مي يماني: بعد قمع الإصلاحيين
العائلة المالكة تجعل العنف سبيلاً للتغيير
نشرت صحيفة دايلي ستار في عددها الصادر في الثاني من
يونيو تعليقاً للباحثة في المعهد الملكي للشؤون الدولية
((Chatham House الدكتورة مي يماني بعنوان (كيف تجعل العنف
أمراً حتمياً في السعودية؟) وجاء في التعليق:
تبدو الموجة الديمقراطية في طريقها عبر العالم العربي،
وحتى الملكيات والامارات العربية التقليدية تتغير في ذات
الاتجاه. فالكويت تسمح الآن للمرأة بالتصويت فيما تعتنق
قطر برنامجاً إصلاحياً طموحاً، كما أبدت البحرين تسامحاً
كبيراً إزاء المظاهرات الجماهيرية الكبيرة، وهكذا الامارات
العربية المتحدة التي بدأت تسمح بشيء يشبه حرية الصحافة.
أما السعودية فإنها لا تزال تخشى بدرجة عميقة أي نوع من
التغيير، ولذلك تبقى عقبة كبيرة غير قابلة للزحزحة بسهولة
في منطقة تشهد إصلاحاً واسعاً.
وبالرغم من أن العائلة السعودية الحاكمة تخضع تحت تأثير
ضغط هائل لاقتفاء خطى دول الجوار، فإن المقاومة الداخلية
للدفع بهذا الاتجاه مازالت قوية. ولذلك، فإن آل سعود أصبحوا
بوجه مخاتل: ففي الاتجاه الاولى فإن العائلة المالكة تشجّع
الاصلاحيين الديمقراطيين على الافصاح عن آرائهم في الاصلاح،
وفي الاتجاه المعاكس فإنها تقوم بإعتقالهم إذا ما فعلوا
ذلك.
بعد الهجمات الارهابية في الحادي عشر من سبتمبر 2001
في الولايات المتحدة بفترة وجيزة، إنضم هؤلاء الاصلاحيون
الليبراليون الى ما يقرب من 160 آخرين من الاخصائيين لكتابة
وتوقيع عريضة الى ولي العهد الامير عبد الله يطالبون بالاصلاحات.
وقد نادت العريضة بنظام ملكي يعمل وفق محددات دستورية
معينة، وبنظام قضائي مستقل. ويعتقد الاصلاحيون بأن مثل
هذه الاصلاحات هي الطريق الوحيد للسعودية لمواجهة العنف،
وعدم الاستقرار والتشظي الوطني والذي بدأ يلوح في الأفق.
كما يجادل معدّو العريضة بأن الدستور وحده القادر على
إستعادة المشروعية المطلوبة بإلحاح شديد للنظام السياسي،
والذي بات ينظر اليه وعلى نطاق واسع بأنه نظام فاسد وغير
مؤهل بدرجة كافية.
إن عبد الله الحاكم الفعلي للسعودية بدلاً عن أخيه
غير الشقيق المعاق كان يُؤمّل أن ينظر اليه نصيراً للاصلاح.
فقد تلقى اقتراحات الاصلاح بترحيب حار في يناير 2003.
ولكن أخاه غير الشقيق ومنافسه الأكثر قوة، الامير نايف
وزير الداخلية أمر بالاعتقالات والمحاكمة والسجن لثلاثة
عشر من الاصلاحيين في مارس 2004. ولم يبدِ الامير عبد
الله أي صوت واهن لمعارضة تلك الاجراءات، تاركاً الاجندة
الاصلاحية التي أطلقها في فضاء سياسي مجهول.
وفي سياق المسعى للمحافظة على السلطة المطلقة واحتواء
الغضب العام، فإن الامراء السعوديين بقيادة الامير نايف
طالبوا الاصلاحيين بالتوقيع على تعهدات خطية بعدم المطالبة
مطلقاً بالاصلاح. فقد حظر الامير نايف استعمال كلمة (إصلاح)
من التداول العام، لأن ذلك يستدعي القول بأن هناك فساداً
ما في النظام، واستبدلها بكلمة (تطوير) وهي الكلمة المفضّلة
لديه.
ومن بين الثلاثة عشر إصلاحياً الذين تم إعتقالهم، فإن
عشرة منهم استجابوا لهذا الطلب، ولكن الثلاثة الآخرين
رفضوا ودفعوا الثمن. فقد بقوا في المعتقل بالرياض دون
تمثيل قانوني حتى صدور الحكم النهائي، وإن أولئك العشرة
الذين أُكرهوا على توقيع التعهدات فقد تمت مصادرة جوازاتهم،
وفصلوا من أعمالهم ومنعوا من السفر والحديث مع وسائل الاعلام
والصحافة.
وتحت الضغط الدولي والاقليمي، فإن العائلة السعودية
المالكة قد شيّدت قرية وهمية للاصلاح (باهرة في الظاهر
ولكنها مسلوبة الجوهر والمضمون في الواقع)، فيما تحافظ
على سيطرة مطلقة على كافة التطورات السياسية. ففي وقت
مبكر من هذا العام، انطلقت الانتخابات البلدية الجزئية
والمنظّمة بصورة صارمة، فيما لم يسمح برأي عام مستقل للتأثير
في متى وكيف تمت عمليات الاقتراع. فقد حُرم السكان من
الاناث بصورة كاملة من هذه العملية، وأن ربع السكان من
الذكور كان مؤهلاً للتصويت. وفي نهاية المطاف، فإن الاسلاميين
السلفيين هم الذين كسبوا الجولة.
ويواجه آل سعود تهديدين: الاول من الاسلاميين العنفيين،
والآخر من الاصلاحيين الليبراليين، وهناك مؤشر قوي على
أنهم يخشون من الاصلاحيين بدرجة أكبر.
وربما يعتقد الامراء بأن قتل المجرمين (الارهابيين)
أسهل من سحق المطالب بالعدالة الاجتماعية. وفي الواقع،
فإن قتل الاسلاميين العنفيين والمتواطئين مع القاعدة يحظى
بتأييد من قبل المجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة
حيث يعتبر ذلك نجاحاً في (الحرب على الارهاب). ولكن فيما
يصطاد النظام السعودي ويقتل المتطرفين المحليين العنفيين،
فإنه في المقابل يضيق الخناق بصورة هادئة على اولئك الذين
يريدون إصلاحاً معتدلاً. إن قمع الاصلاحيين الليبراليين
يمر دون ملاحظة في العالم الأوسع، حيث يمكن وبصورة خاصة
ملاحظة صمت أميركا في هذا الصدد.
إن هذا الصمت يعد حيوياً بالنسبة للأمراء، حيث يولون
آل سعود إهتماماً أكبر لدعم أميركا. وحيثما تستقر الاشياء
في السعودية، فليس لدى الادارة الاميركية حليف موثوق خارج
النظام الحالي. وعليه، وعلى الضد من أوكرانيا وجورجيا
وقرقيزيا ولبنان، فإنها لم تفعل شيئاً ما لتشجيع المعارضة
الشعبية. وطالما أن النظام السعودي ملتزم بتوفير حاجات
أميركا من البترول وأنه يحارب المتطرفين الاسلاميين، فإنه
سيتلقى الدعم والصمت الاميركيين، وتالياً موافقته الضمنية.
ولكن إغماض العين يعتبر قصر نظر، بالنسبة لأميركا وللسعوديين.
إن أولئك الذين يجعلون الثورات السلمية مستحيلة فإنهم
في المقابل يجعلون الثورات العنفية أمراً لا مفر منه.
إن الاصلاحيين الليبراليين الذين تم اعتقالهم قد يمهّدون
السبيل لتحوّل سلمي في السعودية بنموذج إصلاحي. ولكن بإعتقالهم،
فإن النظام قد قرر بوضوح أن يجعل العنف هو السبيل الوحيد
المفتوح لأولئك الباحثين عن التغيير.
|