تقرير مركز الحرية الدينية يحذّر من
دولـة الـكـراهـيـة
أصدر (فريدوم هوس) مركز الحرية الدينية في الثالث
والعشرين من مايو الماضي تقريراً يحلل مجموعة من المقررات
الدراسية المعتمدة من قبل وزارة التعليم السعودية خلال
السنة الدراسية الحالية بالنسبة لطلبة المرحلتين الابتدائية
والثانوية. ويلفت التقرير الى أن المقررات الدراسية تقوم
بتطوير أيديولوجية الكراهية تجاه الآخرين، ويشمل المسلمين
الذين لا يعتنقون المذهب الوهابي.
التقرير الصادر عن مركز الحرية الدينية (فريدوم هوس)
حمل عنوان (منهج التعصب في السعودية) وقد تم إعداده من
قبل مركز (فريدوم هوس) للحرية الدينية بالتعاون مع معهد
شؤون الخليج. وقام المركز بتحليل إثني عشر منهجاً دينياً
مقرراً حالياً من قبل وزارة التعليم السعودية، ويجري اعتماد
في السنة الدراسية الحالية في المدارس الرسمية (وكذلك
في المدارس التي تدار سعودياً خارج المملكة). وقد جُمِعَت
المناهج من قبل معهد شؤون الخليج في واشنطن عن طريق المعلمين
والاداريين وعوائل الطلبة في المدارس السعودية. وقد أوكل
(فريدوم هوس) مهمة ترجمة النصوص الواردة في المقررات الدراسية
الى مترجمين يتحدثان اللغة العربية.
ويدعو مركز الحرية الدينية (فريدوم هوس) الحكومة السعودية
الى إجراء اصلاحات جادة وجوهرية في المنهج التعليمي عبر
ازالة المواد التي توصم المسيحيين واليهود بالشياطين بما
تحرّض على حرب مقدسة ضد (الكفّار). وكان مسؤولون سعوديون
كبار طمّنوا الولايات المتحدة بأن الاصلاحات في المناهج
التعليمية قد تمت بصورة كاملة، ولكن تقرير المجموعة الحقوقية
(فريدوم هوس) يرى خلاف ذلك.
ويرى التقرير بأن الوهابية، كتفسير صارم وجامد للاسلام،
تخترق الحياة في السعودية وظلت مهيمنة على المنهج الدراسي
العام. فحين ظهر بأن معظم الخاطفين في هجمات الحادي عشر
من سبتمبر هم من السعوديين، طالبت الولايات المتحدة بتغييرات
في نظام الدراسة السعودية اعتقاداً منها بأن المنهج الاسلاموي
الصارم يشجع على ثقافة العنف.
وتقول السلطات السعودية ان ظهور نتائج الاصلاحات التي
تستهدف تخفيف تشدد التفسير الوهابي للاسلام في الكتب الدراسية
والمساجد سيتطلب وقتا. لكن التقرير الذي أصدره مركز فريدم
هاوس الاميركي للابحاث يقول ان المقررات التي يتم تدريسها
في الوقت الحالي في المدارس الابتدائية والثانوية توضح
أن الاصلاحات بطبيئة ومتلكئة ولم تكتمل بعد.
وقال التقرير مستشهدا بفقرات باللغة العربية من المقررات
ان الكتب الدراسية في المملكة تقول ان (المسيحيين واليهود
اعداء المؤمنين) كما تندد الكتب الدراسية، التي تتبع المنهج
الوهابي، بغالبية المسلمين السنّة في العالم بما في ذلك
الذين لا يلتزمون بالتفسير الحرفي للقران بوصفهم متساهلين
وتتهم المسلمين الشيعة والجماعات الصوفية بالخروج على
تعاليم الاسلام. ويشكل الشيعة أقلية كبيرة العدد في المملكة
ويشكون غالباً من تمييز الدولة ضدهم.
وقال التقرير انه يجري تدريس الكتب الدراسية السعودية
في مدارس الحكومة السعودية في انحاء العالم.
وأضاف التقرير أن (ما يجري تدريسه اليوم في الكتب الدراسية
في المدارس العامة في السعودية... قد لا يؤثر فقط على
جيلٍ جديدٍ من السعوديين وانما يؤثر أيضاً على المسلمين
في انحاء العالم الذين يعولون على زعم الحكومة السعودية
بأن رؤيتها لتعاليم الاسلام موثوق بها).
وتستخدم المؤسسة الدينية القوية النقاشات العامة ومواقع
الانترنت الرائجة والمساجد لمهاجمة الاصلاحات الليبرالية
ومن بينها تخفيف تشدد النظام التعليمي والتي يخشون من
أن تؤدي الى (علمنة) الدولة التي تقدم نموذجا للدولة الاسلامية.
وتقول المعدّة الرئيسية للتقرير ومديرة مركز (فريدوم
هوس) نينا شيا بأن (مايجري تدرسيه اليوم في المقررات التعليمية
في المدارس السعودية العامة حول كيف يجب أن تكون علاقة
المسلمين بالمجتمعاتع الدينية الاخرى سيسمم عقول الجيل
السعودي الجديد). وتعلّق شيا (بأن مهما تكن تلك التغييرات
في النظام التعليمي السعودي، فإن من الواضح هناك حاجات
أكبر يجب تلبيتها).
إن ما كشف عنه التقرير من نصوص وعبارات صريحة في المقررات
التعليمية تتناقض مع مزاعم مكررة من قبل متحدثين بإسم
الحكومة السعودية بأنهم قاموا بمراجعة شاملة للمواد التعليمية.
وقد حاول مسؤوون سعوديون إقناع واشنطن بأن المنهج التعلمي
قد جرى إصلاحة. وفي جولة خطابية في المدن الاميركية، حاول
السفير السعودي في الولايات المتحدة الامير تركي الفيصل
طمأنة الجمهور بأن المملكة (قد أزالت ما يمكن اعتباره
بأنه تشدد) من الكتب الدراسية المقررة في مناهج التعليم
الرسمي.
وصرّح، قبل عام، المتحدث بإسم السفارة السعودية عادل
الجبير قائلاً (لقد قمنا بمراجعة مناهجنا التعليمية، وقد
أزلنا المواد التحريضية أو التعصبية إزاء أتباع الديانات
الاخرى).
وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل صرّح في
الثامن عشر من مايو بأن (نظام التعليم يتم تحويله بالكامل
من الاعلى الى الاسفل. وأن المقررات الدراسية هي مجرد
واحدة من الخطوات التي تم اتخاذها من قبل السعودية). وزعم
الامير سعود الفيصل في واشنطن بأن الاصلاحات تتجاوز الى
حد بعيد تخفيف اللغة المستعملة في الكتب المقررة. وحسب
قوله (إن الاصلاحات تتجه الى تدريب المعلمين، والتوجيهات
المتصلة بالرسائل المراد اعطاؤها للابناء في السنوات التأسيسية،
وقد تم ذلك من أجل أمننا ووفق المتطلب التعليمي الخاص
بنا).
على أية حال، فإن التقرير يكشف بأن هذه المقررات:
ـ تدين وتوصم أغلبية المسلمين السنة الذين لا يتّبعون
الفهم الوهابي للاسلام، وتصنّفهم في قائمة الضالين وأعقاب
المشركين.
ـ تدين وتوصم عقائد وطقوس المسلمين الشيعة والصوفية
بالهرطقة، وتدعوهم بـ (المشركين).
ـ تأمر المسلمين بـ (كره) المسيحيين، اليهود، (المشركين)،
و(غير المؤمنين) الآخرين، ويشمل ذلك المسلمين غير الوهابيين،
على أن لا يتم التعامل معهم بطريقة غير عادلة، وإن كان
ذلك موارباً.
ـ تدرّس بأن (اليهود والمسيحيين هم أعداء المؤمنين)
وأن (الصدام بين العالمين حتمي).
ـ ترشد الطلاب لعدم (إلقاء التحية) أو (مصاحبة) أو
(تقليد) أو (إظهار الولاء)، أو (اللطف) (أو (الاحترام)
لغير المؤمنين.
ـ تشدد على أن نشر الاسلام عبر الجهاد هو واجب ديني.
ـ ترشد الطلبة الى أن (القتال بين المسلمين واليهود)
سيستمر حتى يوم القيامة وأن المسلمين موعودون بالنصر على
اليهود في نهاية المطاف.
يسلّط التقرير الضوء على دور الوهابية في الحياة السياسية
والاجتماعية في السعودية، ويلفت الى أن المذهب الوهابي
هو أساس الايديولوجية السياسية للدولة السعودية، وهو من
صميم المنهج التعليمي الرسمي. وبحسب السفارة السعودية
في واشنطن، فإن نظام المدارس العامة السعودية يشتمل على
25 ألف مدرسة، تدرّس نحو 5 ملايين طالباً. وتدير السعودية
مدارس في 19 عاصمة عالمية، وتشمل مدرسة خارج واشنطن في
الاسكندرية، فيرجينا، وتستعمل بعضاً من نفس المقررات الدينية
تلك. وأكثر من ذلك، فإن السعودية تقوم أيضاً بتوزيع المقررات
الدينية حول العالم لبعض المدارس الاسلامية والتي لا تديرها
بصورة مباشرة.
ويشير معدو التقرير الى واحدة من العقبات التي تحول
دون اجراء تحقيق شامل وتام بالنسبة للنظام التعليمي الرسمي
وطبيعة التغييرات الحاصلة في هذا النظام. ويذكر التقرير
الى أنه بالنظر الى الطبيعة المغلقة للمجتمع السعودي،
فإن المركز لم يقم باستعراض شامل للجهد الاصلاحي التعليمي
السعودي بالكامل. وقد تم اعداد التقرير كرد فعل على القلق
حول ما اذا قامت الحكومة السعودية بإزالة الفقرات والمقاطع
ذات السمة المتشددة من مقرراتها الدراسية، وتدفع الحكومة
الاميركية لرفع القضية لأعلى المستويات بخصوص التدريس
المستمر للكراهية والتعصب داخل السعودية.
وبناء على تقرير مركز الحرية الدينية في (فريدوم هوس)
الذي درس مؤخراً بعض الكتب المقررة والتي يجري استعمالها
في المدارس العامة في السعودية، من الصفوف الاولى حتى
الصف الثاني عشر، تقول مديرة المركز نينا شيا Nina Shea،
بأن هذه المقررات لا تتوافق مع ما يقوله المسؤولون السعوديون.
وتقول نينا شيا بأن مراجعة عيِّنة من الكتب المدرسية
الرسمية في مادة الدراسات الإسلامية في السعودية لهذا
العام الدراسي أظهرت استمرار اشتمال هذه الكتب على أيديولوجية
الكراهية ضد المسيحيِّين واليهود والمسلمين الذين لا يتبعون
المنهج الوهّابي، رغم تأكيد الحكومة السعودية للعكس.
وأوضحت Shea أن هذه الكتب تُعلمّ الطّلاب وفق رؤية
ثنائية تقسّم العالم إلى مسلمين موحِّدين وغير مؤمنين
أو كفّار، مشيرة إلى أن Freedom House حصلت على نسخ من
الكتب الدراسية، التي وصلت إلى المعارض السعودي علي الأحمد،
مدير المعهد السعودي في واشنطن، عن طريق مدرِّسين وإداريِّين
وأولياء أمور طلاب في المدارس السعودية، وتم تسريبها واحدا
واحدا.
وأوضحت Shea أن بعض المصادر التي استند إليها من الشيعة
والبعض من السنة غير الوهابيِّين، (الذين تعتبرهم هذه
الكتب منشقين)، والبعض الآخر مجرد أشخاص يشعرون بالإحباط
من أن هذه الكتب لا تُعِدُّ التلاميذ الصغار لمواجهة العالم
الحديث، مشيرة إلى ترجمة نصوص هذه الكتب بواسطة مترجمين
مستقلين يجيدون اللغة العربية.
واعتبرت أن بقاء هذه الكتب دون تغيير (سيعمق ويقوِّي
الكراهية وعدم التسامح والعنف تجاه الأديان والثقافات
الأخرى)، متسائلة (هل هذا ما تسميه الرياض إصلاحا؟).
وأوردت Shea مقتطفات من الكتب المذكورة التي وصفتها
بأنها (تشكل منظور الجيل القادم من السعوديِّين والمسلمين
في أنحاء العالم).
وقالت شيا بأن الكتب المقررة (تعكس أيديولوجية الكراهية
ضد الآخر، ضد المسيحيين، اليهود، والمسلمين الآخرين، على
سبيل المثال الشيعة وأغلبية المسلمين السنة وكذلك الآخرين
الذين لا يعتنقون العقيدة الوهابية).
ونقل تقرير المركز أمثلة عديدة من المقررات الدراسية.
ففي مقرر الصف الرابع، يتم تلقين الطلبة (الحب في الله
والكره في الله). ويقول التقرير بأن المقررات الدراسية
ترشد الطلبة بأن المسيحيين واليهود هم (قردة وخنازير)
وتحذّر الطلبة من (القاء التحية) أو (مصاحبة) أو (احترام)
غير المؤمنين. وكان مسؤولون سعوديون قد أخبروا واشنطن
بأنهم مناهجهم المعدّلة والمصلّحة تشجع على التسامح وتفهّم
الديانات والثقافات الاخرى.
وتعلق مديرة المركز نينا شيا الى أن تغييرات في هذا
الاتجاه هي ضئيلة للغاية. وتقول (لقد قاموا ببعض التغييرات).
ولكن هذه التغييرات كما تلفت شيا ليست من النوع الذي يؤدي
الى تصديع المعتقد أو التخلي عن المبادىء التي قامت عليها
العقيدة الوهابية. وتسوق مثالاً على ذلك بالقول إنهم يقولون
(يجب عليك أن تكره الكفار، ولكن تعاملهم بالعدل) وتعلّق
شيا بصورة تهكمية (هذا يفترض أن يكون تحسّناً).
في دفاع ضد الانتقادات الواردة في تقرير (فريدوم هوس)
أصدرت السفارة السعودية في واشنطن بياناً جاء فيه بأن
اصلاح المناهج هي مهمة جسيمة وأن عملية الاصلاح مازالت
جارية. وتثير مديرة المركز نينا شيا شكوكاً حول ذلك، حيث
تلحظ بأن السعوديين الاغنياء بالنفط بدأوا العملية الاصلاحية
منذ خمس سنوات. وتقول (إنهم بالتأكيد يملكون المال لتغيير
كافة المناهج في الفصل الدراسي الثاني، أو الفصل الأخير
من هذا العام).
المتحدث بإسم الخارجية الاميركية توم كيسي الذي أبلغ
الصحافيين عقب صدور تقرير (فريدوم هوس) بأنه لم يرَ التقرير،
وأشار الى أن واشنطن مازالت غير راضية عما يتم تدريسه
في المدارس السعودية. وقال (إننا نقدِّر حقيقة أن هناك
جهوداً تبذل للعمل على ذلك، ولكن هذا بالتأكيد قلق قائم
وقضية سنقوم بمناقشتها).
من جانبها، حذّرت مديرة المركز شيا بأن السعودية لا
تسارع في اصلاحاتها، وأن المدارس السعودية قادرة على انتاج
جيل آخر من الطلبة يتربى على ثقافة الجهاد.
واعتبر مراقبون بأن المنهاج الدراسي الرسمي المعتمد
من قبل وزارة التعليم السعودي يمثل مصدر جديد لتوتر العلاقة
بين السعودية والعالم فضلاً عما يحدثه من خلخلة عنيفة
لأسس العلاقة بين مختلف الفئات داخل المملكة. وكان السفير
السعودي في واشنطن الامير تركي الفيصل قد دعا الى الصبر
واعطاء الفرصة للحكومة السعودية لتنقيح المناهج.
|