رقاع القرآن في المتاحف ودعوى النقص
عبدالله فراج الشريف
ما اجمل ان يكتب احدنا عن قضية هامة جداً في الشأن
العام، لمصلحة الوطن والمواطن، ثم يتابعه الكتاب معلقين
على ما كتب. اما ان يطلق احد الكتاب مقولة عن شخصية عامة
لها مكانتها في المجتمع مؤولاً اقواله بما لا تدل عليه
الفاظه، ولا تؤديه عباراته فيتابعه الآخرون (فغير مقبول)،
كما حدث عندما علق الاستاذ عبدالله الخياط على المنشور
في ملحق الرسالة تحت عنوان(من جعبة الذاكرة) حيث أوَّل
ما كتبه الشيخ أحمد زكي يماني تحت هذا العنوان. قائلاً:
(يشايع به الذين يفترون على الله الكذب ويدعون بنقص بعض
آيات القرآن) وهذا نص الاستاذ الخياط بالفاظه، اما النص
الذي فهم منه هذا التأويل فلنقرأه الآن بتؤدة وروية ودون
انفعال، لنعلم يقيناً الا شيء في النص يستنتج منه مثل
هذا التأويل، والنص كما يلي: (ومن طريف ما رأيت قطعاً
من الجلد عليها آيات من القرآن الكريم بحروف غير منقطة،
وقيل: انه اجريت دراسات علمية لمعرفة عمر الجلد، الذي
كتبت عليها الآيات، فتجاوز عمره مائتين وخمسين والف وسنة
ميلادية، وهذا ما قادهم إلى افتراض ان بعض كتاب الوحي
من بني أمية لم يسلموا ما لديهم او بعضه من آيات الكتاب
الحكيم عندما جمع في عهد الصديق رضي الله عنه، واتلفت
جميع الآيات المتفرقة التي نزلت منجمة، وانه عندما دانت
دولة الامويين في الشام، وهرب عبد الرحمن الداخل إلى الاندلس،
حيث اقام دولة الامويين استطاع فيما بعد نقل الذخائر منها
تلك القطع التي كتبت عليها آيات من القرآن الكريم اثناء
نزول الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا
الافتراض مع كل قرائنه يقرب من الصحة، وينبئك ان المسلمين
اذا تفككوا واختلفوا فقدوا الكثير من تراثهم بل وفقدوا
كيانهم).
فاهتمام الشيخ كما ترى منصب على الرق الذي كتبت عليه
آيات من القرآن الكريم، ومن للتبعيض والقرآن معرف بالألف
واللام للعهد، اي هذا القرآن الذي نعرفه دون زيادة او
نقصان، فلا دلالة في هذا على ان صاحبه يقصد ان القرآن
اعتراه نقص بتسريب هذه القطع من الجلد إلى اوروبا، وانما
هو منسوخ عليها من القرآن ذاته، والأسى انها بايدي غير
المسلمين وهي من تراثهم الذي كتب في العصر الاول للإسلام،
ونقل ما يقوله المختصون عن عمر الجلد وافتراضهم انها نقلت
إلى الاندلس في عهد دولة بني أمية فيها، لا يعني أيضاً
تسليماً بأن في القرآن نقصاً، فلا لفظ في ما نقلناه لك
فيه دلالة على هذا المعنى، وهو لم يقل ان قول المختصين
صحيح وان رآه قريباً من الصحة، والشيخ أحمد زكي يماني
يعي ما يقول، وهو المتخصص في الشريعة والقانون، وسيدنا
زيد بن ثابت الذي كلف بجمع القرآن الكريم على عهد سيدنا
ابي بكر الصديق يقول:انه تتبع القرآن من العُسُب واللخاف
وصدور الرجال، ولا ترد رواية صحيحة انه صادر ما بيد كتاب
الوحي من آيات مكتوبة، كما لم يرد اصلاً انه حرق شيء من
هذا، والقرآن جمع ثلاث مرات كما يقول المختصون من علماء
الأمة بعلوم القرآن، اولاها في عهد سيدنا رسول الله -
صلى الله عليه واله وسلم... ثم في عهد ابي بكر الصديق
رضي الله عنه، ثم في عهد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله
عنه.
والقول بأن بعض ما كتب بين يدي رسول - صلى الله عليه
وآله وسلم - انتقل إلى الاندلس مع بعض بني أمية، لا يعني
ان القرآن ناقص، وما نقلناه لك بلفظ الشيخ أحمد زكي وعبارته
لا يدل على شيء من ذلك ابداً، اما البحث عن النيات وتأويل
الاقوال بالهوى فذاك أمر يسأل عنه صاحبه الذي كتبه او
نطق به، ولا يحمل غيره وزره، وعلى من قرأ تأويله ان يرجع
للنص الاصلي حتى يتأكد ان كان هذا التأويل يمكن فهمه منه
ام لا، ثم ان احسان الظن بالمسلم وحمل قوله على احسن محامله
من اصول الإسلام الثابتة وآدابه الراقية، لأن دعوى ان
مسلماً يرى ان القرآن الذي بين ايدينا ناقص سوء ظن يخرجه
من الملة، ولا يجرؤ على اتهام المسلم به احد يتقي الله
ويرجو ما عنده، ولعل الذين تابعوا الاستاذ الخياط على
مقولته لم يقرأوا النص الاصلي الذي كتبه الشيخ أحمد زكي
يماني ولم يطلعوا عليه، وهم حتماً لو قرأوه بروية لما
انساقوا إلى سوء الظن بلا دليل، فهّلا عادوا اليه وكرروا
عباراته، حتى تكون احكامهم منصفة، ولعرفوا ان في افكار
الاستاذ عبدالله الخياط الكثير من المزاعم التي لا يؤيدها
حقيقة ظاهرة.
فالقول: ( بأن رجال الكنيسة ناهيك عن الحبر الاعظم
والكرادلة يحفظون القرآن عن ظهر قلب بل ويعرفون حق المعرفة
كل ما قيل في تفسيره ومدلولاته) زعم باطل لا يؤيده واقع،
فكثير من هؤلاء لم يحفظ الانجيل ولم يعرف تفسيره ومدلولاته،
فكيف بالقرآن الذي هو كتاب لا يؤمن به، ان ما طرحته هنا
لم ارد به الدفاع عن الشيخ أحمد زكي يماني، ولكني اردت
الا ننساق وراء مقولة مهما كان مصدرها عن أحد من الخلق
قبل البحث عنها بروية وان نوثق اقوالنا وألا نرميها جزافاً،
فنحن مسؤولون امام الله عن كل ما نكتب وكل ما ننطق، فهل
نحن مقدرون؟
|