خنق المباحات في المجتمع
حين يكون تطور المجتمع والدولة رهيناً بالوهابيّة
تضخم مؤسسات الدولة الدينية خاصة بعد الثمانينيات الميلادية
وتعدد ادوارها الدينية والسياسية والأمنية والتوجيهية
والتعليمية والرقابية والمالية والقضائية زادت من احتكاك
الدولة والمجتمع وشعر المجتمع بالإختناق من جهة التعبير
حيث فرضت قيود كثيرة على الأفكار والسلوكيات الأمر الذي
ادى الى بروز ظاهرة النفاق الإجتماعي، كما أدّى التشدد
الى توسيع دائرة (الحرام) وتحويل الكثير من (المباحات)
الى محظورات شرعاً وقانوناً.
لقد ساعد موقف الوهابية المتشدد ـ مثلاً ـ من الرياضة
والفن والمرأة في تنمية ظاهرة التطرف السياسي والديني1،
وأدى اتساع دائرة الممنوعات الثقافية لأسباب دينية أو
سياسية ولمدة طويلة الى تجميد عقول الأجيال الجديدة الأمر
الذي جعل صانع القرار السياسي غير قادر على إدارة دفّة
المجتمع إذا ما تطلّب الأمر تغييراً في المنهج السياسي
أو الديني، حيث يواجه بالرفض وبالتنكّر للثوابت الدينية
والسياسية، أو التشكيك في الماضي2.
مفتو آل سعود: التحريم الى أبعد مدى
|
من المحرمات التي تشدد فيها الوهابيون ـ كأمثلة ـ اعتبار
الشيخ ابن باز التصفيق حراماً ومن أعمال الجاهلية وفيه
تشبه بالنساء وبالكفار3؛ بل هو (من أبشع المنكرات) لا
يقوم به إلا سفيه سخيف أرعن مقلد للكفار والمتصوفة الأشرار4.
وحرمت الموسيقى والأغاني بما فيها الأناشيد الوطنية
وأغاني الأطفال5؛ وحرمت ألعاب ودمى الأطفال ومسلسلات الكارتون،
وأوصى المشايخ الحكومة بمنع استجلابها واستيرادها واتلاف
ما يوجد منها في الأسواق؛ كما حرم التصوير الفوتوغرافي
بكل أنواعه6، بل عدّ تصوير الحيوان من الكبائر وقتل للدين
وأساس الشرك والإلحاد في البشرية وأنها تشبه الأصنام ومثله
بيع الصور وتعليقها أو رسمها وتعليقها7؛ وينطبق القول
على صور الآدميين وصور الملوك والعلماء بل ان صور هؤلاء
اشد لأن الفتنة بهم اعظم. وطالبوا بطمس هذه الصور او قطع
رأسها8 ومثل هذه الأمور ذات تأثير في بعدها السياسي حين
يحرم الصور على النقود وقطع العملة المعدنية9، كما في
بعدها الحياتي والإجتماعي على الأفراد خاصة.
وأفتى مشايخ آخرون بوجوب منع التلفاز والفضائيات والمجلات
والكتب التي وصفت بالمفسدة، وأهابوا بمن له القدرة أن
يشوش عليها10؛ والشيخ ابن باز يعتبر التلفزيون (آلة خطيرة
وأضرارها عظيمة كالسينما أو أشد) لذا (يجب منعه والحذر
منه وسد الأبواب المفضية إليه)11. واعتبر مشايخ آخرون
التلفزيون منكراً وكذا آلات الطرب بيعاً واستعمالاً12؛
وأن مشاهدي التلفزيون نبذوا القرآن واتبعوا الشياطين وأنهم
أهل ضلال13.
وبالنسبة للخدم أفتى ابن باز بأنه (لايجوز استقدام
خادمة ولا خادم ولا سائق ولا عامل غير مسلم الى الجزيرة
العربية)14 وحرم التدخين والإتجار به15، كما حرم التوظف
في البنوك16، ودعا المواطنين على عدم الاشتراك في البنوك
أو الإيداع فيها بفوائد او الإقتراض منها بفوائد أو المساهمة
فيها، وطلب من الحكومة إيقاف الصحافة من الدعاية للبنوك
أو نشر ما يخالف رأيه17.
ووصل الأمر الى تفسيق من يكشف رأسه أو يلبس القبعة
أو يلبس القميص والبنطلون لأنه يفضل لباس النصارى والمشركين18،
وكذلك حرم إطالة اللباس الى ما دون الكعبين، والسفر الى
البلدان الأوروبية والمشركة عموماً، وأغلب دول العالم
مشمولة بمثل هذه الفتاوى19. وحرم إهداء الزهور الى المرضى
وكذا بيعها او شراؤها (لأنه لا فائدة منها) بل مجرد تقليد
للغرب20. وحرم عدد من مشايخ الوهابية تعلّم اللغة الإنجليزية
بشكل عام، وقد قامت قيامتهم حين اتجهت النيّة لتدريسها
في المرحلة الإبتدائية. وأفتى الشيخ ابن عثيمين بأن التحدث
بغير العربية يورث النفاق و(محبة أهل تلك اللغة من الكفرة
وهو مخالف لعقيدة الولاء والبراء من الكفار)؛ وحذّر من
تعليم الصبية اللغة الإنجليزية منذ الصغر.
ونصب الوهابيون عزاء على حلق اللحية وتحريمها، فحلقها
مخالف ـ بنظرهم ـ للعقل والفطرة والنظر ـ وفيه تشبه بالنساء21؛
ورأوا أن حلقها جاء (بسبب الإختلاط بالمنحلين، فكثر حلقها
رغبة في التخنّث والتشبّه بالنساء)؛ بل اعتبر أحدهم حلقها
منكراً وتغييراً في خلق الله، وكفراً بالنعمة لا يقوم
به إلا من استحوذ عليه الشيطان وعميت بصيرته22. وينطبق
الأمر على من حلق شعر رأسه من الجوانب فذلك من فعل اليهود
والنصارى والمجوس، حسب الشيخ حمود التويجري23.
لعبة كرة القدم لم تسلم من التكفير والتشنيع، فهي بدعة
(لم تكن في عهد الخلفاء ولا ملوك المسلمين ولا في هذه
الدعوة المباركة ـ أي الدعوة الوهابية). واعتبرت اللعبة
مؤامرة (سرت من تلاميذ الغرب حيث تلقتها بعض الدول المنحلّة)
غرضها ترك الصلاة؛ وطالبوا ولاة الأمر بمنعها وأن (يقيموا
مكانها التعليم على آلات الحرب)24؛ ونهى المفتي الأسبق
الشيخ ابن ابراهيم عن لعب كرة القدم لما فيها من أمور
منكرة وأخطار على الأبدان25، وزاد على ذلك آخر بأن فيه
تشبه بأعداء الله الإفرنج، والصد عن ذكر الله26.
والمشايخ السلفيون معادون للعلوم العصرية ويميلون الى
انكار الحقائق العلمية كانكار الوصول الى القمر، او ان
الأرض كروية وتدور حول نفسها وحول الشمس، وقد سببت هذه
الفتاوى ولاتزال حتى اليوم مشاكل كبيرة، واعتبر من يؤمن
بها مشكوك في دينه إن لم يعتبر كافراً. وعاد ابن باز واصدر
كراساً عام 1395هـ، نشرته الجامعة الإسلامية حول (إمكانية
الوصول الى القمر) بدا في موقفه بعض الإعتدال، ولكنه نبّه
الى (وجوب التثبت فيما يقوله الكفار والفساق وغيرهم عن
الكواكب وخواصها وإمكان الوصول اليها).. ورأى بإمكانية
الوصول الى القمر ولكنه (لا يجوز ان يصدق من قال إنه وصل
الى سطح القمر او غيره من الكواكب إلا بأدلة علمية تدل
على صدقه) وأبقى الموضوع مفتوحاً فمن وصلته أدلة خاصة
به فهو (معذور في تصديقه) اما غيرهم فعليهم بالتوقف27.
أما الشيخ صالح اللحيدان، رئيس المجلس الأعلى للقضاء،
فيربط بين ضعف الإلتزام الديني وانتشار المدارس28. واعتبر
شيخ مشهور الرسوم والأشغال الفنية والرياضة البدنية والألعاب
الأخرى من المعوقات التي تسبب جهلاً بالدين29؛ كما أن
حال المتعلمين في مدارس الإفرنج كتاركي الصلاة ليس لهم
عدالة ولا يقبل لهم قول ويجب هجرهم، خاصة وأنهم درسوا
علوماً عصرية تمثل (مبادئ الإلحاد ومقدماته)30. وأفتى
المشايخ بحرمة الدراسة في المدارس الأجنبية التي تفتتحها
السفارات والجاليات الأجنبية في المملكة، وطالبوا بإغلاقها،
وقد صدر في 2002 قرار رسمي بمنع السعوديين من التعلم في
تلك المدارس. ولا يشعر السلفيون بالإرتياح من البعثات
الدراسية بل أن خريجي المدارس والجامعات الأجنبية من مظاهر
الوثنية الجديدة، التي يأتي منها الإستعمار، حسب قولهم.
وسبق للجنة الدائمة للإفتاء ان افتت في 4/12/1401 بأنه
لا يجوز أن يدخل اب ابنه الى مدارس انجليزية وفرنسية لأنها
(مدارس الكفار خشية الفتنة وإفساد العقيدة والأخلاق)،
بل حرم هؤلاء على المواطنين تأجير بناياتهم كمدارس لجاليات
أجنبية31.
ومن أمثلة خنق المباحات تحريم العمل مع الشركات الأجنبية
العاملة في المملكة32. والتشدد في موضوع حجاب المرأة بشكل
كلي33، وكذا تشددوا في تحريم نوعيات من الألبسة وحذروا
من طرق تمشيط الشعر وقصاته وحرموا استخدام الباروكة، ووصلات
الشعر (البكلة)34. وعمل المرأة غير محبذ رغم الحاجة ورغم
الفصل بين الجنسين، فالمرأة يجب ان تقر في بيتها وتقوم
بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه35، وقد تسامحوا في
قيامها بوظيفتي التعليم والتطبيب، وحارب الوهابيون أن
تقوم النساء بتعليم الطلاب الصغار الذكور36. وفي الحقيقة
فإنهم لم يقبلوا بتعليم الفتيات إلا على مضض، ولازال الكثيرون
لا يعلمون بناتهم في المدارس، التي سبق لكبار مشايخ الوهابية
أن وصفوها بأقذع الأوصاف. فأحدهم أسف لفتح مدارس البنات
لأنها ستنتهى الى السفور والفجور، ونصح الآباء عدم إدخال
بناتهم للمدارس لأنه خطر عظيم ومصيبة فتعليم المرأة سبب
لتمردها37.
إن الوهابية، بل والمجتمع النجدي، رهن الدولة والمجتمع؛
فما عاد بالإمكان تطويرهما إلا إذا تطورت الوهابية؛ والوهابية
كما نعرف مذهب متشدد غير قابل للتطوير؛ ومن المجحف أن
يرهن مجتمع بأكمله لا يدين بالوهابية أن يكون رهين تخلفها
ورهين قوقعتها. والدولة نفسها، التي ابتليت بالوهابية
في بعض الجوانب، فإنها تضرب عرض الحائط بفتاواهم، ولكنها
تلتزم بالبعض الآخر إن وافق هوى عندها خاصة في مسائل الإصلاح
السياسي والديني. بل أنها تستخدم الوهابيين كعصا غليظة
للجم المطالبين بالتطوير والإصلاح.
هوامش
(1)عبد العزيز الخضر ـ الوطن 4/2/2004.
(2) انظر الحظر والثقافة الممنوعة ـ علي الخشيبان ـ الوطن 6/2/2004.
(3) http://www.islamic.naseej.com/Detail.asp?InSectionID=606&InNewsItemID=21241
(4) الدرر السنيّة، ج. 15 صص 396ـ 398
(5) www.binbaz.org.sa/last_result.asp?hID=739.htm
(6) www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=ksh000010.htm
(7) www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=ts00005.htm
(8) www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=ts00007.htm
وايضاً: الدرر، ج 15، ص298، 303. الدرر، ج. 15، 310 ـ 310. الدرر، ج 15، صص 314-315. الدرر، ج 15، صص 319-320. الدرر، ج 15، ص 323. الدرر، ج. 326-333.
(9) الدرر، ج 15. ص 317.
(10) http://www.aloqla.com/mag/sections?op=viewarticle&artid=25
املاه العقلا في 1/2/1420هـ
(11) www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=ksh000010.htm
(12) الدرر السنيّة: ج 15، ص 31.
(13) الدرر السنيّة: ج. 15 صص 235-237، 244.
(14) www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=tbr00031.htm
(15) www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=dk00001.htm
www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=dk00002.htm
(16) www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=tbr00024.htm
(17) www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=tbr00008.htm
(18) http://www.ibn-jebreen.com/controller?action=HitViewer&model=Search&offset=0&value=%C7%E1%DF%C8%E6%D3&level=QBE&type=exact&isHit=true&highlighted=1#SearchHit
والدرر، ج 15، ص 363. الدرر، ج. 15، ص 367-368.
(19) http://www.ibn-jebreen.com/controller?action=HitViewer&model=Search&offset=0&value=%C7%E1%CA%D4%C8%E5+%C8%E1%C8%C7%D3+%C7%E1%DF%DD%C7%D1&level=QBE&type=exact&isHit=true&highlighted=1#SearchHit
www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=thz00001.htm
(20) http://www.ibn-jebreen.com/controller?action=HitViewer&model=Search&offset=1&value=%C7%E5%CF%C7%C1+%C7%E1%D2%E5%E6%D1&level=QBE&type=exact&isHit=true&highlighted=1#SearchHit
انظر ايضاً: (فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإقتاء رقم 21409 تاريخ 21/3 /1421).
(21) الدرر، ج 15، صص 334-335.
(22) الدرر، ج. 15، صص 344-345.
(23) الدرر، ج 15، ص 346.
(24) الدرر السنيّة، ج 15، ص 200.
(25) الدرر السنيّة: ج 15 ص 205.
(26) الدرر السنيّة: ج 15 صص 206-207، 210-211، 215.
(27) www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=so00002.htm
(28) الدرر ـ ج 16 صص 50-51.
(29) الدرر، ج 16 ص 15.
(30) الدرر، ج15 ص 489
(31) ألف الشيخ بكر بن عبد الله ابو زيد عضو اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء كتاباً بعنوان (المدارس العالمية الأجنبية الإستعمارية: تاريخها ومخاطرها، ط1 2000).
(32) الدرر، ج. 15، صص 485-488. الدرر، ج15، صص 491-492.
(33) www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=tbr00004.htm
(34) www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=tbr00005.htm
(35) www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=tbr00014.htm
(36) www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=tbr00024.htm
(37) الدرر، ج16 ص 71، 74، 78، 80، 83.
|