سعيد والصفدي: سماسرة سلطان
سيرة وفيق سعيد الملياردير السوري الذي كان يتسكع في
الستينيات في مقاهي لندن العربية تبدأ منذ قرر أن يفتح
مطعماً في منطقة كينسغتون بلندن حيث تعرّف خلالها على
أبناء ولي العهد سلطان الأميرين خالد وبندر ثم أصبح مقرّباً
من الأخير بعد حادث غرق إبن وفيق سعيد في مسبح يملكه بندر،
وتوثّقت علاقتهما ثم انفتح على الملياردير السعودي اللبناني
الأصل الراحل رفيق الحريري عن طريق الأمير بندر.
إسم وفيق سعيد برز في قضية الرشاوى في صفقة اليمامة
في بداية التسعينيات، ولكن القضية لم تأخذ طريقها الى
مكتب التحقيق في الغش التجاري ولكن الوثائق (الفضيحة)
التي أفرج عنها مؤخراً كانت كفيلة بفضح المرتشين والرائشين.
كتب ديفيد ليغ وروب إيفان في جريدة الجارديان في التاسع
والعشرين من نوفمبر الماضي بأن عمولات سرية من ملايين
الجنيهات من أكبر شركة للسلاح في بريطانيا وجدت في حسابات
بنكية بسويسرا تابعة لوفيق سعيد، الملياردير وسمسار الأسلحة
عن العائلة المالكة، بحسب مصادر قضائية.
وقد رفض وفيق سعيد التعليق على الاتهامات، ولكن الإكتشاف
يقدّم أكبر إختراق تم الحصول عليه من خلال التحقيق الخطير
الذي دام لمدة ثلاث سنوات من قبل مكتب التحقيق في الغش
التجاري حول دعاوى بأن رشاوى غير قانونية قد تم دفعها
الى أمراء سعوديين من قبل شركة بي أيه إي سيستمز البريطانية.
تفاصيل الحسابات ستساعد في التعرّف على ما اذا كان
المال قد تم تحويله الى أعضاء في العائلة المالكة. وقد
جاء هذا التطور وسط تهديدات من الشركة ومديرها التنفيذي،
مايك تيرنر، بأن التحقيق المتواصل من مكتب التحقيق في
الغش التجاري يهدد بتدمير الإقتصاد البريطاني. وزعم بأن
العائلة المالكة قد تسحب عقد الستة بلايين جنيه إسترليني
من بي أيه إي وتمنحها الى الفرنسيين. وتريد الشركة من
المكتب وقف التحقيق قبل أن يسحب السعوديون صفقة الأسطول
الجديد المؤلف من 72 يوروفايتر تايفونز. وقد أدّت التوقّعات
حول تقدّم التحقيق الى تراجع قيمة سهم الشركة.
ولكن يظهر بأن مكتب التحقيق مصمم على الكشف عن الحسابات
وارتباطاتها بالسيد سعيد البالغ من العمر 68 عاماً. الملياردير
يعد صديقاً لبيتر ماندلسون وكان أحد المتبرعين لحزب المحافظين.
ويقول سعيد، المقيم في موناكو، بأنه بنى منزلاً أثرياً
فخماً في منطقة أكسفورد.
وبالرغم من أن سعيد لا يعتبر نفسه مستهدفاً في التحقيق،
فإن بي أيه إي تقرّ بأن التحقيق يستهدف الشركة. السيد
سعيد كان مدير أعمال أبناء ولي العهد الأمير سلطان.
وكان سعيد إعترف سابقاً بأنه كان وسيطاً في صفقات الأسلحة
السعودية لأكثر من عشرين عاماً. وقد حظي بلعب دور مركزي
في صفقة اليمامة العام 1985، والتي جلبت 43 مليار جنيه
دخل لشركة بي أيه إي، والتي أصبحت مورد نظر مكتب التحقيق
في الغش التجاري.
وينكر وفيق سعيد دائماً إستلامه رشاوى من بي أيه إي.
وتقول مصادر قضائية بأن من المحتمل أن مكتب التحقيق في
الغش التجاري يريد تفتيش حساباته لمعرفة ما إذا كانت تكشف
عن عمولات بي أيه إي قد تم تمريرها الى أعضاء في العائلة
المالكة السعودية، ومتى تم ذلك؟. وكان ينظر ضباط ما اذا
كان أي من تلك العمولات قد تمّت بعد العام 2002، حين جرى
تمريرها بصورة غير قانونية.
وبحسب مصادر في العاصمة البريطانية، فإن علاقة سعيد
بالتحقيق برزت بعد المذكّرة الرسمية لسمسار الأسلحة من
قبل السلطات السويسرية وأن الأخيرة قامت بتعقّب الحسابات
البنكية للشركة المسجّلة بإسم مجهول في بنما.
وكانت السلطات القضائية السويسرية في بيرن، ومدير مكتب
التحقيق في الغش التجاري البريطاني روبرت واردل قد أبقوا
على سرية تدابيرهم.
وقالت السلطات السويسرية بأن مكتب الادّعاء العام في
سويسرا يؤكّد مسؤوليته عن تحقيق طلب التعاون القضائي المشترك
في القضايا الجنائية من قبل مكتب التحقيق في الغش التجاري
الخطير البريطاني المتعلّق بالقضية. وقد رفض كل من مكتب
الإدعاء العام السويسري ومكتب التحقيق في الغش التجاري
الخطير البريطاني إعطاء أية تفاصيل أخرى عن الموضوع. ولكن
بعد أن حذّرت سويسرا توفيق سعيد وأصحاب حسابات بنكية آخرين،
فإن سعيد كلّف شركة قانونية في العاصمة البريطانية ـ ecnahC
droffilC لتمثيله.
وكانت سلسلة من الجرائد البريطانية قد ذكرت بأن العقد
السعودي الأخير لشراء طائرات يوروفايترز كان في خطر وأن
مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير يجب أن يدعم أو يصمت.
وقد التزمت وزارة الدفاع البريطانية التي تفاوض بشأن صفقة
بيع يوروفايترز الصمت.
إن الشخص الوحيد الذي يملك سلطة إيقاف التحقيقات البوليسية
المؤلفة من مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير ووزارة
الدفاع البريطانية هو المدّعي العام، اللورد جولدسميث.
ولكن بريطانيا عضو في إتفاقية أو إي سي دي، حيث لا تسمح
الإتفاقية للمصالح الاقتصادية الوطنية للوقوف في طريق
الجهود للقضاء على الرشوة. لقد جرّمت بريطانيا الفساد
خلف المحيطات في العام 2002، ولكن لم يتم جلبه للتحقيق.
اللورد جولدسميث كان متردداً في عدم ممارسة ضغط سياسي
على المحققين، حسبما تذكر مصادر ويستمنستر، حيث مقر الحكومة.
إن خطوة كهذه ستحدث زئيراً سياسياً. وقد قال ممثل الليبراليين
الديمقراطيين نورمان لامب بأن (فكرة الضغط من حكومة أجنبية
يمكنه تعطيل التحقيق الجنائي الخطير تعتبر ممقوتة).
بي أيه إي تقول بأن (بي أيه إي سيستمز لا تعيق التحقيق
وستواصل تعاونها الكامل مع مكتب التحقيق في الغش التجاري
الخطير). وحسب قول الناطق الرسمي بإسم الشركة: (لن نعلّق
على أية نقطة خاصة بالموضوع. ولا يمكن أن يؤخذ ذلك على
أنه نوع من الإعتراف).
وفي الأول من يناير/كانون الثاني كتبت صحيفة ديلي تيليجراف
بعنوان (أوقفوا التحقيق أو سنلغي يوروفايترز) وهو لسان
حال الحكومة السعودية. وكتب كريستوفر هوب بأن السعودية:
أعطت بريطانيا مهلة 10 أيام لوقف التحقيق في الغش في تجارة
الأسلحة أو خسارة 10 مليارات جنيه إسترليني، القيمة المقرر
في صفقة يوروفايترز. وأشار هوب الى أن الصفقة تدعم 50
ألف وظيفة في بريطانيا وأن ثمة مخاوف من انتقال الصفقة
الى فرنسا.
الحكومة السعودية من جانبها على وشك إلغاء الصفقة ـ
وهي امتداد لصفقة عقدت من قبل مارجريت ثاتشر قبل عشرين
عام ـ بسبب تحقيق مكتب الغش التجاري الخطير بخصوص دعاوى
لتمويل مشبوه لأعضاء في العائلة المالكة السعودية، بحسب
مصادر مسؤولة.
وقد تم إبلاغ توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني، بأن
الصفقة تواجه خطر الإلغاء خلال عشرة أيام ما لم يتدخل
لاغلاق ملف التحقيق الذي دام سنتين.
ينقل عن السعوديين أنهم (غاضبون) بسبب التحقيق في أنشطة
الشركات المرتبطة بـ (بي أيه إي سيستمز). التحقيق يزعم
بأن عمولات غير قانونية قد تمت لصالح أعضاء في العائلة
المالكة وعملائهم. مستشارو الدولة السعودية أوضحوا عبر
القنوات الدبلوماسية بأنه ما لم يتم إغلاق التحقيق فإن
تجارة المملكة ـ السعودية ـ فيما يرتبط بالأسلحة ستؤخذ
الى مكان آخر (أي فرنسا). وقد علم البريطانيون بأن السعوديين
قد بدأوا مفاوضات مفتوحة مع الفرنسيين حول شراء 36 طائرة
رافال.
وعلمت صحيفة دايلي تيليجراف بأن الرئيس جاك شيراك كان
في السعودية لمرتين في الشهور الأخيرة لتقديم عرض تعاون
فرنسي فيما يرتبط بصفقة كهذه. ومنذاك، كانت هناك سلسلة
من اللقاءات في باريس. وقد زار الأمير بندر بن سلطان بن
عبد العزيز، الأمين العام لمجلس الأمن الوطني، الرئيس
الفرنسي في 22 نوفمبر الماضي. وفي السابع والعشرين من
نوفمبر، وصل مبعوث من الحكومة السعودية الى باريس للتثّبت
من تفاصيل صفقة جديدة محتملة.
وفي الرهان مستقبل صفقة اليمامة، أكبر صفقة عبر البحار
في تاريخ بريطانيا. وقيل بأنها بتكلفة تصل الى 40 مليار
جنيه إسترليني لحساب بي أيه إي سيستمز على مدار عشرين
عاماً.
محللون في الصناعة العسكرية يقدّرون بأن الحكومة ـ
البريطانية، أفادت من 2 بالمئة من رسوم تدبير الصفقة بمبلغ
يصل الى 800 مليون جنيه إسترليني.
وفي العام 2001، تم سن قانون يمنع بموجبه الشركات البريطانية
بتقديم رشاوى لطرف ثالث من أجل تأمين النشاطات التجارية.
السيد بلير وبتأثير الضغط المفروض عليه سيطلب من المحقق
العام اللورد جولدسميث، للمسارعة في قضية مكتب التحقيق
في الغش التجاري الخطير للحيولة دون خسارة العقود السعودية.
ويعتقد أيضاً بأن وزيراً حكومياً بارزاً قد اتصل بالمحقق
العام حول القضية.
اللورد جولدسميث قد تم تحذيره بأن تدفق المعلومات الاستخبارية
الحيوية من قبل الحكومة السعودية للمؤسسات الأمنية البريطانية
قد يتضرر عقب قطع الروابط بين الحكومتين بشأن العقود،
وعليه تعريض الأمن الوطني للخطر، وخصوصاً خلال الحرب على
الإرهاب.
وعلى أية حال، فإن أصدقاء اللورد جولدسميث يقول بأنه
مازال يشعر بالانسجام حيال الطريقة التي تعرّض خلالها
للضغط في العام 2003 لتغيير نصيحته للحكومة حول مشروعية
حرب العراق.
ويقال بأنه مصمم على الاطمئنان بأن لا يتم فرض ضغط
سياسي عليه حيال هذا الموضوع في تقرير ما اذا كان سيرفع
دعاوى ضد أي من مدراء بي أيه إي سيستمز.
إن الضغط المتجدد على المدعّي العام يأتي فيما كانت
وزارة الخارجية تحاول تليين العلاقات مع السعوديين، عبر
لقاء السفير البريطاني في الرياض بممثلين عن العائلة المالكة
السعودية في السادس والعشرين من نوفمبر الماضي. وكانت
هناك مؤشرات مبكرة في نهاية نوفمبر الماضي حول عقد سلام،
حيث تفيد مقترحات بأن الحكومة البريطانية طمأنت السعوديين
بأن التحقيق سيتم (لفلفته) خلال شهور قلائل.
وترفض الحكومة البريطانية الغرق في هذا الشأن. فلا
وزارة الدفاع، ولا مكتب الإدعاء العام، ولا شارع الحكومة
في داوننج ستريت علّق على القضية.
وقال مصدر في الوايتهول (نحن حيث نحن. مكتب التحقيق
في الغش التجاري الخطير يقوم بعمله. ولا نتوقع شيئاً جديداً
في الثماني والأربعين ساعة القادمة).
وقد أنكرت بي أيه إي سيستمز بأنها لم تقم بأي شيء خاطىء.
وقال الناطق الرسمي:(نحن كنا دائماً متعاونين بصورة كاملة
مع التحقيق. ونحن واثقون بأننا لم نرتكب خطئاً ونتطلع
لنهاية عاجلة).
وقد رفض المحافظون التعليق على الموضوع. وقال نورمان
لامب، نائب، ورئيس فريق العمل التابع لقائد اليبراليين
الديمقراطيين السير مينزيس كامبل، إذا كان هناك من يمارس
ضغطاً على المحقق العام فإنه (مفضوح للغاية). وأضاف: (إذا
أنت ستقوم بتمرير قانون ضد الفساد، فإن عليك، إذاً، العيش
مع تداعياتها حين تكون صعبة).
ليس بالإمكان أن تكون هناك مسألة التدخل في التحقيق
الجنائي. إنها فكرة ممقوتة.
وتحت عنوان (السعودية توقف صفقة مقاتلات يوروفايتر
مع بريطانيا) أفادت صحيفة فايننشال تايمز في 27 نوفمبر
الماضي أن السعودية أوقفت المفاوضات التجارية مع بريطانيا
حول صفقة قيمتها 10 مليارات جنيه إسترليني لشراء أسطول
جديد من مقاتلات يوروفايتر والتي تُعرف أيضاً باسم (تايفون)
في محاولة لإجبار مكتب جرائم الإحتيالات الخطيرة الحكومي
على وقف التحقيق الذي يجريه منذ فترة طويلة بشأن عمليات
فساد.
ونسبت الصحيفة إلى مايك تيرنر الرئيس التنفيذي لشركة
(بي إيه إي سيستمز) أضخم شركات صناعة الأسلحة في بريطانيا
وأكبر المنتفعين من الصفقة السعودية قوله (لا نستطيع التحدث
بالنيابة عن الحكومتين البريطانية والسعودية، ولكن أعرف
أننا لا نتحرك بإتجاه إتمام صفقة مقاتلات تايفون).
واضاف تيرنر (لم نرتكب أي خطأ ولا نريد التدخل في الإجراءات
القضائية كما أن السياسيين لا يستطيعون التدخل أيضاً،
لكننا نريد أن نرى نتيجة تحقيق مكتب الاحتيالات الخطيرة
لأنه يضر بأعمالنا).
وأوضحت الصحيفة أن صفقة مقاتلات يوروفايتر يمكن أن
تصل قيمتها إلى زهاء 40 مليار جنيه إسترليني وستخلف عقود
اليمامة التسلحية والتي زوّدت بمقتضاها شركة بي إيه إي
السعودية بمقاتلات من طراز تورنادو إلى جانب معدات عسكرية
أخرى، مشيرة إلى أن قرار مكتب الاحتيالات الخطيرة الحصول
على معلومات عن حسابات مصرفية في سويسرا على علاقة بالتحقيق
الذي يجريه بشأن صفقة اليمامة أثار غضب الرياض وقاد إلى
قيامها بتعليق المفاوضات التجارية.
ونقلت فايننشال تايمز عن مسؤولين من وزارة الدفاع البريطانية
وشركة بي إيه إي قولهم (إن صفقة يوروفايتر مهددة نتيجة
توجه السعوديين لتوقيع صفقة مع الفرنسيين لشراء 24 أو
36 مقاتلة منافسة من طراز رافال)، مشيرة إلى أن مكتب الإحتيالات
الخطيرة رفض التعليق، كما رفض مكتب النائب العام اللورد
غولدسميث التعليق على التقارير التي ذكرت أن مسؤولين من
وزارات أخرى طلبوا منه التدخل.
وكانت تقارير صحيفة كشفت في نهاية نوفمبر الماضي أن
السعودية هدّدت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا
ما لم تتدخل حكومة توني بلير لمنع تحقيق حول رشاوى دفعتها
شركة بريطانية لصناعة الأسلحة إلى أمراء سعوديين.
الوزير السمسار محمد الصفدي
في تطوّر جديد كشفت الجارديان في 2 ديسمبر عن شخصية
سياسية لبنانية متورطة في ملف الرشاوى الخاص بصفقة اليمامة،
هذه الشخصية هي محمد الصفدي وزير النقل والاشغال العامة
في حكومة فؤاد السنيورة. وذكرت الصحيفة بأن مكتب التحقيق
في الغش التجاري الخطير كشف عن إسم جديد كوسيط للسعوديين
في التحقيق حول صفقات الاسلحة بحسب إفادة شهود. ويبحث
مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير عن معلومات حول أي
من الحسابات البنكية السويسرية خاصة بالوزير محمد الصفدي،
السياسي اللبناني الذي يمثّل مقرّبين للأمير سلطان ولي
العهد السعودي.
الصفدي رفض التعليق على الاتهامات، وكانت شركاته قد
تسلّمت عقوداً من شركة الأسلحة البريطانية بي أيه إي ولديه
مصالح عقارية في لندن تقدّر بقيمة 240 مليون دولار.
هذا التطور الجديد في التحقيق الدولي جاء عقب الاكتشافات
التي سمحت بالتحقق من حسابات بنكية سويسرية تابعة لسمسار
الأسلحة المقيم في بريطانيا وفيق سعيد الذي يعمل كممثل
عن أبناء الأمير سلطان بندر وخالد.
وحتى الآن، ليس الصفدي أو سعيد أهدافاً في تحقيق الفساد
الذي يجريه مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير، ولكن
المحققين يريدون التحققق من هذه الحسابات لمعرفة ما إذا
كانت شركة الأسلحة البريطانية قد مرّرت عمولات سرية عبرهم
الى مسؤولين في الحكومة السعودية. وقد تكون هذه جريمة
جنائية بحق مدراء شركة بي أيه إي.
ومنذ أن تقدّم مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير
الى السلطات السويسرية بتفاصيل عن حسابات خارجية تريد
التحقيق منها، فإن غضباً سياسياً قد انفجر في بريطانيا،
فيما حذّر مدير شركة بي أيه إي مايك تيرنر بأن السعوديين
قد يلغون صفقة الأسلحة الكبيرة مع بي أيه إي وإعطائها
الى الفرنسيين مالم تتوقف التحقيقات البوليسية.
المزاعم التي أفادت بأن السعوديين قد أعطوا توني بلير
مهلة عشرة أيام من أجل وقف التحقيق في القضية لم تتأكد
من أي طرف. وقالت السفارة السعودية بأن المزاعم كانت (قصة
قديمة أعيد تركيبها). وفي باريس، حيث التقى بندر بن سلطان
الرئيس جاك شيراك في 22 نوفمبر بهدف إجراء محادثات خاصة،
فإن الفرنسيين قالوا بأنهم لن يقنصوا صفقة الـ 6 مليارات
جنيه استرليني (12 مليار دولار) من البريطانيين لبيع 72
طائرة يوروفايترز. مسؤول فرنسي قال بأن (ليس هناك مبادرة
من وزارة الدفاع حول طائرة رافال. نحن نعمل أي شيء لبيع
طائرة رافال للسعوديين. إنها صفقة بريطانية). ولكن مصادر
صناعية ذكرت بأن فرنسا كانت تضغط من أجل صفقة منافسة وكانت
منافساً طويل الأمد للبريطانيين.
وكان المحقق العام، اللورد جولدسميث قال بأنه ليس لديه
نية التدخل في التحقيق، عقب محادثات مع مدير مكتب التحقيق
في الغش التجاري، روبرت واردل. وقال الناطق الرسمي بأن
(موقفه العام هو أنه لن يوقف التحقيق لأسباب سياسية بأية
حال).
وقال مكتب التحقيق في الغش التجاري بأنه يمضي بالسرعة
التي تسمح بها الظروف. ويقول محامون على إطلاع بحالات
مماثلة بأن سبب التأخير الرئيسي عائد الى الإجراءات السويسرية
الطويلة التي تسبق عملية فتح الحسابات البنكية، وهي من
الناحية التقليدية سرية للغاية.
مصادر ويستمنستر تقول بأن بي أيه إي تعيق مجرى التحقيق
لشهور عدة من خلال رفض الإفراج عن ملفات العمولات ومن
خلال ممارسة ضغوط سياسية لوقف عمل مكتب التحقيق في الغش
التجاري الخطير باستعمال سلطاتها الانتاجية الصارمة. وقال
ناطق بإسم مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير (عملنا
هو تسليط الضوء على التحقيق، والعمل على ذلك بصورة شاملة
وبالسرعة التي تسمح بها الظروف. فإذا ما أشارت الأدلة
الى أن ثمة قضية يجب الاجابة عنها سنقدّمها أمام المحكمة).
الناشطون في مناهضة تجارة الأسلحة وجّهوا إتّهاماً
إلى شركة بي أيه إي للمبالغة في تهديد الفرص الوظيفية
البريطانية، في حال خسرت العقد الحالي. نيكولاس جيلبي،
من حملة مناهضة تجارة الاسلحة قال (تقرير يوروفايترز يقول
بأن هناك في أحسن الحوال 11,500 وظيفة تعتمد على واردات
السعودية في كل أوروبا ومن المحتمل أن تكون هناك 4500
وظيفة في المملكة المتحدة).
الطائرة البريطانية الحلوب!
|
القضية بدأت لدى مكتب التحقيق في الغش التجاري حين
حصلت صحيفة الجارديان العام 2003 على وثائق تفيد بأن بي
أيه إي تدير صندوق مالي مختلط يشتمل على 60 مليون جنيه
استرليني كرشاوى لجنرالات سعوديين وتوسّع ليغطي عمولات
سرية تدفعها بي أيه إي في أكثر من عشر بلدان ويصل اجمالي
العمولات الى أكثر من مليار جنيه استرليني (2 مليار دولار).
أحد الشهود المرشّحين الذي التقى معه رجال مكتب التحقيق
في الغش التجاري الخطير قال لصحيفة الجارديان بأنه (سئل
من قبلهم حول دور السيد الصفدي. قلت لهم بأن شركته في
المملكة المتحدة، stnatlusnoC senoJ قد دفعت شيكات الى
الأمير تركي بن ناصر، قائد القوات الجوية السعودية).
وتقول بي أيه إي بأنها لن تعلّق على المعلومات التي
نشرت مؤخراً، وتضيف (بي أيه سيستمز لن تعيق تحقيق مكتب
التحقيق في الغش التجاري الخطير بأي حال وستستمر بالتعاون
بصورة كاملة مع تحقيق المكتب).
ونشرت الديلي تليجراف في الرابع من ديسمبر مقالاً حول
الضغوطات المتصاعدة من أجل وقف التحقيق في الغش التجاري
فيما يرتبط بصفقات الأسلحة السعودية. وقال كريستوفر هوب
بأن وجهة النظر السائدة هي أن بلير يجب أن يوقف التحقيق
في القضية من أجل المصلحة الوطنية.
وقال بأن شركات الدفاع البريطانية وعدد من النواب قد
نظّموا قواهم من أجل الضغط على الحكومة للقيام بعمل ما
إزاء التحقيق في الغش التجاري والذي يهدد طلب شراء طائرات
يوروفايترز بقيمة 10 مليارات جنيه استرليني للسعودية وكذلك
50 ألف وظيفة. لاعتقادهم بأن التحقيق سيؤدي الى إنهيار
الصفقة مع السعوديين.
وقد جاءت هذه الاخبار بعد أن تحدثت أنباء عن دخول فرنسا
على خط المراهنة للفوز بطلب الطائرات من بريطانيا حيث
سيقوم الرئيس جاك شيراك بزيارة الرياض هذا الشهر (ديسمبر)
لعقد عدة لقاءات مع المسؤولين السعوديين، وبالتأكيد سيكون
من بينها صفقة رافال التي يطمح الفرنسيون للفوز بها، والتي
تصل الى 5 مليارات يورو.
وما أشعل فتيل المنافسة البريطانية الفرنسية هو تحقيق
مكتب التحقيق في الغش التجاري في صندوق مالي مختلط بقيمة
20 مليون جنيه مرتبط بصفقات أسلحة للسعودية وشركات تزّود
أنظمة بي أيه إي، أكبر شركة للدفاع العسكري في بريطانيا.
وقد غضب السعوديون بعد أن حاول المحققون النفوذ الى
حسابات بنكية في سويسرا. وجاء رد فعلهم عبر وقف المحادثات
حول طلب بقيمة 10 مليارات جنيه استرليني وإعطاء الحكومة
البريطانية مهلة عشرة أيام للقيام بعمل ما من أجل وقف
التحقيق.
مجلس الصناعات الدفاعية الوطنية، والذي يرأسه جون روس،
المدير التنفيذي لمصّنع مكائن الطائرات رولز رويس، كتب
الى وزير الصناعة والتجارة اليستير دارلنج.
وتقول المصادر التي إطّلعت على الرسالة بأن مدراء الدفاع
أرادوا التشديد على الأضرار التي قد يسببها تحقيق المكتب
الطويل الأمد على روابط الصناعة الدفاعية البريطانية بالسعودية.
وقال مصدر: (إنهم يريدون قراراً بشأن القضية. إن عدم الوضوح
يؤودي الى نتائج عكسية).
وقال محللون بأن شركات دفاعية أخرى مثل في تي وسيميثز
وكوبهام قد تتضرر بشدة إذا ما تم إلغاء الطلب.
النواب الذي يمثّلون آلاف من عمال يوروفايترز يعدّون
خطة لتقديم أسئلة في مجلس العموم وتنظيم مناظرة برلمانية
للتعبير عن قلقهم. بعضهم قال بأنه على استعداد لقيادة
وفد الى مكتب رئيس الحكومة من أجل التشديد على الحاجة
لعمل ما على رئيس الوزراء توني بلير.
النائب العمالي ليندساي هويل، والذي يمثل دائرة تشورلي
التي تضم آلافاً من الناس الذين هم على علاقة ببرنامج
يوروفايترز قال بأنه يريد التأكيد على أن التهديدات السعودية
جادة وحقيقية.
وقال (بأن ذلك قد يكون له تداعيات خطيرة على القطاع
الدفاعي في المملكة المتحدة وكذلك على شركة رولز رويس).
وأضاف (سنقدّم أسئلة للوزير لمعرفة ما يدور وماذا يفعل
الفرنسيون. واستناداً الى تلك الاجابات فإننا قد نطلب
مناظرة حول هذه القضية).
وكانت أسئلة قد طرحت في مجلس العموم. وقد سأل مايكل
جاك، النائب المحافظ عن دائرة فيلدي والتي تضم 3000 عامل
في يوروفايترز، سأل ما اذا سيقدّم المحقق العام اللورد
جولدسميث تصريحاً (يشير فيه ما اذا كان سيقوم بتقديم مصادر
معلومات جديدة للتحقيق من أجل إنهاء القضية وعليه وقفها
من أن تترك بصماتها على المناقشات الهامة).
زعيم مجلس العموم السيد سترو، الذي تمثل دائرته بلاكبرن
عمال يوروفايترز قال بأنه سيقدّم طلباً الى اللورد جولدسميث.
في غضون ذلك، يظهر أن فرنسا تبذل كل ما في وسعها لنزع
الطلب من بريطانيا. الرئيس شيراك الذي قابل مسؤولين سعوديين
في باريس الشهر الماضي قد حصل على دعوة متأخرة لزيارة
السعودية. ولكن لا يعرف ما اذا كانت تلك الدعوة هي لمجرد
الضغط على بريطانيا من أجل وقف التحقيق في رشاوى أمرائنا
الكرام أم للمضي في صفقة مع الفرنسيين.
وفي 5 ديسمبر الحالي، ذكرت مصادر بريطانية أن شركتي
الدفاع الأميركيتين nitraM deehkcoL وبوينغ تجريان منذ
مدة محادثات مع السلطات السعودية بشأن تزويدها بمقاتلات
جديدة.
واوضحت صحيفة الجارديان البريطانية التي نقلت الخبر،
أن شركة بوينغ زوّدت القوات الجوية الملكية السعودية حتى
الآن بنحو 200 مقاتلة من طراز 51F، وهناك مقترحات أن تنضم
أميركا إلى فرنسا في السعي لتأمين بديل عن مقاتلات يوروفايترز
إذا ألغى السعوديون صفقتهم مع شركة smetsyS EAB البريطانية.
ونقلت الصحيفة عن الخبراء استبعادهم أن تستبدل الرياض
صفقة شراء اليوروفايتر لصالح شركة tluassaD الفرنسية،
التي اعترفت نهاية نوفمبر الماضي أن المحادثات بين الحكومتين
الفرنسية والسعودية لم تحرز تقدماً كبيراً، إذ يعتقد بأن
السعوديين حذرون إزاء الخطوات الفرنسية الإنتهازية لسد
الفجوة ومن موقف الرئيس جاك شيراك الموالي بشكل علني للقضايا
العربية.
وقال أحد المراقبين للصحيفة إنه رغم أن الشركتين الأميركيتين
المذكورتين تجريان محادثات مع المملكة، إلاّ أنه من المستبعد
أن تلجأ إلى إستغلال الأزمة السعودية البريطانية من خلال
إستعراض عضلاتهما على صفقة، مضيفاً (لن تجد مندوبو مبيعات
أميركيين يتجولون في الرياض وجدة في محاولة منهم لاستغلال
هذه القضية).
ودعت المصادر البريطانية حكومة توني بلير إلى إعادة
العلاقات مع السعودية وترميم جسر الثقة مع المملكة حتى
تنجز صفقة يوروفايتر بسلاسة.
وفي سياق متصل، نقلت صحيفة التايمز البريطانية عن مصادر
سعودية رفيعة المستوى تحذريها من أن العلاقات التجارية
بين بريطانيا والسعودية بالإضافة إلى التعاون في الحرب
على الإرهاب يتعرضان للتهديد بسبب تصعيد الأزمة حول التحقيق
الذي يجريه مكتب مكافحة الفساد البريطاني في صفقة اليمامة.
وأكد مصدر سعودي رفيع المستوى للصحيفة أن العائلة المالكة
السعودية شعرت بخيبة الأمل، وهي منزعجة جداً من التسريبات
التي قام بها أشخاص من داخل حكومة بريطانيا، مضيفاً (بدأنا
نشعر أن هناك من يتعمّد إحراج المملكة، وعلى بريطانيا
أن توضح هذا الأمر).
ونسب التقرير للمصادر السعودية بأن الإحراج والإحباط
اللذين يشعران بهما آل سعود بسبب التحقيق هو بشأن ما يقال
من أنه سيهدد ليس فقط صفقة اليوروفايترز التي تقدر بنحو
10 مليارات دولار، وإنما أيضاً الصفقات المربحة مع الشركات
الصناعية وشركات الأسلحة البريطانية.
ونقلت الصحيفة عن أحد رجال الأعمال السعوديين، لم يذكر
أسمه، قوله أن بريطانيا إرتكبت خطأً كبيراً بسبب استعداء
العائلة المالكة التي تسيطر على عقود الدولة، موضحاً بأن
المملكة لا تتخذ القرارات التجارية والدفاعية استناداً
إلى رغبة المساهمين أو الناخبين، مضيفاً أنه شأن عائلي،
وإذا أغضبت بريطانيا عضواً في العائلة، فإنهم ببساطة سيختارون
ممولاً آخر.
وذكر مصدر بوزارة الدفاع البريطانية أن الأزمة الناتجة
عن التحقيق بدأت تفسد العلاقات التجارية والدبلوماسية،
(فصبر السعودية نفد كلياً، وهم يشعرون بأن الحكومة البريطانية
خذلتهم ولم تحترم خصوصياتهم، إن الصفقة والعلاقة مع السعودية
وحتى التعاون في مكافحة الإرهاب باتت جميعا على المحك).
|