رد على سعد الراشد:
مـا هي هـويـتـكـم لـنـعـرف هـويـتـنـا؟!
كان من المتوقع أن تثير دراسة الدكتور مي يماني حول
(مهد الإسلام.. البحث عن الهوية الحجازية) امتعاضاً شديداً
لدى الطبقة النجدية الحاكمة وأذيالها. فالدراسة هي جهد
خمس سنوات من البحث نالت عليه درجة الدكتوراة من جامعة
أوكسفورد عام 1986، فكانت أول سيدة سعودية تنالها من تلك
الجامعة العريقة.
ولأن الكتاب يمثل دراسة انثروبولوجية عميقة، فإن تأثيره
وصداه أقوى بكثير من أي مقالة عابرة في الصحافة، وكذلك
فإن الردّ على الرسالة/ الكتاب يتطلّب جهداً من متخصصين
لنقدها والإضافة عليها. فلا يمكن أن يأتي أحدهم ويلغي
تأثير الكتاب بقراءة سطحية، صحافية، خديوية (موالية).
ولا يمكن أن يبقى أثر الردّ ما لم يتم التقعيد النظري
له، وتفنيد القاعدة النظرية التي اعتمدتها مي في بحثها.
باختصار، فإن الرد على دراسة تطلبت خمس سنوات من الجهد
في أعرق الجامعات البريطانية، بحاجة الى أمرين: أحدهما
يتعلق بالشخص المناسب للرد، أي يكون مختصاً في موضوع البحث
ومنهجيته لكي يكون مدركاً لأبعاد الرد ووفق الأصول العلمية
التي يمكن التحاكم اليها. والثاني، يتطلب جهداً زمنياً،
فلا يمكن الرد على بحث مطول كهذا الذي قامت به مي يماني
في خمس سنوات، أن يحاكمه شخص غير متخصص في ظرف شهر أو
شهرين.
النجديون المقهورون من البحث، ومن ضمنهم الطبقة الحاكمة،
لا يواجهون مباشرة، فلديهم أيادي ذيلية تقوم بالمهمة،
ليجلسوا هم خلف الستار يديرون الهجوم المضاد بأي وسيلة
كانت. وقد حدث هذا مع الشيخ أحمد زكي يماني والد مي قبل
بضعة أشهر، حيث جنّدت العصابة النجدية زمرها في الداخل
والخارج لتسقيطه وتكفيره وإخراجه من الملّة (كما هي عادة
الوهابيين الغلاة). وحين ظهر كتاب مي باللغة الإنجليزية
أول الأمر، وتمّ استعراضه في موقع الجزيرة نت، حرّك آل
سعود وحلفاؤهم النجديون، أحد الحجازيين ليكتب ضدها مقالة
مطولة (خديوية) في جريدة (خديوية) ليقول بأن د. مي لا
تمثل الحجاز، وأنه موالٍ للنظام القائم، وكأن الكتاب البحث
مجرد أداة سباق بين الموالاة والمعارضة في الحجاز، في
حين أنه يناقش موضوعاً علمياً يتركز على (ملامح الهوية
الحجازية). فعلى هذا الأساس يفترض النقاش والجدل العلمي،
وليس على أساس الموالاة والمعارضة، ولا على أساس المحاكمة
الشخصية، ولا على التخوين والتآمر، التي هي من عادة آل
سعود وحلفائهم في ردودهم على كل أمرٍ ينشر ولا يعجبهم!
الآن جاءنا كتاب للدكتور سعد بن عبدالعزيز الراشد يفصح
عن هويته في عنوانه: (هويتنا، ومغالطات مي يماني). فلم
يتحدث عن تلك الهوية (مضاف اليها الـ نـا) ولم يأت بشيء
ذي قيمة ويوضح المغالطات المزعومة. وقبل الدخول في مناقشة
الردّ هناك ملاحظات عامة نسوقها قبل قراءة النقد الموجة
لبحث الدكتورة مي يماني.
ماذا في الكتاب
يتكون الكتاب من 98 صفحة هي على النحو التالي:
البدايات والمحتوى ـ 5 صفحات
مقدمة ـ 2 (صفحتان)
تعريف بالمملكة ـ 9 صفحات
الحملات الإعلامية الجائرة على السعودية: مي يماني
نموذجاً ـ 9 صفحات
عرض كتاب مي يماني ـ 19
وقفات مع الباحثة مي يماني ـ 17 صفحة
كلمات من التاريخ ـ 29 صفحة
الهوية التي تبحث عنها مي يماني ـ 5 صفحات
الخاتمة ـ صفحة واحدة
المراجع والسيرة الذاتية للمؤلف ـ 7 صفحات
ومع أن حجم الكتاب لا يعكس بالضرورة قيمته، لكننا نود
توضيح أن الـ 98 صفحة تحتوي على قدر قليل من النقاش المتعلق
بموضوع الكتاب، فالكتاب يمكن تصنيفه من جهة المحتوى على
النحو التالي:
ـ عدد الصفحات التي تشكل مقتطفات كبيرة شعراً ونثراً
من كتب وغيرها استحوذت على أكثر من ثلاثين صفحة، أي ما
نسبته 30% من الكتاب. وهذا أمرٌ غير مسبوق أن يصبح نحو
ثلث الكتاب مجرد نقولات نصيّة من كتاب أو متحدثين آخرين،
خاصة وأن المؤلف يطعن في علمية د. مي يماني، ولم يصفها
بأنها دكتورة الى جانب إسمها، وكأن الدكتوراة التي تمنحها
جامعة الأمام أقوى من أوكسفورد!
ـ اعتمد الكتاب في كثير من صفحاته على الصور، وعلى
مقتطفات (ولائية) من كلام ملوك آل سعود، لا علاقة لها
بالبحث من قريب أو بعيد، أي أنها ليست جزءً من نسيج الردّ
على دراسة د. مي يماني. وتبلغ مساحة الصور فيما تبقى من
الكتاب نحو 4.5 صفحات أي ما نسبته 4.5% من حجم الكتاب.
ولا تخلو الصور من (شخصنة) خاصة صور مي التي وضعها من
الإنترنت وهي تحمل كتبها في أوكسفورد. وكذلك صور بعض الأشخاص
والمؤلفات بل وصور طبيعية جغرافية!
ـ وبغرض حصر حجم مادة الكتابة التي أتعب المؤلف نفسه
في تأليفها، هناك صفحات لا تُحسب، كالصفحات البيضاء أو
الشكر والتقدير، والمحتويات والسيرة الذاتية، وهذه تمثل
في مجموعها 8 صفحات، أي 8% من مجموع صفحات الكتاب.
ـ هناك مواد لا لزوم لها، أخذت حيّزاً من الكتاب بلا
فائدة. مثل ذلك ما جاء تحت عنوان (المملكة العربية السعودية:
الجغرافيا والتاريخ). فهذا الكتاب موجه للسعوديين أولاً
وأخيراً، وحتى الباحث لا يجد متعة في قراءته، كونه يتضمن
معلومات لا فائدة منها مباشرة في البحث، كخطوط الطول والعرض
وحدود المملكة وانتشار رسالة الإسلام، وطوبوغرافية المملكة
من جبال وهضاب وصحارى. بل حتى تاريخ آل سعود صار من المكررات،
ولا يفيد كمقدمة للبحث، فضلاً عن الحديث عن بعض التنظيمات
الإدارية وما أنجزته الحكومة من إصلاحات! سياسية كنظام
مجلس الشورى والمناطق وما أشبه. بل ما فائدة عرض انجاز
الحكومة في التعليم وسياستها الخارجية واقتصادها وغير
ذلك من الكلام الدعائي، ما فائدته في الرد على مي يماني؟
لقد استغرق هذا الكلام البعيد عن موضوع البحث نحو 10 صفحات
أي 10% من الكتاب.
ـ وإذا ما لاحظنا أن عرض كتاب د. مي يماني (بالرغم
من قصوره) استغرق 19 صفحة، فإن كثيراً مما جاء في العرض
لم يرد عليه المؤلف، فكان تعريفاً بالكتاب، ولكن النقد
كان أقلّ من التعريف وهو 17 صفحة فقط (مع الصور والولائيات
الملكية!).
وباختصار شديد، فإن حجم المادة التي تناقش مباشرة بحث
د. مي لا يزيد عن 24 صفحة (بدون الصور). هذه زبدة الكتاب.
الرد الكلي جاء في 29 صفحة فقط أي في حدود (7000 كلمة
فقط). وهذه السبعة آلاف كلمة تحوي الكثير من المطبّات
والولائيات المسعودة!، والتي سوف نناقشها فيما بعد.
من هي مي يماني ؟
هذا التساؤل ورد في بدايات كتاب او كراس سعد الراشد
فكان عنواناً. وسوف نتساءل فيما بعد: من هو الراشد، وكيف
يعرض نفسه والآخرين. لقد أراد المؤلف (شخصنة) المسائل.
فبدل أن يتوجه الحديث الى موضوع الدراسة ونقدها، فإنه
حوّلها الى نقد شخصي لـ د. مي، فهو ابتداءً يقول (لا بد
من أن أشير الى أن السيدة مي يماني قد عاشت معظم حياتها
خارج المملكة وتحصلت مؤخراً على شهادة الدكتوراة من جامعة
أكسفورد، وتعمل حالياً في المعهد الملكي للشؤون الدولية
في بريطانيا، وسبق لها التدريس في جامعة لندن وجامعة الملك
عبدالعزيز بجدة، ولها عدد من الدراسات المنشورة باللغة
الإنجليزية. وهي إبنة معالي الشيخ أحمد زكي يماني.. الخ)
(ص 19-20).
إيحاءات التعريف تنطوي على التالي: فهي سيدة، والسيدة
في مملكة الرجال لا أمر لها، وهي بالتالي كيان غير مستقلّ،
بل قد تكون ألعوبة بيد آخرين، من عائلتها أو من خارجها!
والسيدة في مملكة الرجال ناقصة عقل ودين، لا تشفع لها
دراستها ولا علمها ولا خبرتها في الحياة، بل لا يشفع لها
استقلالها بحياتها ولا ما أنجزته في حياتها. ثم تأتي قضية
(عاشت معظم حياتها خارج المملكة) وبالتالي فالمقصود أنها
دراسة (برّانية/ خارجية) ألفتها امرأة لا تعي ما يجري
في الداخل، لأنها ليست مواكبة له، وليست لصيقة به، وبالتالي
فالخارجي البرّاني لا يمكن أن يفهم المملكة كالداخلي (الجوّاني!)
المتمثل في سعد الراشد. ولأن ميّ تقيم في الخارج فكتاباتها
بعيدة عن الواقع السعودي، حسب ما صرح سعد الراشد مراراً
وتكراراً في صفحات كتابه، مثل قوله: (يبدو أن الباحثة
لا تعي ما يجري اليوم في الحجاز وباقي أنحاء المملكة من
تغيير وتطوير في الفكر والثقافة)(ص 87).
زد على ذلك فإن الكتابة البرّانية لمي السيدة المقيمة
في الخارج والبعيدة عن الواقع ـ عرضة للتأثير من قبل (اللوبي
الصهيوني!) كما أشار في مواقع أخرى، وما تكتبه مي لا قيمة
علميّة له، لأنه موحى به من قبل الآخرين، بالرغم من أن
مي أنهت رسالتها في منتصف الثمانينيات الميلادية من القرن
الماضي، وليس (مؤخراً) كما قال! وتوحي جملة (عاشت معظم
حياتها في الخارج) بأن (السيدة) لا تلتزم بقوانين ولا
أخلاقيات المجتمع السعودي! فمن يقيم مدّة طويلة في الخارج
يخرج عن السياق العام (الصحيح!) في المملكة، وبالتالي
هو لا يمثلها ولا يتمثلها في حياته الخاصة، وعليه فإن
(السيدة البرّانيّة) تُحاكم في كتاباتها الى كونها سيدة
وتعيش في الخارج، وهذه هي الرسالة الأولى. ولذا يقول المؤلف
في موقع آخر: (هل تستطيع الباحثة مي يماني وهي التي تبحث
عن هوية عربية للحجاز أن توفق بين ثقافتها الشرقية وعاداتها
الأصيلة وبين اسلوب المعيشة في دول غربية؟!)(ص 90). وكان
يجب أن يضيف: (مثلما وفقت الى ذلك سيدات نجد كما عرضتهن
رواية بنات الرياض). ويقول في موقع ثان: (لم تكن المملكة
بالدرجة الأولى بمأمن عن الحملات الإعلامية المغرضة فتعاملت
معها من واقع المسؤولية وتركت الحكم لمواطنيها الصالحين
الذين لم تكن تنطلي عليهم الأفكار الوافدة أو التي يروج
لها في الخارج) (ص 16). ثم يعمد الى نصحها: (ومن باب المناصحة
للسيدة مي يماني أقول: إنه إذا كانت لديك الغيرة على الحجاز
وتاريخه وتراثه فإنه ليس من المصلحة لك الإرتماء في أحضان
وسائل الإعلام الغربية واستمراء الثرثرة بهدف تشويه صورة
المملكة العربية السعودية وزرع الأحقاد والكراهية، وتذكري
ـ إن كانت الذكرى تنفع معك ـ أن المرأة السعودية الصالحة
هي التي سلكت طريقها نحو العلم والمجد.. الخ)(ص88). فهل
هذا بحث علمي، أم نقاش شخصي، بين متعالم يدافع عن آل سعود
ولا يفقه موضوع رسالة دكتوراة، وبين (سيدة) استطاعت قضّ
مضاجع آل سعود وأذنابهم بما لم يقدر عليه معظم الرجال
في (مملكة العبيد)!
وزيادة على ذلك، يذهب المؤلف الى الإمعان في الشخصنة
حين يقول: (حسب ما نعرف ان الباحثة عاشت حياة مرفهة ولم
تستوعب ضنك الحياة والمعاناة التي عاشتها الجزيرة العربية
وخاصة الحجاز... قبل توحيد المملكة)(ص 49). فهل هذا يعني
أن كل مواطن عليه السكوت وتذكر أنه قبل أن يأتي آل سعود
قبل مائة عام أن الوضع لم يكن جيداً تماماً؟ لماذا لا
نرى مثل هذا الخطاب الغبي في الدول الأخرى، ولماذا لا
يتساءل الكاتب: لماذا يصرّ الناس على العودة الى ما قبل
مائة سنة؟! لماذا يصرون على هوياتهم الخاصة بعد قيام الدولة
بمائة سنة؟! لماذا يفكر كثيرون أن مصلحتهم (المادية والأمنية
والشخصية) تقتضي العودة الى الماضي والإنسلاخ عن حكم آل
سعود؟! كان على سعد الراشد، أن يجيب على هذا السؤال، بدل
أن يقنّن التفكير والكتابة على المواطنين بحيث يصبح الغني
غير مؤهلاً للكتابة، لأنه لا يشعر ولا يحسّ ولا يفهم!
وإذا كان الأمر كذلك، فليُنزل أسياده آل سعود الى الأرض،
بدل أن يبقوا طبقة ملائكية، ليشعروا بما يشعر به الناس،
وليحلّوا مشكلاتهم.. فهؤلاء الذين لا علم لهم ولا ثقافة
هم الذين يديرون بلداً كل معرفتهم به أنهم أخذوه بالسيف،
ولازال السيف بيدهم كما يقولون دائماً!
ولكن.. من هو سعد الراشد؟
الكاتب من منطقة الجنوب، وآل سعود كما قلنا يختارون
من يرد على معارضيهم، ولن نستغرب كتابات أخرى تظهر في
المستقبل، نتمنى أن تكون أكثر علمية من كتابات غير الراشد
هذا. والكاتب متخرج من جامعة ليدز ببريطانيا في (الآثار
الإسلامية).. تلك الآثار التي اصبحت أثراً بعد عين ولم
يتبق منها سوى أقل من 5% والباقي جارت عليه يد الوهابية
وآل سعود تدميراً واستئصالاً. وكان حريّاً بالكاتب أن
يدافع عن هذه الآثار الإسلامية بحكم تخصصه، ويسعى للدفاع
عنها والتعريف بها، وهو أمرٌ لم يفعله ـ حسب سيرته الذاتية
التي نشرها. وبدلاً من ذلك، انقضّ على ميّ يماني في موضوع
ليس من اختصاصه أصلاً، ولا يفقه فيه كما هو واضح من الكتاب
نفسه، بل دافع عن الوهابية بالإسم وعن أفعالها، كما دافع
عن أولياء أمره الأمراء.
من خلال سيرته الذاتية يتبين أنه مقرب من السلطة من
خلال مشاركاته ومساهماته ومناصبه في الجامعة وخارجها،
وقد أصبح وكيل وزارة للآثار والمتاحف بوزارة التعليم،
وهو من خلال سيرته متخصص في الدعائيات الإحتفالية لآل
سعود وتاريخهم، الأمر الذي دفعهم لمنحه وسام الملك عبدالعزيز
من الدرجة الأولى. ويقول مقربون منه أنه يطمح لأن يصبح
عضواً معيّناً في مجلس الشورى في دورته القادمة. ولعلّ
هذا الكتاب يصب في ذلك الغرض.
والرجل يفتعل وطنيّة كاذبة فيقول عن نفسه بدون مناسبة:
(ولا بد أن تعرف السيدة مي يماني أني أنتمي لهذا الوطن
الكبير المملكة العربية السعودية، وأنني عرفت سهوله وجباله
وصحاريه وأوديته وبحره وشواطئه وحرّه وقرّه وصيفه وشتاءه
وشعبه وناسه، وحياته الإجتماعية والثقافية والإقتصادية
والعلمية..... وهذا فضل من الله سبحانه وتعالى أن أعرف
وطني ونموه وتطوره وازدهاره منذ أن فتحت عيني على الدنيا
وفي ذاكرتي أشياء وأشياء ليس هذا مكان سردها. ولكن الشيء
الذي أعيه أن الملك عبد العزيز بنى وأسس دوله... وأرسى
قواعدها على الحق وخلف قيادة وشعباً أمينين على وحدة الأمة
والوطن)! (ص 23-24).
لماذا يريد من د. مي أن تعرف هذا الطنطنة، ومدعى الوطنية
الكاذبة؟ وهل كانت مي قد سمعت بك أصلاً، أم أنك تريد أن
تحدد موقفك ابتداءً؟ الموقف معروف من عنوان الكتاب، أما
زعم الوطنية ومعرفة المملكة بكل تفاصيلها العلمية والثقافية
والإقتصادية والإجتماعية وغير ذلك من المزاعم، فإن من
يتجرّأ أن يقول ذلك فهو (جاهل) أياً كان موقعه، ولا يحظى
بتواضع العلماء، فما بالك بالمنافقين الأفاقين. ولعل كتابك
هذا يكفينا معرفة بمستواك العلمي ومعرفتك الموسوعية بكل
شيء عن البلاد وأهلها وجغرافيتها وطبوغرافيتها وغير ذلك
من الكلام الرخيص!
هذا والرجل خريج بريطانيا بشهادة دكتوراة، وهو هنا
يتحدث عن شخصه وهناك يشتم شخص مي، ثم يأتينا في أكثر من
موقع ليتحدث عن أنه يكتب بدون تحيّز أو تعصّب! بل أنه
يطعن في علميّة مي، وكأن كتابه (الزبالة) يدخل في خانة
(العلمية) أو يشمّ ريحها!. ومما يزيد الأمر استغراباً
من أكاديمي مثل سعد الراشد، أنه لم ينصب نفسه مدافعاً
عن الوهابية وآل سعود، وليس فقط فشل في تقديم نقد صلب
لكتاب مي يماني، بل أنه حرّض عليها الآخرين، قرّاءً وكتّاباً.
يقول: (الباحثة قلبت المفاهيم والتقاليد والآداب العلمية
بجعلها الحق باطلاً والباطل حقاً مما أفسد عملها وجعل
هذه الدراسة بلا هوية. هذه هي وجهة نظري الشخصية واترك
لأهل الحجاز الشرفاء من دارسين وباحثين وأدباء وكتاب أن
يبدوا رأيهم فيما تضمنته دراسة مي يماني من أفكار وطروحات،
وقد حرصت أن أعرض للقارئ بعض النقاط الواردة في فصول الكتاب
حتى تكون الأمور واضحة وجليّة دونما تعصّب أو تحيّز)(ص
23).
أترى أن علمية أوكسفورد تقبل بالدراسات التافهة كتلك
التي تمنحها جامعات السعودية وفي مقدمتها جامعة الإمام
الوهابية؟! أترى أن آل سعود سيسمحون بنشر مقالة أو بحث
أو ردٍّ يتضمن تأييداً لما كتبته مي يماني ولو كان مجرد
(شقّ كلمة)؟!
بالطبع فإن المؤلف الأكاديمي العبقري لا يريد (إبداء
رأي) فيما كُتب، بل يريد شتماً على غرار ما فعل هو، ولذا
امتدح من كتب ضد مي، حتى وإن كانت كتابته لا علاقة لها
بالموضوع، وقال: (تصدى بعض الباحثين من أبناء الحجاز الشرفاء
بالرد على جانب من الأفكار التي روجت لها مي يماني وهو
إحياء الإحتفال بالمولد النبوي) (ص 19). فهل كتاب مي محوره
المولد النبوي؟! وهل كتبت مي كتابها عن المولد من زاوية
دينية باعتباره حلالاً أو حراماً؟ إن الغبي هو الذي لا
يفهم المغزى من الكتاب، والأغبى ـ خاصة إذا كان أكاديمياً
ـ هو الذي يمتدح أمراً في غير موقعه، ويقحم نفسه في قضايا
أكبر من ان يتحمّلها دماغه!. لقد بحثت مي موضوع المولد
باعتباره طقساً يمس أحد مكوّنات الهوية الثقافية الحجازية،
فالحجازيون يختلفون في هذا الأمر عن النجديين لأنهم لا
يمارسونه. ولم تناقش حليّة الموضوع أو حرمته، وإن أشارت
الى منع الإحتفال من قبل الوهابيين وتأثير ذلك على الهوية
الحجازية. أما النقاش الديني في موضوع الإحتفال فليس من
اختصاص كتاب مي، ولا يفترض أن يكون من اختصاص كتاب الراشد
أيضاً. مع العلم أن معظم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها
يحتفلون بالمولد النبوي، وحسب الراشد المتطفل على الوهابية
أن يعلم بأن الوهابيين أقليّة في هذا العالم، لا يقبل
أحدٌ بتحريمهم للمولد، حتى في داخل السعودية فإن القائمين
بالإحتفالات في المولد من حيث العدد أكثر من عدد الوهابيين
أنفسهم!
علمية البحث وضحالة الرد
لا أظن أن أحداً يستطيع الطعن في جامعة أوكسفورد من
جهة علميتها. فما بالك أن يأتي هذا الردّ من شخص درس في
بريطانيا ونال شهادة الدكتوراة منها، أي من جامعة أقل
بكثير من جامعة أوكسفورد. فضلاً ان ياتي الطعن في البحث
وعلميته من أوباش جامعة الإمام، وخريجي الدراسات الوهابية
الذين نال الكثير منهم درجة الدكتوراة بأسهل من شرب الماء.
وقد نشرنا في عدد سابق نموذج لرسالة الدكتوراة من إحدى
جامعات السعودية الدينية.
أن يأتي خريج من الغرب، يعرف ماذا تعني أوكسفورد، ويعرف
الشروط العلمية للأبحاث، ثم يصنف البحث بأنه لا قيمة علمية
له ولم يقدم إضافة! إذا كان هذا هو موقف الراشد الحقيقي
فلماذا تكلف الكتابة عن أمرٍ تافه، وأشغل نفسه بكتاب لا
قيمة له، بل لماذا يحرض الآخرين على الكتابة ضدّه إن كان
البحث لا قيمة له؟ وهل جامعات الغرب الكبرى بهذه الضحالة
التي تقبل بأي كلام دون استيفاء المواصفات العلمية؟ من
يقول هذا إما جاهل أو متجاهل، بمعنى متغابي، ونحسب أن
الراشد جمع الإثنين في ردّه!
بحث مي استكمل في منتصف الثمانينيات الميلادية كما
قلنا، أي قبل 15 عاماً من أحداث سبتمبر، وقبل أن تظهر
الكتابات المعادية لآل سعود بعد تلك الأحداث. في ذلك الوقت
لم يكن هناك حسّ مؤامرة، فآل سعود والغرب كانوا (سمناً
على عسل). وكانت السعودية تشترى مقاعد الدراسات الجامعية،
وتشتري الصحف وتشتري الأشخاص كما الحكومات، وكان النهب
قائماً ولازال. بمعنى آخر، لم يكن بحث مي يماني في حينه
يدخل ضمن عنصر المؤامرة (يحسبون كل صيحة عليهم) الذي يضخمه
آل سعود وإعلامهم اليوم لأهداف سياسية لا تخفى ضد معارضيهم
والمختلف معهم في الرأي. الذي طرأ هو توقيت نشر البحث
فحسب. فإذا كان هذا يعدّ مؤامرة فليكن! ولم تنشر مي كتابها
إلا بعد أن قررت التضحية بالعودة الى الوطن، فهي تعلم
مدى احترام آل سعود للعلم وللعلمية، مثلما يحترمها ممثلهم
سعد الراشد! والقليل من الرجال يمتلكون شجاعة البحث في
الأصل في الموضوعات المحظورة، فضلاً عن شجاعة النشر، وليت
هناك الكثيرين ممن يمتلكون شجاعتها بين رجال (مملكة العبيد)
سواء في طرق مواضيع البحث الحساسة أو نشرها.
لكن لآل سعود ومخالبهم المتكسرة رأي آخر. فمن لا يمدحنا
فهو ضدنا. تلك هي القاعدة، ولم يشذّ الراشد عنها، بل تبعها
حذو القذة بالقذة، ودخل جحر الضب الذي دخله آل سعود، وقد
كان الجحر رغم ضيقه أوسع من عقل الراشد ومن هم على شاكلته.
الراشد يضع بحث الدكتوراة في سياق الحملة الإعلامية
ضد المملكة، مثله مثل كتاب: مملكة الكراهية، والنوم مع
الشيطان وغيرهما، وهذا من الجهل المركب على أية حال. ويتمنى
لو أن هناك كتاب عرب يدافعون بلسان الغرب عن السعودية
مقابل القوى الصهيونية والمتعاطفة معها. ولا شك عند الراشد
أن كتاب مي يصنف ضمن الأخيرة. يضيف: (هذا الواقع المؤلم
يزداد ألماً وحسرة عندما يظهر كتاب ألفته باحثة سعودية
ينساق مع هذه التوجهات المشوهة لصورة المملكة العربية
السعودية، ويناقش قضايا المواطنة والإرتباط الجغرافي لأرض
المملكة وقضايا الهوية والإنتساب الثقافي لقيمها ومعتقداتها،
ويسعى هذا التوجه الى محاولة تعدد هوياتها ليقينه بأن
وحدة الهوية مهم لتحقيق الإستقرار السياسي والتطور الإقتصادي
والعلمي والتقني. إلا أننا نوقن جازمين بقوله تعالى: ولا
يحيق المكر السيّء إلا بأهله)(من المقدمة ص6-7).
فالأكاديمي العبقري ينزعج من مي لمجرد بحثت هذه الموضوعات،
أما تشخيصه لهدفها (محاولة تعدد هوياتها ـ أي المملكة)..
والصحيح بنظره أن تكون هناك (وحدة هوية). أظن هنا أن هذا
الكلام ـ خاصة وأنه جاء في المقدمة ـ يمثل خلاصة الكتاب،
كما يمثل خلاصة جهل المؤلف بالموضوع الذي يناقشه من أساسه.
هو لا يعرف معنى الهوية، ولم يعرّفها او يحددها، ثم هو
لا يتحدث عن هويّة وطنيّة، ويعتقد خطأ أن المملكة لديها
هوية واحدة، وأن تعدد الهويات ـ وهو قائم لا يعترف به
المؤلف ولا آل سعود ـ يجب أن يزال لأنه خطر على الاستقرار.
الجمل التي أوردها عامّة، لأن الجاهل لا يكتب تفصيلاً
ولا يعرف التفصيل. كان يمكنه الحديث عن الهويات الثقافية
في المملكة، وهي متعددة على أية حال، وكان بإمكانه أن
يتحدث عن ملامح الهوية الواحدة التي يقول بها، وهو يقصد
هنا ـ ربما ـ الهوية السياسية أو الوطنية، ولكنه يفهم
أمراً واحداً، أن الحديث عن هذا الموضوع خطير. وهو كذلك،
ولذلك فإن كتاب مي له قيمة من حيث موضوعة الطرح الجديدة،
ومنهجيته. وعلى هذا الأساس منحت رسالة الدكتوراة!
لقد كان كثيراً على الراشد أن يعترف بقيمة العمل الأكاديمي
الذي قدمته مي، وقال ان الدراسة (يُنظر اليها على أنها
دراسة علمية تعتمد على رؤية وهدف) ثم شرع يقدم مواصفات
العمل البحثي غير المتحيز، وكيف أن مي لم توف المعايير!
وكأن أحداً يطلب شهادة مثله في (الآثار الإسلامية) ليعترف
بما اعترفت به اوكسفورد نفسها! وزيادة على هذا، رأى الراشد
متمنياً بغباء لو أن رسالة مي تركزت على دراسة الثقافات
والعادات والتقاليد في المجتمع الحجازي من وجهة نظر سيدة
تنتمي للحجاز. وكأنه يقول بأن الدراسة جيّدة ولكن عيبها
أنها تنطوي على أبعاد سياسية حين تمّ ربط التمايز الثقافي
بالموضوع السياسي وعلاقته بالوهابية وآل سعود. ولأنها
لم تفعل ذلك صارت دراستها بلا هوية حسب قوله، ولم يبق
إلا أن يضع نفسه مشرفاً على د. مي يماني! ويحدد لها مواضيع
النقاش.
وقد وضعت مي الملح على الجرح حين نشرت بحثها: (فقد
روجت الباحثة له بطريقة لافتة للنظر وغير مألوفة لكثير
من الباحثين والدارسين على مستوى العالم، لأن الأبحاث
العلمية الرصينة والجادة تتحدث عن نفسها وتبرز تلقائياً
في الساحات العلمية والمؤتمرات والندوات المتخصصة.. الخ)
(ص 38-39). وهذا كلام لا يرد عليه، لأن ما قامت به مي
يقع ضمن حدود دعاية الإصدار، وقد حدث ذلك مرة واحدة وفي
ندوة واحدة، كما يفعل كل المؤلفين، وبينهم بعض العرب.
لم يحدد لنا الراشد المنزعج طريقة الترويج اللافتة، والحقيقة
فإن أفضل ترويج للكتاب هو موقف آل سعود وحمّالي الحطب
لهم (أي حملة الأقلام الرخيصة). فهم دون وعي منهم يشهرون
الكتاب أكثر وأكثر. أما نظرته حول الأبحاث العلمية الرصينة
فهي كلام جاهل (بالمختصر المفيد) لا واقع له علمياً. وإذا
كان الراشد يعتب على مي تعمّد نشرها لبحث دكتوراة، فماذا
نقول عنه نفسه الذي أشرف ـ حسب سيرته الذاتية ـ على موسوعة
تاريخ التعليم في المملكة في مائة عام، وهي موسوعة تفتقر
الى العلمية وتميل الى الجمع، وبالتالي لا تستحق أن تكون
موسوعة، لأنها لا تستهدف سوى التطبيل، كما طبل الراشد
في اشتراكه في اللجنة التحضيرية للاحتفال بمرور مائة عام
على تأسيس المملكة. فهل كان يفعل ذلك بدافع أكاديمي أم
بدافع إعلامي رخيص، هدفه التقرب من السلطان والكسب المادي؟!
المهم أن كتاب مي أُقحم ضمن منظومة التعاون مع الصهاينة
ومساعدة الغرب ضد نظام الحكم الإسلامي السعودي!، وأنه
طُبع بعد أحداث 11 سبتمبر، فـ(في الأزمات الشديدة تخرج
الأفاعي من جحورها وتبدأ تقذف سمومها على من حولها....
حيث كانت فرصة مواتية لاستغلال بعض من ينتمون لهذا الوطن
للنيل من وحدته وأمنه واستقراره)(ص16). الحملات الصهيونية
المسمومة ضد المملكة كما يقول آل سعود لم تقف عند حد وهذا
امر غير مستغرب، كما يقول الراشد، (أما عندما ينضم لزمرة
هؤلاء.. فئة ممن يعتقدون أنهم يرتبطون بتراب هذه المملكة
وهويتها فهو أمر غاية في الغرابة ويحمل في طياته علامات
استفهام كبيرة عن الدوافع والأهداف القريبة والبعيدة)
(ص 17). لقد كانت (وطنيّة) الراشد ضيقة فلم تتحمل المختلف
في الرأي، ولم تقف عن حدود الإتهام، بل بخل على د. مي
أن يعتبرها مواطنة، فهي تعتقد أنها ترتبط بتراب المملكة!
ولا غرابة في هذا، فقد أسقط آل سعود جنسيات معارضيهم،
وقبل ذلك أسقطوا وطنيّة كل مصلح شريف في الداخل بنفس الحجج
التي تساق ضد مي، ومن أراد فليراجع التهم التي وجهت للإصلاحيين
في المحاكم، وسيرى التشابه بينها.
ويقع معظم النقد في الصفحات 40-56، وقع وضعها الراشد
تحت عنوان: وقفات مع الباحثة مي يماني. لنر هذه الوقفات
ـ وقد كانت تسعاً ـ ومدى علميتها وأهميتها.
نقد كتاب مي
الوقفة الأولى: كان يفترض في الراشد ان ينتقد منهج
البحث قبل أن يذهب الى التفاصيل، فيصطاد جملة هنا وأخرى
هناك ويتولاها بالتعليق الفجّ. لقد انتقد الراشد عنوان
رسالة الدكتوراة ـ الكتاب وقال: (اختارت الباحثة عنواناً
لبحثها بطريقة توحي بأن الحجاز فقد هويته العربية وأن
هذه الهوية قد طمست من قبل حكام الدولة السعودية الذين
جاؤوا للحجاز فاتحين أو محتلين وهذا ما أشارت اليه الباحثة
في كتابة وذلك بوصمها حكام الدولة السعودية بأنهم غزاة
محاربون أو مصطلح إخضاع والهيمنة النجدية...الخ). إضافة
الى محاولتها استخدام مصطلح الوهابيين والهيمنة الوهابية
والعلماء الوهابيين والوهابيين المسلمين وأن الوهابية
هي دين الدولة الرسمي، والمؤسسة الدينية الوهابية والتأثير
الوهابي الى غير ذلك (ص 40-41).
كان يفترض أن يكون اسم البحث: مهد الإسلام، البحث عن
الهوية الحجازية. ولكن الدراسة بلغتها الأصلية ـ وربما
بدافع الخشية ـ خاصة وأن آل سعود يومها كانوا في قمة سلطانهم
وشيطنتهم اختار لهجة معدلة (مهد الإسلام: البحث عن هوية
عربية). وحين طُبع الكتاب باللغة الإنجليزية يبدو أن بقايا
تلك الخشية لم تزل موجودة. لكن العنوان العربي للبحث كان
في موقعه الصحيح، ويتناسب مع مادة الرسالة (مهد الإسلام،
البحث عن الهوية الحجازية). أما أن عنوان البحث بلغته
الإنجليزية يوحي بأن الحجاز فقد هويته العربية، فهذا لم
يكن المعنى الصحيح الذي توصل إليه عقل سعد الراشد. وإنما
يعني: البحث عن هوية عربية (ضائعة، أو مفقودة). هذا هو
المعنى الدقيق في ظنّي. وإلا فآل سعود لم يضيعوا هوية
الحجاز العربية، وإنما ضيعوا هوية الحجازيين وليس لغتهم،
والهوية ترتكز كثيراً عن العناصر الثقافية المختلفة أكثر
من عناصر الاتفاق. وفعلاً لقد طمس آل سعود تلك الهوية
وخنقوها وعلى الراشد أن يثبت العكس، مادامت مي قد أثبتت
وجود ذلك الطمس والتغييب. أما أن آل سعود كانوا غزاة ومحتلين
او فاتحين فهو صحيح، ولازالت الدولة كلها محتلة من قبل
النجديين. وكتب التاريخ التي تدرس للطلبة تفيد بأن عبدالعزيز
(فتح) الحجاز، وفي السابق كانوا لا يميزون فيقولون أنه
(احتل) الحجاز وغيره. فلماذا يغضب الراشد؟ وهل بإمكانه
أن يصف فعل جيش عبدالعزيز، أو جيش نجد الإخواني، بغير
صفات الغزو والفتح والإحتلال؟ فماذا يسميه إذن؟ ثم إن
هذه العبارات بالتحديد هي المستخدمة في الوثائق البريطانية
وغيرها، والتي طلب الراشد من مي أن تستفيد منها! وليراجع
الراشد توصيفات الفعل النجدي الوهابي من خلال الكتب السعودية
نفسها، فهو لن يجد غير هذه الأوصاف!
اما مصطلح الوهابية والوهابيين، فهو مصطلح شائع في
اللغتين العربية والإنجليزية. وهو أدق وصف يمكن استخدامه
في التمييز بين الفئات المذهبية. حتى وصف الوهابيين بالسلفيين
غير دقيق، فالسلفية والسلفيون أوسع من الوهابية والوهابيين.
فالراشد يعلم أن هناك سلفيين في مناطق أخرى من العالم
العربي والإسلامي، ولكنهم لا يتبعون بالضرورة نهج محمد
بن عبد الوهاب، فالنسخة السلفية في المملكة، هي نسخة وهابية،
تختلف عن غيرها. أما أنها تمثل الدين الرسمي، فهذا التعريف
صحيح باللغة الإنجليزية، وبالعربية يقابله مذهب الدولة
الرسمي. على أن هناك من يعتقد بأن الوهابية مذهب بذاته
مستقل عن المذاهب السنية (انظر موقع ابن باز) وهناك من
لا يعتقد باسلام الوهابيين، وهؤلاء قلّة متطرّفة، وإن
كان الوهابيون لا يعتقدون بإسلام معظم المسلمين، بل ويكفرونهم
ويستحلون دماءهم وأموالهم ونساءهم، كما فعلوا بعرب الجزيرة
العربية وبالحجاز خاصة فضلاً عن موقفهم من بقية المسلمين.
وراجع الدرر السنيّة لتتعرف على أصول الموقف الوهابي من
غيرهم.
الوقفة الثانية: حين تحدثت مي عن الفروقات الإجتماعية
بين النجديين على أساس (خضيري وقبيلي) مسّت د. سعد الراشد
الرعشة وهو المتحزّب المتطفّل على نجد، ماسكة زمام السلطة،
فخشي أن تكون مي تقصد أن الفروقات سببها آل سعود. ومي
لم تقل ذلك لا صراحة ولا تلميحاً، ولكنه الفهم الأعوج،
الذي يستهدف نفي شيء لم يقع، بغرض الإتيان بعكسه! ثم كيل
المديح لآل سعود بأنهم لا يفرقون بين انساب الناس وأحسابهم
وألوانهم بل يغلبون ـ حسب قوله ـ المصلحة العامة، كل حسب
كفاءته! (ص41).
وهذا ادعاء بأن آل سعود لا يفرقون بين الناس، ولو كان
الكاتب نجدياً ربما أصبح وزيراً! إنهم يفرقون بين الأنساب
حتى بالنسبة للنجديين. يتعاملون بالتمييز بين القبائل
والعوائل، وهذا معروف الى حدّ قبوله من المسلمات، ومجادلة
مي ـ التي لم تقل ذلك أصلاً ـ هو نفاق علني بخس.
الوقفة الثالثة: دافع عن النجديين بأنهم يطلقون صفات
على الحجازيين والعكس صحيح، وقال أن مثل هذه الأمور موجودة
منذ زمن بعيد (التنميط او النمطية). ولا خلاف على هذا،
ومي كانت تبحث عن توصيف كيف يرى الآخر غيره، وبأي عين؟
إن كانت له عين!. وهذه وقفة أيضاً لا لزوم لها، وليست
في محلها. فليس هناك شيء مما ينقد فيما قالته مي، وهذا
تعليق من الكاتب وليس نقداً.
الوقفة الرابعة: يقول المؤلف بأن (الباحثة تجهل البعد
الجغرافي والتاريخي للحجاز، فالحجاز لا يقصد به المنطقة
الغربية التي تعتقد الباحثة ان الدولة السعودية جعلت هذا
الإسم لإذابة هوية الحجاز، وإنما هو في الواقع مصطلح جغرافي
حدده الجغرافيون المسلمون منذ قرون) (ص 42). لا شك أن
استنتاج الراشد جهل يماني بجغرافية الحجاز أمرٌ عجيب،
لأن مجرد قولها بأن الحكومة غيرت اسم الحجاز الى المنطقة
الغربية، أدى الى اكتشاف أن مي جاهلة في الجغرافيا. والصحيح
أن سعد الراشد هو الجاهل المركب، فالدكتورة مي في الأساس
تتحدث عن الحجاز كـ (وحدة سياسية) لها حدود متعارفة، باعتبار
ان الحجاز كان دولة مستقلة، وكانت حدوده تمتد من العقبة
حتى جنوب جدة، بل وتشمل ـ حسب الخرائط ـ أجزاء من الباحة
إن لم يكن كلها. المهم، أن الحديث لا يتعلق بالتقسيمات
الإدارية داخل الحجاز، كمنطقة مكة أو المدينة أو الطائف
أو ما أشبه، وإنما البنية السياسية العامة لكينونة سياسية
إسمها (الحجاز) ابتلعها الأخطبوط النجدي ولازال يحكمها
مع غيرها بتفرد تام.
اما استبدال التسميات التاريخية كالحجاز بأسماء تقوم
على أساس الإتجاهات (شرقية وغربية ووسطى وشمالية وجنوبية)
فغرضها كما قالت مي مسح الهوية الحجازية وغيرها عدا النجدية.
وليعلم الراشد أن هذا الرأي قال به آخرون سبقوا مي يماني،
كالدكتور غسان سلامة وغيره والذي كان بحثه للدكتوراة عن
السعودية أيضاً! وإذا كان للراشد رأي آخر، فليبده وليجب:
لماذا تعمدت الدولة تغيير المسميات التاريخية للمناطق
التي احتلتها نجد؟ لماذا ترفض الحكومة استخدام كلمة حجاز
في المناهج وحتى في اليافطات العامة إلا ما ندر؟
الوقفة الخامسة: وفيها نقد من سعد الراشد أن بحث مي
اعتمد على 25 عائلة موزعة بين مكة المكرمة والمدينة، وأنها
لم تشر الى أسماء هذه العوائل. ثم انتقدها بأنها أهملت
القبائل الحجازية التي راح يعددها بإسهاب. التركيز على
25 عائلة من أهم عوائل الحجاز وأشهرها ليس معيباً من جهة
البحث، بل لو كان العدد دون هذا ما اعتبر نقصاً. فالبحث
يحتاج الى دقة التخصص، ولكن ربما يكون كلام الراشد صحيحاً
من جهة أن الكتاب لم يحوي أسماء هذه العوائل. ربما كان
السبب في عدم النشر أمران: الأول ويتعلق بموضوع الخصوصية
لتلك العوائل، والثاني يتعلق بإمكانية استفادة النجديين
وحزبهم في التعريض بتلك العوائل وبأصولها، ولا أدلك على
ذلك سعد الراشد نفسه فهو متحمس لمعرفة أصول وجذور هذه
العوائل ولكنه لم يبد حماساً لعاداتها وتقاليدها التي
كان غرض رسالة الدكتوراة التركيز عليها! أما طلب الراشد
أن يتضمن البحث سكان كل الحجاز بمن فيهم القبائل، فلا
يؤخذ بعين الإعتبار، نظراً لأن القبائل لها منظومة ثقافية
مختلفة أولاً، وثانياً لأن مصدر الهوية الحجازية مديني،
ويمكن ملاحظة ان الراشد لا يفقه في مثل هذه المسائل، ويريد
فرض بحث من نوع خاص (على ذوقه). ولكن ليت الجاهل يسكت.
الوقفة السادسة: ومثل هذا النقد ما قاله الراشد حول
(تعمد إخفاء أسماء الأشخاص الذين أخذت عنهم المعلومات
الشفهية عن الحجاز وأوضاعه الإجتماعية والثقافية والسياسية،
وهذا يدل ايضاً على أن الباحثة فعلاً لا تعرف الحجاز رغم
أنها سليلة عائلة معروفة في المجتمع الحجازي... زيادة
على ذلك أنها عندما بدأت في جمع المادة العلمية للبحث
لم تكن تعرف حتى أبسط أساليب التعامل مع الأوضاع الإجتماعية
، وبدأ كل شيء غريباً عليها، كما أنه ليس من باب الأمانة
العلمية أن تتقبل رواية من امرأة عجوز كبيرة في السن ـ
فاطمة ـ لتجعل روايتها عن دخول القوات السعودية للحجاز
متكأ لبحثها، والواقع أنه لا توجد أسرار في المعلومات
التي أوردتها الباحثة ولا يوجد مبرر للتستر على مصادر
المعلومات الشفهية)(ص 43-44). ويزيد سعد الراشد بأن الباحثة
لم تعط اهتماماً لنهضة الحجاز في عهد آل سعود (وأغفلت
الإشارة الى البنية التحتية التي شملت كافة أرجاء البلاد
واصبح المواطنون سواسية في الحقوق والواجبات) (ص 44).
ما أسرع الوصول الى النتائج لدى هذا الراشد! فبسرعة
تصبح مي لا تعرف الحجاز، بينما هو ـ غير الحجازي ـ يعرف
أكثر منها!، ولا تعرف حتى أبسط الأمور في جمع المادة العلمية
والتعاطي معها!، والبحث يفتقد الأمانة العلمية لسبب واهٍ.
فلنناقش الراشد في دعاواه. واضح أن هناك تعمّد في إخفاء
أسماء الأشخاص الذين أُجريت المقابلات معهم، فالراشد يطعن
في مصداقيتهم ربما إذا لم يعرف الأسماء، ويرى أنه ليس
هناك مبرر بنظره، والصحيح أن كثيراً من الكلام لا يستطيع
المرء ذكر قائله، لأن الحرية الأكاديمية مفقودة في السعودية،
ولأن الناس يخافون. هذا باختصار. وعلى الراشد قبل أن يطلب
كشف الأسماء، أن يطلب من أسياده توسيع هامش الحريات، حتى
يأمن الباحث ويأمن الشخص الذي أجريت معه المقابلة.
ومن الناحية الأكاديمية فإن مي وغيرها لا بد أن تقدم
الأسماء للمشرف، كما تقدم الكثير من التفاصيل عن العوائل
ليتأكد من صدقيتها، ويُقبل أكاديمياً عدم نشر الأسماء،
فإذا كان للراشد اعتراض فعليه أن يعترض على أوكسفورد!
أما فاطمة، فهي شاهد عيان لهجوم قطعان الوهابية على الطائف
واستباحتها وقتل من فيها من المدنيين بعد أن قتلوا العسكريين،
وقد فرّت كما فرّ غيرها ونجت بنفسها. الآن، هل اتكأت مي
على هذه الرواية وحدها، ألا يعرف الراشد الذي مُنح جائزة
امين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية عام 1998، تفاصيل
تلك المجازر، وقتل الأبرياء، وذبحهم، بمن فيهم رجال الدين
ـ كمفتي الشافعية؟ ألم يقرأ في الكتب المنشورة هول تلك
الحوادث وتفاصيلها المقززة، والدماء التي تجري كالنهر
والجثث السوداء المنتفخة الى غير ذلك مما فعله جيش النجديين
الوهابي؟ على شخص نال جائزة في التاريخ السعودي أن لا
يطلب معرفة اسم من تكون فاطمة، لأنها مجرد شاهد عيان من
عشرات نشرت بعض شهاداتهم؟ إن المعرفة تتطلب دفع ثمن، لا
يريد البعض أن يتحمله، وهذا لا يخل بالأكاديمية، حتى وإن
كان كان ما قالته فاطمة مختلفاً عن مرويات آل سعود ـ وهو
هنا لم يختلف ـ في كيفية احتلال الطائف ثم مكة. إن القول
بأن التستر على مصادر المعلومات الشفهية ليس مبرراً، فهذا
قول أحد الموالين الذين لا يكتبون الا المديح وما يوافق
الحاكم، أما في بحث مي فإن ذكر الإسم فيه ضرر والراشد
يعلم ذلك. ثم إن الإحتلال السعودي للحجاز كان مجرد لقطات
عابرة في البحث، وأصل البحث ليس تاريخياً، وإنما هو انثروبولوجي.
فلماذا يشطّ الراشد هنا وهناك بعيداً عن البحث؟
وأخيراً، فيما يتعلق بتجاهل نهضة الحجاز في عهد آل
سعود، فيترك للطبالين من أمثال الراشد، الذي ينتظر المعاملة
بالمساواة ليصبح وزيراً ربما. افكلما كتب باحث بحثاً،
قيل له ولماذا لم تذكر هذه وتلك من الأمور المديح، وكأن
الباحث طبالاً لآل سعود، وعليه أن يمتدح في غير موقع المدح.
ما دخل البنية التحتية في بحث حول الهوية الحجازية؟!
الوقفة السابعة: لا يرى الباحث ما قالته مي بأن الحكومة
السعودية فرضت اللبس النجدي على المجتمع الحجازي وغيره
فأصبح الزي الوطني، وهو يعتقد بأن اللبس السعودي للرجال
يعود في جذوره للحجاز، كما ويرى أن الحكومة لا تفرض على
الناس ما يلبسون وما يأكلون وما يشربون (ص 45-46). ثم
يأتي بمقالة مطولة لأحد الأدباء يطالب فيها الحكومة بتوحيد
اللبس لأن في توحيده مظهر قوة ووحدة وقومية، ولأن بقاء
اللباس المتنوع (يزيدنا تنوعاً). ويبدو أن الراشد متفق
مع هذا الرأي. واخيراً تحدث الراشد عن المأكولات الحجازية
فكرر ما ذكرته مي في بحثها وكأنه جاء لينقض ما قالته (ص
49).
الصحيح أن الحكومة وضعت زيّاً رسمياً الزمت به موظفي
الدولة والطلاب وطلبت من الشركات الخاصة الإلتزام به.
والعقال ـ بغض النظر عن جذوره ـ هو لباس نجد، والإخوان
كانوا يكفرون لابسه، وكانوا يلبسون الشماغ مع رباط كالعمامة
يقوم مقام العقال. والصحيح أيضاً ان الحكومة تنظر الى
المتمسك بلباسه المناطقي نظرة شك وريبة، فإذا ما ظهر شخص
حجازي بلباسه التقليدي عدّ ذلك مناكفة لآل سعود وتمسكاً
بحجازيته مقابل الدولة. أما أن اصل اللباس السائد اليوم
هو الحجاز، فمسألة تحتاج الى نقاش، والصحيح أن الحجازيين
يلبسون العمامة والدقلة وثوبهم مختلف عن غيرهم. وعموماً
هذه مفردة صغيرة من البحث، والمهم السماح للجميع بالتعبير
عن هويته ولا يحاكم على أساس لباسه الخاص، ولا أن يعتبر
مادة مقاومة سياسية لآل سعود، مع أنه في ظل المنع والتضييق
يصبح كذلك. أما توحيد الزيّ فهدفه القضاء على التنوع،
والتنوع له قيمة لمن يعرف معناه، ولكن مملكة آل سعود تعده
مصيبة حتى في اللباس.
الوقفة الثامنة: يفصل الراشد بين العادات والتقاليد
من جهة، وبين إقامة الموالد كممارسة، وهذا الفصل لا يقوم
على أساس صحيح، ولم يبين لنا مبرر الفصل بين الممارسة
للمولد كتقليد أو كطقس أو عادة، فهو يطالب بفصل الأمرين
هكذا بدون مبرر علمي. ويعتقد بأن ممارسة المولد لا علاقة
له بالهوية الحجازية، وأيضاً لم يوضح لماذا هذه النتيجة
وكيف توصل اليها. ولكنه قال: (اعتقد ان هذا الأمر سيرد
فيه على الباحثة غيري من أبناء العوائل الحجازية أنفسهم
ومن بقية أبناء الحجاز) (ص 49). وأضاف منتقداً اقامة المولد
وأن آل سعود جاؤوا وقضوا على الشعوذة والدجل في الحجاز.
ولكن لا يوجد دجل وشعوذة وتعلق بالجن والسحر والكهانة!
مثلما هو لدى النجديين اليوم كما الأمس، واقرأ الرسائل
الدينية الوهابية وفتاوى مشايخها في هذا الموضوع قديماً
وحديثاً، فستجدها أكثر من أن تحصى!
الغريب أن الراشد لا يعتقد بأن منع المولد من قبل الحكومة
السعودية هو الذي أفضى الى غيابه، بل طالب مي بتفسير الظاهرة
من وجهة نظر غير سياسية. والصحيح أن السبب السياسي هو
الأهم بل هو الأصل، لهذا جاءت الإشارة اليه في بحث د.
مي، فالوهابية وآل سعود لا يعرفان الإقناع بل المنع بالقوة،
والإعتقال، الأمر الذي يدفع بالممارسة أن تتم تحت الأرض.
وعلى الراشد أن يبين لنا (هو) الأسباب غير السياسية، إن
كان يعرفها، وعليه أن يقوم بالدراسات الميدانية ليرد على
د. مي، لا أن يطالبها بشيء تقوله عليها من انها تعزو الظواهر
الاجتماعية الى سبب واحد. هي لم تقل ذلك، ولم تبحثه هكذا،
بل كل البحث يرد على الراشد نفسه.
الوقفة التاسعة والأخيرة: يرى الراشد أن مي (تحاملت
على منطقة نجد والنجديين وجعلتهم متخلفين في أمور كثيرة،
وما ذكرته الباحثة في كتابها ينم عن جهل بالحضارة العربية
والإسلامية... وهي لا تعرف كذلك أنه على مر العصور كان
الحجاز ونجد توأمين فلا يذكر أحدهما إلا ويذكر الآخر بسبب
الترابط الثقافي والديني والحضاري والعرقي، ولم يكن بالإمكان
أن تكون نجد منفصلة عن الحجاز مهما تكن الظروف... لذا
فوجه المقارنة بين الحجاز ونجد بالأسلوب الذي عرضته الباحثة
مرفوض) (ص 54) وطالبها الراشد بأن لا تضيق بالنجديين في
الحجاز عندما ذكرت ان الحجازيين لا يصاهرونهم لسوء معاملتهم
للمرأة، واتهمها بالتمييز العنصري، وزعم ان النجديين المقيمين
في الحجاز أصبحوا جزءاً من النسيج الحجازي (54-55). وقال
الراشد أن مي تتعسف في تضخيم الخلافات بين أهل نجد والحجاز،
وانها لم تذكر كلمة مديح واحدة في حق الملك عبدالعزيز
(ص 52). ثم جاء الراشد بقصيدتين معاصرتين من شاعرين حجازيين
قيلتا مديحاً بنجد، وكأنه بهذا يرد عليها (ص 55-56).
في علم السياسة وفي غيره يقال أنه (بدون مقارنة لا
يكون هناك علم)، والمقارنة التي وضعتها مي بين الفينة
والأخرى كانت بين نجد والحجاز. واختيرت نجد، باعتبارها
(الغريم) الممثلة للسلطة والمستحوذة عليها، وباعتبارها
المناقض الموضوعي للحجاز تاريخاً وحاضراً، وأنها هي التي
ألغت الحجاز من الخارطة السياسية، ونجد هي التي تريد فرض
رؤيتها ومذهبها ورجالها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها ولباسها
ومشايخها ورموزها على كل البلاد بما فيها الحجاز. ليست
المسألة هنا مع النجديين العاديين، وإنما هي في مقارنة
مع ما تمثله النخبة النجدية من بطش وفرض وتطويع وإلغاء
الهويات الخاصة لصالح الهوية النجدية. لذا لم تقارن مي
الحجاز مع أي منطقة أخرى عدا نجد، التي هي الحكم ورموزه
وسلطانه ودينه. وهذا هو الصحيح في المقارنة.
اما مسألة التحامل، فهي غير مقبولة أكاديمياً، وكان
يجدر بالراشد أن يبين لنا موضع التحامل، عدا ما ذكره عن
موضوع الزواج، فعدم المصاهرة مع النجدي ليس فقط بسبب سوء
معاملته للمرأة، وإنما أيضاً بسبب اختلاف الهوية والخلفية
الثقافية والإجتماعية، وهذا موضوع مرتبط بالهوية الخاصة
على أية حال، إن كان الراشد يفهم شيئاً مما نقول.
ايضاً لا ندري كيف وصل العبقري الراشد الى الإستنتاج
بأن مي تجهل الحضارة العربية والإسلامية، فهل هو، اي الراشد،
يعرفها؟ وماذا يقصد بهذه المعرفة بالتحديد، وماذا يريد
أن يبرهن؟ ام هو مجرد صف كلام؟ أما القول بأن نجد والحجاز
توأمان تاريخياً، وأنه لا يذكر أحدهما إلا بالآخر، فهذا
ادعاء يحتاج الى دليل، ولا أظن أن بمقدور الراشد ولو أُعطي
سنة بحث كاملة أن يثبت مدعاه. والصحيح أنه لم تكن هناك
فترة وئام تاريخي بين نجد والحجاز، ولم يتوحدا في تاريخهما،
ولم تكن التباينات قليلة، بل حتى تاريخياً، كانت البحرين
أقرب الى الحجاز من نجد، وكانت نجد آخر من دخل الإسلام
في جزيرة العرب، واول من تمرد على الخلافة، ومنها ظهر
مسيلمة الكذاب وسجاح، ومنها جاء دعم الخوارج، ووصفها رسول
الله بأنها منبع الفتنة وقرن الشيطان.
أما مديح المؤسس عبدالعزيز ومسيرته فهو متروك للراشد
وأمثاله، ولا يجب أن ينطوي عليها بحث علمي. والمديح يتطلب
تغييراً هيكلياً في البحث، كما أن النجديين يعتبرون عبد
العزيز رمزاً لهم لوحدهم، يستخدمونه ضد غيرهم. ثم على
ماذا يمدح الحجاز عبدالعزيز، أعلى مجازره التي اقامها
لهم؟ أم لأنه دمر آثار الإسلام؟ أم لأنه شرد الكثيرين
خارج الحدود؟ أم لأنه جعل الحجاز لقمة سائغة بيد النجديين؟
هذا هو ملخص رد الراشد على كتاب مي، وهو رد انتقائي
غير جوهري، وهي ملاحظات لا تفيد في أكثرها، وتعالم كاذب
من جاهل أحمق، وضع نفسه علامة زمانه في غير موقعه الصحيح.
ملاحظات أخيرة
تحت عنوان: (كلمات من التاريخ) وضع الراشد نصوصاً كاملة
لخطب مكتوبة ألقيت بحضور الملك عبدالعزيز وغيره، قال أنها
تفيد مي جداً، كما تفيد الباحثين (الذين يرمون الكلام
على عواهنة). وامتدح الخطباء لأنهم سمعوا وأطاعوا ولاة
الأمر، حيث أن بعضهم (كان على أبصاره غشاوة عندما عارضوا
المخطط الوحدوي لكافة ارجاء المملكة).
باختصار.. هي كلمات لشخصيات حجازية، كان لها مواقع
في عهد حكم الأشراف في مملكة الحجاز، وحين احتل الوهابيون
مكة، ثم جدة والمدينة، غادروا الى الخارج وعارضوا آل سعود،
ثم ما لبثوا أن عادوا بعد أن مُنحوا الأمان، وأعلنوا الولاء
للحاكم السعودي. من بين هؤلاء محمد طاهر الدباغ، وعبد
الرؤوف صبان وعبد الحميد الخطيب. كلمات هؤلاء وخطبهم قيلت
بحضور عبدالعزيز في عامي 1935 و 1926 على التوالي.. وكأن
الراشد يقول لمي تعالي وعودي الى البلاد، كما عاد السابقون
الذين لم يقبلوا بأن تكون مملكة الحجاز جزءً من دولة آل
سعود الوهابية.
ثم جاء الراشد نكاية بمي يماني خطاباً لأبيها الشيخ
أحمد زكي يماني حين كان وزيراً للنفط، حوى إضافات ولائية
لم تكن في الخطاب الأصلي، وكان يجدر بالشيخ يماني أن يقود
الكاتب الى المحاكمة لأنه تقوّل عليه، ثم جاء الراشد بمقتطفات
طويلة من كتاب أخيها هاني يماني بلغت (12 صفحة)، فهو لا
يعترف باستقلالية مي كباحثة، وهي امرأة عليها أن تتبع
أباها وأخاها!، ليصل في الأخير الى عنوان: الهوية التي
تبحث عنها مي يماني.
يتساءل الراشد: (عن أي هوية تبحث؟ فالحجاز هو المملكة
العربية السعودية... هل تريد مي يماني العودة بالحجاز
للفقر والظلم والبؤس والحرمان والتخلف والإنحسار؟)(ص 86).
وأنت أيها الرجل غير الرشيد، عن أي هوية تدافع، وعن أي
هوية تبحث، وعلى أي شيء تعترض، أعلى خصوصية الحجاز الثقافية،
أم على تراثه التاريخي والسياسي المستقل؟ الحجاز لم يكن
يوماً تابعاً لآل سعود إلا في الفترة الأخيرة، وفي الدولة
السعودية الأولى التي سادته لبضع سنوات. هل تريد أن تبقى
نجد سيدة الجميع تأخذ أكثر من حقها وتحرم الآخرين؟ ألا
تعلم أن الحجاز يستطيع أن ينهض أكثر بدون آل سعود ووهابيتهم؟
وهل تعلم أن في الحجاز نفطاً وذهباً ونحاساً؟ الا تعلم
مداخيل الحج كم تبلغ؟ وهل آل سعود مقسمي أرزاق الناس،
فكل من يتحدث يدعو الى الجوع والخوف ويعيد الأمور مائة
سنة سابقة، وكأن تاريخ آل سعود لا أزهى ولا أكمل منه؟
ان الخوف من انفكاك الحجاز يفقد الوهابية مشروعيتها الدينية،
وانفكاك الشرقية يفقدها المال والنفط، ولو انفكتا مت أنت
وآل سعود جوعاً!
ويعود الراشد الى مقولة كان بإمكان كتاب مي (أن يكون
من أهم البحوث لو ركزت على الجوانب الجميلة من ثقافة اهل
الحجاز وعاداتهم وتقاليدهم والتعرف على أوجه الشبه والإختلاف
في التنوع الثقافي لجميع مناطق المملكة)(ص 87). أي أن
كتابها جميل بدون سياسة، وبدون وهابية وآل سعود. هذا هو
مربط الفرس وبيت القصيد. وهذا هو سبب شتائم المؤلف الذي
يقول بأن مي (حادت عن الجادة وبحثت عن أوهام تتستر بها
تحت مظلة التراث الذي تتباكى على فقده)(ص 87). ووصل به
الزعم أن بحثها لم يحترم ثقافة الحجاز ولا هويته.
ثم تحدث الراشد فجاء بفلتة من فلتات الزمان! الذي لا
يأتي بها سوى الجاهل المركب فيقول: (اننا نوقن جازمين
بأن الهوية التي ينشدها أهل الحجاز هي الهوية التي كان
عليها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من عقيدة سلفية
صافية ...الخ).. وأن (هوية الحجاز محفوظة ومصونة ... في
إطار وحدة المملكة العربية السعودية) (ص 90).
ويختم الراشد بحثه بالقول: (لا يعد هذا الكتاب رداً
مباشراً على مي يماني ولكنه موجه لكل من يسير على خطاها
وهو أعمى عن الحقيقة) (ص 91)! فاقبض على تلابيبها اذن،
وامض راشداً في طريق الوهابية وآل سعود، وزيّن لهما أعمالهما
كما الشيطان، وعدد المحاسن كذباً وزوراً، مثل أن آل سعود
أتاحوا فرص المشاركة في بناء الدولة بلا تمييز (ص 89)
أو مثل الداهية العظمى والإفتراء الكبير الذي يقول بأن
مملكة آل سعود متمسكة (بإلغاء التمييز بسبب العرق او اللون
أو الجغرافيا وممارستها الحضارية لا يوجد لها مثيل في
الحضارات الأخرى، في قبول التعددية والتعايش مع الاخر
وتشجيع التنوع الثقافي) (ص 91)! لن نتحدث عن تناقضات الكاتب،
ولكن كذبة التنوع في الدولة الوهابية السعودية كبيرة لا
يمكن ابتلاعها، والمواطنون يشكون من الأفق الضيق والعقلية
الأحادية التي أنتجت العنف والتطرف.. وليتك كنت صادقاً
في هذه الأخيرة على الأقل!
وأخيراً، أيها الراشد غير الرشيد، لقد كان حجم ما كتبته
أنت سبعة آلاف كلمة، رددنا عليك بمثلها سبعة آلاف كلمة.
وعليك أن تقرأ ما كتبناه وأن تعيد قراءة كتاب مي يماني
مرة أخرى، وتكتب رداً أفضل مما كتبت. نقول ردّاً لا مديحاً
ولا شتيمة. مع علمنا أن لديك قصوراً ذهنياً وأكاديمياً
في هذا المجال لن تغطيه إلا بعد عشر سنوات دراسة لكي تصل
الى مستوى مي يماني. أما مستواك الحالي، فكاف لكي تكون
طبّالاً لأسيادك آل سعود، ومتطفلاً على نجد ووهابيتها!
ويبقى أن (تحسّن خطّك!) حتى نحسن خطنا نحن، والبادئ أظلم.
|