تقدّم مزعوم في مجال حقوق المرأة
يريدونها طلاءً لوجه الدولة
عمر المالكي
مهما كان شكل التعبير عن حقوق المرأة في هذا البلد،
فإنه لا يعكس تغييراً البته، مهما حاوت الحكومة أن تضفي
طابعاً زخرفياً على تمثّلاتها السياسية والثقافية على
الصعيد الدولي. فالسعودية التي لم تسمح حتى الآن للمرأة
بقيادة السيارة أو التصويت، كيف يمكن أن تقفز خطوة متقدمة
للغاية على صعيد المساواة بين الرجل والمرأة في مجال الحقوق
والواجبات السياسية والاقتصادية والثقافية.
أعلن مسؤولون سعوديون الشهر الفائت بأن المملكة قد
تجاوزت المهلة الزمنية المقررة لها، والبالغة عقداً من
الزمن، لتحقيق مجموعة أهداف الأمم المتحدة التي تشمل المساواة
بين الجنسين. فقد صرّح السفير السعودي في واشنطن عادل
جبير لصحيفة نيويورك صن الأميركية في أواخر أبريل الماضي،
بـ (أننا مجتمع تقليدي) في إجابته عن حقوق المرأة في المملكة.
ويضيف بأن (لدينا قيمنا الخاصة بنا، ونحن نعمل في إطار
هذه القيم، ولكن فيما يتصل بما يمكن للدولة والحكومة القيام
به من أجل تحسين فرص المرأة، فإنني أعتقد بأن المملكة
قامت بخطوات عظيمة على هذا الصعيد).
في وقت سابق، كان قد ألقى وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي
خالد القصيبي كلمة حول أهداف التنمية الألفية للأمم المتحدة،
وهي الأهداف المقررة من قبل برنامج التنمية التابع للأمم
المتحدة والذي يشمل إزالة الفقر، وتطوير التعليم، ومحاربة
الإيدز وأمراض أخرى، وحماية البيئة، وهذه الأهداف معروفة
باختصار (إم دي جي) ويشمل ثمانية أهداف عامة، وإحدى عشر
هدفاً محدداً، و48 مؤشراً للتقييم. ومن المطلوب من الدول
الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة تحقيق الأهداف كافة قبل
نهاية العام 2015.
يقول الوزير القصيبي (نحن ننوي بنهاية العام 2009 إزالة
الفقر من البلاد، وأن المملكة قد حققت تسعاً من أحد عشر
هدفاً محدداً، أي تقريباً قبل عقد من الموعد المقرر) من
نهاية المهلة المحددة من قبل المنظمة الدولية. ويضيف بأن
(السعودية تعمل على تحقيق الهدفين الآخرين، مثل إزالة
النفايات الطبيعية، وتحسين ظروف المناطق المعزولة).
على أية حال، فإن الهدف الثالث من أهداف التنمية العامة
ينص على (تطوير المساواة بين الجنسية وتعزيز دور المرأة)،
بما يشمل المساواة بين الجنسين في مجال التعليم، ومحو
الأمية، وتوزيع الدخل، وتعزيز الدور السياسي للمرأة.
مسؤول كبير في برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة
رفض الكشف عن إسمه أبلغ صحيفة نيويورك صن في نهاية أبريل
الماضي بأن ليس لدى المنظمة (صلاحية التوثيق أو المصادقة)
للقول بأن هذا البلد قد استكمل أهداف التنمية الألفية.
فممثلو المنظمة في كل بلد (يراقبون التقدم بناء في الغالب
على الإحصاءات الوطنية).
وكان عادل الجبير، السفير المحسوب على فريق بندر بن
سلطان، تحدّث الى صحافيي الأمم المتحدة بعد لقاء مع الأمين
العام لهيئة الامم المتحدة بان كي مون لمناقشة العنف في
دارفور والمبادرة العربية للسلام بين الدولة اليهودية
والعرب، قال بأنه (ناقش مع الأمين العام الطرق التي ستقدّم
الجامعة العربية والعالم العربي المبادرة من خلالها)،
ورفض الإسهاب في طبيعة الخطوات القادمة التي ستتخذها اللجنة
العربية المكلّفة بمتابعة سير المبادرة العربية، ولكن
الجبير وعد بأن السعودية ستتحمل مسؤوليتها وستعمل ما بوسعها
من أجل المساعدة في إنهاء معاناة (أخوتنا في السودان)،
ولم يتحدث الجبير عما إذا ستقوم السعودية بالمساهمة في
القوات المقترحة للأمم المتحدة في السودان أو دعم القوات
مالياً.
على أية حال، فإن الجبير الذي حاول أن يقدّم تصريحات
عمومية ومقتضبة حول التقدّم في مجال حقوق المرأة، لم تسعفه
طلاقته باللغة الانجليزية في أن يهرب من مواجهة السؤال
الجوهري المتعلق بالمساواة بين الجنسين. ماذا قال الجبير؟
(معظم الطلاّب في المدارس السعودية هم من النساء). وماذا
أيضاً تخبىء العبقرية الدبلوماسية السعودية، خذوا الثانية:
(لقد قامت المملكة بخطوات عظيمة في مجال محو الأمية على
مستوى الإناث والذكور معاً)، ويضيف (الى الحد الذي لم
يعد هناك سوى اختلاف ضئيل للغاية بينهما).
ويسهب في كلام لا ضريبة عليه بالقول (حين يصل الأمر
بزيادة فرص النساء في مواقع العمل، وزيادة فرص النساء
في المواقع الأخرى، فأعتقد بأن السعودية تحقق تقدماً).
وطالما أن التصريح ليس أكثر من مجرد خلاص من قبضة الحقيقة،
فإن الجبير مأمور بأن يدلي بتصريحات: عمومية، إيجابية،
مفتوحة على تفسيرات متعددة، ويعلو ذلك كله مدح وإشادة
بجهود خادم الحرمين الشريفين والحكومة والدولة.
أما الحقائق الخاصة بأصل الموضوع، والتي تستند على
معطيات رقمية فتقع خارج تخصص السفير الجبير بل وحكومته
الرشيدة. فبناء على تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج
التنمية التابع للأمم المتحدة للعام 2006 فإن معدل التعليم
للبالغين في السعودية فهو 69.3 بالمئة للنساء و87.1 بالمئة
للرجال. وأن الدخل السنوي للرجل يصل الى 22617 دولاراً،
فيما يصل دخل المرأة الى 3486 دولاراً بحسب التقرير. يذكر
التقرير كل هذه الأمور (في السنة التي حصلت فيها النساء
على حق التصويت، وحين سمح لهن بالوقوف في الانتخابات.
فالسعودية التي لم تكن تمنح أياً من هذه الحقوق للمرأة،
تزعم، مع ذلك، بأنها متقدّمة في مجال منح المرأة حقوقها
وتعزيز دورها السياسي). نشير الى معلومة عامة معروفة بأن
عدد النساء في مجلس الشورى يصل الى صفر بالتمام والكمال.
وحين كانت توصي الحكومة السعودية بتعزيز دور المرأة
في مجال العمل والتوظيف، كان تقرير برنامج التنمية للأم
المتحدة حول أهداف التنمية الألفية في السعودية يفيد بأن
(نطاق واختلاف فرص التوظيف بالنسبة للإناث محدد تماماً
ويتركّز بصورة كبيرة في قطاعي تعليم البنات والخدمات الصحية).
إشارة خاطفة فحسب، أن أهداف التنمية التي تساندها الامم
المتحدة لا تشتمل على حق النساء في إختيار نوع الملابس
وقيادة السيارة!!.
موضوعة حقوق المرأة تفتح نافذة على موقع الدونية التي
تحتله في النظام القضائي السعودي، حيث المحاكم الرسمية
تضج بالقضايا التي تعكس حرمان المرأة من حقوقها الأساسية
في التقاضي، والاستعانة بالقوانين التي تصونها من التعديّات
فيما لا شرعة تحميها، ولا قاضٍ ينصت لدعم دعواها. فقد
كان مثيراً للسخرية أن يصدر قاضٍ حكماً بالجلد على إمرأة
رغم ثبوت الجرم على من اعتدى عليها بالخطف والتهديد بالقتل،
ما جعل من هذه الجريمة موضوعاً ليوم المرأة العالمي لهذا
العام والمدعوم من قبل الأمم المتحدة من أجل (إنهاء حصانة
العنف ضد النساء والبنات). ويذكر موقع الامم المتحدة على
شبكة الانترنت بأن لا حصانة للعنف ضد المرأة يبقى القانون
وليس الاستثناء، في أجزاء عديدة من العالم. وهناك طائفة
من المنظمات الحقوقية تطالب باتخاذ إجراء صارم ضد السعودية
من قبل الامم المتحدة لمخالفتها هذا القانون، ويجب أن
تشمل العقوبة إلغاء عضويتها في مجلس حقوق الانسان التابع
للأمم المتحدة، في وقت تطبّق فيه الامم المتحدة قوانينها
على دول أخرى مثل كوبا وقطر وغيرها.
في مجال آخر يتعلق بحقوق المرأة، فإن النساء في هذا
البلد يتعرّضين للتمييز حتى في مجال الزواج من الأجانب،
وتشمل العرب والمسلمين. فحتى لو حصل على تأشيرة السفر
المرواغة، فإن الزوج والاطفال يبقون غير مواطنين، بل ضيوف
في أوطانهم. في المقابل، فإن الرجال هم فقط القادرون على
نقل المواطنة الى زيجاتهم وأولادهم. ويجب القول هنا: لا
علاقة لكل ذلك بالشريعة الاسلامية، ولكن بالعقلية المنغلقة
على الحقوق الاساسية للمرأة.
ومن المعلوم، فإن القانون السعودي يخلق عوائق ثقيلة
بالنسبة لأولئك الذين يرغبون بالزواج من جنسيات أجنبية
ويميّز ضد النساء من خلال منع أزواجهن وأولادهن من الحصول
على الجنسية. وهناك مطلب عبر العالم العربي من أجل حقوق
متساوية في هذه المنطقة بدأ يتنامى، ولكن العملية مازالت
بطيئة حتى الآن.
وتقضي المادة السادسة من التزاوج بحسب القانون بأن
أي سعودي، رجل أم إمرأة، يرغب في الزواج من غير سعودي/غير
سعودية، يجب أن يكون/تكون لها سلوك، وجنسية، ودين مقبول،
باستثناء أولئك الناس الذي ينتمون الى عقائد غير معترف
بها من الشريعة الاسلامية. يضاف الى ذلك، أن الأجنبي ممنوع
من الزواج بإمرأة سعودية بدون الحصول على إذن من وزارة
الداخلية.
إنها بالتأكيد ليست متصّلة بحكم شرعي، بل هي أحكام
متصلة برؤية متخلّفة حول المرأة، ونزعة ذكورية جامحة تجعل
من هذه الأحكام مقررة على النساء. ولذلك، فإن الاجراءات
القانونية أسهل في حال كان الزوج المتقدّم من مواطني دول
مجلس التعاون الخليجي.
لا يقف الأمر عند حد الحصول على إذن مسبق بالزواج،
فحتى بعد أن يحصل الأذن بالزواج والاحتفال، فإن مشاكل
المتزوجين حديثاً لن تنتهي، لأن الجنسية السعودية تمنح
بصورة أتوماتيكية الى الزوجة غير السعودية. ومؤخراً، صادق
مجلس الوزراء السعودي على قانون يقرّ بجنسية المرأة الأجنبية
المتزوجة من رجل سعودي. ولكن يبقى عدم الاعتراف بجنسية
الزوج الأجنبي من إمرأة سعودية أو أبنائهما، الذين يفرض
القانون عليهما الانتظار حتى بلوغ سن الثامنة عشر من أجل
المطالبة بالجنسية السعودية. وتُقدّم الطلبات الى إدارة
الأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية ويتم النظر في
الأمر. وبالنسبة للنساء، فإنهن يمنحن بطاقة تعريف خاصة
تسهّل الاجراءات الرسمية والقانونية الخاصة بهن داخل البلاد،
ولكن لا يمكنهن الحصول على الجنسية السعودية. أما البنات
فيحصلن على الجنسية في حال الزواج فحسب.
بالرغم من كل القيودة الصارمة المفروضة على الزواج
وما يعقبها من إجراءات بالغة التعقيدة بالنسبة للأوضاع
القانونية الخاصة بالمتزوج/المتزوجة، فإن عدد النساء المتزوجات
من غير المواطنين يزداد بمرور الوقت. وتذكر تقارير منشورة
في الصحف المحلية عن حالات النساء اللاتي يدفعن، من أجل
الحصول على تأشيرات دخول لأزواجهن، مبلغاً وقدره 40 ألف
ريال.
ويلحظ المراقبون بأن هذه المشاكل تعود في جذورها الى
العقلية الاجتماعية المغلقة وليس أحكام الشريعة، والتي
تضعها أميره خاشقجي في جملة عوائق منها: المحافظة والانغلاق.
فالنساء، والأخوات، والبنات، والزوجات لا يملكن حرية الاختيار.
إنه المجتمع الذكوري الذي يعكس الحقوق والاختيارات الشخصية
والقانونية للمرأة. فالمرأة السعودية المتزوجة من غير
سعودي مازالت غير مقوبلة في رد فعل طبيعي على مكانة المرأة
في المجتمع.
نشير الى أن ثمة تزايداً في أعداد الأصوات الإحتجاجية
والمطالبة بحقوق متساوية في هذا الحقل، وأهمها منح الجنسية
السعودية للأزواج غير السعوديين والأبناء. وفيما يرتبط
بهذه النقطة، فإن هذه المشكلة تعصف أيضاً بكامل المنطقة
العربية: في مصر، لبنان، المغرب، الاردن، إيران، حيث أن
الرجل يستطيع أن يهب الجنسية لزوجته وأولاده، أما المرأة
فلا يمكنها ذلك. وفي الجزائر، منح القانون مؤخراً للمرأة
حق نقل الجنسية، بينما في مصر وبعد أربع سنوات من المساجلات
القانونية فإن هذا الحق يمكن أن يشمل الاولاد فحسب.
الناشطة الحقوقية وجيهة الحويدر كتبت مقالاً في الثالث
من مايو بعنوان (السعوديون بلا وطن.. لا اسثناءات لتلك
القاعدة) جاء فيه أن: الفئة الأكبر المغيبة وغير المرئية
هي النساء، فغني عن الذكر أن ما يدركه العالم بأسره هو
أن نصف المجتمع السعودي بلا وجود ولا هوية، فالنساء مواطنات
بلا درجة، مواطنات مع وقف التنفيذ، فكيف يمكن لمن ليس
له وطن أن يربي جيلاً على حب وطن، فهل فاقد الشيء يعطيه؟
وتضيف: إذن، القاعدة التي لا استثناءات لها هي: أن
مشاعر اللا وطنية متفشية بشكل واضح بين جميع فئات الشعب
السعودي، لأن الوضع الحالي المرتبك والسياسات القاسية
المتبعة منذ عقود طويلة في جميع مناحي الحياة، جعلت مفهوم
الوطن لدى السعوديين باهتَ الصبغة تماماً، فهو ما زال
مجرد إسم ونشيد وطني وشعارات وقصائد بليدة تـُردد في المحافل
والمناسبات على الناس، وكأنها ألحان خافتة جداً تُعزف
على مسامع حشد من الصم. فهل يا ترى يسمع من به صمم؟
|