التيارات التكفيرية: إلى متى سيطول الصمت؟
نادين البدير
حين أستمع إلى الآراء في السعودية أعلم أن هناك وجوداً
لدلائل إصلاحية، لكني أتوجه بعدها إلى الواقع فأرى استمراراً
في تأخر قديم لا يشير إلى أية بوادر، وكيف سيعلن الإصلاح
ونحن لا نزال نعيش أزمة العدالة التي لم تنته بعد؟
في مجتمعنا، ليس هناك تعددية حقيقية، بل إن آراء فئات
معينة هي الطاغية على حساب باقي فئات المجتمع. هناك احترام
كبير للفكر الأصولي والتكفيري لا يقابله ذات التقدير للفكر
الليبرالي، المفكر الأصولي يمكنه أن يعتلي منابر المساجد
والندوات الدينية والتجمعات الشبابية.
فإذا كنا نؤمن بالرأي الآخر كما ندعي، فأين المفكر
الليبرالي؟ لم لا نفسح منابر المساجد وخطب الجمعة لأحد
المستنيرين عله يتمكن من إزالة الغشاوة التي تعمي أعين
البعض عن الحقيقة. وإذا كنا نقوم بإصلاح ديني حقيقي لم
يستمر إمام المسجد القريب من بيتي بمطالبة الآباء منع
البنات من الخروج إلا لحاجة؟ ثم أنى للإصلاح الفكري أن
يتحقق دون تغذية فكرية قوامها الكتب والمراجع التي تفكك
النصوص وتنتقد النسق وتتمرد على أخطاء السائد؟ أين الكتب
الثقافية التي تستحق القراءة؟
إنها ببساطة كتب ممنوعة.
مئات من المؤلفات القيمة تمنع من النشر داخل البلاد
لأنها تتعرض للمسلمات أو للثالوث المحرم وفي المقابل يفسح
المجال أمام صدور واحد من الكتب التكفيرية الشتائمية التي
تحارب الحداثة وما بعدها وما قبلها وتحارب الإنسانية وتعادي
العقل، كيف نحقق بعد ذلك ابتعاد الشباب والشابات عن الانضمام
إلى التيارات التكفيرية وقد ملأنا أمامهم أرفف المكتبات
بمئات من الكتب التي تدعو إلى سفك دماء الآخر. هل هذه
هي التعددية التي نريدها؟ أم إن التعدي على الآخرين وقذفهم
بأبشع الشتائم يدخل في دائرة حرية الرأي؟ هل هذا ما يهدف
إليه حوارنا الوطني: نحن والآخر؟
ثم أتوجه إلى السلك التعليمي فلا أرى أية بوادر. لا
يزال بعض المعلمين والمعلمات مستمرين بممارسة شطحاتهم
الصحوية وخزعبلاتهم الفكرية على طلبتهم وطالباتهم.
لا يزال آلاف الطلبة والطالبات من خريجي الثانويات
محرومين من مقاعد الجامعات بسبب المعدل أو انعدام الواسطة،
وآلاف الطامحين بإكمال دراساتهم العليا ترفضهم الجامعات
السعودية لأسباب فوضوية، وفي المقابل يأتي شخص تكفيري
فتفتح له الجامعة أبوابها وتخصص له المكافآت الشهرية ومبالغ
طائلة أخرى لإكمال بحث يناقش حكم دخول دورة المياه بالقدم
اليمنى.
ثم تنفق المبالغ الطائلة لإكمال رسالة تشتم وتكفر المبدعين
والمبدعات العرب والغربيين مثل الرسالة التي طرحت في جامعة
الإمام محمد ثم نشرت على هيئة كتاب يكفر كل مبدع. هل لنا
أن نبحث بعدها عن أسباب الإرهاب؟ إنها مناهجنا ومدارسنا
وجامعاتنا. هي التي أفرخت الإرهاب.
إن أول ما ينشأ عليه الطالب والطالبة في درس الأدب
العربي هو تكفير نزار قباني شاعر الغزل الصريح الماجن،
ونجيب محفوظ الملحد الذي كافأه الغرب على علمانيته بجائزة
نوبل أما هدى شعراوي فالكافرة التي رمت الحجاب بالتعاون
مع قاسم أمين...وهلم جرا فكل الأدباء والشعراء هم كفرة
وعلمانيون.
وفيما أطالب وغيري بتشديد الرقابة على هذه المعلومات
التكفيرية أو تلك الكتب الإرهابية، فإن هناك من يطالب
بإحكام الرقابة على وسائل النشر والإعلام والأندية الأدبية
والمجمعات الثقافية، رغم ما نعرفه جميعنا من أن وسائل
الإعلام (العلمانية) وأفكار كل المفكرين والأدباء المتهمين
لم تولد إرهاباً، لكن كتابا واحدا مثل كفيل بتفريخ آلاف
الإرهابيين.
الطريف في الأمر أنه بدلاً من أن تحكم الوزارة الرقابة
على المنشورات التكفيرية من كتب ومقالات وغيرها، فإن المتطرفين
يطالبون بإحكام الرقابة على وزارة الإعلام بمن فيها. وبدلاً
من أن ترفع الدعاوى أمام الأفكار الشريرة، فإن أدباء الإرهاب
الفكري يدعون لرفع عصمة الدم عن كل مبدع عربي وكل فكرة
جميلة تدعو إلى حياة عربية أفضل. أدباء الإرهاب الفكري
يطالبون بجلد المثقفين ونفيهم وإعدامهم، هكذا كانت أوروبا
زمن محاكم التفتيش وسيطرة الكنيسة. زمن إحراق العلماء
والمثقفين.
وأتساءل: ماذا ستكون ردة الفعل إذا ما رفع أحد المتهمين
بالعلمنة والأمركة دعوى ضد موجه الاتهام؟
هل ستأخذ نفس حيز الاهتمام الذي تناله دعاوى التكفيريين
ضد الليبراليين، هل سينال ذات الحكم الذي كان من نصيب
المفكر حمزة المزيني؟ أم إن التكفيري قد اعتاد على صمتنا؟
متى سيتدخل المسؤولون لمنع تلك الجرائم الكلامية التي
تتعرض لسمعة وشرف الكاتب أو الكاتبة؟ متى سنبدأ أولى الخطوات
نحو تهذيب الفكر الشتائمي الذي لا يكتفي باتهام ضالته
بالعلمانية والتغريب وغيرها، بل يتطاول باسم الإسلام على
شكل المبدع أو المبدعة الخارجي، يتطاول فيسخر من صنع الخالق
بطريقة مبتذلة غير حضارية توحي بأن التكفيري هو الإنسان
الذي عقّ أبويه فما وجد غير أرصفة الإرهاب حاضنة له.
الوطن السعودية ـ 1 / 12 / 2005م
|