العاصفة السلفية على إياد مدني
مـعـركـة الـمـصـيـر والـهـويـة
لم تتوقف العاصفة السلفية التي باتت تهبُّ في إتجاهات
عدة، في تعبير عن رد فعل على الاحساس بالخطر من زوال الواحدية
الثقافية، بتداعياتها الاجتماعية والسياسية. ففي سياق
المعركة التي قادها العواجي ضد وزير العمل الدكتور غازي
القصيبي قبل شهرين، والذي تم تصويره كقطب برمكي يدير فريقاً
من المسؤولين المتحلقين حول الملك عبد الله ويرسمون خارطة
طريق الدولة بمعزل عن تأثيرات القوى التقليدية والجناح
السديري الحاكم، نقول في سياق تلك المعركة، كانت فصول
معركة أخرى تتواصل منذ نحو عام مع وزير الثقافة والاعلام
إياد مدني الذي بات هدفاً مركزياً لحملة منظّمة يقودها
التيار السلفي بكافة فروعه. ويعود جذر الخلاف مع الوزير
مدني الى ما يمثله الاعلام كحقل متنازع عليه بين كافة
القوى السياسية والاجتماعية، حيث يتمسك أقطاب التيار السلفي
بحقه في إدارة مؤسسات التوجيه العامة، على قاعدة أن قضية
التوجيه الثقافي يجب أن تخضع لقواعد دينية سلفية ولا يجوز
مطلقاً السماح للمدارس الفكرية الاخرى الدينية والدنيوية
على السواء حيازة موقع لها في هذا الحقل الاستراتيجي.
ولفترة طويلة نسبياً، كان التيار السلفي يقوم برصد
ما يحسبها مخالفات شرعية في مجال السياسة الاعلامية التي
يتبعها الوزير إياد مدني، في محاولة لنزع الثقة به واسقاط
الأهلية عنه. ليس غريباً أن يضع بعض أقطاب التيار السلفي
الخلاف مع إياد مدني في إطار مذهبي وعقدي، حيث نعت أحدهم
الوزير بالصوفي المتعلمن، في إشارة الى كونه حجازياً وصوفياً
أولاً، فالقولبة المذهبية تصبح مدخلاً ضرورياً بل معياراً
أولياً في الفرز والتمييز بين من هم معنا ومن هم ضدنا،
بحسب المنطق الايديولوجي المسكون بنزعة تنزيهية.
من هذا المنطق، اشتملت الاضبارة المسجّلة ضد الوزير
مدني ووزارته على مخالفات تتراوح، بحسب البيان، بين تقليل
الحضور السلفي في وسائل الاعلام، وإبراز حالة التنوع الفكري
والاجتماعي، وفيما بينها مخالفات تفصيلية. وفيما كانت
الحملة تتواصل ضد الوزير مدني على المواقع الحوارية السلفية
على شبكة الانترنت وفي خطب المساجد والجوامع، أصدر في
الثاني من مايو مائة وثلاثون من الشخصيات الدينية السلفية
المعروفة بياناً تحت عنوان (بيان حول تجاوزات وزارة الثقافة
والاعلام). وتتألف مجموعة الموقعين من مشايخ ورجال دين
وأساتذة وقضاة يتسنمون مناصب بارزة في المؤسسة الدينية
ووزارة العدل ونظام التعليم الديني (الجامعة الاسلامية
في المدينة المنورة، وجامعة الامام محمد بن سعود، وجامعة
أم القرى) وخطباء في المساجد الكبرى في المملكة (المسجد
المكي، والمسجد النبوي) وقضاة بالمحاكم العامة في مناطق
المملكة وأساتذة في كلية المعلمين، وأعضاء في هيئة الامر
بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرهم. وقد نشرت شبكة نور
الاسلام نص البيان في موقعها على شبكة الانترنت، حيث انطلق
البيان في ديباجته من التأكيد على غاية الخلق التي يجب
تحقيقها في كل أوجه الحياة، وهي الديباجة التقليدية التي
تتبعها البيانات السلفية بما تسترعي وقفة تأملية كونها
تلمح الى ما سيأتي بعدها من توجيه مقصود للحديث مورد الخلاف
وبما ينطوي عليه أيضاً من إتهامات شبه مباشرة للطرف المقصود.
لقد أراد موقعو البيان أن يؤسسوا لدعواهم ضد الوزير
اياد مدني من خلال التأكيد على ثابتين: الاول ديني وهو
ضرورة تحكيم الشريعة، والثاني دنيوي ولكنه موصول بالاول
وهو النظام الاساسي للحكم والذي تنص مادته السابعة من
الباب الثاني على (أن الحكم في المملكة العربية السعودية
يقوم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله..(وهما الحاكمان
على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة). إذن، فالموقِّعون
يتوسلون بمصدري قوة لا جدال فيهما بين طرفي القضية، وهو
ما يحيل منهم حرّاس العقيدة وأمناء على الشريعة ونظامها،
وبالتالي فهم ـ في الظاهر ـ لا يخرجون عن مبدأ المناصحة
المطلوبة شرعاً، وإن كانت قائمة المخالفات المرصودة لا
تقف عند إياد المدنى بل تصل الى رأس السلطة بوصفه الراعي
الرسمي للسلطة وسياساتها. وبحكم سلطته المطلقة، يكون امتداد
الدعوى الى الملك أمراً طبيعياً.
حشد الموقّعون الصغيرة قبل الكبيرة مما يعتبرونه أو
يصنّفونه في خانة المخالفات الشرعية التي اقترفتها وزارة
الثقافة والاعلام، وهي في المجمل بحسب البيان مخالفة للنهج
الشرعي ولمواد النظام الاساسي للحكم. قائمة مخالفات الوزارة،
بحسب الموقّعين، تبدأ (بتبنيها وإصرارها على نشر ما حرم
الله ؛ من الفكر المنحرف، والمناوأة الظاهرة للدعوة والدعاة
وحلقات تحفيظ كتاب الله، والسعي في نشر الفساد والرذيلة
وبث الشبهات بين أبنائنا وبناتنا، وحمل لواء الدعوة إلى
تغريب المجتمع ؛ كالدعوة إلى التبرج والسفور، والاختلاط
المحرم، وقيادة المرأة للسيارة، وإنشاء النوادي النسائية،
وفتح دور السينما، وعروض الأزياء، ومسابقات ملكات الجمال،
وإبراز المرأة المتبرجة والمخالطة للرجال في العمل على
أنها مثال المرأة السعودية، وهكذا إذا كانت مغنية، أو
مذيعة، أو نادلة في مقهى، أو مدربة سباحة، أو تقود الطائرة،
أو فارسة تشارك في مسابقات الفروسية ..) ثم تتسع القائمة
لتشمل (نشر الصور الخليعة، والمعازف والغناء، والسماح
بدخول الصحف والمجلات المنحرفة إلى المملكة، والتي تتضمن
موضوعات مفسدة للفكر، ومثيرة للغرائز، وتحمل على أغلفتها
الصور الفاتنة. إضافةً إلى تقليص البرامج الدعوية في التلفاز
وإذاعة القرآن الكريم).
وقد سهّل الاتباع على الموقّعين على البيان المهمة
فأوردوا قائمة طويلة من الادلة على مخالفات وزارة الثقافة
والاعلام ممثلة في شخص إياد مدني. فقد وثّق أحدهم تلك
المخالفات بهدف إعانة المشايخ على (كتابة الخطابات الى
ولاة الأمر). ومما ذكر من المخالفات: محاولة تمكين الروافض
من خلال اللقاءات الاعلامية، إضعاف عقيدة الولاء والبراء
عن طريق نشر أخبار الكفار الفجرة من الفانيين والفنانات
وملكات جمال العالم، ولقد نشر خبر بجريدة الجزيرة الأربعاء
24/ربيع الآخر 1426هـ بعنوان (تتويج الكندية جليبوبا ملكة
جمال العالم)، نشر أخبار الشواذ من أمثال مايكل جاكسون
كما نشرت صحفي الشرق الأوسط يوم الثلاثاء 25/رجب 1426
والعدد 9772 مع العلم أن أشرطة مايكل جاكسون لا تباع وممنوعة
من السوق المحلي، الاستهزاء بالدين عن طريق برنامج طاش
ما طاش، ضخ الأغنية العاطفية وعرضها بشكل مكثف سواء كانت
الأغنية السعودية أو الخليجية أو العربية بعد اختفائها
منذ زمن بعيد كما صرحت جريدة الرياض ليوم السبت 16/صفر
1426العدد1342، عرض فليم غربي سينمائي على القناة الأولى
خطوة جرئية ولأول مرة تحصل منذ تأسيس وزارة الأعلام جريدة
الرياض العدد 13441 لعام 2005 م، تنافس في إفساد نسائنا
حتى أن القناة الإخبارية تنافس العنصر النسائي في الدراما
السعودية حما صرحت بذلك جريدة الجزيرة 27/صفر1426العدد11878
الخبر بعنوان (الأخبارية تنافس العنصر النسائي في الدراما
السعودية)، عرض صور عارية في قلم كرتوني أطفال عراه وكذلك
يوم الأحد الموافق 28/8/1426هـ، تعين بثينة النصر مستشارة
اعلامية وعضو في تطوير القناة الثانية، وكذلك ريما الشامخ
في القناة الأولى جريدة عكاظ الاحد 13/ رمضان 1426هــ
العدد14295 وما زال توظيف النساء وتعيين الفتيات مستمرا
كما صرحت بذلك جريدة عكاظ ليوم الثلاثاء 15/9/1426 العدد14297
حيث تم اختيار الشابة مياسة أبو سعود في مجال الاعداد
والتقديم، التركيز في صلاة التروايح على وجوه النساء الغافلات
أثناء أداهن الصلاة في القسم النسائي وذلك يوم الختمة
الموافق 28/9/1426هـ، أضاعة الأموال في ما لا فائدة منه
بصرف خمسة ملايين ريال لمسلسل طاش ما طاش كما صرحت بذلك
جريدة الجزيرة يوم السبت 6شعبان 1426هـ، اختلاط المذيعين
مع المذيعات وتسجيل البرامج والحلقات داخل المقر وعمل
الندوات واللقاءات بين النساء والرجال في مكان واحد فتجد
المذيعة مع ضيف الحلقة أو العكس، نشر الصور الخليعة وذلك
واضح للعيان وفي الصحف المحلية، فسح رواية بنات الرياض،
جريدة عكاظ تنشر الابراج الشركية تحت عنوان يومك بتاريخ
20/2/1426هـ، برنامج السينما في أسبوع تخرج فيه فتيات
ونساء بملابس فاضحة وشبه عارية، مسلسل أماكن في القلب
عرض صور امرأة وبيدها الخمر، صدور مجلة نسائية سعودية
جديدة اسمها (رؤى) مليئة بالصور الخليعة، عرض فتاة تلبس
(مايوه) في القناة الاخبارية في برنامج وثائقي وتقول قصتها
أنها تعرضت لسمك القرش. برنامج الرافضي محمد رضا نصر الله
وضيوفه ملاحدة العالم العربي, وبعض رموز التيار الحداثي
الذين عفا عليهم الزمن
هذا الرصد الدقيق لما ينشر في الصحافة ولبرامج التلفزيون
والاذاعة، يرتبط بحوادث وقعت ـ بعضها على الاقل ـ خارج
إطار صلاحية وسلطة وزارة الثقافة والاعلام، وإن مجرد إنعكاسها
على وزارة الاعلام لا يعني كونها صادرة عن الوزارة، هذا
أولاً. وثانيا إن مفهوم المخالفة لدى الموقّعين تخبر عنه
نوعية المفردات المستعملة من قبيل (التغريب، التبرج، السفور،
الفساد، الرذيلة، الانحراف، الخلاعة..)، فهنا يصبح الخلاف
مؤسساً على قاعدة مفهومية، وقد درجت البيانات السلفية
على إيصال الخلاف الى ذروته من خلال وضعه في عبارات صاعقة
تحمل في باطنها قدراً هائلاً من التوجيه والتفجّر، وفي
نهاية المطاف هي مفاهيم ذات محمول عدائي، تبطن أحكامها.
بكلمات أخرى، هي مفاهيم مفصولة بمسافة بعيدة عن مصاديقها،
وكأن أصحاب البيان قد قرروا إجهاض جهد القارىء في البحث
عن أدلة لتأكيد أو نفي لائحة الاتهامات المدرجة في البيان.
لا يكتفي الموقّعون على البيان بمجرد الانحياز عن خط
الحيادية المطلوبة في رفع الدعوى، بل أفاضوا في إكالة
إتهامات لجهات عديدة، في الداخل والخارج. فلم يكد تسلم
فئة في المجتمع من قائمة الاتهامات المرصوفة في طول البيان
وعرضه، فقد نال الموقعون من كل المخالفين لهم انتصاراً
للعقيدة السلفية. وهو ما يفسر الحزن الذي أصابهم، والمستوى
من الضعف والهوان الذي وصل اليه الاعلام، حسب وصفهم.
غضبة الموقعين قد تكون مفهومة، فيما لو اقتصرت على
ما يعتبره أصحاب البيان مخالفات أخلاقية تمسُّ النظام
القيمي للمجتمع، ولكن حين يفتح البيان النار بطريقة عشوائية
على المجتمع بكافة فئاته مستعيداً نزعته الواحدية النافية
لكل آخر يتطلع لأن ينال نصيبه من التعبير عن الرأي بدرجات
متساوية، تصبح القضية ذات طابع فئوي وأيديولوجي ينبىء
عن إصرار على العودة للوراء، في سبيل تشديد القبضة الاحتكارية
على وسائل الثقافة والاعلام، وإن أفضى الى إغفال النتائج
الخطيرة التي أدّت اليها تلك النزعة من أشكال سخط وقطيعة
وتذمر في الداخل، كرد فعل على شعور الاغلبية بالحرمان
لفترات طويلة من حقها في الافصاح عن متنبياتها الفكرية.
ندرك من خلال طبيعة ردود الافعال في الاوساط السلفية
المتشددة، أن الموضوعات الخلافية التي اكتسبت أهمية خاصة
بترددات واسعة كانت تدور حول بوادر تنوع ثقافي وفكري وإجتماعي
بدأت تنعكس على وسائل الاعلام المحلية، وهو ما يزال مرفوضاً
بالمطلق من قبل التيار السلفي الذي يرى بأنه وحده صاحب
الحق في إدارة وتوجيه الاعلام والثقافة بما يخدم مشروعه
الديني والاجتماعي وأخيراً السياسي.
ندرك أيضاً قوة الحشد التي يتمتع بها التيار السلفي
في مهاجمة خصومه، تارة عبر التهديد والتخويف، وأخرى الفتاوى
التكفيرية، وثالثة عبر المكالمات المزعجة، ورابعة عبر
التشويه والتسقيط، وهو ما جرى لعدد من الكتاب والمثقفين
مثل تركي الحمد ومنصور النقيدان وحسن بن فرحان الملكي
وغيرهم. وبالرغم من أن الكفاءة التعبوية لا تعكس بالضرورة
الحجم الحقيقي للتيار أو حتى لقوته الواقعية، فإن اللجوء
الى مثل هذه الاساليب غير الاخلاقية يقتضي نمطاً صارماً
من التعامل من أجل إبطال مفعولها حتى لا تصبح سلاحاً فتاكاً
يخيف به هؤلاء خصومهم من ممارسة حقهم في التعبير.
في البيان إشارة الى واحدة من أساليب الحشد المتّبعة
من قبل التيار السلفي، حين يتم تقسيم المجتمع الى مسلمين
وضالين، وشرعي ولا شرعي، وحلال وحرام، وإيمان وكفر، بما
يسلب الآخر غير السلفي حق الحياة فضلاً عن الحقوق الاخرى.
ينص البيان (ونرى أن مضي الوزارة في هذا المنكر ، وسكوت
المسلمين عنه ، كلاهما من أسباب حلول العقوبات العامة
بالمجتمع ، وأن إنكار المنكر والإقلاع عنه من أهم أسباب
رضى الله تعالى ورفع العقوبات). وليست العقوبات المشار
اليها هنا مرتبطة بالضرورة بقرار من السماء، فقد يتولى
من هم على الارض مهمة تنفيذها أحياناً بإسم السماء، كما
يفعل المتجاهدون في العراق، وكما حصل في مصر بل وحصل في
ديارنا بدليل النبذ والاقصاء والتهديد لطائفة من المختلفين.
في البيان أيضاً لفت واضح الى شعور بالخسارة لدى أصحاب
البيان، يستعيد فيه صدى (مذكرة النصيحة) التي أعدَّها
رموز التيار السلفي في التسعينيات في دعوة مباشرة لاعادة
تأسيس الدولة على قاعدة شرعية، أي أسلمة مؤسسات وأجهزة
الدولة عبر تبديل تشريعاتها وطواقمها. في البيان، حيث
يدور الحديث عن وزارة الاعلام، يدعو الموقعون وبلغة إملائية
واضحة الى إحداث إنقلاب جذري في نظام الوزارة بما يؤول
الى تسليمها بيد العلماء. ينص البيان (والواجب على ولاة
الأمر ــ وفقهم الله ــ منع هذا الفساد، وإلزام الوزارة
بشرع الله تعالى، وبما تضمنه نظام الحكم الأساسي، وبنود
سياسة الإعلام السعودي ، ومحاكمة المتسببين في هذا الانحراف
من القائمين على الوزارة لدى القضاء الشرعي ، ووضع لجنة
شرعية عليا مستقلة في وزارة الإعلام ، ويتولى ترشيحها
هيئة كبار العلماء).
يمكن القول، أن البيان يلخّص مطلبه في هذا المقطع،
حيث تبدو القضية مرتبطة بحصة منتفصة للتيار السلفي في
الجهاز الاعلامي. فالجرعات الدينية بلونها السلفي والتقليدي
والباعثة على الضجر ليست كفيلة بإزالة الاحتقان والتذمر،
ولابد بحسب فحوى هذا المقطع، من تبديل الدماء من الجسد
الاعلامي بدم آخر، وربما بلون آخر. من المثير أن يتحدث
الموقعون عن استعمال المسلمين (أعلى درجات التقنية الإعلامية
الحديثة في الجذب والتأثير)، فيما يدرك القاصي والداني
بأن من أهم أسباب فشل وسائل الاعلام المرئي والمسموع المحلية
تعود الى غياب الجذب والتأثير بفعل هيمنة خطاب ثقافي واحدي
ووجوه مكررة تفتقر الى ملكة الجذب والتأثير، والاهم من
ذلك كله هو غياب التنوع العاكس لثقافات المجتمع واتجاهاته
الفكرية والسياسية والادبية والفنية.
هي، بكلمة أخرى، دعوة لنزع سلطة وتثبيت أخرى، فالصبغة
الدينية لا تغير من حقيقة أن الصراع هو على سلطة، وإن
بدا، أي الصراع، في شكله المبدئي المثالي، إذ إن الحديث
عن انحرافات ومفاسد لا تتطلب وجوداً كثيفاً للعنصر الديني
السلفي فضلاً عن أن يكون هذا العنصر مسؤولاً عن توجيه
السياسة الاعلامية والثقافية في البلاد. فالرشد الاخلاقي
وحتى الديني يتعارض مع مطلب الوصاية الذي يتغلف عناوين
مختلفة يراد منها تأكيد هيمنة الديني على غيره بدعوى أهليته
الشرعية لوضع ضوابط أخلاقية على المجتمع، وقد لحظنا في
تجارب كثير من الامم أن الفاسدين وذوي الميول المنحرفة
قد يستغلون الدين بطريقة بشعة لتحقيق مآربهم الخاصة. إن
مجرد الانتماء لجماعة دينية لا يمنح الاعضاء حصانة أمام
الفساد والانحراف، سيما حين تنخرط الجماعة في الشؤون العامة
وتحمل تطلعات دنيوية.
يلفت البيان أيضاً الى نقطة جديرة بالتأمل، ترجعنا
الى تصاعد الحديث منذ شهور بين الدوائر السلفية والمقرّبة
من أمراء الجناح السديري، حول تنامي قوة النخبة السياسية
المحيطة بالملك عبد الله، والذي يمثل أياد مدني أحد أفرادها.
فقد أشار البيان الى دور البطانة في التأثير على قرارات
الملك، وهي قرارات تدفع صوب الهلاك، ولذلك جاءت مطالبة
الموقعين متطابقة مع مطالبة العواجي في مقالته حول القصيبي.
يطالب البيان جهة ما في الدولة وقد يعنى بها الملك نفسه
بـ (السعي الحثيث في إبعاد بطانة السوء التي استفاض سوؤها،
وتلبس الحق بالباطل، وتدفع البلاد إلى الهاوية، وتحول
بين ولاة الأمر والمصلحين. والواجب استبدالها ببطانة أخرى
من أهل الاستقامة والعدالة والكفاءة). هذه الاثنينية المتواترة
في كل نقاط البيان بل وفي الخطاب السلفي عموماً، حيث يقام
عالم منفلق الى أنا وآخر، تمظهر، أي هذه الاثنينية، كل
أشكال المقارعة الفكرية والسياسية، والتي تقوم على عقلية
فرقية (فريق على الحق وفريق على الباطل)، ويتمثل الاخير
في البطانة المحيطة بالملك عبد الله والذين يشعر الامراء
السديريون بأن أفراد هذه البطانة قد بلغوا مقاماً علوياً
يضاهي قاماتهم، ولأن الموقعين والامراء لا يجرؤون على
نقد الملك بصورة مباشرة فإنهم يطلقون سهامهم اليه ولكن
في صدور من يعتبرونهم بطانته.
|