الوهابية المعتدلة!
كذبة أكبر من ثقب الأوزون!
الأمير عبد الله بن جلوي، أول أمير للأحساء بعد احتلالها
من قبل ابن سعود، نصح الأخير بأن لا يتبنّى الوهابية،
المتمثلة آنئذ بحركة (الإخوان) وشبهها، كما يذكر المعتمد
السياسي في الكويت هـ. ر. ديكسون، بأنها كالنار في الهشيم،
ولكن ابن سعود مال الى استثمار الإخوان سياسياً وعسكرياً،
فأصبح إمامهم، وصاروا يغزون بإسمه (الكفار) في شتى أنحاء
الجزيرة العربية وحتى خارجها (الأردن والعراق والكويت)
فيقتلون وينهبون ويعززون سلطانهم السياسي. ومع هذا بقي
ابن جلوي على قناعته بأن هؤلاء بمثابة نار ما تلبث أن
تحرق خيام آل سعود. وكان الأمير الوحيد الذي يعاملهم بالحزم
حين يأتون الى مقاطعته، وقد اكتوى فيما بعد بثورتهم، وقتلوا
ابنه!
انقلب الإخوان على إمامهم السعودي، وانقلب الإمام السعودي
عليهم بعد أن حقق أغراضه منهم، حيث احتلوا بالنيابة عنه
الحجاز وشرق الجزيرة العربية وشمالها، وجزءً كبيراً من
جنوبها. انقلبوا، لأنهم أرادوا تصدير نموذجهم الى دول
الجوار، في حين ان الملك اكتفى بما لديه، ورأى ضرورة بناء
دولته وتوطيد حكمه السلالي دون أن يكون لصانعي التاج من
الإخوان الوهابيين نصيب من الثمرة. فكانت معارك الصراع
بين 1928 -1930 عنيفة دموية، وكان أشهرها معركة السبلة،
او القرعة كما يطيب لابن سعود تسميتها.
ولكن النار الوهابية صارت تحت الرماد مرة أخرى، بعد
هزيمة الجيش العقائدي الإخواني، وكادت تتفجر أكثر من مرة
معارك في ذات الإتجاه. ولكن الوهابية تصاعدت في الستينات
من القرن الماضي وأعطيت صلاحيات جديدة، فكان الصدام العنيف
حول تأسيس محطة التلفزيون، ثم جاءت حركة جهيمان الإخوانية
الجديدة، ثم جاءت اضطرابات بداية التسعينيات الميلادية
في أعقاب تواجد نصف مليون جندي أميركي على أرض السعودية،
ولحقها تفجيرات الخبر والرياض، لتتوج بانفجارات سبتمبر
2001 في الولايات المتحدة، وما تلاها من انفجارات متواصلة
حتى اليوم، فضلاً عن نزوح آلاف من الوهابيين للقتال في
كل مكان في الدنيا، كان آخر لبنان مع جماعة فتح الإسلام.
في كل مكان وصلت اليه الوهابية كانت هناك النار. سواء
كانت في أرض إسلامية أو في أرض يتواجد فيها أقليات إسلامية.
فلم يهدأ العالم بسبب تلك النار، حتى أن البوطي وصف الوضع
باستيلاد دين جديد يأتي من نجد ويزرع الأحقاد والعنف في
كل مكان. ولدينا الآن أكثر من مزرعة نار وهابية في الباكستان
وأفغانستان والصومال والجزائر والمغرب والأردن وسوريا
ولبنان والعراق والشيشان وغيرها، فالقائمة تطول.
لكن الوهابية، النار الحارقة لمن يريد استثمارها في
معاركه السياسية الداخلية، صارت هوية لجزء من السكان في
نجد السعودية تعلو هوية الوطن، وبالتالي لا قيمة للوطن،
ولا للحدود، فأصبحت النار تنتقل بسهولة من مكان الى آخر..
ولم يكن أمام الحاكم السعودي الذي يريد مواصلة استثمار
النار لإحراق الآخرين بها، إلا الدفاع عن تلك النار (الهوية)..
كما هو واضح من تصريحات المسؤولين السعوديين، خاصة الأمير
نايف.
بل حتى وزراء نجد، ممن صارت الوهابية هوية لهم راحوا
يدافعون عنها بلا تعقل. فوزير التعليم العالي يصرح لصحيفة
غربية بأن الوهابية عاشت في سلام مع العالم لثلاثة قرون!
كذبة أكبر من حجم ثقب الأوزون!
والوزير غازي القصيبي، حاول الفصل بين بن لادن والوهابية،
في حين أن ابن لادن لا يعدو تلميذاً أميناً لمبادئها.
بل هو أكثر أمانة من المفتي وهيئة كبار العلماء في الإلتصاق
بها!
ولا نعلم حتى الآن، من هو النموذج المعتدل الذي تستطيع
الوهابية وآل سعود تسويقه؟! نعرف كل من لا يعجبهم أنه
يخرج من دائرة الوهابية، ولكن الباقين ضمن الدائرة هم
على نفس الشاكلة وبنفس الفكر والعقلية وبنفس المبادئ،
ولذا صارت الوهابية مزرعة تفريخ للتطرف والإرهاب في كل
أنحاء العالم خاصة في دول الجوار.
قولوا لنا ما هو المعتدل في مبادئ الوهابية، ومن هو
الذي يمثل نموذج تطبيقها الصحيح؟!
هل هو آل الشيخ ـ المفتي؟ أم هو صالح اللحيدان؟ أم
هو أبو الغيث رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
أم هو وزير العدل آل الشيخ، أم وزير الثقافة؟ أم هم الصحويون
من خارج الدائرة الرسمية: سفر الحوالي مثلاً؟ ناصر العمر؟
سلمان العودة وأضرابهم؟!
نحن لا نرى اعتدالاً من هؤلاء، ولا نرى اختلافاً بينهم
جميعاً وبين المتطرفين من جهة المعتقدات والفكر، وإن اختلفوا
في (توقيت) تطبيق تلك الأفكار بالقوة والعنف.
ولا نرى في الوهابية ـ كما تفصح عن ذلك كتب أتباعها
ومنظريها الأوائل واللاحقين ـ أية أفكار معتدلة، يمكن
أن يُبنى عليها مبدأ المواطنة، أو مبدأ التسامح والقبول
بالتعدد. بل أن الوهابية ـ كرة اللهب ـ تحرق الأخضر واليابس،
من يدعمها ومن يقف ضدّها. هي هكذا كانت، وستبقى. ستبقى
الوهابية ناراً تهزّ السعودية كدولة ومجتمع لعقود قادمة،
ولربما كان عمر الوهابية من عمر الدولة السعودية نفسها،
وفي هذا فمصير الإثنين مشترك كما يعتقد آل سعود أو بعضهم
على الأقل.
|