الإنفجار المعماري يغيّر معالم المدن المقدّسة
تدنيس المقدّس في مكة
حسن فتّاح
يتوجّه المسلمون خمس مرات في اليوم عبر العالم الى
هذه المدينة للصلاة، حيث بنى النبي إبراهيم بيت الله.
وهو ذات المكان الذي يأمل المسلمون زيارته على الأقل مرة
واحدة في حياتهم.
الآن، وحيث يحدّقون هنا بعين العقل، ويؤدّن الحج بارتداء
ثوب بسيط أبيض من القطن، فإنهم سيرون شيئاً ما آخر غير
المكعب الأسود والقاتم المعروف بـ (الكعبة) الذي يحتل
المكان، كما سيرون (ستاربكس) و(كارتير) و(تيفاني)، و(إتش
إم) و(توب شوب).
مركز أبراج البيت التجاري، هو من أكبر الأسواق التي
تفتح في السعودية، وهو مجّهز بمركز مراقبة، وأضواء كاشفة،
ودراجات التسلية، ومطاعم الوجبات السريعة، ومحلات الملابس
الداخلية، التي بنيت مباشرة في مقابل أقدس مكان في الاسلام.
ليس كل الناس يضعون في الإعتبار ذلك التقدم. يقول علي
الأحمد، مدير معهد شؤون الخليج في واشنطن، وهو مؤسسة بحثية
معارضة سعودية، (مكة تغدو مثل لاس فيجاس، وذلك فادحة..وسيكون
لذلك تأثير كارثي على المسلمين لأن الذهاب الى مكة لن
يكون له إحساس. ليس هناك طلاوة كما ذي قبل. فكل ما تراه
هو زجاج وإسمنت).
المركز التجاري، الذي تم افتتاحه قبل أسبوع من موسم
الحج السنوي في ديسمبر الماضي، هو الأول في الطفرة المعمارية
بقيمة 13 مليار دولار في مكة التي تعد بتغيير وجه المدينة
الممنوعة على أي شخص غير المسلمين.
مجمع الفندق والسكن التابع لأبراج البيت، وهو برج معماري
كبير يعلو فوق مكة، قد بدأ ينطلق الى عنان السماء ويغطي
المدينة الدينية القديمة. وحين يكتمل المشروع في 2009،
فإنه سيشتمل على سابع أطول بناء في العالم، وكما يقول
المهندسون المعماريون، فإنه مزوّد بمستشفى، وفنادق، وصالات
للصلاة. صوت الآذان يصل الى الأسماع من المسجد الحرام،
وبإمكان المصّلين المشاركة مع الحشود في صلاة الجماعة
عن طريق فتح الستاير.
بالقرب من جبل عمر، تم تسطيح كامل الجبل من أجل التمهيد
لإقامة فندق ضخم ومجمع ناطحة السحاب. في مكان آخر، حدّدت
الحافرات معالم ناطحات سحاب مؤلفة من 130 طابقاً في هذه
المنطقة.
(هذه هي نهاية مكة)، بحسب عرفان أحمد في لندن، والذي
أقام مؤسسة التراث الاسلامي في محاولة فحسب للحفاظ على
التاريخ الاسلامي في مكة، والمدينة ومواقع دينية هامة
أخرى في السعودية. ويقول عرفان (من قبل، وحتى في أيام
العثمانيين، لم يكن هناك بنايات في مكة أعلى من المسجد
الحرام. ولكن الآن هذه البنايات أعلى بكثير وقليلة الاحتشام).
المال بالتأكيد هو أحد المحرّكات في الطفرة البنائية.
في كل عام، هناك نحو 4 ملايين إنسان يفدون الى المدينة
خلال الحج، ولا يزال الموج البشري يتدفق خلال العام، ينفقون
معدل 2000 الى 3000 دولار على السكن، والأكل، والتسوّق.
لوحات الاعلان التجاري على طول الطريق الى مكة تذكّر
المستثمرين بالأرباح الكامنة من امتلاك شقة هنا، أي مكة،
ويزعم البعض بأن العائد من الاستثمار يصل الى 25 بالمئة.
كما تذكّر الدعايات على القنوات التلفزيونية الفضائية
المشاهدين بأن (بإمكانهم أيضاً أن يحصلوا على فرصة الاستمتاع
بالمشهد المبارك).
محمد عبّود، وكيل مكتب عقاري والذي كان يبيع مئات من
الوحدات السكنية بالنيابة عن مجموعة بن لادن السعودية،
والتي تدير الأماكن المقدّسة في مكة وعدد من الأملاك،
يروي إشاعات عن تجّار باكستانيين وضعوا 15 مليون دولار
لشراء عدد من الشقق في وقت واحد. ويمتلك الأمراء السعوديون
كل الطوابق.
وقال عبّود، بأن شقة من ثلاث غرف تقدّر بنحو 3 ملايين
دولار. أما الشقة المطّلة بصورة مباشرة على المسجد الحرام
فقد تصل الى 5 ملايين دولار.
عدد من المنتقدين لهذا التوسّع يشكو بأن النتيجة هي
مجمعات سكنية مغلّقة حيث يستطيع المتعبّدون فصل أنفسهم
عن الحشود، وبالتالي مخالفة روح الحج، حيث يقف الجميع
متساويين أمام الله.. يقول عبّود (كل مكة حرم، وعليه كيف
بإمكان شيء ما مثل ذلك لا يتم التهافت عليه).
ولكن بعض الجماعات الاسلامية تقول بأن الطفرة الانشائية
كانت لها أيضاً دوافع دينية. ويتّهمون الحكومة السعودية
بالسماح للمتعصّبين بتدمير المواقع التاريخية، خشية أنها
قد تعبّد من دون الله.
أحمد، من مؤسسة التراث الاسلامي، سجّل تدمير أكثر من
300 مبنى قديم، بما يشمل مقابر ومساجد. ويقول بأن البيت
الذي ولد فيه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قد تم هدمه
من أجل فتح طريق الى المراحيض.
(ليس احتراماً للكعبة، ولا احتراماً لبيت الله او بيئة
الحرم) بحسب سامي عنقاوي، المهندس المعماري السعودي الذي
يريد المحافظة على تراث مكة، في حديثه عن مشروع التوسعة.
ويقول عنقاوي (ليس من المفروض أن تقطع حتى شجرة واحدة
في هذه المدينة).
إن التقدّم قد فرض ثمناً باهظاً على مكة. فقد أزيلت
السوق الليلية الوحيدة المشهورة في مدينة مكة، حيث كان
يجلب الحجاج ملبوسات لبيعها، كما تم تدمير البيوت والمباني
المكية التي كانت تملأ المنطقة القريبة من الحرم في السبعينيات
من أجل توسعة الحرم، حيث أن الجيران والعوائل التي عاشت
بالقرب من المسجد وكانت تستقبل الحجاج بالترحيب قد نزحوا
بعيداً منذ فترة طويلة.
قاد عنقاوي الحملة الوحيدة داخل السعودية لجلب الانتباه
الى تدمير المواقع التاريخية. وعمل أحمد لتعبئة الحكومات
الآسيوية والعربية للضغط على السعوديين لوقف أعمال التدمير
هذه. أما أحمد الآخر، من معهد شؤون الخليج في واشنطن،
فقد أسس قاعدة بيانات بالمواقع التاريخية المدمّرة حالياً.
وقد التزم كثير من المسلمين في داخل وخارج السعودية
الصمت حيال الموضع، خوفاً، حسب قولهم، من وقف التمويل
من السعودية للمؤسسات والمشاريع الدينية.
ويقول المسؤولون السعوديون بأنهم حرصوا في المحافاظة
على التراث الاسلامي الذي يعثروا عليه، وقد أقاموا متحفين
صغيرين في مكة لذلك. وفي المجمل يقولون، تم إنفاق أكثر
من 19 مليار دولار من أجل المحافظة على تراث المسلمين
في البلاد. وينبذون منتقديهم بالنزقين الذين لا أتباع
لهم.
ويقول المعماريون ووكلاء المكاتب العقارية بأن الإعمار
يوفّر متسعاً لمزيد من المسلمين من أجل المشاركة في الحجن
وبالتالي يقدّم خيراً أكبر. وهذا يفيد بأن التغييرات أبعد
ما تكون عن النهاية.
ويقول المهندس المعماري عنقاوي (لم تتغير مكة مطلقاً
كما هي عليه الآن. فما تراه الآن هو 10 بالمئة مما هو
قادم. وما هو قادم هو أسوأ بكثير جداً).
انترناشيونال هيرالد تريبيون، 8/3/2007
|