يا فرحة ما تمّت
حـريـق في هـامـش الـحـريـة
لا يبدو أن الحرية المأمولة في عهد الملك الاصلاحي
جداً ستكون بخير، رغم كل جرعات التفاؤل المتدفقة من زوايا
عديدة. فقد إمتدت ذراع الرقيب والحاجب الى القريب قبل
البعيد، فقد تم حجب موقع الوفاق الالكتروني، المقرّب من
وزارة الداخلية، كرد فعل على جرأته في نقد مدينة الملك
عبد العزيز الالكترونية المسؤولة عن مراقبة الشبكة العنكبوتية،
حول إجراءاتها الرقابية الصارمة، وقد سبق أن حجب موقع
إيلاف، المقرّب من الامير عبد العزيز بن فهد، لنشره مواد
ذات طابع نقدي، كما طال قرار الحجب عشرات المواقع الالكترونية،
فيما بقيت المواقع المتطرّفة صامدة تحظى بالمباركة، لأنها
تطري الامير صباح مساء.
لم يتوقف مسلسل الحجب والاغلاق الذي تديره وزارة الداخلية،
وكان اغلاق منتدى طوى قبل عام ونصف، تمهيداً لاعتقال الرموز
الاصلاحية قد فتح الباب على مصراعيه للبدء بحملة إغلاقات
متتالية لمواقع يلتقي فيها أصحاب الرأي والضمير ويبثّون
فيها هموم الوطن، ويرسمون عبرها آمالاً عجز الفضاء الرحب
في بلادهم أن يحتمله. فبينما رحل سكان (طوى) الى (دار
الندوة) بعد أن أعيتهم الحيلة في إخراج نفثات مخنوقة في
صدورهم، تنبّه الامير نايف وابنه الامير محمد الى أن داراً
جديدة قد إستوطنها الطواويون، بعد أن ضاقت عليهم الارض
بما رحبت، فصدر في الحادي والعشرين من ديسمبر الماضي قرار
بإغلاق (دار الندوة)، التي فتحها صاحب موقع (إيلاف) الالكتروني
الاستاذ عثمان العمير، لاستيعاب اللاجئين الذين أخرجوا
من ديارهم حذر الموت. ومع أن مالك (دار الندوة) بنزعته
الليبرالية المخضّدة سياسياً، حاول أن يتفادى الوقوع في
محذورات الحجب، فوضع قيوداً على النشر بما يحول دون المساس
بالغشاء المقدّس للعائلة المالكة، الا أن ذلك لم ينجيه
من عذاب أليم. وحتى لا تكون الهزيّمة شديدة المرارة عليه،
بعد أن خاض العمير معركة مع جماعة الساحات بهويتها السلفية
الصارخة وربحها وكادت أن تودي بزوال الساحات بمن عليها،
خفّف الاستاذ العمير من وقع الهزيمة، فأحال من قرار الاغلاق
الى تعليق، بداعي الصيانة السنوية التي إستمرت حتى الآن،
فيما تبخّرت آمال الندويين من عودة الدار الى الحياة،
تماماً كما فقدوها حين كانوا طواويين أول مرة قبل تفتح
دار الندوة أبوابها أمامهم لتمتص الفائض الحواري الذي
لم يستكمل حلقاته.
إحتجبت طوى ولحقتها دار الندوة وسبقها إغلاق منتدى
الصحفى الالكتروني ومنتدى إيلاف وإنضموا جميعاً الى قائمة
طويلة من المنتديات المحجوبة والمغلقة، بعد أن كانت قنوات
التعبير المتاحة لشريحة واسعة من المثقفين وأصحاب الرأي
ممن لم يجدوا مساحة متاحة للتعبير في وطنهم، الذي يعلوه
قائد إصلاحي وعدهم بالحرية فجاءهم الاستبداد من حيث يعلمون
ومن حيث لا يعلمون. ومن الغريب، أن قرارات الحجب والاغلاق
تتم بصورة مكتومة، فلا يعلن عنها بل تصدر وتنفّذ بصمت،
وبدون صرخة إعتراض أو ألم، فقد توقّف زئير طوى وحبس القطر
عن دار الندوة كما هدّمت صوامع أخرى على رؤوس أصحابها،
ورحل حتى الاشباح المتحاورين عن تلك الدور الخربة، فيما
كانت منتديات حوارية تتقلب في التطرف على اليمين والشمال
مطمئنة الى أن من يقبعون في المدينة الالكترونية رفقاء
درب أو حلفاء أو متسامحون!
يحمّل كثيرون ابن وزير الداخلية الامير محمد بن نايف
مسؤولية الاغلاقات وعمليات الحجب المتواصلة ضد منتديات
حوارية نشطة تحتضن طيفاً متنوعاً من المثقفين والناشطين
الحقوقيين والفاعلين السياسيين، فهو مسؤول عن مصادرة الحرية
على الشبكة العنكبوتية. ولذلك يلجأ المواطنون الى وسيلة
أخرى للنفوذ من ستار الحجب المفروض على مواقع الانترنت
عبر ما يعرف بـالـ (بروكسي)، وقد أتقنت بعض المواقع صناعة
بروكسيات يومية للهروب من الغطاء الرقابي المفروض.
في الخامس والعشرين من فبراير الماضي أصدرت وزارة الاعلام
قراراً بإغلاق صحيفة (شمس) الناشئة من مؤسسة الحياة التي
يملكها الامير خالد بن سلطان، بعد نشر الرسوم التكهمية
بحق النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبجانبها مقالات تحثّ
السعوديين على إتخاذ إجراءات شعبية ضد الدنمارك، كما نشرت
قبل ذلك فتوى الشيخ عبد العزيز آل الشيخ يبيح فيها نشر
الرسوم بغرض (إظهار القبح)، أي قبح الفعل الذي إقترفه
راسم الكاريكاتيرات التهكمية من أجل تأليب المسلمين ضد
هذا الجرم.
ولكن مصادر أخرى، بحسب ما نقله موقع إيلاف، ذكرت بأن
قرار ايقاف الجريدة جاء على خلفية قيام مجموعة من رجال
الدين السلفيين بتقديم شكوى على الجريدة لمسؤولين كبار
في الحكومة تتضمن ملفاً لمختارات من مواضيع نشرتها الصحيفة
إعتبروها خروجاً على التقاليد الاسلامية المحافظة.ب
لقد بزغت (شمس) في أجواء الخطاب الاصلاحي للملك عبد
الله، والذي وجدت فيه فرصة مناسبة لتجسيد مفردة حرية التعبير
في خطاب الملك، الذي لم يترجم الى سياسة إعلامية جديدة
أو قرارات عملية متّبعة من قبل وزارة الاعلام فضلاً عن
وزارة الداخلية صاحبة اليد الطولى في تقرير مصير الحريات
العامة، وعلى رأسها حرية التعبير.
وبالرغم من أن المعرض الدولي للكتاب في الرياض حاول
أن يعدّل صورة وزارة الاعلام التي تقلّص دورها الرقابي
على الكتب المعروضة في مربعات دور النشر، حيث قيل بأن
ثلاثين عنواناً فقط طالها قرار المنع، الا أن هناك تخوّفاً
من أن يؤدي رد الفعل الغاضب من قبل الاتجاه السلفي المتشدد
سواء فيما يرتبط بفسوحات الكتب المعروضة، أو الندوات الثقافية
التي عقدت على هامش المعرض الى تشديد الرقابة الاعلامية
وفرض المزيد من القيود على حرية التعبير، بعد أن خرج الغضب
السلفي عن عقاله خلال الندوات، بما إشتمل عليه من مواجهات
كلامية تعرّض خلالها وزير الاعلام إياد مدني الى سيل إنتقادات
واسعة واتهامات، فيما طالب بعض المشايخ بإقالته. إشارات
منذرة بإشتعال حريق في هامش حرية التعبير قد تصبح واقعاً
بدعم من وزارة القمع والتنكيل.
|