القاعدة وآل سعود: عداء أبدي أم زواج سري؟
جون برادلي، 14/10/2005
في فبراير الماضي، وبعد مضي أقل من عامين على التفجيرات
الانتحارية التي استهدفت المجمعات السكنية للغربيين في
الرياض، والتي قتل فيها أربعة وثلاثون شخصاً من بينهم
تسعة أمريكيين، كانت تلك فاتحة لموجة من الإرهاب المسلح
لم يسبق لها مثيل، عمت أرجاء المملكة. وقد استضافت العاصمة
السعودية مؤتمراً لمكافحة الإرهاب الدولي استمر ثلاثة
أيام.
وخلال الفترة الزمنية القصيرة بين تلك التفجيرات ومؤتمر
الإرهاب في الرياض، تحولت صورة المملكة العربية السعودية
التي طالما اتسمت بالهدوء النسبي في منطقة مضطربة، إلى
مكان أصبح مسؤولاً من عدة جوانب عن ميلاد ونمو تنظيم القاعدة،
وحيث يُقَرَّر فيها انتصار أو انتهاء هذه المنظمة الإرهابية
الدولية.
وتأكيداً لرغبة الرئيس جورج بوش للعمل بشكل وثيق قدر
الإمكان مع آل سعود في الحرب الدائرة ضد تنظيم القاعدة،
والجماعات الموالية له والمتعاطفين معه في المملكة العربية
السعودية وفي أماكن أخرى، أعلنت مستشارة الأمن الداخلي
فرانسيس فراكوس تاونسيند في المؤتمر أن واشنطن ''تقف بقوة''
مع حكام المملكة. حيث أكدت أن المؤتمر كان دليلاً إيجابياً
على التزام آل سعود باستئصال الإرهاب.
غير أن المراقبين جميعاً لم يُفاجئوا بتلك المداولات
المرتبة سلفاً في الرياض. حيث أن الوفود التي جاءت من
منظمات دولية عديدة ومن الولايات المتحدة إلى جانب خمسين
وفداً من الدول العربية والآسيوية والأوروبية، باستثناء
إسرائيل التي لم تكن كما كان متوقعاً بين المدعوين الذين
جلسوا للاستماع إلى كبار الأمراء السعوديين وهم يلقون
خطابات تُدين الإرهاب، وهم الذين طالما وجهت إليهم الاتهامات
بالفشل في منع تدفق الأموال من المؤسسات الخيرية الموجودة
في السعودية إلى المنظمات الإرهابية.
وقد أشارت الحكومة الأمريكية مؤخراً في يوليو إلى أن
الأثرياء السعوديين ''لا يزالون يشكلون مصدراً هاماً''
للتمويل بالنسبة للإرهابيين المسلمين في جميع أنحاء العالم،
وذلك بالرغم من الجهود المعلنة لإغلاق هذه القنوات. وعلى
رأس هذه الاتهامات، من المعروف على نطاق واسع أن العائلة
المالكة عملت على تقوية شوكة المؤسسة الدينية الوهابية
المتشددة التي تدعو إلى تفسير متطرف للإسلام، ويقول معارضوها
أنها بمثابة الموجه والمُلهم للإرهابيين من أمثال المنشق
السعودي أسامة بن لادن وأتباعه، حيث منحتها السيطرة الفكرية
على المساجد والجهاز القضائي والمدارس ووسائل الإعلام
والشرطة الدينية.
ولذلك، كان هنالك نوعين من ردود الأفعال تجاه المؤتمر،
عكست وجهات نظر متعارضة كلياً بين المراقبين للسعودية
في الغرب حول دور المملكة في الحرب على الإرهاب. وأحد
هذه الأطراف يشتمل على البعض من أمثال تاونسيند، الذين
يعتقدون أن المملكة حليف هام، مركزين على الرمزية القوية
للمؤتمر. وقد شددوا على أن أحد أهم أهدافه كان تبديد الشكوك
الغربية حول التزام العائلة المالكة السعودية بمحاربة
الإرهاب. بينما كان على الطرف الآخر أولئك الذين يرون
ازدواجية في كل ما يقوله آل سعود، وينتقدون الرمزية المفرطة
في المؤتمر بشكل خاص، حيث سمح ذلك للنظام أن يعرض نجاحاته
المزعومة في مكافحة الإرهاب، دون الحاجة إلى المشاركة
في حوار واسع حول القضايا المثيرة للجدل.
وكلا التفسيرين يشتمل على شيء من الحقيقة. ففيما يتعلق
بموضوع محاربة القاعدة، فإن نظام آل سعود كان جزءاً من
المشكلة باستمرار ومن جوانب أساسية. ومع أنه لا يمكننا،
بالنظر إلى الطبيعة المطلقة لحكم آل سعود وغياب البدائل
المقبولة، على الأقل في نظر الغربيين، أن ننكر أن هذا
النظام لا غنى عنه حين البحث عن حل لمشكلة الإرهاب. وقد
اعترفت تاونسيند ضمنياً في الرياض بأنه إذا كان هدف بن
لادن هو الإطاحة بآل سعود، ومن ثم اكتساب الشهرة التي
سيجنيها من الوصاية على الحرمين الشريفين، والسيطرة على
ربع الاحتياطيات النفطية المعروفة في العالم، فإن السياسة
الرئيسية للولايات المتحدة في هذه الحالة هي العمل من
أجل ضمان استمرارية العائلة المالكة.
تنظيم القاعدة يراهن على
ادعاءاته
ومن الغريب أن بن لادن يتفق مع تانونسيند في رأيها
بأن المعركة النهائية من الجهاد العالمي الذي يدعو إليه
تنظيم القاعدة ستدور رحاها في المملكة العربية السعودية.
وبسبب الفشل في الإطاحة بالأنظمة الحاكمة أو إقامة حكومات
إسلامية في كل من الجزائر ومصر والسودان واليمن وأفغانستان،
وكذلك الفشل الوشيك في العراق، فإن المكان الذي ولد فيه
بن لادن سيبقى فرصته الأخيرة. لأنه إذا ما فشل هناك، فسيكون
في النهاية قد فشل في إستراتيجيته برمتها. وبالرغم من
رغبتها الواضحة في القيام بعمليات إرهابية على نطاق أصغر،
إلاّ أنه يبدو أن خلايا القاعدة في المملكة العربية السعودية
لا زالت ممسكة عن شن هجمات مباشرة على المنشآت والأنابيب
النفطية أو على العائلة المالكة نفسها.
بل أن بن لادن نفسه، في خطابيه المباشرين للنظام السعودي،
في أغسطس 1995، وديسمبر 2004، دعا إلى إصلاح داخلي ضمن
الحكومة السعودية بدلاً من الثورة ضدها. كما أن بعض الذين
يسمون أنفسهم متحدثين باسم تنظيم القاعدة، ينشرون في مواقع
الإنترنت بأن التنظيم لن يشن هجوماً على نطاق واسع ضد
آل سعود وشريانهم الاقتصادي، لأن التهديد المباشر لحكمهم
سيجبر الأمراء ''على أن يصبحوا قبضة حديدية واحدة''. وإن
هجمة كبرى من هذا النوع يمكن أن تؤدي إلى فرض حالة طوارئ،
والحد من قدرة الإرهابيين على التنقل. ويقول المتحدث باسم
التنظيم، من الأفضل أن نجعل العائلة المالكة تتصارع فيما
بينها حول الإصلاحات، في ظل تزايد الاستياء من المشاكل
الاقتصادية. وعندما تدخل المملكة العربية السعودية حالة
مستمرة من عدم الاستقرار، فستصبح حينئذ أرضية خصبة لاستقطاب
السلاح والمال والمتطوعين.
ويقول المنتقدون، كل هذه أمور مفهومة بشكل جيد من قبل
آل سعود، ويقال أنهم قاموا برشوة تنظيم القاعدة في عقد
التسعينيات لضمان عدم شن هجمات مباشرة ضد نظامهم. والشيء
الغريب في الحقيقة، أنه بالرغم من الاتجاه المعلن بأن
تنظيم القاعدة سيطيح بالعائلة المالكة السعودية، وسيستبدلها
بنظام من شاكلة نظام طالبان، إلاّ أنه لم يتعرض أي من
الأمراء السعوديين للاغتيال، بالرغم من أن الآلاف منهم
يمكن التعرض لهم بشكل أسهل من الوصول إلى الغربيين الذين
يعيشون في مجمعات سكنية تخضع لحراسة مشددة. ولذلك، هل
من الممكن أن يرى بن لادن في المؤسسة الوهابية الدينية
الرسمية التي يعترف بأنه يحتقرها، لأنها تضفي الشرعية
على حكم آل سعود بإصدار فتاوى مدفوعة القيمة، كما يتهكم
الإسلاميين، أنهم من أوثق حلفائه من الناحية الفكرية،
في عالم يعيش فيه مهمشاً ومطارداً على الدوام؟
ترويج الحل
إن دور آل سعود باعتبارهم جزء من الحل، هو الأسهل في
التقييم لأنه معلن، بدلاً من الغموض المتعمد الذي يضفيه
عليه المسؤولون الرسميون ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها
الدولة. وبرنامج الحكومة السعودية لمحاربة الإرهاب يشتمل
على عرض العفو عن المتمردين الذين يقومون بتسليم أنفسهم،
ومن ذلك أنهم لن يواجهوا عقوبة الإعدام، ولن يحاكموا إلاّ
إذا كانوا قد ارتكبوا أعمالاً أضرت بالآخرين؛ إلى جانب
حملة قوية ضد التطرف في وسائل الإعلام السعودية ومن خلال
اللوحات الإعلانية في المدن الرئيسية، والتي وجدت دفعاً
كبيراً بسبب العدد الكبير من الضحايا السعوديين وإخوانهم
من المسلمين في تفجيرات نوفمبر 2003، وكذلك إعادة تأهيل
رجال الدين المتطرفين. وبالرغم من أن التفاصيل لا تزال
مبهمة ولم تكن هنالك أية مصادر مستقلة من شانها تأكيد
أن هذا التدريب قد تم فعلاً؛ وكذلك التعاون غير المسبوق
بين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وقوات الأمن
السعودية، والذي اشتمل على مركزين متقدمين للقيادة في
كل من جدة والرياض.
إن الهجمات التي وقعت في شهر مايو 2003 كانت بمثابة
الصدمة التي أدت إلى إفاقة أسرة آل سعود، ودفعتها إلى
وضع البرنامج الذي أشرنا إليه أعلاه، ومنذ ذلك الحين وجدت
نفسها محاصرة في دائرة من المواجهات المسلحة مع المتمردين.
ففي الفترة بين مايو 2003 ويونيو 2004، على حد قول الرئيس
السابق لجهاز الاستخبارات السعودي، الأمير تركي الفيصل،
وقع في المملكة أكثر من 30 حادث من الحوادث الكبيرة ذات
العلاقة بالإرهاب، قتل فيها 91 على الأقل من المدنيين
الأجانب والسعوديين، وجرح 510.
كما صرح الفيصل أيضاً بأن 41 من رجال الأمن قتلوا وجرح
218 آخرين، بينما قتل 112 من المتمردين وجرح 25، ومن ذلك،
الهجوم الذي وقع في نوفمبر 2003 في مجمع سكني آخر بالرياض
قتل فيه 17 شخصاً، غير أن أغلب القتلى كانوا من المسلمين
هذه المرة. ولكن هذا الهجوم يبدو حادثاً معزولاً، حيث
أن جميع الهجمات الأخرى كانت تستهدف النظام، أو رعايا
الدول الغربية، والمباني والشركات.
وفي مايو 2004، قام مسلحون بقتل موظف في شركة (ABB
Lummus Global) الأمريكية التي مقرها في مدينة هيوستن،
وذلك في مدينة ينبع الساحلية على البحر الأحمر، حيث قتل
ستة غربيين وسعودي في ذلك الهجوم. وبعد شهر من هذا الهجوم،
تم استهداف المجمعات السكنية لشركات النفط في مدينة الخُبر
بالمنطقة الشرقية، حيث تم احتجاز الرهائن في مبنى الواحة
السكني، وقد قتل 30 شخصاً على الأقل. وفي ديسمبر 2004،
هوجمت القنصلية الأمريكية في جدة، وتمكن المتمردون من
اختراق تحصيناتها الدفاعية، وقاموا بإنزال العلم الأمريكي
على الأرض قبل أن يتم قتلهم. وقد أعلنت جماعة تسمي نفسها
تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، مسؤوليتها عن أغلب
هذه الهجمات الكبيرة. وفي نفس الوقت، كانت الخلايا التابعة
لتنظيم القاعدة في جدة والرياض ومن وقت لآخر تقوم باختطاف
الغربيين وإعدامهم. وقد كان أشهر هؤلاء هو المقاول الأمريكي
بول جونسون الذي تم اختطافه وذبحه في يونيو 2004 بالرياض،
وقد تم تسجيل هذه الجريمة الوحشية على شريط فيديو وتم
إرسالها إلى مواقع الإنترنت الإسلامية.
تفجيرات القاعدة في السعودية ملاذها الأخير
|
وفي ظل هذه الأعمال الوحشية، لا أحد يمكنه التشكيك
في التزام النظام السعودي في مطاردة وقتل المتمردين من
أفراد خلايا القاعدة التي يبدو أنها تتجنب شن الهجمات
المباشرة على العائلة المالكة السعودية. غير أن إنكار
نشوء التطرف داخل البلاد، الذي ظهر في رفض الأمير نايف
الاعتراف بأن خمسة عشر من الخاطفين التسعة عشر في الحادي
عشر من سبتمبر كانوا سعوديين، أصبح أثراً بعد عين.
وفي الحقيقة أن قوات الأمن الداخلي التابعة للأمير
نايف، قد تحملت العبء الأكبر من الضحايا، فقد خسرت الكثير
من الرجال في محاربة الخلايا المشتبه انتماؤها لتنظيم
القاعدة، أكثر مما خسرته أي قوة أخرى في العالم العربي.
وفي إبريل صدر بيان من وزارة الداخلية أوضح أن سكان مدينة
سكاكا في منطقة الجوف شمال البلاد شهدوا منظراً مريعاً
في الميدان العام بالمدينة، حيث شاهدوا ثلاثة جثث للمتمردين
الذين تمت إدانتهم، وهم مربوطون على أعمدة وقد وضعت رؤوسهم
المقطوعة إلى جانب جثة كل منهم. وكان هؤلاء الثلاثة الذين
عادوا من أفغانستان، أعدمتهم الحكومة المركزية بعد أن
أدينوا بقتل نائب أمير المنطقة، وأحد كبار القضاة في المحكمة
الشرعية، وأحد رجال الشرطة. كما أنهم قاموا بقتل جندي
سعودي واختطفوا أحد الرعايا الأجانب، وذلك قبل أن تتحول
ظاهرة الاختطاف إلى موضة تمارسها الجماعات الإسلامية في
الشرق الأوسط.
وفي قمة الاضطرابات في مدينة الجوف في عام 2003، وهي
مركز نفوذ أبناء بنت السديري من العائلة الحاكمة، ومنهم
الملك السابق فهد ووزير الدفاع الأمير سلطان، وأمير منطقة
الرياض الأمير سلمان، مثَّل عالماً مصغراً في الإضرابات
التي كادت أن تتحول إلى انتفاضة عامة. ونهاية التمرد في
إبريل من هذا العام، بعرض رؤوس زعمائها بقسوة أمام الملأ،
كانت لحظة انتصار لآل سعود على أشد أعدائهم المحليين تطرفاً،
على الأقل في الوقت الحاضر.
قائمة الستة وعشرين المطلوبين لم يبق منها غير اثنين
فقط، بينما تم قتل الآخرين أو تم اعتقالهم أو بادروا بتسليم
أنفسهم. وبعد ساعات فقط من إصدار الرياض قائمة تشتمل على
36 من الإرهابيين المطلوبين، تم قتل الإرهابي المغربي،
يونس محمد إبراهيم الحياري، في تبادل لإطلاق النار مع
قوات الأمن السعودية.
هل هو مغذي للمشكلة ؟
إن الدور الآخر لآل سعود ـ أي دورهم في المشكلة- من
الصعب توثيقه وتفسيره، لأن النظام السعودي لا يريد للعالم
أن يعرف هذا الدور. ولكن الشيء الواضح هو السياق العام:
إن حرب الرياض ضد الإرهاب منذ عام 2003، وما صاحبها من
دعوة إلى الوحدة الوطنية هيأت واجهة للعمل من خلف الستار
لتقوية دور السلطة الدينية الوهابية، الشريكة الأساسية
لآل سعود.
مثل هذه التحركات، تُعَد أخباراً سيئة ''للحرب على
الإرهاب'' في المملكة العربية السعودية وفي غيرها. فالعائلة
المالكة السعودية قد فرضت قيوداً صارمة على تنظيم القاعدة
في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وما تلا ذلك من
حملة العنف التي شنها الإسلاميون داخل المملكة لحشد دعم
أتباعهم الأساسيين، غير أن هؤلاء تأثّروا بالقمع، كما
أنها لم تصل إلى الشعب من خلال الحملات الدعائية وحسب،
بل المؤسسة الدينية المتشددة التي تضفي الشرعية على حكم
العائلة المالكة بدعمها. وقد ادعى النظام تبني نهج إسلامي
''أصح'' من الذي تتبناه المنظمات الإرهابية. ولكن الخط
الفاصل بين ذلك الإسلام ''الصحيح'' وبين العقيدة المعلنة
لتنظيم القاعدة يصبح مشوشاً بشكل متزايد.
ورغبة من القادة السعوديين في خطب ود الإسلاميين في
مواجهة اتهامهم بالعمالة لأمريكا، عملوا على تشجيع عدد
من رجال الدين الذين لم يكونوا معارضين للنظام، ولكنهم
أيضاً لا ينتقدون الإرهابيين بشكل علني، وقد يكون الأمر
عكسياً في بعض الأحيان. إن الخطاب الذي يتبناه رجال الدين
هؤلاء، وكذلك أفعالهم، يتحدى الصيغة الرسمية لرواية محاربة
الإرهاب التي قُدِّمت في مؤتمر الرياض، وتم ترويجها على
نطاق واسع بواسطة وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة،
وكذلك عبر السفارات السعودية في الخارج، حيث تم ربطها
بالحقيقة من خلال المصادمات المتكررة بين قوات الأمن والمتمردين
المشتبه بهم. وبالرغم من الجهود التي يبذلها آل سعود لملاحقة
الذين يشكلون تهديداً مباشراً لحكمهم، إلاّ أنهم أقل حرصاً
على معالجة المسائل الأساسية المرتبطة بتمويل التبرير
الفكري وتجنيد الأتباع لتنظيم القاعدة.
ومن الأمور التي أثارت القلق بعد مضي أربعة أيام فقط
على انتهاء مؤتمر مكافحة الإرهاب، وقبل يوم واحد من الجولة
الأولى في انتخابات المجالس البلدية، أعلنت الرياض تعيين
عبد الله العبيد وزيراً جديداً للتعليم في المملكة، وهو
رئيس سابق لإحدى المؤسسات الخيرية السعودية. وهذا الرجل
الذي وصفته صحيفة وول ستريت جورنال بأنه ''مسؤول رسمي
متورط في عملية تمويل مثيرة للجدل''، كان مديراً لرابطة
العالم الإسلامي في السابق، وهي المؤسسة الأم التي تضم
هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، التي تزعم وزارة الخزانة
الأمريكية أنها ربما كانت على صلة ببعض الجماعات الإرهابية
الإسلامية. وقد عمل العبيد رئيساً لرابطة العالم الإسلامي
في الفترة من 1995 وحتى 2002، وهي الفترة التي أنفقت فيها
الرابطة عشرات الملايين من الدولارات لتمويل نشر المذهب
الوهابي. وقد نقلت صحيفة وول ستريت مقالاً للعبيد نشر
عام 2002 وجه اللوم لبعض مراكز ووسائل الإعلام التي يديرها
اليهود في الغرب، على نشر تقارير تربط بين الإسلام والإرهاب.
كما قيل أنه قام بتنظيم ندوات قال فيها أن الهجمات الانتحارية
التي يشنها الفلسطينيون ضد الإسرائيليين ''دفاع عن النفس''
وأنها ''مشروعة وتجيزها جميع القوانين الدينية والاتفاقيات
والمواثيق والإعلانات الدولية''.
وبناءً على هذه الأدلة، فإن العبيد، الذي أخذ مكان
وزير التعليم العلماني التقدمي، محمد الرشيد، الرجل الذي
لم يحظى بحب الوهابية المتشددين، ليس هو الرجل الذي يثق
فيه الغرب لإزالة النصوص المعادية للسامية والمسيحيين
من المناهج الدراسية السعودية، ناهيك عن خطابه الجهادي،
حيث يلام على نطاق واسع بسبب تقديمه التبريرات الفكرية
لشن الهجمات التي تشنها الجماعات الإرهابية مثل تنظيم
القاعدة ضد غير المسلمين.
ولنفس السبب، لا يمكن أيضاً الوثوق برئيس القضاء السعودي،
صالح بن محمد اللحيدان، والذي يحتل درجة وزير في الحكومة.
فهنالك اتهامات للّحيدان بإرشاد السعوديين إلى قتال القوات
الأمريكية والعراقية في العراق في سبيل الله. وفي أحد
التسجيلات التي تم رصدها في أكتوبر 2004 وتم توزيعه بواسطة
جماعة سعودية معارضة مقرها في واشنطن، يتحدث اللحيدان
في أحد المساجد في الرياض رداً على أسئلة مجموعة من السعوديين
الذين أرادوا الانضمام إلى المنظمات الإرهابية في العراق.
حيث يُسمع صوته في التسجيل وهو ينصح الذين لا يزالون يرغبون
في الانضمام إلى القتال بأن يكونوا على حذر عند دخولهم
تلك البلاد لأن الطائرات والأقمار الصناعية وأجهزة المراقبة
الأمريكية قد تقوم بمراقبة الحدود. ويضيف قائلاً أن السعوديين
الذين ينجحون في دخول العراق لن يتعرضوا للعقاب بواسطة
قوات الأمن السعودية، ويؤكد بأن الأموال التي جمعت للجهاد
يجب أن تذهب مباشرة إلى الذين يعدون لشن الهجمات.
هنالك اثنين من أكثر رجال الدين الوهابية تطرفاً، سفر
الحوالي وسلمان العودة، يعرفان ''بشيوخ الصحوة'' لما كان
لهما من تأثير قوي على الشباب العربي المسلم في عقد التسعينيات
في أعقاب حرب الخليج، حيث قام آل سعود بسجنهما، ثم عادا
إلى الاتجاه العام، بل أصبحا يلعبان دور الوسيط بين الحكومة
والإرهابيين المشتبه بهم.
والحوالي، الذي قيل أنه كان يعاني بشكل متكرر من جلطة
دماغية، هو أمين عام الحملة العالمية لرد العدوان، وهي
هيئة معارضة معادية لأمريكا أسسها أكثر من 225 من الشخصيات
المتطرفة من أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي رداً على
الغزو الأمريكي للعراق، والبيان التأسيسي للهيئة أدان
''الصهاينة والإدارة الأمريكية التي يقودها المتطرفين
من الجناح اليميني الذين يسعون لفرض سيطرتهم على الشعوب
والأمم، وينهبون مواردها ويدمرون إرادتها، وتغيير مناهجها
الدراسية وأنظمتها الاجتماعية''. وفي نوفمبر 2004، كان
الحوالي والعودة بين ستة وعشرين من رجال دين سعوديين،
أغلبهم يتلقون رواتبهم من العائلة المالكة السعودية، حيث
قام هؤلاء بنشر فتوى دينية تطالب المسلمين بالجهاد في
العراق.
وتقول الفتوى ''الجهاد ضد المحتلين واجب، وهو ليس أمراً
مشروعاً وحسب، بل هو واجب ديني''. غير أن بقاء هذين الرجلين
كلٌ في عمله يعني الشيء الكثير. وتقوم الإستراتيجية السرية
لآل سعود على إرسال رسالة مفادها أنه لا بأس من مهاجمة
''الكفار'' في العراق، ولكن ليس في المملكة العربية السعودية.
ومنتقدي النظام يشيرون إلى هذا عندما يتحدثون عن ''الازدواجية
السعودية''. وبناءً على دراسة أجريت مؤخراً، أن حوالي
60% من الانتحاريين في العراق، هم من السعوديون، بل أن
أحد المحللين السعوديين اعترف بأن 2500 من السعوديين عبروا
الحدود إلى العراق للانضمام إلى المقاومة. وقد كتب سيمون
هندرسون، مراقب الوضع في السعودية والخبير في شؤون الخليج
ما يلي:
(خوفاً على رقابهم، يتحمل آل سعود المراوغة السياسة،
على أمل تقليص التأييد لتنظيم القاعدة بين مواطنيهم ولكسب
معركة نيل الشرعية الإسلامية. وتنظيم القاعدة يعرف القواعد
الأساسية، وهي استهداف الأجانب. ولذلك ليست هنالك أية
هجمات مباشرة ضد أعضاء العائلة المالكة. وكان بعض المسؤولين
الغربيين يقولون قبل الحادي عشر من سبتمبر أن بعض كبار
الأمراء كانوا يدفعون الأموال لإبن لادن مقابل عدم مهاجمة
المملكة بشكل عام. وقد انتهي ذلك عندما أدت الضغوط الغربية
إلى وقف هذه الأموال. وبالنسبة إلى الغرب، فإن هذا يعني
المزيد من الإرهاب، وارتفاعاً في أسعار النفط).
إن الإستراتيجية الجديدة التي ترمي إلى تشجيع السعوديين
على تفجير أنفسهم في العراق، أو على الأقل عدم معاقبة
الذين يشجعون على هذه الأعمال علانية، تضمن الاستمرار
لهذا النظام. وهي أيضاً تمثل محاولة أخرى من آل سعود لتأجيل
المواجهة النهائية مع بن لادن وأتباعه. إن آل سعود لم
يقوموا بجهد يذكر لمنع الشباب السعوديين من السفر إلى
العراق، هذا إن فعلوا شيئاً أصلاً. كما فشل النظام في
مواجهة الثقافة الجهادية بشكل حازم في مدارسه ومساجده
والحملات الدعائية، حيث أن حديث وزير التعليم ورئيس الجهاز
القضائي، دليل على خطر الخيانة في هذه المهادنة.
العنف السعودي للتصدير عراقياً
|
لقد زاد نظام آل سعود الطين بله بحملاته المضللة. حيث
أن البحث عن جثة بول جونسون كان مثالاً جيداً لذلك. وبعد
ساعات فقط من قتله، قامت قوات الأمن السعودية بقتل رجل
قيل أنه عبد العزيز المقرن، زعيم تنظيم القاعدة في المملكة
العربية السعودية، في كمين بالقرب من إحدى محطات البنزين
في العاصمة. وقالت السلطات السعودية أنها ضبطتهم هو وعدد
من أتباعه وهم يحاولون التخلص من جثة بول جونسون.
ولكن الذي اتضح في اليوم التالي أن جثة بول جونسون
لم يتم العثور عليها. وحتى هذا اليوم لم يتحدد مكانها،
والسفارة الأمريكية في الرياض دعت إلى إيقاف البحث عنها.
وفي الحقيقة، بالرغم من محاولة الربط بين المقرن ومحاولة
الاختطاف هذه، مع أنه يمتلك تاريخاً دموياً طويلاً من
القتال في الشيشان والتخطيط لهجمات مايو 2003 على ما يبدو،
إلاّ أنه ربما كان بريئاً من هذا العمل الفظيع.
وقد صرح المتحدثون السعوديون في كل من الرياض وواشنطن
أن السلطات قامت بمطاردة هائلة كادت أن تنقذه، ولكنها
على الأقل تمكنت من إقامة محاكمة صورية لخاطفيه بعد فترة
وجيزة من فعلتهم. غير أن هذه القصة تحولت إلى مثال آخر
للخطاب المخالف للحقيقة. وبدلاً من ذلك، هنالك ما يشير
إلى أن المقرن تم استدراجه إلى فخ مستقل ومخطط بشكل جيد
قبل اختطاف جونسون، وأن الذي قام بالاختطاف هو قائد آخر
من قادة الإرهابيين، وهو صالح العوفي، والذي أعلن فيما
بعد خليفة للمقرن. وعندما تم الحصول على رأس جونسون بعد
شهر، كانت موضوعة في فريزر في منزل كان يستخدمه صالح العوفي.
علاقات خطيرة
اختراق تنظيم القاعدة لقوات الأمن السعودية، والتعاطف
الواسع لأفراد هذه القوات مع أهداف المنظمة الإرهابية،
والتسريبات الاستخبارية التي نجمت عن ذلك، كانت لها العديد
من النتائج السلبية، وأخطر هذه النتائج كان اغتيال بعض
الضباط، والتعاون بين أفراد قوات الأمن من الرتب الدنيا
مع الإرهابيين أثناء الهجمات.
أعضاء جهاز أمن الدولة، ومهمتهم هي إبقاء آل سعود على
السلطة في وجه المعارضة الداخلية المتصاعدة، وجدوا أنفسهم
مباشرة في خط نار المتطرفين. إحدى الجماعات الإسلامية
السعودية المتطرفة التي تنتمي إلى تنظيم القاعدة، ادعت
المسؤولية عن تفجير سيارة المقدم إبراهيم الضالع في ديسمبر
2003 في الرياض، وهو ضابط كبير في الأمن السعودي، والذي
نجا بجلده من الحادث. وقالت الجماعة، وهي كتائب الحرمين،
أنها حاولت قتل اللواء عبد العزيز الهويريني، وهو الرجل
الثالث في وزارة الداخلية السعودية، وكان قد تعرض لإطلاق
نار في نفس الشهر. وقد حذر البيان الضالع ''وأمثاله''
من مغبة حربهم التي يشنونها على الإسلاميين في المملكة
العربية السعودية.
ولم تكن تلك مجرد تهديدات فارغة. ففي إبريل 2004، قام
أحد الانتحاريين بقيادة شاحنة واقتحم بها رئاسة وحدة مكافحة
الإرهاب في الرياض، حيث قام بتدمير جزء كبير من المبنى،
وقتل خمسة أشخاص. وفي ديسمبر من نفس العام، عمد المتمردون
إلى مهاجمة وزارة الداخلية في الرياض نفسها، وبالرغم من
أن الخسائر كانت طفيفة، إلا أنه كانت هناك مزاعم بأن الأمير
نايف كان المستهدف بهذا الهجوم. إلاّ أن تلك المزاعم أثارت
الشكوك لأن الأمير نايف كان في زيارة رسمية إلى تونس في
الوقت الذي وقع فيه التفجير. وفي يونيو، قتل مبارك الصوات،
رئيس شعبة التحقيقات في الشرطة، وهو من القيادات المؤيدة
لشن هجمات استباقية على المتطرفين المشتبه بهم، وذلك بعد
أن أطلق عليه تسع رصاصات خارج منزله، ثم تم تقطيعه إلى
عدة قطع بفأس.
وقالت زوجة الصوات لوسائل الإعلام المحلية، في إشارة
نادرة إلى الذعر والخوف الذي يعيش فيه كبار ضباط الأمن
السعوديون الآن، أن زوجها قد تلقى الكثير من التهديدات
بالقتل على هاتفه النقال وعلى بريده الإلكتروني في الشهور
والأسابيع التي سبقت اغتياله وقد كان ''عصبياً وشارد الذهن
على الدوام''. وقد أصبح ''قلقاً وخائفاً باستمرار'' بعد
أن عاد من الرياض في بداية ذلك العام.
ومن الواضح أن هؤلاء الذين يستهدفون أمثال هؤلاء الأفراد،
لابد وأن لديهم معلومات استخبارية ممتازة ربما قدمت إليهم
من بعض الذين يعملون داخل أجهزة الأمن. حيث أنهم يملكون
معلومات جيدة عمن يريدون استهدافه، بالإضافة إلى تحركاته
الدقيقة، والوقت المناسب لضربه. وهنالك أيضاً الكثير من
الأدلة حول التعاون بين الإرهابيين وقوات الأمن في تنفيذ
الهجمات الإرهابية، أو على الأقل في عدم الرغبة في التحرك
السريع في بعض الحالات.
وفي الهجمات التي شنت على المجمعات السكنية في ينبع
والخبر في مايو 2004، مرت 90 دقيقة على الأقل قبل أن ترد
قوات الأمن. وفي الخبر، سمح للإرهابيين بأن يذهبوا طلقاء،
ليقاتلوا إلى اليوم التالي، عندما غضت قوات الأمن الطرف
عنهم، وذلك بالرغم من أن المجمع السكني الذي اختفوا فيه
كان محاصراً بالكامل.
إن الهجمات التي تم تنفيذها في الرياض في مايو 2003
كانت تعتمد على قدر كبير من المعلومات الدقيقة حول المجمعات
السكنية الثلاث التي تم استهدافها، ومن المؤكد تقريباً
أنهم حصلوا عليها ممن يتولون ''الدفاع'' عن هذه المجمعات.
حيث قام الانتحاريون بتفجير سياراتهم داخل المبنى السكني
الرئيسي في مجمع قرطبة، حيث أن الوصول إلى المبنى من البوابة
استغرق منهم أقل من دقيقة. وبينما كانوا يسيرون بسرعة
هائلة ومعهم قنبلة بزنة 200 كيلو جرام إلى الجزء الذي
يحوي أكبر كثافة سكانية في المجمع، كان عليهم معرفة أماكن
مفاتيح تشغيل البوابات بعد مهاجمة الحراس، وكذلك معرفة
مكان المبنى السكني الرئيسي بدقة.
المعركة النهائية؟
في خطابه الذي وجهه للعائلة المالكة السعودية في ديسمبر
2004، أطلق بن لادن دعوة غير مسبوقة إلى شن هجمات لتخريب
المنشآت النفطية في الخليج، بما في ذلك المملكة العربية
السعودية. حيث قامت عناصر تنظيم القاعدة في المملكة العربية
السعودية على الفور بشن الهجمات على صناعة النفط. وقال
البيان الذي نشر عبر الإنترنت ''ندعو جميع المجاهدين في
جزيرة العرب إلى الوحدة، وأن يستهدفوا إمدادات النفط التي
لا تخدم الأمة الإسلامية، وتخدم أعداءها''.
هذا النهج الجديد لأبن لادن يعد نقلة في خطط تنظيم
القاعدة، كما يعتبر انقلابا على الفتاوى التي أصدرها هو
وآخرون في عقد التسعينيات بتحريم مهاجمة المنشآت النفطية
في العالم الإسلامي. لأن الإمبراطورية الإسلامية المأمولة
التي أعلنها هو وآخرون في السودان في عام 1993 كانت ستحتاج
إلى عائدات النفط لتزدهر، وكان لابد من المحافظة على المنشآت
النفطية من أجل مجد الإسلام. وفي المملكة العربية السعودية،
أصبحت هذه الأنابيب الأهداف الواضحة الجديدة للمجاهدين
السعوديين. ويمكن تخريب هذه المنشآت بواسطة أحد الهواة
من الذين لم يتلقوا التدريب العسكري، وإن الهجوم الناجح
سيكون له أثر نفسي كبير.
المسؤولون الحكوميون في الرياض يرفضون الحديث عن الهجمات
على أنابيب النفط على أنها وسيلة للتخويف، قائلين أن قوات
الأمن السعودية قامت بقتل أو اعتقال العشرات من النشاطين
في تنظيم القاعدة، وأن قدرة بن لادن في التأثير على الأحداث
في المملكة العربية السعودية قد ضعفت. وربما يكون ذلك
صحيحاً، إذ لا أحد يستطيع إنكار العديد من النجاحات التي
حققتها الحكومة في مكافحة الإرهاب، ولكن بالرغم من أنه
ليس متوقعاً شن الهجمات على المنشآت النفطية التي تتمتع
بالحراسة المشددة، إلاّ أن الحوادث الصغيرة تبقى محتملة
على طول شبكة الأنابيب السعودية التي يبلغ طولها أكثر
من 10 آلاف ميل.
ومن خلال رسالته التي وجهها للمتمردين السعوديين، لم
يظهر أن الهدف الرئيسي لإبن لادن هو تدمير المنشآت الرئيسية،
والتي قد تجرد الشعب السعودي من الوسيلة الأساسية التي
يحقق منها الدخل المالي، ومن ثم يتحول الشعب ضده هو وجماعته،
وبدلاً من ذلك ترمي إلى أعمال التخريب التي ستؤدي إلى
زيادة أسعار النفط، والتي قال عنها ستبلغ 100 دولاراً
للبرميل. والمملكة العربية السعودية تمتلك أكثر من ربع
احتياطيات العالم من النفط، وحتى مجرد هجوم فاشل على شبكة
النفط السعودية سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط. وسيؤدي
ذلك أيضاً إلى زيادة مخاوف واشنطن من قدرة آل سعود في
المحافظة على الاستقرار.
ويضاف إلى المخاوف من تأثيرات شريط بن لادن، معرفة
أن آلاف المجاهدون السعوديون الذي تسللوا إلى العراق،
من المحتمل أن يعودوا إلى المملكة العربية السعودية متى
ما استقرت الأحوال في العراق. وسيكونون حينئذٍ قد تدربوا
على حرب المدن، بما في ذلك كيفية تخريب الأنابيب النفطية.
وكما حدث بعد سقوط نظام حركة طالبان في أفغانستان، فإن
هؤلاء السعوديين سيعودون ومعهم إرهابهم. وتقول إحدى الوثائق
السرية لوزارة الداخلية السعودية، حصلت عليها جماعة سعودية
معارضة مقرها في لندن، أن 200 من السعوديين ربما عادوا
إلى المملكة في أعقاب دعوة بن لادن. وإن ما سيحدث بعد
ذلك سيحدد مصير مستقبل تنظيم القاعدة في المملكة العربية
السعودية. وقال الأمير نايف في حديث له نشر في يوليو الماضي
''نتوقع الأسوأ من الذين ذهبوا إلى العراق. سيكونون أسوأ
من (الذين سبقوهم في شن الهجمات) وسنكون مستعدين لمواجهتهم''.
هنالك بعض المؤشرات المزعجة، فالتكتيكات التي تتبناها
المقاومة العراقية ظاهرة في الهجمات التي شنت على الغربيين
في المملكة العربية السعودية. وقد اشتملت حوادث المحاكاة
هذه سحب أجساد الغربيين باستخدام السيارات، واللجوء إلى
الاغتيالات والاختطافات لتخريب قطاع النفط الحيوي. والروابط
الفكرية بين المقاومين في العراق والمملكة العربية السعودية
كانت واضحة من خلال ما قام به الذين ذبحوا بول جونسون
في الرياض عندما قالوا أنهم من كتائب الفلوجة عند الإعلان
عن مسؤوليتهم عن العملية. وفي الهجوم الذي قتل فيه ستة
من الغربيين وسعودي واحد في مدينة ينبع، قذف المتمردون
بجثة أحد الضحايا في ملعب بإحدى المدارس المحلية وأجبروا
التلاميذ على مشاهدته. وصرخوا قائلين ''تعالوا وانضموا
إلى إخوتكم في الفلوجة''. في إشارة إلى المدينة التي قتل
فيها أربعة من المقاولين الأمريكيين بنفس الطريقة. خلية
القاعدة التي هاجمت الأجانب في مدينة الخبر قامت هي الأخرى
بسحب جثة أحد الغربيين في الشوارع. وقال قائد الجماعة
في أحد مواقع الإنترنت الإسلامية بعد الحادثة، أنه تمت
مهاجمة إحدى الشركات التابعة لشركة هاليبرتون لأنه ''كان
لها دور في العراق''.
إن تدفق المجاهدين السعوديين إلى العراق فيه مصلحة
لنظام آل سعود في المدى القصير، على الأقل طالما أنهم
يفجرون أنفسهم الآن في بغداد، ليس باستطاعتهم فعل ذلك
في نفس الوقت في الرياض. غير أن هنالك احتمال لحدوث انتكاسة
في المدى البعيد، تماماً كما حدث مع ''الأفغان العرب''
عندما عادوا من أفغانستان في التسعينيات. والمشكلة الكبيرة
الأخرى المرتبطة بذلك هي أن آل سعود الآن يتبعون أجندة
محلية ويركزون على مكافحة الإرهاب.
إن معركة الرياض المستمرة مع الإرهابيين والدعوات المتكررة
إلى الوحدة الوطنية هيأت للعائلة المالكة واجهة ملائمة
تستغلها في وقف وضع العدد القليل من مبادرات الإصلاح التي
بدأت في السابق موضع التنفيذ ووقف أي حركة باتجاه التغيير
الديمقراطي على الأقل في المدى القريب. ومن خلال تواطؤ
واشنطن مع النظام، وخصوصاً في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون
السعوديون من الاضطهاد، والبطالة وحتى الفقر في بعض الحالات،
تشجع المملكة لتصبح أرضية خصبة للتجنيد لتنظيم القاعدة.
الولايات المتحدة تعتمد على النفط السعودي، ولكن النظام
السعودي يعتمد على الولايات المتحدة ليبقى على قيد الحياة.
ويجب على السياسة الأمريكية الحالية تجاه المملكة أن تستخدم
قوة الدفع هذه للدعوة إلى إصلاح حقيقي، بدلاً من مجرد
تأييد العائلة المالكة على اعتقاد أنها ستقضي على الإرهابيين.
وإن لم تنظر الولايات المتحدة إلى أبعد من المصالح القصيرة
الأمد الناجمة عن علاقتها مع النظام السعودي، فهي حينئذٍ
قد تواجه نتائج وخيمة على المدى البعيد.
|