كسر التابو
مجتمع الإنترنت السعودي
منذ دخول الانترنت الى المجتمع السعودي ثم انتشاره
بوتائر متسارعة أصبح هناك اهتمام خاص بانعكاسات هذا المتغير
الاتصالي على الواقع الاجتماعي السعودي، فقد أصبحت الحدود
المغلقة في الداخل معدومة في عالم الانترنت الذي يسمح
لعدد كبير من الافراد السفر الى أرجاء العالم عن طريق
هذه الشبكة، والتعرف على ثقافات وحضارات وقيم وهكذا مسالك
ومشارب متضاربة.. وبالرغم من القيود الصارمة المفروضة
على الشبكة والرقابة المشددة على المواد المبثوثة عبرها،
الا أن مرتادي النت في السعودية أصبحوا متمرسين في تخطي
الحواجر الحاجبة عن مواقع محظورة سواء كانت سياسية او
فكرية او حتى مخلّة بالقيم الدينية والاخلاقية والانسانية.
فلا غرابة ان يكون مجتمع الانترنت السعودي وهو الأكبر
عدداً في مجتمعات الانترنت في الشرق الاوسط متمرساً في
صناعة بدائل لتجاوز الحجب.. بل قد يكون المنشغلون بمزاولة
عمليات القرصنة في السعودية هم الأكثر عدداً والأشد تأثيراً
من حيث قدرتهم التخريبية لمواقع الغير.
الانترنت كما الموبايل ومنتجات تكنولوجية أخرى ذات
طبيعة اتصالية تتحول الى موضوعات مثيرة للجدل، ليس كونها
تتعارض مع التكوين الثقافي التقليدي لمجتمع المملكة، ولكن
لأن استعمالها غير القانوني من قبل بعض الافراد يحيل منها
قضية متفجّرة.. فما زالت تداعيات قصة البرجس سيئة الصيت
حاضرة في الذاكرة الشعبية، ومازالت كاميرا الموبايل تثير
حساسية بالغة لدى الكثيرين، بفعل الاستعمالات الهابطة
لهذه الخدمة.. بالرغم من أن هذه الخدمة قد دخلت الى مجتمعات
عديدة في منطقة الخليج فضلاً عن مناطق أخرى من العالم
دون أن تحدث ضجيجاً كالذي أحدثته في بلد كالسعودية، التي
بات كل متغير عصري يحدث فيها حراكاً من نوع ما، وكأن الصدام
بين الاصالة والمعاصرة يشوّه أحدهما الآخر. يبقى القول،
أن تأثيرات الانترنت على المجتمع السعودي حظي بإهتمام
الباحثين، فهذه الخدمة أصبحت مرآة عاكسة لتحولات المجتمع.
رسالة الماجستير التي قدّمها محمد عبد الله بن علي
المنشاوي الطالب في كلية الدراسات العليا قسـم: العلوم
الشرطية تخصص: القيادة الأمـــينة بعنوان (جرائم الانترنت
في المجتمع السعودي)، تناقش حجم ونمط أكثر جرائم الانترنت
شيوعاً بين مستخدي الانترنت في المجتمع السعودي وخاصة
فيما يتعلق بالجرائم الجنسية، وجرائم الاختراقات، والجرائم
المالية، وجرائم انشاء أو ارتياد المواقع المعادية، وجرائم
القرصنة، مع تحديد أهم سمات وخصائص مرتكبي تلك الجرائم.
توصلت الرسائل بناء على عدة استبيانات أعدّها المنشاوي
الى نتائج بعضها لا يمثل علامة فارقة حقيقية في المجتمع
السعودي، من قبيل ارتياد المواقع الاباحية والتي حددها
المنشاوي بنسبة 54.3 بالمئة، وهي نسبة تعد معتدلة بالنظر
الى الانتشار الواسع النطاق لهذه المواقع على شبكة الانترنت
وسهولة الوصول اليها بالرغم من الرقابة الصارمة عليها
وحجبها، فما يعرف بـ (البروكسي) أو البوابة التي تسمح
بالدخول الى هذه المواقع، اضافة الى الكبت الاجتماعي والجنسي
قد يدفع ببعض روّاد الانترنت الى الدخول لمواقع إباحية،
شأنهم في ذلك شان كثير من مرتادي الانترنت في بلدان عديدة،
وان كانت النسبة المعلن عنها تكون خاضعة لهامش الخطأ،
الذي تتفاوت مساحته بحسب طبيعة العينة المختارة في الاستبيان..
ففي قراءة متطرفة صدرت مؤخراً تفيد بأن ما يربو على 90
بالمئة من رواد الانترنت السعوديين يتصفحون مواقع إباحية،
وهي نسبة بالتأكيد مبالغة بل ومغلوطة، مهما قيل عن حجم
المرتادين لمثل هذه المواقع.
وعلى أية حال، فليس هذا المهم في استخلاصات الدراسة،
فهناك جوانب اخرى على درجة كبيرة من الاهمية منها عمليات
الاختراق على المستوى الفردي والحكومي والتجاري وحتى على
المستويات الاقليمية والعربية والدولية، وهي ظاهرة وإن
كانت ذات طبيعة عالمية، الا أن المتخصصين في اختراق المواقع
(او ما يعرف بالهاكرز) في السعودية يمارسون ذلك أحياناً
امتثالاً لاملاءات دينية، فيما يعرف بـ (الجهاد الالكتروني)،
حيث يقوم أشخاص مسلّحون بفتاوى دينية صادرة عن بعض العلماء
السلفيين، بجواز اقتحام بعض المواقع المصنّفة في قائمة
مواقع الشرك والضلال والتي تبيح لبعض خبراء الانترنت بالقيام
بتدمير مواقع الغير وباختراق حواسبهم الآلية وسرقة او
العبث بمحتوياتها، كما حصل أخيراً للكاتبة الصحافية وجيهة
الحويدر التي تعرّض بريدها الالكتروني لعملية اختراق عن
طريق ايميل مسجّل بإسم الدكتور تركي الحمد وقد أدّت العملية
الى العبث بمحتويات بريدها الالكتروني.
الملفت للانتباه في رسالة المنشاوي هو إطلاق وصف (المعادية)
على مواقع دينية لا تنتمي الى المذهب السلفي بما فيها
المواقع السنية، دع عنك الشيعية، أو ديانات أخرى كالنصرانية
واليهودية والبوذية والهندوسية، فإطلاق صفة (المعادية)
تبدو مثيرة للغرابة، خصوصاً وأنها مواقع تعبّر عن معتقدات
أصحابها شأنها في ذلك شأن المواقع السلفية التي تعبر وبطريقة
متطرفة عن أفكارها. ومن الغريب أيضاً، أن يصنّف معد الرسالة
الاشتراك في مواقع دينية غير سلفية في قائمة الجرائم،
مع أن كثيراً من المشاركين من مرتادي المواقع الدينية
غير السلفية إنما يشاركون بدافع ديني وفق مبدأ (الامر
بالمعروف والنهي عن المنكر) وبهدف دحض حجج الآخر ومعتقداته،
وليس بغرض الاطلاع وفهم الآخر دينياً، كما هو حال عدد
كبير من السلفيين الذين يشاركون في سجالات دينية ومذهبية
لنشر العقيدة الصحيحة!! وبهذا فما يعتبر بحسب تصوّر الطالب
النمشاوي جريمة هو توصيف متطرف، ويعكس خلفيته الفكرية
المنغلقة، بل ويعكس الرؤية الحكومية السياسية، وقد ينسحب
هذا على تحليله وطريقة إعداده للاستبيانات وبما تنطوي
عليه من توجيه غير مباشر للمشاركين في الاجابة على الاستبيانات..
نذكر هنا أن عدة استبيانات تم توزيعها خلال هذا العام،
وتضمنت أسئلة حول موضوعات محددة وغير محايدة تستهدف الوصول
الى نتائج تتوافق مع رغبة معدي الاستبيانات، من قبيل الدخول
الى مواقع مناهضة لعقيدة السلف الصالح، أو الدخول الى
مواقع مصنّفة في خانة الاعداء السياسيين والفكريين.
إن ما توصل اليه معد الرسالة من تشخيص لسمات وخصائص
مرتكبي الجرائم والمخالفات على شبكة الانترنت تبدو متثيرة
للاهتمام، والاكثر أهمية هو طبيعة تلك الجرائم والمخالفات
والتي حددها في جرائم الاختراقات لمواقع الافراد والجماعات
والحكومات والمؤسسات الخاصة ومن ثم الجرائم المالية من
تزوير وسرقة أرقام بطاقات الائتمان الى جانب الجرائم الاخلاقية
والفكرية، وهي تلمح الى إتجاهات تحوّل تستحق المزيد من
الاهتمام والبحث في مستقبل هذا المجتمع.
|