تتصاعد يوماً بعد آخر غائلة الوهابيين الذين منحوا
سلطات واسعة في الأشهر القليلة الماضية انعكست على زيادة
تنكيلهم بالمواطنين وفرض آرائهم بالقوة. بدا أنه بعد أحداث
سبتمبر أن الوهابية ستتقلّص بقرار من الدولة، وآل سعود
بوجه خاص، لكن هؤلاء راوغوا لفترة وجيزة وانحنوا أمام
العاصفة لبرهة من الزمن، ليعيدوا سيرتهم الأولى، لا إيماناً
منهم بالوهابية، فمعظم ممارسات آل سعود لا تمت الى الدين
والأخلاق بصلة، ولكن لأن الأخيرة تمنحهم التحصينات الكافية
لمواجهة معظم المواطنين (الذين هم غير وهابيين) ولمقاومة
دعوات الإصلاح الداخلية والخارجية. وها هي الوهابية اليوم
تمارس بعصا الدولة الغليظة معاقبة هذا الكاتب وذاك المدرس
وهذا المخالف وذاك المشرك من وجهة نظرهم. وفيما بدا أن
بعض صلاحيات الوهابية قد استعيدت منها، إلا أن آل سعود
عوضوا أتباعها بسلطات إضافية في مجالات أخرى وأطلقوهم
ككلاب متوحشة بلا رقيب أو حسيب، بعد أن أُعيدت اللحمة
الى حد كبير في العلاقات السعودية الأميركية، فما عاد
آل سعود يخافون كثيراً اليوم على كراسيهم، وجاءت الطفرة
المالية بسبب أسعار البترول لتصب في أحضان الوهابية ومشاريعها
التقسيمية والفئوية والتي تفاقم الهوة بين أتباعها والحكم
من جهة وبين بقية شرائح المجتمع الذي ضاق ذرعاً بها وبهم.
فيما يلي مقال استنكاري لبعض ما يقوم به غلاة الوهابية
وموقفها الضالّ من تراث المسلمين في الحجاز.
ما هذا الذي حصل؟!
سؤال استنكاري حول نبش الوهابيين قبر السيد علي العريضي
بالمدينة المنورة
عبد الرحمن عمر خياط
سؤال استنكاري!
المساجد السبعة تمتد اليها يد الوهابية
|
نعم استنكاري؛ فالموضوع عظيم وخطير وقد حسبوه ـ وحسبهم
الله ـ هيّناً.
قبل سنوات قريبة وبالمدينة المنورة اعتدت الأيدي الآثمة
الغاشمة وتجرّأت ونبشت قبر سيدنا علي العريضي، رضي الله
عنه (خامس أحفاد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)
بحجّة توسعة الشارع المحاذي للمسجد. والقبر الشريف ليس
بداخل المسجد، ولكنه قريب منه. وقد تقدم السادة العلويون
بالتماس سُلّم ليد صاحب السمو ولي العهد آنذاك من يد المفوض
عن السادة السيد الجليل/ أمين عقيل عطاس الذي صرح بأن
سموه الكريم أبدى أسفاً بالغاً مما سمع وكرر مرتين متسائلاً:
(وهل نُبش القبر؟!)؛ فأُجيب بنعم، وأنه جرى نقل ما وجد
من عظام الى مقابر بقيع الغرقد وحفرت حفرة صغيرة وضع فيها.
كما رفع أعيان سكان المدينة المنورة الى مقام سموه مستنكرين
ما وقع لأنه يتنافى مع حقوق الموتى، فكيف إذا كان من أصول
المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
وقع ذلك الحادث الجلل والعالم من أقصاه الى أقصاه يعيش
في حالة توتر مما يقدم عليه من إرهاب من ضعاف النفوس.
وبجريدة المدينة 30/4/1426هـ وبقلم الأستاذ د. عصام حمدان
وبعنوان (رؤية فكرية ـ العهدة العمرية وآثارنا الإسلامية)
مقالاً يثير غيرة المسلمين ـ كل المسلمين ـ مضمونه أن
الأيدي امتدت الى المساجد الأثرية المعروفة بمسمى (السبعة
مساجد) وأن أول من رعاها الخليفة العادل سيدنا عمر بن
عبد العزيز رضي الله عنه، وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم
فيها، وأضاف الأستاذ إن ولاة أمورنا أخذوا على أنفسهم
إعمار المساجد في أنحاء كثيرة من العالم فيكيف تقوم جهات
مسؤولة على جعل هذه المساجد كالأشباح، والله لا يرضى أن
تنشأ آلة للصرف الآلي في موضع أحد هذه المساجد (وهو مسجد
سيدنا الصديق رضي الله عنه).
إن هذه الآثار التاريخية وفي أولها دار السيدة الكبرى
خديجة أم المؤمنين رضوان الله عليها التي امتدت اليها
الآيدي، هي آثار تحكي تاريخ الأمة التي حافظت على تاريخ
الأمم الأخرى وآثارها ومعابدها، ويؤكد هذا ما ورد في وثيقة
(العهدة العمرية) المتضمنة الحفاظ على معابد أهل الديانات
الأخرى محافظة كاملة. ويقول النص الذي جاء في الكتاب القيم
والمعنون (حقوق غير المسلمين في بلاد الإسلام) لمؤلفه
الشيخ د. صالح العابد نقلا من نص الوثيقة: (هذا ما أعطى
عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم
أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها
وسائر ملتها لا تُسكن كنائسهم ولا تهدم ولا يُنتقص منها
ولا من حيزها.. الخ).
فإذا كان الإسلام قد منع أن ينتقص شيء من حيز معابد
غير المسلمين فكيف يستقيم في الذهن الإقدام على هدم مسجد
أثري وتركه خراباً أو إقامة شأن دنيوي صرف مكانه؟ ويناشد
الأستاذ د. عاصم الجهات المسؤولة إصلاح ما أفسدته يد التشدد
الآثمة. وقبل أسابيع كان مقالي بعنوان: (الحفاظ على التراث)
وكان حول الآثار التاريخية القديمة، فيما نشرت الإقتصادية
في 24/4/1426هـ خبراً بعنوان بارز (مليونا دولار للحفاظ
على أقدم ناطحة سحاب بالعالم بمدينة شبام اليمنية التاريخية)
ومقالاً آخر بعنوان (في إيطاليا هيئة كبرى من حوالي أربعين
عالماً للتنقيب عن آثار مدينة بومبيا التاريخية). وهناك
الكثير من الآثار يحتفى بها في العالم كالأهرامات وبرج
بيزا المائل يزورها الناس من كافة انحاء المعمورة، فلماذا
تدمر أمثالها عندنا؟
الندوة، 8/11/2005
|