دولـة ا لقـصـيم
منطقة القصيم لم تكتسب أهميتها الاعلامية بعد الحادي
عشر من سبتمبر، كونها تمثل حاضنة نموذجية للفكر المتطرف
الذي يعد مسؤولاً عن تدجيج الانتحاريين في الجنوب (عسير
والباحة) بأيدلوجية الفداء والتضحية في شكلها الانتحاري.
وفي واقع الأمر أن أهمية هذه المنطقة أكبر من ذلك بكثير،
وتعود الى ما قبل الحادي عشر من سبتمبر بزمن بعيد، فهي
ترتبط بتاريخ نشأة الدولة السعودية وبالمذهب الوهابي معاً.
إن الحظوة التي حازت عليها هذه المنطقة تجعلها البؤرة
المركزية الاولى التي منها تغيّر وجه الجزيرة العربية،
فقد نبتت الدعوة السلفية في تربتها الخصبة لتضفي وشاحاً
دينياً على المشروع السياسي لآل سعود، فأصبحت المركز الديني
للدولة، الذي لا يكف عن تخريج العلماء والدعاة وتأهيلهم
للاضطلاع بأدوار متعددة في الجهاز الديني للدولة.
حلقات الدعوة لا تفتر في هذه المنطقة المحافظة والصغيرة،
فهناك تتجلى الحراسة الشديدة على المعتقد السلفي الذي
يراد تحصينه أمام موجة التحديث التي تواجه نقاط تفتيش
عقدية متتالية يديرها حرّاس العقيدة الكبار. القصيم كمركز
ديني حصين تنأى بنفسها بمساعدة الطبيعة عن تأثيرات التحول
الاجتماعي الذي تعيشه البلاد، وتقاوم كل مغريات المساومة
مع مايجري خارجها، وكأن ثمة تضامناً جماعياً على تحصين
الاقليم بمجمله إزاء رياح التغيير التي ترتطم بتخومه.
فالإباء العنيد يضع سواتره النفسية والفكرية أمام الاجسام
الغريبة التي تحوم حول الاقليم، رغم أن ما يتسرب الى داخله
يقبل بشروط معقّدة، فبينما يقبل بعض أمناء العقيدة منتجات
الضلال كالسيارة والهاتف والميكرفون، يتشبث فريق آخر بنزعة
المقاومة لكل ما قد يؤسس لوهن مستقبلي أو رضوخ سهل لعالم
موصوم بالشرك والدنس الأصيل.
لسنا هنا في مقام توصيف التكوين النفسي والعقدي لسكان
منطقة القصيم، بقدر ما نحاول التعريف بجزء يمسك بقاطرة
الدولة من كل أطرافها، فسكان هذه المنطقة يمثلون مانسبته
6 بالمئة فقط من إجمالي تعداد السكان، ولكنها مع ذلك تسيطر
على ما نسبته 70 بالمئة من الجهاز الاداري للدولة. وبإمكان
المرء أن يتخيل كيف يمكن للدولة أن تحقق توازناً داخلياً
في حركة تطورها وفي الوقت نفسه في تحقيق العدالة في مجالات
التنمية والادارة والثروة في ظل إختلال خطير كهذا.
لقد قيل دائماً بأن تحويل الدولة الى وطن يشترط اندماج
السكان بمختلف فئاتهم وعبر ممثليهم في الجهاز الاداري
للدولة، بنسب مرضية وإن لم تكن متساوية بالضرورة، فالعدل
بات شرطاً مستحيلاً في عالمنا اليوم، ولكن يبقى خيار القسمة
التوافقية قائماً. وطالما أننا نتحدث عن وطن، والوطن لا
يكتسب صفته هذه الا أن يكون مؤسساً على قاعدة المواطنة
كخط إستواء يتلقي عليه كافة المواطنين، فإن هيمنة فئة
من السكان على الجهاز الاداري للدولة يعني إنعدام شروط
ولادة وطن.
مبدأ المواطنة، كشرط أساسي لبناء الوطن، ليس مقبولاً
من الدولة والمحيط الاجتماعي السلفي، لأن المواطنة تضع
الجميع على نقطة التقاء واحدة، ولا يمكن بحسب العقيدة
السلفية والعقل السياسي الرسمي القبول بها، فذلك يقتضي
قلب كيانية الدولة نفسها، وإعادة تنظيم مجمل المصالح العمومية
وفق هذا المبدأ. أمناء العقيدة السلفية يرون بأن هذه الدولة
قائمة على رسالة دينية ممثلة في الدعوة الوهابية، وإن
مشروعية الدولة وأصل وجودها مرتبطان بتمسّكها بالدعوة
وتسهيل مهمة نشر رسالتها في العالم، وإن المبادىء الاساسية
حول الدولة في العالم لا يجب أن تنسحب على الدولة السعودية،
فالمواطنة والوطنية والقومية ماهي الا من مبتدعات أهل
الضلال، وليس هناك الا المسلم الملتزم بالعقيدة السلفية
كمكافىء قانوني للمواطن. وللعائلة المالكة رؤية مماثلة،
ولكن من منظور مختلف، فهي ترى بأن الدولة قامت بمجهود
عائلي وتحت ظلال السيوف، وليس هناك من له حق المطالبة
بالمساواة، فهذه دولة آل سعود فمن شاء فليخضع لشروطها
ومن شأن فليخرج من حدودها، وقد قيل هذا اللفظ مراراً ضد
فئات عديدة، وليس من قبيل المصادفة إصدار قرارات إسقاط
الجنسية عن مواطنين لأنهم جهروا بأصوات تخالف الدولة.
مهما يكن، فإن الدولة السعودية محكومة من قبل منطقة
ضئيلة في حجمها وتعداد سكانها، وهي تختزل مجمل الكيان
الاداري للدولة. وإذا ما أرجعنا القصيم الى مجالها الاداري
والجغرافي الممثل في منطقة نجد فستكون النتيجة كارثية،
حيث أن هذه المنطقة ـ نجد، والتي حسب الاحصائية السكانية
الرسمية مع التحفظ تمثل بين 30 ـ 31 بالمئة، تسيطر على
90 بالمئة من المناصب الحكومية، فيما تحصل بقية المناطق
والفئات السكانية الاخرى التي تمثل 70بالمئة من اجمالي
السكان 10 بالمئة فقط من مجمل المناصب الحكومية. أليس
وفق هذه القسمة الجائرة يمكن وصفها بدولة القصيم؟.
|