق أربعة آلاف جندي
من الجيش الملكي، بقوة بلغ عددها عشرين ألف مسلح من رجال
القبائل، وأنه يجري تموين جنود الجيش من الجو، ربما يثبت
هذا الخير ويؤكده ذلك الحديث الذي استرق السمح إليه أحد
موظفي السفارة، والذي وصف فيه أحد الطيارين الذين عادوا
مؤخراً من العربية السعودية وصف كيف قام هو بقصف بعض تجمعات
الناس الذين كانوا مختبئين في كهوف الجبال..
4 ـ إتفق جميع مخبرينا على الرأي بأن إدارة (حكومة)
البلاد بدأت تنهار.. ودعماً لهذا الرأي، قال أحدهم أن
الملك لم يعد يثق في الجيش، ولهذا فقد أحاط نفسه بحرس
خاص من الأتباع الموثوقين.. هؤلاء الرجال لا يبتعدون عن
الملك لحظة واحدة، حتى عندما يخرج الملك ليتمشى في أنحاء
قصره، أو حتى عندما يكون مع ضيوفه.
5 ـ سنرسل نسخة من هذه الرسالة الى الدائرة الشرقية..
المخلص أبداً، دائرة الاستخبارات
ـ دمشق
الوثيقة الحادية عشرة
السفارة البريطانية..
جدة..
27 تشرين الثاني ـ نوفمبر 1955م
(55/3/1013)
مكتوم
من: دائرة الاستخبارات جدة..
الى: دائرة الاستخبارات، السفارة البريطانية، دمشق..
دائرة الاستخبارات العزيزة،
1 ـ شكراً لكم على رسالتكم رقم 55/6/10216 (16/1015
S) وتاريخ الأول من تشرين الثاني ـ نوفمبر (1955)..
لقد إهتممنا كثيراً بسماع هذه الروايات (المتعددة) للشائعات
والتقارير عن أوضاع العربية السعودية الداخلية..
بعضها كان يدور في جدّة منذ بعض الوقت، وكان من المفيد
أن تجمع هذه مع بعض.. إلاّ ان مخبريكم قد شوهوا بعض الحقائق
وهو أمر طبيعي هذا اذا كانت الأخبار التي قدمت لهم في
الأصل حقائق..
2 ـ فاضطرابات عسير مثلاً (أنظر الفقرة 3 من رسالتكم)
لم تشترك فيها إلاّ قبيلة واحدة، هي قبيلة الريث وأنها
هي القبيلة وليس الجيش التي تمت محاصرتها وتطويقها.. لقد
أرسلنا لتونا تقريراً عن هذا الموضوع الى الدائرة الشرقية،
في رسالتينا رقم 55/24/1013 (13/1015 ES) وتاريخ 29 سبتمبر
ـ أيلول ورقم 55/27/1013 (15/1015 ES)، وتاريخ 31 تشرين
الأول ـ اكتوبر 1955م.
بعد ذلك سمعنا أنه لم يشترك في العمليات إلاّ عدد قليل
من الجنود، وأن أصعب العمليات قام بها رجال القبائل المجتهدون
محلياً، والذين كانوا كما يبدو مسرورين جداً لمقاتلتهم
جيرانهم.. قبيلة الريث، مقابل قليل من المال.. أما التقرير
الذين تلقيتموه عن القصف الجوي فصحيح بالتأكيد وقد قامت
القوات الجوية السعودية بهذه العمليات، مع أننا أخبرناً
مؤخراً من قبل شخص كان في المنطقة في ذلك الوقت، أنه لم
تستخدم في هذه العمليات الجوية سوى القنابل الدخانية..
3 ـ لا نتفق تماماً مع الرأي القائل بأن إدارة (حكومة)
البلاد بدأت تنهار (الفقرة 4 من رسالتكم).. ربما لا تكون
الآن أسوأ مما كانت عليه خلال العامين الماضيين.. من المؤكد
أن حكام البلاد قلقون جداً حول مسألة الأمن الداخلي، وهم
منهمكون في تقوية وتعزيز قوات الأمن في البلاد بمجموعة
من المصريين.. إلا أن كون الملك محاطاً دائماً بحراسة
شخصية شديدة ليس مؤشراً على ما يحملنا على الاعتقاد بأن
الملك قد فقد ثقته بالجيش، إذ من المحتمل.. إذا ما صدقنا
الشائعات الدائرة حالياً، أن تكون شكوكه موجهة نحو ابن
اخيه، الأمير عبد الله الفيصل (وهو وزير الداخلية) ونحو
قوة الشرطة.. الا أن هذه الأخيرة ـ أي قوات الشرطة ـ لا
تشكل الا عنصراً صغيراً من عناصر قوات الأمن في البلاد،
إذ يتفق عليهم الجيش والأخوان بالعدد لدرجة كبيرة..
4 ـ أما حكايات الانشقاق والانقسامات داخل العائلة
المالكة فيصعب تأكيدها.. من المؤكد أن هناك قدراً من مظاهر
الحسد الثانوية التافهة بين الأمراء، وقد تلقينا عدة تقارير
حول مؤامرات تحاك للإطاحة بسعود لصالح فيصل.. ومما لا
شك فيه أن لفيصل أتباعاً وأعواناً كثيرين من بين أشقائه
وإخوته، ولكن لا يوجد أدنى دليل يشير الى أنه هو شخصياً
يمنح أي تشجيع للمؤتمرات ضد سعود..
ربما كان مخبروكم قد التقطوا (يرددون) أصداء (أخبار)
الصراعات الدائمة التي تتواصل بين أبناء سعود وأبناء ابن
سعود حول المخصصات التي يتلقاها كل منهم.. يقال أن أبناء
الملك يتلقون الآن (من الأموال) أكثر مما يتلقاها إخوته..
لكن من الخطأ تماماً القول بأن الملك يمنع أياً من الأمراء
من السفر الى الخارج.. نعتقد بأنهم ملزمون بطلب الاذن
منه، ولكن هذا كل ما في الأمر.. ربما كانت هذه الرواية
صدى للخطاب الذي ألقاه الملك في العام الماضي ]أنظر رسالتنا
رقم 54/19/1013 )54/4/1016 ES)، وتاريخ 7 نوفمبر ـ تشرين
الثاني 1954م الموجهة الى الدائرة الشرقية) والذي ينتقد
فيه البذخ الذي يبذخه بعض السعوديين حين يكونون في الخارج..
الا أننا لا نعتقد بوجود أي قدر من الصدق أو الحقيقة في
الخبر (التقرير) المذكور في الجملة الأخيرة من فقرتكم
الثانية.
5 ـ سنرسل نسخة من هذه الرسالة الى الدائرة الشرقية.
المخلص دائماً، (هـ. فيلبس)
|