سعد الحصين نموذجاً
حين يكون النيل من الحجاز هدفاً
سعد الحصين، شيخ سلفي، نذر قلمه وعلمه للنيل من كل
ما هو حجازي وخصوصاً شخصياته الدينية والسياسية والفكرية
والقدح فيها، منها الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، عضو
هيئة كبار العلماء، والعالم الراحل السيد محمد علوي المالكي،
والدكتور عبد القادر الشريف، والشيخ أحمد زكي يماني وغيرهم.
فقد أسرف الحصين في استعمال سلاح الشرك ضدهم.
وبرغم أن الحصين يحمل بعض ملامح نزعة نقدية إزاء موضوعات
داخلية وخارجية، الا أنه بدا مسكوناً بالتعريض بكل ما
هو حجازي مخالفاً المعايير الأدبية في النقد، بل وأعراف
المؤسسة الدينية الرسمية التي تحظر من منطلق إجتماعي وسياسي
النيل من العلماء وخصوصاً أعضاء هيئة كبار العلماء، دع
عنك الشخصيات الاجتماعية والسياسية ذات الشأن.
الحصين خالف ذلك كله، وأسرف في لغة التبديع والتضليل
حين أطلق العنان لقلمه ولسانه للنيل من المختلف معه، وبالتأكيد
مع السلطة الحاكمة. يطعن في المجتمع الحجازي تراثاً وفكراً
وتاريخاً ورموزاً، وهو نهج اعتاده الحصين منذ سنوات، مستعيناً
بلغة فارطة في غلوها واقصائيتها.
في رد على مقالة للشيخ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان،
عضو هيئة كبار العلماء، منشورة، في جريدة عكاظ في 19/9/1425هـ،
كتب الحصين مقالة تحت عنوان (مناصرة المبتدع للمبتدع ـ
رد على عبد الوهاب أبو سليمان). وقد بدأ الحصين بمقدمة
إنكارية تستهدف الحط من شأن الفقيه أبو سليمان، برغم من
شهرته الواسعة في مجال التأليف والتشريع الفقهي وله من
الكتب المحكّمة فقهياً وعلمياً منها (فقه الضرورة وتطبيقاته
المعاصرة) الصادر عام 1993 و(عقد الإجارة ـ مصدر من مصادر
التمويل الاسلامية) الصادر عام 1992، الى جانب عدد كبير
من البحوث الفقهية والفكرية التي تمثل إضافة نوعية للمكتبة
العربية والاسلامية.
الحصين الذي ينتمي الى المدرسة السلفية المتشددة، لا
تعنيه النتاجات الفكرية للدكتور أبو سليمان، بقدر ما يعنيه
الموقف السلفي من الآخر المختلف، وكيفية مواجهته وإن تطلب
ذلك الخروج عن حدود اللياقة والتوسّل بأدوات لا تنتمي
الى الحقل المعرفي للقضية المراد مناقشتها أو حتى نقدها.
يقع الحصين فيما وقع فيه كثير من المتساجلين حين يضفون
طابعاً شخصانياً على ردودهم، وقد يصل أحياناً الى حد القدح
في الصفات التكوينية لمن يختلفون معه.
حين يعرّف الحصين الدكتور الشيخ أبو سليمان يبدأ بالتشكيك
في إسمه، ويضعه في خانة التجهيل فهو يبدي وكأنه يرد على
شخص لا يعرفه ويقول (وقد عرفت واحداً بهذا الاسم في مكة
المباركة وعرفه زملائي في كلية الشريعة من قبل ومن بعد
عرفه أهل التوحيد والسنة بمحافظته على إرثه القديم من
النسك الأعجمي المبتدع في القارة الهندية رغم نشأته ودراسته
في بلاد ودولة مباركة ميزها الله من أول يوم بتأسيسها
على الدعوة إلى منهاج النبوة ومحاربة الابتداع في الدين
من الشرك وآثاره ومقاماته ومزاراته فما دون ذلك). ثم ينحدر
الحصين في كتابة الهوية الشخصية للدكتور ابو سليمان بأنه
سمع بوجوده متميزاً بعناده (وإصراره على الباطل الذي يخالف
منهاج كلية الشريعة وكل مؤسسة علمية في السعودية بفضل
الله ومنه وكرمه، وتميز على غيره من المعاندين الرافضين
للحق بعدما تبين بنبزه المدافعين عن التوحيد والسنة بلقب
(الوهابية) اقتداءً بأمثاله من المناهضين للدعوة التي
قامت عليها السعودية في القرون الثلاثة الأخيرة رغم حقد
الحاقدين وحسد الحاسدين). لينتقل في إسفافه بالخروج عن
الحد الأخلاقي كما يكشف عنه هذا النص: (وبعد حصوله على
حرف (د) الذي تبدأ به كلمة (دكتور) الأعجمية وكلمة (دجال)
الشرعية الفصحى خَدَع أحد علماء السنة فرشحه لسد الفراغ
في هيئة علمية صار مقامه منها سبة لها ونشازاً فيها منذ
تدنست بانضمامه إليها (عجل الله تطهرها منه أو هدايته
للدين الحنيف).
ويكاد يصبغ الحصين ردوده جميعاً، وكذلك كتاباته المتعلّقة
بالشخصيات الدينية والثقافية والسياسية الحجازية بنفس
اللغة الهابطة، التي يحيلها سيفاً يضرب به يمنة وشملة
دون تمييز. فشهر سلاح التبديع ضد عالم الحجاز الراحل السيد
محمد بن علوي المالكي، وعاب الحصين على الدكتور أبو سليمان
وصفه السيد المالكي بالمجاهد، وراح يرصد الأدلة المشفوعة
بالإجتزاء والتفسيرات الخاصة والمنحازة لنصوص منتزعة من
مؤلفات السيد المالكي رحمه الله ليثبت حكماً سابقاً بالتكفير
والتبديع إعتاد على اصداره من سبقه ومن عاصره، وتالياً
نفي صفة الجهاد عن السيد المالكي.
حكم الحصين بتكفير السيد المالكي رحمه الله يسحبه ليشمل
من نهل من علمه أو أثنى عليه في مجال العلم والتعلم والدرس
والتحصيل، ما يعني أن الحكم بالتكفير قد شمل الدكتور عبد
الوهاب أبو سليمان، وأن كونه عضواً في هيئة كبار العلماء
لا يحول دون صدور حكم بحقه، بل ويملي على الملك وأعضاء
الهيئة الآخرين عزله والخلاص منه!!
يتمسك الحصين بموقف المفتي السابق الشيخ إبن باز الذي
أصدر حكماً مماثلاً وأوعز الى الدولة بفصله من الجامعة
وإيقاف دروسه في المسجد الحرام وإذاعة نداء الإسلام، وهو
ما يرغب في تكرار التدابير نفسها ضد الدكتور عبد الوهاب
أبو سليمان، كونه رفض تبني ردود علماء سلفيين سابقين وحاليين
من السيد الراحل المالكي، لاعتقاده بأن تلك الردود غير
ملزمة له فهي ملزمة لأصحابها، فيما يرى هو في السيد المالكي
شخصية علمية ودينية جليلة تستحق كل التقدير والتبجيل.
وصف الحصين الدكتور أبو سليمان بأنه (ممن يناصرون الفكر
الضال (عن منهاج النبوة في الدين والدعوة) بالفكر والمال)
وشفع وصفه بتحذير من الوقوع في الجاهلية..هكذا ببساطة،
فقط لأن الدكتور أبو سليمان لا يعتنق آراء يرى فيه رأياً
مختلفاً لا تتوافق مع موقف العلماء السلفيين.
ألحق الحصين حكمه الصارم ضد الدكتور عبد الغفار الشريف
الذي دافع عن الذخائر النبوية والآثار الاسلامية والشعائر
الدينية في الحجاز التي أحدث الحصين لها مفردات خاصة من
قاموسه حين أدرجها تحت عنوان (عبادة الأوثان) بهدف تبرير
إصدار حكم بالشرك بالله! فيما يعلم كل ذي لب أن رأي الدكتور
الشريف يندرج في سياق الحفاظ على التراث الاسلامي لما
يضخه من زخم روحي للمسلمين القادمين الى المدينتين المقدّستين
شوقاً الى رؤية عبق الرسالة وعطر الوحي الذي نشر في فضاء
مكة فغمر الآفاق.
حين يتحدث الحصين عن العمارة الاسلامية، ينزع عنها
الصفة الاسلامية وينحلها صفات أخرى: كنيسية نصرانية بيزنطية،
ويعدّ القبّة والأقواس وهرمية المئذنة واستدارة المحراب
بل والمحراب كله وتيجان الأعمدة والزجاج الملوّن والزخرفة
عامة بأنها غير إسلامية، وأن وجودها مدعاة للفتنة والشرك
بالله، على حد الحصين، دون أن يقدّم دليلاً على دعواه
من التاريخ الاسلامي القديم والحديث ومتى كانت العمارة
الاسلامية مثار فتنة أو مصدر ضلال!!
ولا ينسى الحصين تسليط الضوء على القضية الخلافية التي
شغلت الدوائر الدينية السلفية لعقود طويلة وخصوصاً الاحتفال
بالمولد النبوي، ليشكّل مدخلاً لرد شامل على كل ما كتبه
الدكتور عبد الغفار الشريف، والغاية معروفة، فطالما أنه
يقع في خانة المختلف فكل شيء يبدو مبرراً من وجهة النظر
السلفية المتشددة. وقد هال الحصين رأي للدكتور الشريف
حول فتاوى سد الذريعة التي اعتبرها منتج مجتمع منغلق،
فتوسّع في نقده ثأراً لذاته، فراح يعقد المقارنات المتقابلة
بين فضائل المجتمع المغلق وشرور المجتمع المتحضر، حيث
اعتبر المجتمع المغلق والبدوي حاضناً لكل خير فيما كانت
المجتمعات المتحضرة وثنية.
يلتقي رد الحصين على الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان
مع رد آخر كتبه سلفي متشدد آخر تحت عنوان (الرد على عبد
الوهاب أبو سليمان) لـ فهد بن سعد، على مقالات كتبها الدكتور
أبو سليمان حول العناية بالأماكن التاريخية المأثورة في
مكة والتي نشرتها جريدة عكاظ في 3/3/1427هـ، و4/3/1427هـ
و10/3/1427هـ و11/3/1427هـ، حيث دعا فيها الى إحياء الآثار
الاسلامية باعتبارها إرثاً تاريخياً مهماً وأن ثمة أماكن
تاريخية شهدت أحداثاً حاسمة هي من مكتسبات الأمة، وأن
المحافظة عليها يزوّد الأمة بتيار روحي. وفيما دعا اليه
الدكتور ابو سليمان في هذه المقالات بناء المكان الذي
ولد فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم بما يتلاءم مع العصر.
ومن أجل إسقاط المبرر الذي تعتصم به الحكومة والمؤسسة
الدينية في تدمير ومحو الآثار الاسلامية دعا الدكتور ابو
سليمان الى إرسال المرشدين إليها مع المحافظة على الآثار
التي تشمل بيوت الأنبياء والصحابة والمواقع التي ضمّتهم
والأماكن التي قاتلوا فيها مثل معركة بدر، والخندق، ودار
الأرقم وبيت خديجة.
لم يرق للسلفيين المتشددين مثل هذه الآراء التي يصنّفونها
في سياق مخالفة منهج السلف، والسلف هنا ليس شيئاً آخر
غير العلماء الحنابلة وبصورة محددة من ينتمي الى المدرسة
الوهابية. وقد شهد النادي الأدبي في المدينة المنورة هجوماً
من المتعصّبين على المشاركين في ندوة عن الآثار الاسلامية
التي انعقدت في الثامن من نوفمبر الماضي ونعتوهم بالفسق
والكفر والشرك، وقالوا بوجوب هدم جميع الآثار الاسلامية
بناء على فتوى الشيخ ابن باز، وقد أدى ذلك الى انسحاب
الدكتور أبو سليمان احتجاجاً على تصرفات المتعصّبين، وانفضت
الندوة بالفشل.
وتكر سبحة الحصين في النيل من شخصيات الحجاز، فقد كتب
مقالة بعنوان (أحمد زكي يماني والإسلام والفاتيكان) وجاءت
على سنخ ما كتبه بعض الأقلام بجنسيات متعددة محلية وعربية
قبل أكثر من عام، وزاد الحصين على ذلك بأنه لم يكن معنياً
بالوقوف طويلاً عند ما كتب، فهو يصبو الى اللغة السجالية
التي تهدف الى النيل من المختلف، وتلبية لعاطفة سلفية
مشحونة بالخصومة إزاء الآخر وإرضاءً لنزعة مريضة لدى الأمراء
تبيح إختراق المحرمات في التعاطي مع شخصيات الحجاز.
فالبرغم من اعتراف الحصين بأن الله أكرمه منذ ثلاثين
عاماً بمقاطعة الجرائد والمجلات العربية لأنها مبنية على
الظن في أحسن الأحوال، ولكن المنشغلين بالسجالات الفكرية
والعقدية ذات الأبعاد السياسية قد وفّروا عليه جهداً ذهنياً
وعضلياً حين وضعوا بين يديه مقالات تروي زيارة الشيخ زكي
يماني الى البابا ومادار فيها ما هو معروف وقد فصّلنا
ذلك في حينه. ما يلفت في رد الحصين بخصوص هذه القضية أنه
عمد الى إثارة أسئلة ذات طبيعة تشكيكية، فقد افترض ابتداءً
فيما رواه الشيخ اليماني حول زيارته للبابا (أن الخيال
فيها يطغى على الحقيقة) ليعقبها على الفور بعبارة (إن
وجدت الحقيقة) دون أن يزوّدنا بدليل يكشف لنا جانب الخيال
وجانب الحقيقة، دع عنك التشكيك في أصل الرواية. أثار الحصين
أسئلة لا تحمل أهمية بالغة، ما لم تكن ثمة إجابات مختلفة
تضفي عليها أهمية، أسئلة من قبيل (لماذا الاهتمام بعدد
الدقائق؟) وهو سؤال قد يرتد على الحصين نفسه الذي لا يدرك
معنى الوقت لدى الكبار إن لم يعر هو إهتماماً لعامل الوقت.
وهناك سؤال لم نجد ما يبرره من قبيل: لماذا لم يذكر اليماني
حصول هذا الشرف له قبل موت البابا؟، وكأن الشيخ يماني
طلب شرفاً في لقاء مع البابا، فذاك لم يكن هدفاً لزيارته،
ما لم يكن وراء السؤال غرض آخر، أي النيل من شخصية الشيخ
يماني واعتبار اللقاء شرفاً له من البابا المسيحي!!
ينصّب الحصين نفسه ديّاناً فيثبت وينفي ما يشاء بحسب
تفسيره للنص والتراث والتاريخ، ولم ينسَ وهو يتعرّض لقضية
موافقة أكل التمر أو الحلوى في الأعياد بأن يغمز في قناة
الشيخ يماني عبر تبديع المتصوفة واعتبارهم صنواً للمتصوفة
في الدين المسيحي، لينينشق هذا التعالق المزعوم بينهما
في وعي الحصين عن مشتركات تلتقي عند حد البدعة من قبيل
عيد المولد بالمسيح عليه السلام بالاحتفال بالمولد النبوي!!
ولم يبخل في توزيع حكم التبديع ليشمل به علماء كبار مثل
ابن سينا والخوارزمي والرواندي وإبن حيان الذين اعتبرهم
(أقرب إلى الزندقة منهم إلى علوم الوحي والفقه في الدين،
ومثلهم كثير). ولكنه حين يأتي على الأمراء فهو يضعهم في
خانة العرب والمسلمين الذين كانت لهم مساهمة في ريادة
الفضاء في إشارة الى الأمير سلطان بن سلمان.
وبطبيعة الحال، فإن الحصين الذي يصدر في مناوشاته الفكروية
عن مناوئة المختلف، لا يجد مساحة للالتقاء مع الشيخ يماني،
وإنما هو يرى في مبدأ تهديم المروي عنه خياراً وحيداً،
فهو الذي يرفض تصديق خبر اللقاء بين الشيخ يماني وبابا
الفاتيكان سيرفض بالتأكيد التفاصيل الواردة فيه من قبيل
رؤية قطع جلدية تشتمل على آيات قرآنية ومخطوطات تاريخية
تعود الى أكثر من ألف ومائتي سنة. ودليل ذلك ما أسفّ فيه
من وصف الشيخ يماني حين نعته بـ (الحكواتي) و(المهرج)
و(الصحفي)!. وبالتأكيد، فمن هذه إفاضاته سيرفض ما يقابلها
من نعوت مضادة، كالتي ذكرها الصحافي عبد العزيز القاسم
في صحيفة المدينة حين وضع الشيخ يماني في مكانته التي
تليق به، منذ أن أدار وزارة البترول، ويكفي أن في عهده
صدر القرار الأول والأخير لحظر النفط خلال حرب 1973 وكان
ذلك عاملاً جوهرياً وحاسماً في الحرب بين العرب والدولة
العبرية. كما قال عنه القاسم بأنه (سليل أسرة علم وفضل)،
ذاكراً طرفاً من بعض خدماته الجليلة للإسلام عبر مؤسسة
الفرقان، التي تضم ثلّة من العلماء الأجلاء الذين يعملون
على حفظ التراث الإسلامي، إضافة الى مخزونه الثقافي والفكري
الذي عكسته مؤلفاته في موضوعات فقه المقاصد والمرأة والقانون
الاسلامي.
كل ذلك يسقط عمداً في قراءة الحصين، مادام الطرف المعني
حجازياً الذي يكنّ له مشاعر ضدية في كل الاحوال، وكأنه
يستر قصداً غير نبيل وربما يتمترس خلف نزعة مناطقية بنكهة
شوفينية ظاهرة، وهذا ما يظهر من تصويره المتمايز بين الشخصية
النجدية والشخصية الحجازية وهذا ما يطبع كل مقارناته بين
الاشخاص والمسؤولين والعلماء من نجد والحجاز، فحين يتحدث
عن شخصية نجدية سياسية كانت أم دينية يكيل لها المديح
والإطراء المبالغ، وحين يأتي على ذكر شخصية حجازية فيختار
من الكلمات أقذعها والالفاظ أحطّها، والنعوت أقبحها، ولا
يرى في غير المنقصة حكماً.
|