حكومة مريضة وشعب مريض
مذبحة سوق الأسهم
سوق الأسهم السعودي يسلب المواطنين مدخراتهم على مدى
عقود طويلة: عدّة تريليونات من الدولارات تبخرت في الهواء.
سوق الأسهم يعلن عن ضحاياه ومطالبات بافتتاح العديد
من المصحات النفسية، وانتحار العديد من ضحاياه فضلاً عن
جنون آخرين.
رجال يعيشون (التيه) داخل منازلهم.
زوجات يندبن حظهن ويبكين أزواجهن (الغائبين عقلاً وروحاً
والحاضرين جسداً ميتاً أو شبه ميت).
شباب فقدوا القابلية للعمل والتأهيل فقد شاخوا قبل
أوانهم.
لم يفقدوا أموالهم وأعمالهم فحسب، بل فقدوا ذواتهم
وعائلاتهم قبل ذلك.
(مذبحة) سوق الأسهم خلفت (مذابح) أخرى وراءها على أكثر
من صعيد. فأنت أمام شعب يعيش الذهول ولا رغبة له حتى في
الكلام!
لم يسقط سوق الأسهم في الهاوية فحسب، بل سقط الشعب
والحكومة قبلهما في المجهول، الذي قد يعني (الضياع) و
(المرض) و (الأزمات الإجتماعية) و (الثورات الإجتماعية).
مناشدات المواطنين لأبي متعب (الملك) ضاعت سدى!
وأنّى له أن يحلّ أزمة كهذه؟! إنها كارثة ساهم المواطن
كما المسؤول في صناعتها.
الحكومة ممثلة بآل سعود، أرخت الحبال، ودفعت الأمور
لتمشي (بالبركة) متمنية أن يلعب (السوق) دوره في (شفط)
اهتمام المواطنين باتجاه غير السياسة، أي غير الإصلاح
السياسي، وغير محاسبة الأمراء.
قال الأمراء: دعوهم يتلهون بهذه اللعبة، وإذا ما حدثت
انتكاسة، حملناهم المسؤولية، أو القينا تبعتها على مسؤول
صغير (لا ينتسب الى العائلة) وبعدها سيتكيف الناس مع الأزمة،
وينشغلون بأمور معاشهم من جديد، حيث سيدأون من الصفر أو
من (تحت الصفر) ولن يكون لديهم الوقت الكافي للتفكير في
الحكومة أو محاسبتها أو الاعتراض عليها.
سيفجر المواطنون غضبهم وألمهم بوجه بعضهم البعض، وسيصبون
إحباطهم في كؤوس مرّة يسقونها للمقربين منهم: زوجاتهم
وأبنائهم وأصدقائهم، وإذا تطور الأمر ففي محيطهم غير البعيد،
ولن يصيب الحكومة سوء!
هكذا حسب الأمراء الأمر، على الأقل من واقع التجربة
السابقة في التسعينيات الميلادية الماضية.
والمواطن من جهة ثانية، مدفوعاً بالأمل حيناً، وبالجشع
حيناً آخر، اطمئن الى أن سوق الأسهم هو (البطة التي تبيض
ذهباً) وأنه لا بدّ أن يلتحق بالركب قبل أن يفوت قطار
(الطفرة الثانية) فيصبح في عداد الفقراء وغيره في عداد
المليونيرية.
بعضهم وهم قلّة ترددوا، منتظرين النكسة الآتية لا محالة.
فلما تأخرت وتأخر انفجارها، دخلوا بتردد فانفجر (قدر الضغط)
بوجههم وأتى عليهم، فذهبوا الى المصحات النفسية القليلة،
وبعضهم جنّ وفقد عقله بالكامل.
كثير منهم طلقوا وظائفهم التي هي ملاذهم الأخير، فلماذا
يبقى في وظيفة يكسب في يوم واحد من الأسهم بقدر راتبه
الشهري منها؟! هكذا حسبوها بطيشهم.
وبعضهم تعجّل التقاعد فألقى (تحويشة العمر) في (محرقة
السوق).
آخرون باعوا ذهب زوجاتهم! اقترضوا من البنوك ورهنوا
منازلهم وممتلكاتهم، جمعوا ما أمكنهم جمعه من ديون من
أصدقائهم، واثقين بأنهم سيجمعون مالاً يبنون به بيتاً،
ويضمن لهم مستقبلاً. فكانت الكارثة عظيمة.
الحكومة المريضة الفاشلة التي تريد الإبتعاد عن الإصلاح
قد تجني ثمار صنعها نزيفاً مجتمعياً عظيماً، وانفجارات
عنفية بصورة شتى، وشرعية مهلهلة لا تضمن لأصحابها الأمراء
بقاءً مريحاً في السلطة بغير ممارسة المزيد من العنف.
أسوأ ما يواجه مجتمع ما هو (الإنكسار الإقتصادي) الذي
يؤدي الى الخوف من المجهول، وهذا السبب وحده يكفي لإشعال
ثورات، وليس أعمال شغب فحسب، وهذا ما شهدته بلدان عدة
على مرّ التاريخ.
تساءل أحد المثقفين: الحكومة لن تصلح نفسها تطوعاً؛
والمثقفون أجبن من أن يواجهوا الحكومة ويدفعوا ثمن الإصلاح
المطلوب، والشعب الذي لم يتحرك في الدفاع عن حقوقه السياسية
والمواطنية عامة، ولم يتحرك للدفاع عن قيمه الدينية، كل
ذلك حفاظاً على ما في اليد، فماذا تراه الآن فاعلاً حين
يفقد كل شيء، كل شيء تقريباً؟!
|